فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين

( قَوْله بَاب صَدَقَة الْفطر على العَبْد وَغَيره مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَرَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ وَإِنْ كَانَ سَيِّدُهُ يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ وَيُؤَيِّدُهُ عَطْفُ الصَّغِيرِ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي يُخْرِجُهَا غَيْرُهُ .

     قَوْلُهُ  مِنَ الْمُسلمين قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ إِلَّا أَنَّ قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ بِدُونِهَا وَأَطْلَقَ أَبُو قلَابَة الرقاشِي وَمُحَمّد بن وضاح وبن الصَّلَاحِ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِهَا دُونَ أَصْحَابِ نَافِعٍ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ بِرِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ.

     وَقَالَ  أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ لَمْ يَقُلْ فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ مَالِكٍ وَالضَّحَّاكِ وَرِوَايَةُ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ تَرُدُّ عَلَيْهِ أَيْضًا.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَعُمَرَ بْنِ نَافِعٍ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ فَقَالَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ فَقَالَ فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمَشْهُورُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ لَيْسَ فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَذْكُورَة وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وبن الْجَارُودِ طَرِيقَ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ بَعْدَ رِوَايَةِ مَالِكٍ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ نَافِعٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

     وَقَالَ  فِي الْعِلَلِ الَّتِي فِي آخِرِ الْجَامِعِ رَوَى أَيُّوبُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ نَافِعٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ نَافِعٍ مِثْلَ رِوَايَةِ مَالِكٍ مِمَّنْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى حِفْظِهِ انْتَهَى وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَوْلَى مِنْ عِبَارَتِهِ الْأُولَى وَلَكِنْ لَا يُدْرَى مَنْ عَنَى بِذَلِكَ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ رَوَاهُ ثِقَتَانِ غَيْرُ مَالِكٍ عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ وَالضَّحَّاكُ انْتَهَى وَقَدْ وَقَعَ لَنَا مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ غَيْرِهِمَا مِنْهُمْ كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِمِ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عِنْد الطَّحَاوِيّ والمعلى بن إِسْمَاعِيل عِنْد بن حبَان فِي صَحِيحه وبن أَبِي لَيْلَى عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن بن أَبِي لَيْلَى وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ وَهَذِهِ الطَّرِيقُ تَرُدُّ عَلَى أَبِي دَاوُدَ فِي إِشَارَتِهِ إِلَى أَنَّ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَفَرَّدَ بِهَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ رُوَاته حمل لفظ بن أَبِي لَيْلَى عَلَى لَفْظِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَيُّوبَ أَيْضًا كَمَا اخْتُلِفَ على عبيد الله بن عمر فَذكر بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ خَالِدٍ ذَكَرَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ عَنْ يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَيُّوبَ فَذكر فِيهِ من الْمُسلمين قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ خَطَأٌ وَالْمَحْفُوظُ فِيهِ عَنْ أَيُّوبَ لَيْسَ فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى وَقَدْ أخرجه بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبٍ عَنْ أَيُّوبَ.

     وَقَالَ  فِيهِ أَيْضًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَذَكَرَ شَيْخُنَا سِرَاجُ الدِّينِ بْنُ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِهِ تَبَعًا لِمُغَلْطَايْ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ وَفِيهِ الزِّيَادَةُ وَقَدْ تَتَبَّعْتُ تَصَانِيفَ الْبَيْهَقِيِّ فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَفِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ فِيمَنْ رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَحَدٌ مِثْلَ مَالِكٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّفِقْ عَلَى أَيُّوبَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ فِي زِيَادَتِهَا وَلَيْسَ فِي الْبَاقِينَ مِثْلُ يُونُسَ لَكِنْ فِي الرَّاوِي عَنْهُ وَهُوَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ مَقَالٌ وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَلْ يُخْرِجُهَا عَنْ غَيْرِهِ كمستولدته الْمسلمَة مثلا نقل بن الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لَكِنْ فِيهِ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَهَلْ يُخْرِجُهَا الْمُسْلِمُ عَنْ عَبْدِهِ الْكَافِرِ قَالَ الْجُمْهُورُ لَا خِلَافًا لِعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَنَفِيَّةِ وَإِسْحَاقَ وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ صَدَقَةٌ إِلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَأَجَابَ الْآخَرُونَ بِأَنَّ الْخَاصَّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ فَعُمُومُ قَوْلِهِ فِي عَبْدِهِ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيُّ .

     قَوْلُهُ  مِنَ الْمُسْلِمِينَ صِفَةٌ لِلْمُخْرِجِينَ لَا لِلْمُخْرَجِ عَنْهُمْ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَأْبَاهُ لِأَنَّ فِيهِ الْعَبْدَ وَكَذَا الصَّغِيرُ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ وَهُمَا مِمَّنْ يُخْرَجُ عَنْهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ صِفَةَ الْإِسْلَامِ لَا تَخْتَصُّ بِالْمُخْرِجِينَ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الضَّحَّاكِ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَصَدَ بَيَانَ مِقْدَارِ الصَّدَقَةِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْصِدْ فِيهِ بَيَانَ مَنْ يُخْرِجُهَا عَنْ نَفْسِهِ مِمَّنْ يُخْرِجُهَا عَنْ غَيْرِهِ بَلْ شَمَلَ الْجَمِيعَ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْرِجُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَعَنْ غَيْرِهِمْ لِقَوْلِهِ فِيهِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُخْرِجِ وَبَيْنَ الْغَيْرِ مُلَابَسَةٌ كَمَا بَيْنَ الصَّغِيرِ وَوَلِيِّهِ وَالْعَبْدِ وَسَيِّدِهِ وَالْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ .

     قَوْلُهُ  مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَالٌ مِنَ الْعَبْدِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَتَنْزِيلُهَا عَلَى الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ أَنَّهَا جَاءَتْ مُزْدَوَجَةً عَلَى التَّضَادِّ لِلِاسْتِيعَابِ لَا لِلتَّخْصِيصِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى فُرِضَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا كَوْنُهَا فِيمَ وَجَبَتْ وَعَلَى مَنْ وَجَبَتْ فَيُعْلَمُ مِنْ نُصُوصٍ أُخْرَى انْتهى وَنقل بن الْمُنْذِرِ أَنَّ بَعْضَهُمُ احْتَجَّ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيث بن إِسْحَاق حَدثنِي نَافِع أَن بن عُمَرَ كَانَ يُخْرِجُ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ حُرِّهِمْ وَعَبْدِهِمْ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ مُسْلِمِهِمْ وَكَافِرِهِمْ مِنَ الرَّقِيقِ قَالَ وبن عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ وَقَدْ كَانَ يُخْرِجُ عَنْ عَبْدِهِ الْكَافِرِ وَهُوَ أَعْرَفُ بِمُرَادِ الْحَدِيثِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ عَنْهُمْ تَطَوُّعًا وَلَا مَانِعَ مِنْهُ وَاسْتُدِلَّ بِعُمُومِ



[ قــ :1444 ... غــ :1504] قَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَنَاوُلِهَا لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ خِلَافًا لِلزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تَخْتَصُّ بِالْحَاضِرَةِ وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّةَ مَا يَتَعَلَّقُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ عَنِ الْعَبِيدِ فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى