فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب القائلة بعد الجمعة

( قَولُهُ بَابُ الْقَائِلَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ)
أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَحَدِيثَ سَهْلٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَ كِتَابُ الْجُمُعَةِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى تِسْعَةٍ وَسَبْعِينَ حَدِيثًا الْمَوْصُولُ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ حَدِيثًا وَالْمُعَلَّقُ وَالْمُتَابَعَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ حَدِيثًا الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهَا وَفِيمَا مَضَى سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ حَدِيثًا وَالْخَالِصُ ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ حَدِيثًا كُلُّهَا مَوْصُولَةٌ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ على تخريجها إِلَّا حَدِيث سلمَان فِي الِاغْتِسَالِ وَالدَّهْنِ وَالطِّيبِ وَحَدِيثُ عُمَرَ وَامْرَأَةِ عُمَرَ فِي النَّهْيِ عَنْ مَنْعِ النِّسَاءِ الْمَسَاجِدَ وَحَدِيثُ أَنَسٍ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ وَحَدِيثُهُ فِي الْقَائِلَةِ بَعْدَهَا وَحَدِيثُهُ كَانَ إِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ وَحَدِيثُ أَبِي عَبْسٍ مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ وَحَدِيثُ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ فِي النِّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحَدِيثُ أَنَسٍ فِي الْجِذْعِ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ إِنِّي أكل أَقْوَامًا وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْإِنْصَاتِ وَحَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْأَخِيرُ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ وَالْقَائِلَةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَرْبَعَة عشر أثرا.


( .

     قَوْلُهُ  أَبْوَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ)

ثَبَتَ لَفْظُ أَبْوَابٍ لِلْمُسْتَمْلِي وَأَبِي الْوَقْتِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ بَابٌ بِالْإِفْرَادِ وَسَقَطَ لِلْبَاقِينَ .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ ثَبَتَ سِيَاقُ الْآيَتَيْنِ بِلَفْظِهِمَا إِلَى قَوْلِهِ مَهِينًا فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَاقْتَصَرَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ عَلَى مَا هُنَا.

     وَقَالَ  إِلَى قَوْلِهِ عَذَابًا مهينا.
وَأَمَّا أَبُو ذَرٍّ فَسَاقَ الْأُولَى بِتَمَامِهَا وَمِنَ الثَّانِيَةِ إِلَى قَوْلِهِ مَعَكَ ثُمَّ قَالَ إِلَى قَوْله عذَابا مهينا قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ ذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ إثْرَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُمَا مِنْ جُمْلَةِ الْخَمْسِ لَكِنْ خَرَجَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ قِيَاسِ حُكْمِ بَاقِي الصَّلَوَاتِ وَلَمَّا كَانَ خُرُوجُ الْجُمُعَةِ أَخَفَّ قَدَّمَهُ تِلْوَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَعَقَّبَهُ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ لِكَثْرَةِ الْمُخَالَفَةِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَسَاقَ الْآيَتَيْنِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ مُشِيرًا إِلَى أَنَّ خُرُوجَ صَلَاةِ الْخَوْفِ عَنْ هَيْئَةِ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ قَوْلًا وَبِالسُّنَّةِ فِعْلًا انْتَهَى مُلَخَّصًا وَلَمَّا كَانَتِ الْآيَتَانِ قَدِ اشْتَمَلَتَا عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقَصْرِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَعَلَى كَيْفِيَّتِهَا ساقهما مَعًا وآثر تَخْرِيج حَدِيث بن عُمَرَ لِقُوَّةِ شَبَهِ الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِيهِ بِالْآيَةِ وَمعنى قَوْله تَعَالَى وَإِذا ضَرَبْتُمْ أَيْ سَافَرْتُمْ وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْقَصْرَ مُخْتَصٌّ بِالسَّفَرِ وَهُوَ كَذَلِك وَأما قَوْله إِن خِفْتُمْ فَمَفْهُومُهُ اخْتِصَاصُ الْقَصْرِ بِالْخَوْفِ أَيْضًا وَقَدْ سَأَلَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ الصَّحَابِيُّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَثَبَتَ الْقَصْرُ فِي الْأَمْنِ بِبَيَانِ السُّنَّةِ وَاخْتُلِفَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي الْحَضَرِ فَمَنعه بن الْمَاجِشُونِ أَخْذًا بِالْمَفْهُومِ أَيْضًا وَأَجَازَهُ الْبَاقُونَ.
وَأَمَّا قَوْله وَإِذا كنت فيهم فَقَدْ أَخَذَ بِمَفْهُومِهِ أَبُو يُوسُفَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيُّ مِنْ أَصْحَابِهِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عُلَيَّةَ وَحُكِيَ عَنِ الْمُزَنِيِّ صَاحِبِ الشَّافِعِيِّ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَعُمُومُ مَنْطُوقِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى ذَلِك الْمَفْهُوم.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ شَرْطُ كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ إِنَّمَا وَرَدَ لِبَيَانِ الْحُكْمِ لَا لِوُجُودِهِ وَالتَّقْدِيرُ بَيَّنْ لَهُمْ بِفِعْلِكَ لِكَوْنِهِ أَوْضَحَ مِنَ الْقَوْلِ ثُمَّ إِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ عُذْرٍ طَرَأَ عَلَى الْعِبَادَةِ فَهُوَ عَلَى التَّسَاوِي كَالْقَصْرِ وَالْكَيْفِيَّةُ وَرَدَتْ لِبَيَانِ الْحَذَرِ مِنَ الْعَدُوِّ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ بِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ.

     وَقَالَ  الزين بن الْمُنِيرُ الشَّرْطُ إِذَا خَرَجَ مَخْرَجِ التَّعْلِيمِ لَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ كَالْخَوْفِ فِي قولِهِ تَعَالَى أَن تقصرُوا من الصَّلَاة إِن خِفْتُمْ.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيُّ كَانَ أَبُو يُوسُفَ قَدْ قَالَ مَرَّةً لَا تُصَلَّى صَلَاةُ الْخَوْفِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَعَمَ أَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا صَلَّوْهَا مَعَهُ لِفَضْلِ الصَّلَاةِ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَدْ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ يَعِيبُهُ وَيَقُولُ إِنَّ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنَ الصَّلَاةِ مَعَ النَّاسِ جَمِيعًا إِلَّا أَنَّهُ يَقْطَعُهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ خَلْفَ غَيْرِهِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي سَبَبُ النُّزُولِ وَبَيَانُ أَوَّلِ صَلَاةٍ صُلِّيَتْ فِي الْخَوْفِ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى



[ قــ :914 ... غــ :942] .

     قَوْلُهُ  عَنِ الزُّهْرِيِّ سَأَلْتُهُ الْقَائِلُ هُوَ شُعَيْبٌ وَالْمَسْئُولُ هُوَ الزُّهْرِيُّ وَهُوَ الْقَائِلُ أَخْبَرَنِي سَالم أَي بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَوَقَعَ بِخَطِّ بَعْضِ مَنْ نَسَخَ الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَأَلْتُهُ فَأَثْبَتَ قَالَ ظَنًّا أَنَّهَا حُذِفَتْ خَطَأً عَلَى الْعَادَةِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَيَكُونُ حُذِفَ فَاعِلُ قَالَ لَا أَنَّ الزُّهْرِيَّ هُوَ الَّذِي قَالَ وَالْمُتَّجَهُ حَذْفُهَا وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةً أَيْ أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ حَالَ سُؤَالِي إِيَّاهُ وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ عَنْ شُعَيْبٍ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ وَأَخْرَجَهُ السَّرَّاجُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَزَادَ فِيهِ وَلَفْظُهُ سَأَلْتُهُ هَلْ صَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ أَمْ لَا وَكَيْفَ صَلَّاهَا إِنْ كَانَ صَلَّاهَا وَفِي أَيِّ مَغَازِيهِ كَانَ ذَلِكَ فَأَفَادَ بَيَانَ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَهُوَ صَلَاةُ الْخَوْفِ .

     قَوْلُهُ  غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ جِهَةَ نَجْدٍ وَنَجْدٌ كُلُّ مَا ارْتَفَعَ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذِهِ الْغَزْوَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنَ الْمَغَازِي .

     قَوْلُهُ  فَوَازَيْنَا بِالزَّايِ أَيْ قَابَلْنَا قَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ يُقَالُ آزَيْتُ يَعْنِي بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ لَا بِالْوَاوِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَصْلَهُ الْهَمْزَةُ فَقُلِبَتْ وَاوًا .

     قَوْلُهُ  فَصَافَفْنَاهُمْ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ فَصَافَفْنَا لَهُمْ وَقَوْلِهِ فَصَلَّى لَنَا أَيْ لِأَجْلِنَا أَوْ بِنَا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ أَيْ فَقَامُوا فِي مَكَانِهِمْ وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ بَقِيَّةَ الْمَذْكُورَةِ وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ عَن بن عُمَرَ ثُمَّ اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَّلُوا وَلَا يُسَلِّمُونَ وَسَيَأْتِي عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّفْسِيرِ .

     قَوْلُهُ  رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَن بن جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلَ نِصْفِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَفِي قَوْلِهِ مِثْلَ نِصْفِ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتْ غَيْرَ الصُّبْحِ فَعَلَى هَذَا فَهِيَ رُبَاعِيَّةٌ وَسَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتِ الْعَصْرَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّكْعَةَ الْمَقْضِيَّةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الْقِرَاءَةِ لِكُلٍّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ خِلَافًا لِمَنْ أَجَازَ لِلثَّانِيَةِ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ .

     قَوْلُهُ  فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ لَمْ تَخْتَلِفِ الطّرق عَن بن عُمَرَ فِي هَذَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ أَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَتَمُّوا عَلَى التَّعَاقُبِ وَهُوَ الرَّاجِحُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَإِلَّا فَيَسْتَلْزِمُ تَضْيِيعَ الْحِرَاسَةِ الْمَطْلُوبَةِ وَإِفْرَادَ الْإِمَامِ وَحْدَهُ وَيُرَجِّحُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ من حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَلَفْظُهُ ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ هَؤُلَاءِ أَيِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَقَضَوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا ثُمَّ ذَهَبُوا وَرَجَعَ أُولَئِكَ إِلَى مَقَامِهِمْ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا اه وَظَاهِرُهُ أَنَّ الطَّائِفَة الثَّانِيَة والت بَيْنَ رَكْعَتَيْهَا ثُمَّ أَتَمَّتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى بَعْدَهَا وَوَقَعَ فِي الرَّافِعِيِّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْه أَن فِي حَدِيث بن عُمَرَ هَذَا أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ تَأَخَّرَتْ وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَأَتَمُّوا رَكْعَةً ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَعَادَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَأَتَمُّوا وَلَمْ نَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ وَبِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ أَخَذَ الْحَنَفِيَّة وَاخْتَارَ الْكَيْفِيَّة الَّتِي فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَشْهَبُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ طَائِفَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِوَاءُ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْعَدَدِ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الَّتِي تَحْرُسُ يَحْصُلُ الثِّقَةُ بِهَا فِي ذَلِكَ وَالطَّائِفَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ حَتَّى عَلَى الْوَاحِدِ فَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً وَوَقَعَ لَهُمْ الْخَوْفُ جَازَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُصَلِّيَ بِوَاحِدٍ وَيَحْرُسَ وَاحِدٌ ثُمَّ يُصَلِّيَ الْآخَرُ وَهُوَ أَقَلُّ مَا يُتَصَوَّرُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ جَمَاعَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَقَلِّ الْجَمَاعَةِ مُطْلَقًا لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ طَائِفَةٍ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ أَعَادَ عَلَيْهِمْ ضَمِيرَ الْجَمْعِ بِقَوْلِهِ أَسْلِحَتَهُمْ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى عِظَمِ أَمْرِ الْجَمَاعَةِ بَلْ عَلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِوُجُوبِهَا لِارْتِكَابِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ لَا تُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا وَلَوْ صَلَّى كُلُّ امْرِئٍ مُنْفَرِدًا لَمْ يَقَعْ الِاحْتِيَاجُ إِلَى مُعْظَمِ ذَلِكَ وَقَدْ وَرَدَ فِي كَيْفيَّة صَلَاة الْخَوْف صِفَات كَثِيرَة وَرجح بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ الْوَارِدَةَ فِي حَدِيثِ بن عُمَرَ عَلَى غَيْرِهَا لِقُوَّةِ الْإِسْنَادِ لِمُوَافَقَةِ الْأُصُولِ فِي أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُتِمُّ صِلَاتَهُ قَبْلَ سَلَامِ إِمَامِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ قَالَ ثَبَتَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ سِتَّةُ أَحَادِيثَ أَوْ سَبْعَةٌ أَيُّهَا فَعَلَ الْمَرْءُ جَازَ وَمَالَ إِلَى تَرْجِيحِ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ الْآتِي فِي الْمَغَازِي وَكَذَا رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَخْتَرْ إِسْحَاقُ شَيْئًا عَلَى شَيْءٍ وَبِهِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُم بن الْمُنْذر وسرد ثَمَانِيَة أوجه وَكَذَا بن حبَان فِي صَحِيحه وَزَاد تاسعا.

     وَقَالَ  بن حَزْمٍ صَحَّ فِيهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْهًا وَبَيَّنَهَا فِي جُزْء مُفْرد.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ جَاءَ فِيهَا رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ أَصَحُّهَا سِتَّةَ عَشَرَ رِوَايَةً مُخْتَلِفَةً وَلَمْ يُبَيِّنْهَا.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ نَحْوَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُبَيِّنْهَا أَيْضًا وَقَدْ بَيَّنَهَا شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَزَادَ وَجْهًا آخَرَ فَصَارَتْ سَبْعَةَ عَشَرَ وَجْهًا لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ تَتَدَاخَلَ قَالَ صَاحِبُ الْهُدَى أُصُولُهَا سِتُّ صِفَاتٍ وَبَلَغَهَا بَعْضُهُمْ أَكْثَرُ وَهَؤُلَاءِ كُلَّمَا رَأَوُا اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي قِصَّةٍ جَعَلُوا ذَلِكَ وَجْهًا مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنِ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ اه وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ شَيْخُنَا بِقَوْلِهِ يُمْكِنُ تَدَاخُلُهَا وَحكى بن الْقَصَّارِ الْمَالِكِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم صلاهَا عشر مَرَّات.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ صَلَّاهَا أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ صَلَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيَّامٍ مُخْتَلِفَةٍ بِأَشْكَالٍ مُتَبَايِنَةٍ يَتَحَرَّى فِيهَا مَا هُوَ الْأَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ وَالْأَبْلَغُ لِلْحِرَاسَةِ فَهِيَ عَلَى اخْتِلَافِ صُوَرِهَا مُتَّفِقَةُ الْمَعْنَى اه وَفِي كُتُبِ الْفِقْهِ تَفَاصِيلُ لَهَا كَثِيرَةٌ وَفُرُوعٌ لَا يَتَحَمَّلُ هَذَا الشَّرْح بسطها وَالله الْمُسْتَعَان