فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب فضل مكة وبنيانها

( قَولُهُ بَابُ فَضْلِ مَكَّةَ وَبُنْيَانِهَا وَقَولُهُ تَعَالَى وَإِذ جعلنَا الْبَيْت مثابة للنَّاس وَأمنا)
فَسَاقَ الْآيَاتِ إِلَى قَوْلِهِ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ كَذَا فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَسَاقَ الْبَاقُونَ بَعْضَ الْآيَةِ الْأُولَى وَلِأَبِي ذَرٍّ كُلَّهَا ثُمَّ قَالَ إِلَى قَوْلِهِ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ثُمَّ سَاقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَ جَابِرٍ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ وَحَدِيثَ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ مِنْ أَرْبَعَةِ طُرُقٍ وَلَيْسَ فِي الْآيَاتِ وَلَا الْحَدِيثِ ذِكْرٌ لِبُنْيَانِ مَكَّةَ لَكِنْ بُنْيَانُ الْكَعْبَةِ كَانَ سَبَبَ بُنْيَانِ مَكَّةَ وَعِمَارَتِهَا فَاكْتَفَى بِهِ وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ بَنَى الْكَعْبَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ وَكَذَا قِصَّةُ بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ لَهَا يَأْتِي فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَيَقْتَصِرُ هُنَا عَلَى قِصَّةِ بِنَاءِ قُرَيْشٍ لَهَا وعَلى قصَّة بِنَاء بن الزُّبَيْرِ وَمَا غَيَّرَهُ الْحَجَّاجُ بَعْدَهُ لِتَعَلُّقِ ذَلِكَ بِحَدِيثَيِ الْبَابِ وَالْبَيْتُ اسْمٌ غَالِبٌ لِلْكَعْبَةِ كَالنَّجْمِ لِلثُّرَيَّا وَقَولُهُ تَعَالَى مَثَابَةً أَيْ مَرْجِعًا لِلْحُجَّاجِ وَالْعُمَّارِ يَتَفَرَّقُونَ عَنْهُ ثُمَّ يَعُودُونَ إِلَيْهِ رَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ يَحُجُّونَ ثُمَّ يَعُودُونَ وَهُوَ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ الْمَوْضِعَ وَقَولُهُ وَأَمْنًا أَيْ مَوْضِعُ أَمْنٍ وَهُوَ كَقَوْلِهِ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمنا وَالْمُرَادُ تَرْكُ الْقِتَالِ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ وَقَوله وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى أَيْ وَقُلْنَا اتَّخَذُوا مِنْهُ مَوْضِعَ صَلَاةٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ أَوْ على معنى مثابة أَي ثوبوا إِلَيْهِ وَاتَّخذُوا وَالْأَمر فِيهِ للإستحباب بالِاتِّفَاقِ وَقَرَأَ نَافِع وبن عَامِرٍ وَاتَّخَذُوا بِلَفْظِ الْمَاضِي عَطْفًا عَلَى جَعَلْنَا أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ إِذْ أَيْ وإِذْ جَعَلْنَا وَإِذِ اتَّخَذُوا وَمَقَامُ إِبْرَاهِيمَ الْحِجْرُ الَّذِي فِيهِ أَثَرُ قَدَمَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَعَنْ عَطَاءٍ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ عَرَفَةُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْمَنَاسِكِ لِأَنَّهُ قَامَ فِيهَا وَدَعَا وَعَنِ النَّخَعِيِّ الْحَرَمُ كُلُّهُ وَكَذَا رَوَاهُ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَولُهُ وَالرُّكَّعِ السُّجُود اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ دَاخِلَ الْبَيْتِ وَخَالَفَ مَالِكٌ فِي الْفَرْضِ .

     قَوْلُهُ  اجْعَل هَذَا بَلَدا آمنا يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَأَنَّهُ لَا يُعَارِضُ حَدِيثَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا الْبَلَدَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَوَّلِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ أَعْلَمَ النَّاسَ بِذَلِكَ وَالثَّانِي مَا سَبَقَ مِنْ تَقْدِيرِ اللَّهِ وَقَولُهُ مَنْ آمَنَ بَدَلٌ مِنْ أَهْلِهِ أَيْ وَارْزُقِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِهِ خَاصَّةً وَمَنْ كَفَرَ عَطْفَ عَلَى مَنْ آمَنَ قِيلَ قَاسَ إِبْرَاهِيمُ الرِّزْقَ عَلَى الْإِمَامَةِ فَعَرَفَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَإِنَّ الرِّزْقَ قَدْ يَكُونُ اسْتِدْرَاجًا وَإِلْزَامًا لِلْحُجَّةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْقَوَاعِدِ فِي تَفْسِيرِ الْبَقَرَةِ وَأَنَّهَا الْأَسَاسُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالرَّفْعِ نَقْلَهَا مِنْ مَكَانِهَا إِلَى مَكَانِ الْبَيْتِ كَمَا سَيَأْتِي عِنْدَ نَقْلِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَولُهُ رَبنَا تقبل منا أَيْ يَقُولَانِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا وقَدْ أَظْهَرَهُ بن مَسْعُودٍ فِي قِرَاءَتِهِ .

     قَوْلُهُ  وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ مِنَ الْبَيْتِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَأَرَاهُ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا قَالَ وَأَحْسِبُهُ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَتَى بِهِ عَرَفَةَ فَقَالَ أَعَرَفْتَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَتْ عَرَفَات ثمَّ أَتَى بِهِ جمعا فَقَالَ هَا هُنَا يَجْمَعُ النَّاسُ الصَّلَاةَ ثُمَّ أَتَى بِهِ مِنًى فَعَرَضَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ فَأَخَذَ جِبْرِيلُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ فَقَالَ ارْمِهِ بِهَا وَكَبِّرْ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ .

     قَوْلُهُ  وَتُبْ عَلَيْنَا قِيلَ طَلَبَا الثَّبَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ لِأَنَّهُمَا مَعْصُومَانِ وَقِيلَ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ النَّاسُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ مَكَانُ التَّوْبَةِ وَقِيلَ الْمَعْنَى وَتُبْ عَلَى مَنِ اتَّبَعَنَا .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْجُعْفِيُّ وَهَذَا أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيلِ بِوَاسِطَةٍ .

     قَوْلُهُ 



[ قــ :1517 ... غــ :1582] لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ هَذَا مِنْ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ لِأَنَّ جَابِرًا لَمْ يُدْرِكْ هَذِهِ الْقِصَّةَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِمَّنْ حَضَرَهَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ بن لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ سَأَلْتُ جَابِرًا هَلْ يَقُومُ الرَّجُلُ عُرْيَانًا فَقَالَ أَخْبَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا انْهَدَمَتِ الْكَعْبَةُ نَقَلَ كُلُّ بَطْنٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقَلَ مَعَ الْعَبَّاسِ وَكَانُوا يَضَعُونَ ثِيَابَهُمْ عَلَى الْعَوَاتِقِ يَتَقَوَّوْنَ بِهَا أَيْ عَلَى حَمْلِ الْحِجَارَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَقَلَتْ رِجْلِي فَخَرَرْتُ وَسَقَطَ ثَوْبِي فَقُلْتُ لِلْعَبَّاسِ هَلُمَّ ثَوْبِي فَلَسْتُ أتعرى بعْدهَا إِلَّا إِلَى الْغسْل لَكِن بن لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ وَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا وَإِلَّا فَقَدْ حَضَرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْعَبَّاسُ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَلَعَلَّ جَابِرًا حَمَلَهُ عَنْهُ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ وَالطَّبَرِيُّ فِي التَّهْذِيبِ مِنْ طَرِيقِ هَارُونَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ وَفِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ خَالِدٍ كُلُّهُمْ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ لَمَّا بَنَتْ قُرَيْشٌ الْكَعْبَةَ انْفَرَدَتْ رَجُلَيْنِ رجلَيْنِ ينقلون الْحِجَارَة فَكنت أَنا وبن أخي فَجعلنَا نَأْخُذُ أُزُرَنَا فَنَضَعُهَا عَلَى مَنَاكِبِنَا وَنَجْعَلَ عَلَيْهَا الْحِجَارَةَ فَإِذَا دَنَوْنَا مِنَ النَّاسِ لَبِسْنَا أُزُرَنَا فَبَيْنَمَا هُوَ أَمَامِي إِذْ صُرِعَ فَسَعَيْتُ وَهُوَ شَاخِصٌ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ قَالَ فَقُلْتُ لِابْنِ أَخِي مَا شَأْنُكَ قَالَ نُهِيتُ أَنْ أَمْشِيَ عُرْيَانًا قَالَ فَكَتَمْتُهُ حَتَّى أَظْهَرَ اللَّهُ نُبُوَّتَهُ تَابَعَهُ الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ أَيْضًا وَرَوَى ذَلِكَ أَيْضًا منْ طَرِيقِ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ لَيْسَ فِيهِ الْعَبَّاسُ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ رَأَى مِنَ النُّبُوَّةِ وَالنَّضْرُ ضَعِيفٌ وَقَدْ خَبَطَ فِي إِسْنَادِهِ وَفِي مَتْنِهِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْقِصَّةَ فِي مُعَالَجَةِ زَمْزَمَ بِأَمْرِ أبي طَالب وَهُوَ غُلَام وَكَذَا روى بن إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ عَنْ أَبِيهِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِّي لَمَعَ غِلْمَانٍ هُمْ أَسْنَانِي قَدْ جَعَلْنَا أُزُرَنَا عَلَى أَعْنَاقِنَا لِحِجَارَةٍ نَنْقُلُهَا إِذْ لَكَمَنِي لَاكِمٌ لَكَمَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ اشْدُدْ عَلَيْكَ إِزَارَكَ فَكَأَنَّ هَذِهِ قِصَّةٌ أُخْرَى وَاغْتَرَّ بِذَلِكَ الْأَزْرَقِيُّ فَحَكَى قَوْلًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ كَانَ غُلَامًا وَلَعَلَّ عُمْدَتَهُ فِي ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلِحَدِيثِ مَعْمَرٍ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَمِنْ طَرِيقِهِ الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيِّ قَالَ كَانَتِ الْكَعْبَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَبْنِيَّةٌ بِالرَّضْمِ لَيْسَ فِيهَا مَدَرٌ وَكَانَتْ قَدْرَ مَا يَقْتَحِمُهَا الْعَنَاقُ وَكَانَتْ ثِيَابُهَا تُوضَعُ عَلَيْهَا تُسْدَلُ سَدْلًا وَكَانَتْ ذَاتَ رُكْنَيْنِ كَهَيْئَةِ هَذِه الْحلقَة هنك رسمه فَأَقْبَلَتْ سَفِينَةٌ مِنَ الرُّومِ حَتَّى إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْ جَدَّةَ انْكَسَرَتْ فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ لِتَأْخُذَ خَشَبَهَا فَوَجَدُوا الرُّومِيَّ الَّذِي فِيهَا نَجَّارًا فَقَدِمُوا بِهِ وبالخشب ليبنوا بِهِ الْبَيْت فَكَانُوا كُلَّمَا أَرَادُوا الْقُرْبَ مِنْهُ لِهَدْمِهِ بَدَتْ لَهُمْ حَيَّةٌ فَاتِحَةٌ فَاهَا فَبَعَثَ اللَّهُ طَيْرًا أَعْظَمَ مِنَ النَّسْرِ فَغَرَزَ مَخَالِبَهُ فِيهَا فَأَلْقَاهَا نَحْوَ أَجْيَادٍ فَهَدَمَتْ قُرَيْشٌ الْكَعْبَةَ وَبَنَوْهَا بِحِجَارَةِ الْوَادِي فَرَفَعُوهَا فِي السَّمَاءِ عِشْرِينَ ذِرَاعًا فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُ الْحِجَارَةَ مِنْ أَجْيَادٍ وَعَلَيْهِ نَمِرَةٌ فَضَاقَتْ عَلَيْهِ النَّمِرَةُ فَذَهَبَ يَضَعَهَا عَلَى عَاتِقِهِ فَبَدَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ صِغَرِهَا فَنُودِيَ يَا مُحَمَّدُ خَمِّرْ عَوْرَتَكَ فَلَمْ يُرَ عُرْيَانًا بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمَبْعَثِ خَمْسُ سِنِينَ قَالَ مَعْمَرٌ.
وَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَقَالَ لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلُمَ أَجْمَرَتِ امْرَأَةٌ الْكَعْبَةَ فَطَارَتْ شَرَارَةٌ مِنْ مِجْمَرِهَا فِي ثِيَابِ الْكَعْبَةِ فَاحْتَرَقَتْ فَتَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ فِي هَدْمِهَا وَهَابُوهُ فَقَالَ الْوَلِيدُ إِن اللَّهَ لَا يُهْلِكُ مَنْ يُرِيدُ الْإِصْلَاحَ فَارْتَقَى عَلَى ظَاهِرِ الْبَيْتِ وَمَعَهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا نُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ ثُمَّ هَدَمَ فَلَمَّا رَأَوْهُ سَالِمًا تَابَعُوهُ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَخْبَرَنَا بن جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ مُجَاهِدٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ المبعث بِخمْس عشرَة سنة وَكَذَا رَوَاهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ بِإِسْنَادٍ لَهُ وَبِهِ جَزَمَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَبِهِ جزم بن إِسْحَاقَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ الْحَرِيقُ تَقَدَّمَ وَقْتُهُ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الْبِنَاءِ وَذَكَرَ بن إِسْحَاقَ أَنَّ السَّيْلَ كَانَ يَأْتِي فَيُصِيبُ الْكَعْبَةَ فَيَتَسَاقَطُ مِنْ بِنَائِهَا وَكَانَ رَضْمًا فَوْقَ الْقَامَةِ فَأَرَادَتْ قُرَيْشُ رَفْعَهَا وَتَسْقِيفَهَا وَذَلِكَ أَنَّ نَفَرًا سَرَقُوا كَنْزَ الْكَعْبَةِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ مُطَوَّلًةً فِي بِنَائِهِمُ الْكَعْبَةَ وَفِي اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ يَضَعُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ حَتَّى رَضُوا بِأَوَّلِ دَاخِلٍ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَكَّمُوهُ فِي ذَلِكَ فَوَضَعَهُ بِيَدِهِ قَالَ وَكَانَتِ الْكَعْبَةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ ذِرَاعًا وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَن بن خُثَيْمٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ أَنَّ اسْمَ النَّجَّارِ الْمَذْكُور بأقوم وللفاكهي من طَرِيق بن جُرَيْجٍ مِثْلَهُ قَالَ وَكَانَ يَتَّجِرُ إِلَى بَنْدَرٍ وَرَاءَ سَاحِلِ عَدَنٍ فَانْكَسَرَتْ سَفِينَتُهُ بِالشُّعَيْبَةِ فَقَالَ لِقُرَيْشٍ إِنْ أَجْرَيْتُمْ عِيرِي مَعَ عِيرِكُمْ إِلَى الشَّامِ أَعْطَيْتُكُمُ الْخَشَبَ فَفَعَلُوا وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي جَامِعِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ اسْمُ الَّذِي بَنَى الْكَعْبَةَ لِقُرَيْشٍ بَاقُومُ وَكَانَ رُومِيًّا.

     وَقَالَ  الْأَزْرَقِيُّ كَانَ طُولُهَا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا فَاقْتَصَرَتْ قُرَيْشٌ مِنْهَا عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشْرَ وَنَقَصُوا مِنْ عَرْضِهَا أَذْرُعًا أَدْخَلُوهَا فِي الْحِجْرِ .

     قَوْلُهُ  فَخَرَّ إِلَى الْأَرْضِ فِي رِوَايَةِ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ الْمَاضِيَةِ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ التَّعَرِّي مِنْ أَوَائِلِ الصَّلَاةِ فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ فَسَقَطَ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ أَيِ ارْتَفَعَتَا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ صَارَ يَنْظُرُ إِلَى فَوْقَ وَفِي رِوَايَةِ عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ فِي أَوَائِلِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ .

     قَوْلُهُ  أَرِنِي إِزَارِي أَيْ أَعْطِنِي وَحَكَى بن التِّينِ كَسْرَ الرَّاءِ وَسُكُونَهَا وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْآتِيَةِ إِزَارِي إِزَارِي بِالتَّكْرِيرِ .

     قَوْلُهُ  فَشَدَّهُ عَلَيْهِ زَادَ زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاق فَمَا رؤى بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا وَقَدْ تَقَدَّمَ شَاهِدُهَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ الْحَدِيثُ الثَّانِي سَاقَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ طُرُقٍ .

     قَوْلُهُ  فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى عَنْ سَالم بن عبد الله أَي بن عُمَرَ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَيِ الصِّدِّيقِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا هُوَ أَخُو الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بِنَصْبِ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ سَالِمًا كَانَ حَاضِرًا لِذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَقَدْ صَرَّحَ بذلك أَبُو أويس عَن بن شِهَابٍ لَكِنَّهُ سَمَّاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُحَمَّدٍ فَوَهِمَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَغْرَبَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ فَرَوَاهُ عَن مَالك عَن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ وَالْمَحْفُوظُ الْأَوَّلُ وَقَدْ رَوَاهُ معمر عَن بن شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ لَكِنَّهُ اخْتَصَرَهُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ فَتَابَعَ سَالِمًا فِيهِ وَزَادَ فِي الْمَتْنِ وَلَأَنْفَقْتُ كَنْزَ الْكَعْبَةِ وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى أَخْرَجَهَا أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهَا فِي بَابِ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ .

     قَوْلُهُ  قَوْمَكِ أَيْ قُرَيْشٌ .

     قَوْلُهُ  اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ سَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ .

     قَوْلُهُ  لَوْلَا حِدْثَانِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ بِمَعْنَى الْحُدُوثِ أَيْ قُرْبُ عَهْدِهِمْ .

     قَوْلُهُ  لَفَعَلْتُ أَيْ لَرَدَدْتُهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَيِ بن عُمَرَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ بن شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ مُجَرَّدَةً .

     قَوْلُهُ  لَئِنْ كَانَتْ لَيْسَ هَذَا شَكًّا من بن عُمَرَ فِي صِدْقِ عَائِشَةَ لَكِنْ يَقَعُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرًا صُورَةُ التَّشْكِيكِ وَالْمُرَادُ التَّقْرِيرُ وَالْيَقِينُ .

     قَوْلُهُ  مَا أُرَى بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّ وَهِيَ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ وَزَادَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَلَا طَافَ النَّاسُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ إِلَّا لِذَلِكَ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ أَبَى أُوَيْسٍ الْمَذْكُورَةِ .

     قَوْلُهُ  اسْتِلَامَ افْتِعَالٌ مِنَ السَّلَامِ وَالْمُرَادُ هُنَا لَمْسُ الرُّكْنِ بِالْقُبْلَةِ أَوِ الْيَدِ .

     قَوْلُهُ  يَلِيَانِ أَيْ يَقْرَبَانِ مِنْ الْحِجْرَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ عَلَى صِفَةِ نِصْفِ الدَّائِرَةِ وَقَدْرُهَا تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا وَالْقَدْرُ الَّذِي أُخْرِجَ مِنَ الْكَعْبَةِ سَيَأْتِي قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  فِي الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ





[ قــ :1519 ... غــ :1584] حَدَّثَنَا الْأَشْعَث هُوَ بن أَبِي الشَّعْثَاءِ الْمُحَارِبِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَسْوَدِ بِزِيَادَةٍ نَبَّهْنَا عَلَى مَا فِيهَا هُنَاكَ .

     قَوْلُهُ  عَنِ الْجَدْرِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَكَذَا هُوَ فِي مُسْنَدِ مُسَدَّدٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي الْجِدَارُ قَالَ الْخَلِيلُ الْجَدْرُ لُغَةٌ فِي الْجِدَارِ انْتَهَى وَوَهِمَ مَنْ ضَبَطَهُ بِضَمِّهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ الْحِجْرُ وَلِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ شَيْخِ مُسَدَّدٍ فِيهِ الْجَدْرُ أَوِ الْحَجَرُ بِالشَّكِّ وَلِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ عَنِ الْأَشْعَثِ الْحِجْرُ بِغَيْرِ شَكٍّ .

     قَوْلُهُ  أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ قَالَ نَعَمْ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحِجْرَ كُلَّهُ مِنَ الْبَيْتِ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ أَنْ أَدْخِلِ الْجدر فِي الْبَيْت وَبِذَلِك كَانَ يُفْتِي بن عَبَّاسٍ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِيهِ عَن مرْثَد بن شُرَحْبِيل قَالَ سَمِعت بن عَبَّاسٍ يَقُولُ لَوْ وُلِّيتُ مِنَ الْبَيْتِ مَا ولى بن الزُّبَيْرِ لَأَدْخَلْتُ الْحِجْرَ كُلَّهُ فِي الْبَيْتِ فَلِمَ يُطَاف بِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْبَيْتِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْبَيْتِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ فَأَدْخَلَنِي الْحِجْرَ فَقَالَ صَلِّي فِيهِ فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنَ الْبَيْتِ وَلَكِنَّ قَوْمك استقصروه حِين بَنَوْا الْكَعْبَةَ فَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْبَيْتِ وَنَحْوُهُ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَلِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ وَفِيهِ أَنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَى شَيْبَةَ الْحَجَبِيِّ لِيَفْتَحَ لَهَا الْبَيْتَ بِاللَّيْلِ فَقَالَ مَا فَتَحْنَاهُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ بِلَيْلٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا مُطْلَقَةٌ وَقَدْ جَاءَتْ رِوَايَاتٌ أَصَحُّ مِنْهَا مُقَيَّدَةٌ مِنْهَا لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قَزَعَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ حَتَّى أَزِيدَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْهَا فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكِ أَنْ يَبْنُوهُ بَعْدِي فَهَلُمِّي لِأُرِيَكِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ فَأَرَاهَا قَرِيبًا مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَزِدْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الطَّرِيقِ الرَّابِعَةِ قَوْلُ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ أَرَاهُ لِجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ فَحَزَرَهُ سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوِهَا وَلِسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فِي جَامِعِهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ شَابُورَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ بن الزُّبَيْرِ زَادَ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِمَّا يَلِي الْحِجْرَ وَلَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنِ بن الزُّبَيْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ وَشِبْرٍ وَهَكَذَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَدَدٍ لَقِيَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قُرَيْشٍ كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْهُ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا تَجْتَمِعُ عَلَى أَنَّهَا فَوْقَ السِّتَّةِ وَدُونَ السَّبْعَةِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ عَطَاءٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا لَكُنْتُ أُدْخِلُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ فَهِيَ شَاذَّةٌ وَالرِّوَايَةُ السَّابِقَةُ أَرْجَحُ لِمَا فِيهَا مِنَ الزِّيَادَةِ عَنِ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي لِرِوَايَةِ عَطَاءٍ وَجْهٌ وَهُوَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا مَا عَدَا الْفُرْجَةِ الَّتِي بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْحِجْرِ فَتَجْتَمِعُ مَعَ الرِّوَايَات الْأُخْرَى فَإِن الَّذِي عدا الْفُرْجَةَ أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ وَشَيْءٍ وَلِهَذَا وَقَعَ عِنْدَ الْفَاكِهِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَلَأَدْخَلْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ فَيُحْمَلُ هَذَا عَلَى إِلْغَاءِ الْكَسْرِ وَرِوَايَةُ عَطَاءٍ عَلَى جَبْرِهِ وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا بِذَلِكَ وَلَمْ أَرَ مَنْ سَبَقَنِي إِلَى ذَلِكَ وَسَأَذْكُرُ ثَمَرَةَ هَذَا الْبَحْثِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ .

     قَوْلُهُ  أَلَمْ تَرَيْ أَيْ أَلَمْ تَعْرِفِي .

     قَوْلُهُ  قَصَّرَتْ بِهِمُ النَّفَقَةُ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ أَيِ النَّفَقَةُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي أَخْرَجُوهَا لِذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْأَزْرَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُوَضِّحُهُ مَا ذكر بن إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّ أَبَا وَهْبِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ وَهُوَ جَدُّ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيِّ قَالَ لِقُرَيْشٍ لَا تُدْخِلُوا فِيهِ مِنْ كَسْبِكُمْ إِلَّا الطَّيِّبَ وَلَا تُدْخِلُوا فِيهِ مَهْرَ بَغِيٍّ وَلَا بَيْعَ رِبًا وَلَا مَظْلِمَةَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي جَامِعِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ شَهِدَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَرْسَلَ إِلَى شَيْخٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ أَدْرَكَ ذَلِكَ فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ فَقَالَ إِنَّ قُرَيْشًا تَقَرَّبَتْ لِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ أَيْ بِالنَّفَقَةِ الطَّيِّبَةِ فَعَجَزَتْ فَتَرَكُوا بَعْضَ الْبَيْتِ فِي الْحِجْرِ فَقَالَ عُمَرُ صَدَقْتَ .

     قَوْلُهُ  لِيُدْخِلُوا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي يُدْخِلُوا بِغَيْرِ لَامٍ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا هُوَ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا يَدْعُونَهُ يَرْتَقِي حَتَّى إِذَا كَادَ أَنْ يَدْخُلَ دَفَعُوهُ فَسَقَطَ .

     قَوْلُهُ  حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِتَنْوِينِ حَدِيثٍ .

     قَوْلُهُ  بِجَاهِلِيَّةٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِالْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ وَلِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِشِرْكٍ .

     قَوْلُهُ  فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ فِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ عَنْ أَشْعَثَ تَنْفِرَ بِالْفَاءِ بَدَلَ الْكَافِ وَنقل بن بَطَّالٍ عَنْ بَعْضِ عُلَمَائِهِمْ أَنَّ النُّفْرَةَ الَّتِي خَشِيَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْسُبُوهُ إِلَى الِانْفِرَادِ بِالْفَخْرِ دُونَهُمْ .

     قَوْلُهُ  أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ كَذَا وَقَعَ هُنَا وَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِمَعْنَى الْمصدر أَي أَخَاف إِنْكَار قُلُوبهم إِدْخَال الْحِجْرَ وَجَوَابُ لَوْلَا مَحْذُوفٌ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ بِلَفْظِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ لَنَظَرْتُ أَنْ أَدْخُلَ فَأَثْبَتَ جَوَابَ لَوْلَا وَكَذَا أَثْبَتَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ عَنْ أَشْعَثَ وَلَفْظُهُ لَنَظَرْتُ فأدخلته قَوْله عَن هِشَام هُوَ بن عُرْوَةَ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَائِشَةَ كَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ وَأَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ وَخَالَفَهُمُ الْقَاسِمُ بْنُ مَعْنٍ فَرَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ أَرْجَحُ فَإِنَّ رِوَايَةَ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ لِهَذَا الْحَدِيثِ مَشْهُورَةٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَسَيَأْتِي فِي الطَّرِيقِ الرَّابِعَةِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْهُ وَكَذَا لِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ وَأَبِي النَّضْرِ كِلَاهُمَا عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُرْوَةُ حَمَلَ عَنْ أَخِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مِنْهُ شَيْئًا زَائِدًا عَلَى رِوَايَتِهِ عَنْهَا كَمَا وَقَعَ لِلْأَسْوَدِ بْنِ يزِيد مَعَ بن الزُّبَيْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ .

     قَوْلُهُ  وَجَعَلْتُ لَهُ خَلْفًا بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا فَاءٌ وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَضَبَطَهُ الْحَرْبِيُّ فِي الْغَرِيبِ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ وَالْخَالِفَةُ عَمُودٌ فِي مُؤَخَّرِ الْبَيْتِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبَيَّنَهُ .

     قَوْلُهُ  فِي الرِّوَايَةِ الرَّابِعَةِ وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ تَنْبِيهٌ .

     قَوْلُهُ  وَجَعَلْتُ بِسُكُونِ اللَّامِ وَضَمِّ التَّاءِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لَبَنَيْتُهُ وَضَبَطَهَا الْقَابِسِيُّ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ عَطْفًا عَلَى اسْتَقْصَرَتْ وَهُوَ وَهَمٌ فَإِنَّ قُرَيْشًا لَمْ تَجْعَلْ لَهُ بَابًا مِنْ خَلْفٍ وَإِنَّمَا هَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَعْلِهِ فَلَا يُغْتَرَّ بِمَنْ حَفِظَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ يَعْنِي بن عُرْوَةَ بِسَنَدِهِ هَذَا خَلْفًا يَعْنِي بَابًا وَالتَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ مِنْ قَوْلِ هِشَامٍ بَيَّنَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ الْخَلْفُ الْبَابُ وَطَرِيقُ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَتِهِمَا التَّفْسِيرُ الْمَذْكُور وَأخرجه بن خُزَيْمَةَ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَأَدْرَجَ التَّفْسِيرَ وَلَفْظُهُ وَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا يَعْنِي بَابًا آخَرَ مِنْ خَلْفٍ يُقَابِلُ الْبَابَ الْمُقَدَّمَ قَوْله فِي الطَّرِيق الرَّابِعَة





[ قــ :151 ... غــ :1586] حَدثنَا يزِيد هُوَ بن هَارُونَ كَمَا جَزَمَ بِهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عُرْوَةَ كَذَا رَوَاهُ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ فِي مَسَانِيدِهِمْ عَنْهُ هَكَذَا وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ هَارُونَ الْجَمَّالِ وَالزَّعْفَرَانِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَخَالَفَهُمُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ فَرَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ فَقَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بَدَلَ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَزْهَرِ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ إِنْ كَانَ أَبُو الْأَزْهَرِ ضَبَطَهُ فَكَأَنَّ يَزِيدَ بْنَ رُومَانَ سَمِعَهُ مِنَ الْأَخَوَيْنِ.

قُلْتُ قَدْ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُشْكَانَ كَمَا أَخْرَجَهُ الْجَوْزَقِيُّ عَنِ الدَّغُولِيِّ عَنْهُ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ وَيَزِيدُ قَدْ حَمَلَهُ عَنِ الْأَخَوَيْنِ لَكِنَّ رِوَايَةَ الْجَمَاعَةِ أَوْضَحُ فَهِيَ أَصَحُّ .

     قَوْلُهُ  حَدِيثُ عَهْدٍ كَذَا لِجَمِيعِ الرُّوَاةِ بِالْإِضَافَةِ.

     وَقَالَ  الْمُطَرِّزِيُّ لَا يَجُوزُ حَذْفُ الْوَاوِ فِي مِثْلِ هَذَا وَالصَّوَابُ حَدِيثُو عَهْدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَذَلِكَ الَّذِي حَمَلَ بن الزُّبَيْرِ عَلَى هَدْمِهِ زَادَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ فِي رِوَايَتِهِ وَبِنَائِهِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ يَزِيدُ هُوَ بن رُومَان بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله وَشهِدت بن الزُّبَيْرِ حِينَ هَدَمَهُ وَبَنَاهُ إِلَى قَوْلِهِ كَأَسْنِمَةِ الْإِبِلِ هَكَذَا ذَكَرَهُ يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ مُخْتَصَرًا وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَاضِحًا فَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ لَمَّا احْتَرَقَ الْبَيْتُ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حِينَ غَزَاهُ أَهْلُ الشَّامِ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ وَلِلْفَاكِهِيِّ فِي كِتَابِ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ وَغَيْرُهُ قَالُوا لَمَّا أَحْرَقَ أَهْلُ الشَّامِ الْكَعْبَةَ وَرَمَوْهَا بِالْمَنْجَنِيقِ وَهَتِ الْكَعْبَةُ وَلِابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْحَارِثِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ ارْتَحَلَ الْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ يَعْنِي الْأَمِيرَ الَّذِي كَانَ يُقَاتل بن الزُّبَيْرِ مِنْ قِبَلِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ لَمَّا أَتَاهُمْ مَوْتُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي رَبِيعٍ الآخر سنة أَربع وَسِتِّينَ قَالَ فَأمر بن الزُّبَيْرِ بِالْخُصَاصِ الَّتِي كَانَتْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ فَهُدِمَتْ فَإِذَا الْكَعْبَةُ تَنْفُضُ أَيْ تَتَحَرَّكُ مُتَوَهِّنَةٌ تَرْتَجُّ مِنْ أَعْلَاهَا إِلَى أَسْفَلِهَا فِيهَا أَمْثَالُ جُيُوبِ النِّسَاءِ مِنْ حِجَارَةِ الْمَنْجَنِيقِ وَلِلْفَاكِهِيِّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ سَاجٍ بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ جَيْشُ الْحُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ أَحْرَقَ بَعْضُ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى بَابِ بَنِي جِمْحٍ وَفِي الْمَسْجِدِ يَوْمَئِذٍ خِيَامٌ فَمَشَى الْحَرِيقُ حَتَّى أَخَذَ فِي الْبَيْتِ فَظَنَّ الْفَرِيقَانِ أَنَّهُمْ هَالِكُونَ وَضَعُفَ بِنَاءُ الْبَيْتِ حَتَّى إِنَّ الطَّيْرَ لَيَقَعُ عَلَيْهِ فَتَتَنَاثَرُ حِجَارَتُهُ وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّهُ حَضَرَ ذَلِكَ قَالَ كَانَتِ الْكَعْبَةُ قَدْ وَهَتْ مِنْ حَرِيقِ أَهْلِ الشَّامِ قَالَ فَهَدمهَا بن الزبير فَتَركه بن الزُّبَيْرِ حَتَّى قَدِمَ النَّاسُ الْمَوْسِمَ يُرِيدُ أَنْ يَحْزُبَهُمْ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ قَالَ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الْكَعْبَةِ الْحَدِيثَ وَلِابْنِ سعد من طَرِيق بن أبي مليكَة قَالَ لم يبن بن الزُّبَيْرِ الْكَعْبَةَ حَتَّى حَجَّ النَّاسُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ ثُمَّ بَنَاهَا حِينَ اسْتَقْبَلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَحُكِيَ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ رَدَّ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْأَثْبَتُ عِنْدِي أَنَّهُ ابْتَدَأَ بِنَاءَهَا بَعْدَ رَحِيلِ الْجَيْشِ بِسَبْعِينَ يَوْمًا وَجَزَمَ الْأَزْرَقِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي نِصْفِ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ.

قُلْتُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الْبِنَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَامْتَدَّ أَمَدُهُ إِلَى الْمَوْسِمِ لِيَرَاهُ أَهْلُ الْآفَاقِ لِيُشَنِّعَ بِذَلِكَ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي تَارِيخِ الْمُسَبِّحِيِّ أَنَّ الْفَرَاغَ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ كَانَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَزَادَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَنَّهُ كَانَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْجَمْعُ مَقْبُولًا فَالَّذِي فِي الصَّحِيحِ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ وَذكر مُسلم فِي رِوَايَة عَطاء إِشَارَة بن عَبَّاس عَلَيْهِ بِأَن لَا يفعل وَقَول بن الزُّبَيْرِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمُ احْتَرَقَ بَيْتُهُ بَنَاهُ حَتَّى يُجَدِّدَهُ وَأَنَّهُ اسْتَخَارَ اللَّهَ ثَلَاثًا ثُمَّ عَزَمَ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا قَالَ فَتَحَامَاهُ النَّاسُ حَتَّى صَعَدَ رَجُلٌ فَأَلْقَى مِنْهُ حِجَارَةً فَلَمَّا لَمْ يَرَهُ النَّاسُ أَصَابَهُ شَيْءٌ تَتَابَعُوا فَنَقَضُوهُ حَتَّى بلغُوا بِهِ الأَرْض وَجعل بن الزبير أعمدة فَسَتَرَ عَلَيْهَا السُّتُورَ حَتَّى ارْتَفَعَ بِنَاؤُهُ.

     وَقَالَ  بْنِ عُيَيْنَةَ فِي جَامِعِهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سابُورَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ خَرَجْنَا إِلَى مِنًى فَأَقَمْنَا بهَا ثَلَاثًا نَنْتَظِر الْعَذَاب وارتقى بن الزُّبَيْرِ عَلَى جِدَارِ الْكَعْبَةِ هُوَ بِنَفْسِهِ فَهَدَمَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ عَزَلَ مَا كَانَ يَصْلُحُ أَنْ يُعَادَ فِي الْبَيْتِ فَبَنَوْا بِهِ فَنَظَرُوا إِلَى مَا كَانَ لَا يَصْلُحُ مِنْهَا أَنْ يَبْنِيَ بِهِ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُحْفَرَ لَهُ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فَيُدْفَنَ وَاتَّبَعُوا قَوَاعِدَ إِبْرَاهِيمَ مِنْ نَحْوِ الْحِجْرِ فَلَمْ يُصِيبُوا شَيْئا حَتَّى شقّ على بن الزبير ثمَّ أدركوها بعد مَا أَمْعَنُوا فَنَزَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَكَشَفُوا لَهُ عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ وَهِيَ صَخْرٌ أَمْثَالُ الْخَلْفِ مِنَ الْإِبِلِ فَانْفَضُّوا لَهُ أَيْ حَرَّكُوا تِلْكَ الْقَوَاعِدَ بِالْعُتُلِّ فَنَفَضَتْ قَوَاعِدَ الْبَيْتِ وَرَأَوْهُ بُنْيَانًا مَرْبُوطًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ ثُمَّ أُحْضِرَ النَّاسُ فَأَمَرَ بِوُجُوهِهِمْ وَأَشْرَافِهِمْ فَنَزَلُوا حَتَّى شَاهَدُوا مَا شَاهَدُوهُ وَرَأَوْا بُنْيَانًا مُتَّصِلًا فَأَشْهَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَكَانَ طول الْكَعْبَة ثَمَان عشرَة ذِرَاعا فَزَاد بن الزُّبَيْرِ فِي طُولِهَا عَشْرَةَ أَذْرُعٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ كَانَ طُولُهَا عِشْرِينَ ذِرَاعًا فَلَعَلَّ رَاوِيهِ جَبَرَ الْكَسْرَ وَجَزَمَ الْأَزْرَقِيُّ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ تِسْعَةُ أَذْرُعٍ فَلَعَلَّ عَطَاءً جَبَرَ الْكَسْرَ أَيْضًا وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ بن سَابِطٍ عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُمْ كَشَفُوا عَنِ الْقَوَاعِدِ فَإِذَا الْحِجْرُ مِثْلُ الْخِلْفَةِ وَالْحِجَارَةُ مُشَبَّكَةٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَلِلْفَاكِهِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ كُنْتُ فِي الْأُمَنَاءِ الَّذِينَ جَمَعُوا عَلَى حَفْرِهِ فَحَفَرُوا قَامَةً وَنِصْفًا فَهَجَمُوا عَلَى حِجَارَةٍ لَهَا عُرُوقٌ تَتَّصِلُ بِزَرْدِ عِرْقِ الْمَرْوَةِ فَضَرَبُوهُ فَارْتَجَّتْ قَوَاعِدُ الْبَيْتِ فَكَبَّرَ النَّاسُ فَبَنَى عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ مَرْثَدٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَكَشَفَ عَنْ رَبَضٍ فِي الْحِجْرِ آخِذٌ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَتَرَكَهُ مَكْشُوفًا ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ لِيَشْهَدُوا عَلَيْهِ فَرَأَيْتُ ذَلِكَ الرَّبْضَ مِثْلَ خَلْفِ الْإِبِلِ وَجْهٌ حَجَرٌ وَوَجْهٌ حَجَرَانِ وَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَأْخُذُ الْعَتَلَةَ فَيَضْرِبُ بِهَا مِنْ نَاحِيَةِ الرُّكْنِ فَيَهْتَزُّ الرُّكْنُ الْآخَرُ قَالَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَجَعَلَ لَهُ بَابَيْنِ أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ وَالْآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ الَّتِي فِي الْعِلْمِ فَفَعَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَنَقَضَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَجَعَلَ لَهُ بَابَيْنِ فِي الْأَرْضِ وَنَحْوُهُ لِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَلِلْفَاكِهِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مُوسَى بن ميسرَة أَنه دخل الْكَعْبَة بعد مَا بناها بن الزُّبَيْرِ فَكَانَ النَّاسُ لَا يَزْدَحِمُونَ فِيهَا يَدْخُلُونَ مِنْ بَابٍ وَيَخْرُجُونَ مِنْ آخَرَ فَصْلٌ لَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ قِصَّةَ تَغْيِيرِ الْحَجَّاجِ لما صنعه بن الزُّبَيْرِ وَقَدْ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ قَالَ فَلَمَّا قتل بن الزُّبَيْرِ كَتَبَ الْحَجَّاجُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَان يُخبرهُ أَن بن الزُّبَيْرِ قَدْ وَضَعَهُ عَلَى أُسٍّ نَظَرَ الْعُدُولُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ إِلَيْهِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْملك إِنَّا لسنا من تلطيخ بن الزُّبَيْرِ فِي شَيْءٍ أَمَّا مَا زَادَ فِي طُولِهِ فَأَقِرَّهُ.
وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ فَرُدَّهُ إِلَى بِنَائِهِ وَسُدَّ بَابَهُ الَّذِي فَتَحَهُ فَنَقَضَهُ وَأَعَادَهُ إِلَى بِنَائِهِ وَلِلْفَاكِهِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فَبَادَرَ يَعْنِي الْحَجَّاجَ فَهَدَمَهَا وَبَنَى شِقَّهَا الَّذِي يَلِي الْحِجْرَ وَرَفَعَ بَابَهَا وَسَدَّ الْبَابَ الْغَرْبِيَّ قَالَ أَبُو أُوَيْسٍ فَأَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ نَدِمَ عَلَى إِذْنِهِ لِلْحَجَّاجِ فِي هَدْمِهَا وَلُعِنَ الْحَجَّاجُ وَلِابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سَابُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فَرد الَّذِي كَانَ بن الزُّبَيْرِ أَدْخَلَ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ قَالَ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَدِدْنَا أَنَّا تَرَكْنَا أَبَا خُبَيْبٍ وَمَا تَوَلَّى مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَ قِصَّةَ نَدم عبد الْملك على ذَلِكَ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ عَطَاءٍ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَفَدَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ فِي خِلَافَتِهِ فَقَالَ مَا أَظُنُّ أَبَا خبيب يَعْنِي بن الزُّبَيْرِ سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ مَا كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهَا فَقَالَ الْحَارِثُ بَلَى أَنَا سمعته مِنْهَا زَاد عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ فِيهِ وَكَانَ الْحَارِثُ مُصَدَّقًا لَا يُكَذَّبُ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ أَنْتَ سَمِعْتَهَا تَقُولُ ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ فَنَكَتَ سَاعَةً بِعَصَاهُ.

     وَقَالَ  وَدِدْتُ أَنِّي تركته وَمَا تَحَمَّلَ وَأَخْرَجَهَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي قَزَعَةَ قَالَ بَيْنَمَا عَبْدُ الْمَلِكِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ إِذْ قَالَ قَاتل الله بن الزُّبَيْرِ حَيْثُ يَكْذِبُ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ لَا تَقُلْ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنَا سَمِعْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تُحَدِّثُ بِهَذَا فَقَالَ لَوْ كُنْتُ سَمِعْتُهُ قَبْلَ أَن أهدمه لتركته على بِنَاء بن الزُّبَيْرِ تَنْبِيهٌ جَمِيعُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي جَمَعَتْهَا هَذِهِ الْقِصَّة متفقة على ان بن الزُّبَيْرِ جَعَلَ الْبَابَ بِالْأَرْضِ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْبَابُ الَّذِي زَادَهُ عَلَى سَمْتِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ جُمْلَةَ مَا غَيَّرَهُ الْحَجَّاجُ الْجِدَارُ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْحِجْرِ وَالْبَابُ الْمَسْدُودُ الَّذِي فِي الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ عَنْ يَمِينِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَمَا تَحْتَ عَتَبَةِ الْبَابِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَشِبْرٍ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا فِي الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ لَكِنَّ الْمُشَاهَدَ الْآنَ فِي ظَهْرِ الْكَعْبَةِ بَابٌ مَسْدُودٌ يُقَابِلُ الْبَابَ الْأَصْلِيَّ وَهُوَ فِي الِارْتِفَاعِ مِثْلُهُ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْبَابُ الَّذِي كَانَ على عهد بن الزُّبَيْرِ لَمْ يَكُنْ لَاصِقًا بِالْأَرْضِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَاصِقًا كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ لَكِنَّ الْحَجَّاجَ لَمَّا غَيَّرَهُ رَفَعَهُ وَرَفَعَ الْبَابَ الَّذِي يُقَابِلُهُ أَيْضًا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَسَدَّ الْبَابَ الْمُجَدَّدَ لَكِنْ لَمْ أَرَ النَّقْلَ بِذَلِكَ صَرِيحًا وَذَكَرَ الْفَاكِهِيُّ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ أَنَّهُ شَاهَدَ هَذَا الْبَابَ الْمَسْدُودَ مِنْ دَاخِلِ الْكَعْبَةِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ فَإِذَا هُوَ مُقَابِلٌ بَابَ الْكَعْبَةِ وَهُوَ بِقَدْرِهِ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَإِذَا فِي أَعْلَاهُ كَلَالِيبُ ثَلَاثَةٌ كَمَا فِي الْبَاب الْمَوْجُود سَوَاء فَالله أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَحَزَرْتُ بِتَقْدِيمِ الزَّايِ عَلَى الرَّاءِ أَيْ قَدَّرْتُ .

     قَوْلُهُ  سِتَّةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا قَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ وَأَنَّهَا أَرْجَحُ الرِّوَايَاتِ وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِ مِنْهَا مُمْكِنٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى الِاضْطِرَابِ وَالطَّعْنِ فِي الرِّوَايَاتِ الْمُقَيَّدَةِ لأجل الِاضْطِرَاب كَمَا جنح إِلَيْهِ بن الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ لِأَنَّ شَرْطَ الِاضْطِرَابِ أَنْ تَتَسَاوَى الْوُجُوهُ بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ التَّرْجِيحُ أَوِ الْجَمْعُ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ ذَلِكَ هُنَا فَيَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا هِيَ قَاعِدَةُ مَذْهَبِهِمَا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُطْلَقَةَ وَالْمُقَيَّدَةَ مُتَوَارِدَةٌ عَلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ قُرَيْشًا قَصَّرُوا عَنْ بِنَاءِ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَن بن الزُّبَيْرِ أَعَادَهُ عَلَى بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَّ الْحَجَّاجَ أَعَادَهُ عَلَى بِنَاءِ قُرَيْشٍ وَلَمْ تَأْتِ رِوَايَةٌ قَطُّ صَرِيحَةٌ أَنَّ جَمِيعَ الْحِجْرِ مِنْ بِنَاءِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْبَيْتِ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ لَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي فِي الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ قَدْرُ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ وَالرِّوَايَةُ الَّتِي جَاءَ فِيهَا أَنَّ الْحِجْرَ مِنَ الْبَيْتِ مُطْلَقَةٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَإِنَّ إِطْلَاقَ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ سَائِغٌ مَجَازًا وَإِنَّمَا قَالَ النَّوَوِيُّ ذَلِكَ نُصْرَةً لِمَا رَجَّحَهُ مِنْ أَنَّ جَمِيعَ الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ وَعُمْدَتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى إِيجَابِ الطّواف خَارج الْحجر وَنقل بن عَبْدِ الْبَرِّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَنَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّهُ طَافَ مِنْ دَاخِلِ الْحِجْرِ وَكَانَ عَمَلًا مُسْتَمِرًّا وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ وَهَذَا مُتَعَقَّبٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ إِيجَابِ الطَّوَافِ مِنْ وَرَائِهِ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ مِنَ الْبَيْتِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَنَّ الَّذِي فِي الْحِجْرِ مِنَ الْبَيْتِ نَحْوٌ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ وَنَقَلَهُ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قُرَيْشٍ لَقِيَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّهُ رَأَى إِيجَابَ الطَّوَافِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ احْتِيَاطًا.
وَأَمَّا الْعَمَلُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى الْإِيجَابِ فَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُ فَعَلُوهُ اسْتِحْبَابًا لِلرَّاحَةِ مِنْ تَسَوُّرِ الْحِجْرِ لَا سِيَّمَا وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَطُوفُونَ جَمِيعًا فَلَا يُؤْمَنُ مِنَ الْمَرْأَةِ التَّكَشُّفُ فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا حَسْمَ هَذِهِ الْمَادَّةَ وَأما مَا نَقله الْمُهلب عَن بن أَبِي زَيْدٍ أَنَّ حَائِطَ الْحِجْرِ لَمْ يَكُنْ مَبْنِيًّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ حَتَّى كَانَ عُمَرُ فَبَنَاهُ وَوَسَّعَهُ قَطْعًا لِلشَّكِّ وَأَنَّ الطَّوَافَ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ حَوْلَ الْبَيْتِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ أَشَارَ الْمُهَلَّبُ إِلَى أَنَّ عُمْدَتَهُ فِي ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي بَابِ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ فِي أَوَائِلِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ بِلَفْظِ لَمْ يَكُنْ حَوْلَ الْبَيْتِ حَائِطٌ كَانُوا يُصَلُّونَ حَوْلَ الْبَيْتِ حَتَّى كَانَ عُمَرُ فَبَنَى حَوْلَهُ حَائِطًا جدره قَصِيرَة فبناه بن الزُّبَيْرِ انْتَهَى وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي حَائِطِ الْمَسْجِدِ لَا فِي الْحِجْرِ فَدَخَلَ الْوَهْمُ عَلَى قَائِلِهِ مِنْ هُنَا وَلَمْ يَزَلِ الْحِجْرُ مَوْجُودًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ نَعَمْ فِي الْحُكْمِ بِفَسَادِ طَوَافِ مَنْ دَخَلَ الْحِجْرَ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ نَظَرٌ وَقَدْ قَالَ بِصِحَّتِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمِنَ الْمَالِكِيَّةِ كَأَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ عَرْضَ مَا بَيْنَ الْمِيزَابِ وَمُنْتَهَى الْحِجْرِ سَبْعَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا وَثُلُثُ ذِرَاعٍ مِنْهَا عَرْضُ جِدَارِ الْحِجْرِ ذِرَاعَانِ وَثُلُثٌ وَفِي بَطْنِ الْحِجْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا فَعَلَى هَذَا فَنِصْفُ الْحِجْرِ لَيْسَ مِنَ الْبَيْتِ فَلَا يَفْسُدُ طَوَافُ مَنْ طَافَ دُونَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُهَلَّبِ إِنَّ الْفَضَاءَ لَا يُسَمَّى بَيْتًا وَإِنَّمَا الْبَيْتُ الْبُنْيَانُ لِأَنَّ شَخْصًا لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَانْهَدَمَ ذَلِكَ الْبَيْتُ فَلَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهِ فَلَيْسَ بِوَاضِحٍ فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ مِنَ الطَّوَافِ مَا شُرِعَ لِلْخَلِيلِ بِالِاتِّفَاقِ فَعَلَيْنَا أَنْ نَطُوفَ حَيْثُ طَافَ وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِانْهِدَامِ حَرَمِ الْبَيْتِ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا يَسْقُطُ الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ مِنْهَا بِفَوَاتِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ فَحُرْمَةُ الْبُقْعَةِ ثَابِتَةٌ وَلَوْ فُقِدَ الْجِدَارُ.
وَأَمَّا الْيَمِينُ فَمُتَعَلِّقَةٌ بِالْعُرْفِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ لَوِ انْهَدَمَ مَسْجِدٌ فَنُقِلَتْ حِجَارَتُهُ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ بَقِيَتْ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ بِالْبُقْعَةِ الَّتِي كَانَ بِهَا وَلَا حُرْمَةَ لِتِلْكَ الْحِجَارَةِ الْمَنْقُولَةِ إِلَى غَيْرِ مَسْجِدٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْبُقْعَةَ أَصْلٌ لِلْجِدَارِ بِخِلَافِ الْعَكْس أَشَارَ إِلَى ذَلِك بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ وَفِي حَدِيثِ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ مَا تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْعِلْمِ وَهُوَ تَرْكُ بَعْضِ الِاخْتِيَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَقْصُرَ عَنْهُ فَهْمُ بَعْضِ النَّاسِ وَالْمُرَادُ بِالِاخْتِيَارِ فِي عِبَارَتِهِ الْمُسْتَحَبُّ وَفِيهِ اجْتِنَابُ وَلِيِّ الْأَمْرِ مَا يَتَسَرَّعُ النَّاسُ إِلَى إِنْكَارِهِ وَمَا يُخْشَى مِنْهُ تَوَلُّدُ الضَّرَرِ عَلَيْهِمْ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا وَتَأَلُّفُ قُلُوبِهُمْ بِمَا لَا يُتْرَكُ فِيهِ أَمْرٌ وَاجِبٌ وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ مِنْ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ وَجَلْبِ الْمَصْلَحَةِ وَأَنَّهُمَا إِذَا تَعَارَضَا بُدِئَ بِدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ وَأَنَّ الْمَفْسَدَةَ إِذَا أُمِنَ وُقُوعُهَا عَادَ اسْتِحْبَابُ عَمَلِ الْمَصْلَحَةِ وَحَدِيثُ الرَّجُلِ مَعَ أَهْلِهِ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ وَحِرْصُ الصَّحَابَةِ عَلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَكْمِيل حكى بن عَبْدِ الْبَرِّ وَتَبِعَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الرَّشِيدِ أَوِ الْمَهْدِيِّ أَوِ الْمَنْصُورِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُعِيد الْكَعْبَة على مَا فعله بن الزُّبَيْرِ فَنَاشَدَهُ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ.

     وَقَالَ  أَخْشَى أَنْ يَصِيرَ مَلْعَبَةً لِلْمُلُوكِ فَتَرَكَهُ.

قُلْتُ وَهَذَا بِعَيْنِهِ خَشْيَةُ جَدِّهِمُ الْأَعْلَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَأَشَارَ على بن الزُّبَيْرِ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَهْدِمَ الْكَعْبَةَ وَيُجَدِّدَ بِنَاءَهَا بِأَنْ يَرُمَّ مَا وَهَى مِنْهَا وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا بِزِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ.

     وَقَالَ  لَهُ لَا آمَنُ أَنْ يَجِيءَ مِنْ بَعْدِكَ أَمِيرٌ فَيُغَيِّرَ الَّذِي صَنَعْتَ أَخْرَجَهُ الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْهُ وَذَكَرَ الْأَزْرَقِيُّ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ هَمَّ بِنَقْضِ مَا فَعَلَهُ الْحَجَّاجُ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَمْرِ أَبِيهِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ التَّوَارِيخِ عَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْخُلَفَاءِ وَلَا مَنْ دُونَهُمْ غَيَّرَ مِنَ الْكَعْبَةِ شَيْئًا مِمَّا صَنَعَهُ الْحَجَّاجُ إِلَى الْآنَ إِلَّا فِي الْمِيزَابِ وَالْبَابِ وَعَتَبَتِهِ وَكَذَا وَقَعَ التَّرْمِيمُ فِي جِدَارِهَا غَيْرَ مَرَّةٍ وَفِي سَقْفِهَا وَفِي سُلَّمِ سَطْحِهَا وَجُدِّدَ فِيهَا الرُّخَامُ فَذَكَرَ الْأَزْرَقِيّ عَن بن جُرَيْجٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ فَرَشَهَا بِالرُّخَامِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَوَقَعَ فِي جِدَارِهَا الشَّامِيِّ تَرْمِيمٌ فِي شُهُورِ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ ثُمَّ فِي شُهُورِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ فِي شُهُورِ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ ثُمَّ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ وَسِتِّمِائَةٍ ثُمَّ فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَقَدْ تَرَادَفَتِ الْأَخْبَارُ الْآنَ فِي وَقْتِنَا هَذَا فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ أَنَّ جِهَةَ الْمِيزَابَ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَرْمِيمٍ فَاهْتَمَّ بِذَلِكَ سُلْطَانُ الْإِسْلَامِ الْمَلِكُ الْمُؤَيَّدُ وَأَرْجُو مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُسَهِّلَ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ حَجَجْتُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَتَأَمَّلْتُ الْمَكَانَ الَّذِي قِيلَ عَنْهُ فَلَمْ أَجِدْهُ فِي تِلْكَ الْبَشَاعَةِ وَقَدْ رُمِّمَ مَا تَشَعَّثَ مِنَ الْحَرَمِ فِي أَثْنَاءِ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَى أَنْ نَقَضَ سَقْفَهَا فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ عَلَى يَدَيْ بَعْضِ الْجُنْدِ فَجَدَّدَ لَهَا سَقْفًا وَرَخَّمَ السَّطْحَ فَلَمَّا كَانَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ صَارَ الْمَطَرُ إِذَا نَزَلَ يَنْزِلُ إِلَى دَاخِلِ الْكَعْبَةِ أَشَدَّ مِمَّا كَانَ أَوَّلًا فَأَدَّاهُ رَأْيُهُ الْفَاسِدُ إِلَى نَقْضِ السَّقْفِ مَرَّةً أُخْرَى وَسَدِّ مَا كَانَ فِي السَّطْحِ مِنَ الطَّاقَاتِ الَّتِي كَانَ يَدْخُلُ مِنْهَا الضَّوْءُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ امْتِهَانُ الْكَعْبَةِ بَلْ صَارَ الْعُمَّالُ يَصْعَدُونَ فِيهَا بِغَيْرِ أَدَبٍ فَغَارَ بَعْضُ الْمُجَاوِرِينَ فَكَتَبَ إِلَى الْقَاهِرَةِ يَشْكُو ذَلِكَ فَبَلَغَ السُّلْطَانَ الظَّاهِرَ فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ أَمَرَ بِذَلِكَ وَجَهَّزَ بَعْضَ الْجُنْدِ لِكَشْفِ ذَلِكَ فَتَعَصَّبَ لِلْأَوَّلِ بَعْضُ مَنْ جَاوَرَ وَاجْتَمَعَ الْبَاقُونَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً فَكَتَبُوا مَحْضَرًا بِأَنَّهُ مَا فَعَلَ شَيْئًا إِلَّا عَنْ مَلَأٍ مِنْهُمْ وَأَنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ مَصْلَحَةٌ فَسَكَنَ غَضَبُ السُّلْطَانِ وَغَطَّى عَنْهُ الْأَمْرَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ وَهُوَ بِالتَّحْتَانِيَّةِ قَبْلَ الْأَلِفِ وَبَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا هَذِهِ الْحُرْمَةَ يَعْنِي الْكَعْبَةَ حَقَّ تَعْظِيمِهَا فَإِذا ضيعوا ذَلِك هَلَكُوا أخرجه أَحْمد وبن مَاجَهْ وَعُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي كِتَابِ مَكَّةَ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْأَمْنَ مِنَ الْفِتَنِ بِحِلْمِهِ وَكَرَمِهِ وَمِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَّفِقِ الِاحْتِيَاجُ فِي الْكَعْبَةِ إِلَى الْإِصْلَاحِ إِلَّا فِيمَا صَنَعَهُ الْحَجَّاجُ إِمَّا مِنَ الْجِدَارِ الَّذِي بَنَاهُ فِي الْجِهَةِ الشَّامِيَّةِ وَإِمَّا فِي السُّلَّمِ الَّذِي جَدَّدَهُ لِلسَّطْحِ وَالْعَتَبَةِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَ فَإِنَّمَا هُوَ لِزِيَادَةٍ مَحْضَةٍ كَالرُّخَامِ أَوْ لِتَحْسِينٍ كَالْبَابِ وَالْمِيزَابِ وَكَذَا مَا حَكَاهُ الْفَاكِهِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُكَرَّمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاوَرْتُ بِمَكَّةَ فَعَابَتْ أَيْ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أُسْطُوَانَةٌ مِنْ أَسَاطِينِ الْبَيْتِ فَأُخْرِجَتْ وَجِيءَ بِأُخْرَى لِيُدْخِلُوهَا مَكَانَهَا فَطَالَتْ عَنِ الْمَوْضِعِ وَأَدْرَكَهُمُ اللَّيْلُ وَالْكَعْبَةُ لَا تُفْتَحُ لَيْلًا فَتَرَكُوهَا ليعودوا من غَد ليصلحوها فجاؤوا مِنْ غَدٍ فَأَصَابُوهَا أَقْدَمَ مِنْ قِدْحٍ أَيْ بِكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ السَّهْمُ وَهَذَا إِسْنَادٌ قَوِيٌّ رِجَاله ثِقَات وَبكر هُوَ بن حَبِيبٍ مِنْ كِبَارِ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَكَأَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِي أَوَائِلِ دَوْلَةِ بَنِي الْعَبَّاسِ وَكَانَتِ الْأُسْطُوَانَةُ مِنْ خَشَبٍ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ