فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما جاء في القبلة، ومن لم ير الإعادة على من سها، فصلى إلى غير القبلة «

( قَولُهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ)
أَيْ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ وَمَنْ لَمْ يَرَ الْإِعَادَةَ عَلَى مَنْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ إِذا تبين خَطؤُهُ فروى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا تَجِبُ فِي الْوَقْتِ لَا بَعْدَهُ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ يُعِيدُ إِذَا تَيَقَّنَ الْخَطَأَ مُطْلَقًا وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ الْأَوَّلِينَ لَكِنْ قَالَ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ .

     قَوْلُهُ  وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَهُوَ مَوْصُولٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ لَكِنَّ .

     قَوْلُهُ  وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ لَيْسَ هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِهَذَا اللَّفْظِ مَوْصُولًا لَكِنَّهُ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ طَرِيقِ أبي سُفْيَان مولى بن أبي أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة وَوهم بن التِّينِ تَبَعًا لِابْنِ بَطَّالٍ حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّهُ طرف من حَدِيث بن مَسْعُود الْمَاضِي لِأَن حَدِيث بن مَسْعُودٍ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَمُنَاسَبَةُ هَذَا التَّعْلِيقِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ بِنَاءَهُ عَلَى الصَّلَاةِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ اسْتِدْبَارِهِ الْقِبْلَةَ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ سَاهِيًا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ



[ قــ :396 ... غــ :402] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ صَحَابِيٍّ عَنْ صَحَابِيٍّ لَكِنَّهُ صَغِيرٌ عَنْ كَبِيرٍ .

     قَوْلُهُ  وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ أَيْ وَقَائِعَ وَالْمَعْنَى وَافَقَنِي رَبِّي فَأَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى وَفْقِ مَا رَأَيْتُ لَكِنْ لِرِعَايَةِ الْأَدَبِ أَسْنَدَ الْمُوَافَقَةَ إِلَى نَفْسِهِ أَوْ أَشَارَ بِهِ إِلَى حُدُوثِ رَأْيهِ وَقِدَمِ الْحُكْمِ وَلَيْسَ فِي تَخْصِيصِهِ الْعَدَدَ بِالثَّلَاثِ مَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ حَصَلَتْ لَهُ الْمُوَافَقَةُ فِي أَشْيَاءَ غَيْرِ هَذِهِ مِنْ مَشْهُورِهَا قِصَّةُ أُسَارَى بَدْرٍ وَقِصَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَهُمَا فِي الصَّحِيحِ وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ من حَدِيث بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَا نَزَلَ بِالنَّاسِ أَمْرٌ قَطُّ فَقَالُوا فِيهِ.

     وَقَالَ  فِيهِ عُمَرُ إِلَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ وَهَذَا دَالٌّ عَلَى كَثْرَةِ مُوَافَقَتِهِ وَأَكْثَرُ مَا وَقَفْنَا مِنْهَا بِالتَّعْيِينِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ لَكِنْ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْمَنْقُولِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحِجَابِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَعَلَى مَسْأَلَةِ التَّخْيِيرِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ التَّحْرِيمِ وَقَولُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ عَسَى رَبُّهُ إِلَخْ وَذَكَرَ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ زِيَادَةً يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا فِي بَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ فِي أَوَاخِرِ النِّكَاحِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ كَانَ اللَّائِقُ إِيرَادَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ الْمَاضِي وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَالْجَوَاب أَنه عدل عَنهُ إِلَى حَدِيث بن عُمَرَ لِلتَّنْصِيصِ فِيهِ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ حَدِيثِ عُمَرَ هَذَا فَلَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ.
وَأَمَّا مُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ فَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ التَّرْجَمَةِ مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ بِالْكَعْبَةِ فَظَاهِرٌ أَوْ بِالْحَرَمِ كُلِّهِ فَمن فِي قَوْله من مقَام إِبْرَاهِيم لِلتَّبْعِيضِ وَمُصَلًّى أَيْ قِبْلَةً أَوْ بِالْحَجَرِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَيَكُونَ تَعَلُّقُهُ بالمتعلق بالقبلة لَا بِنَفس الْقبْلَة.

     وَقَالَ  بن رَشِيدٍ الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ تَعَلُّقَ الْحَدِيثِ بِالتَّرْجَمَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ لِأَنَّ عُمَرَ اجْتَهَدَ فِي أَنِ اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَلَّى إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي هُوَ فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ فَاخْتَارَ إِحْدَى جِهَاتِ الْقِبْلَةِ بِالِاجْتِهَادِ وَحَصَلَتْ مُوَافَقَتُهُ عَلَى ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى تَصْوِيبِ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ إِذَا بَذَلَ وُسْعَهُ وَلَا يخفى مَا فِيهِ
قَوْله.

     وَقَالَ  بن أبي مَرْيَم فِي رِوَايَة كَرِيمَة حَدثنَا بن أَبِي مَرْيَمَ وَفَائِدَةُ إِيرَادِ هَذَا الْإِسْنَادِ مَا فِيهِ مِنَ التَّصْرِيحِ بِسَمَاعِ حُمَيْدٍ مِنْ أَنَسٍ فَأُمِنَ مِنْ تَدْلِيسِهِ وَقَولُهُ بِهَذَا أَيْ إِسْنَادًا وَمَتْنًا فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ عَنْ عُمَرَ لَا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَائِدَةُ التَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ تَصْرِيحُ حُمَيْدٍ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنْ أَنَسٍ وَقَدْ تَعَقَّبَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَإِنْ خَرَّجَ لَهُ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَأَقُولُ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُتَابَعَاتِ وَلَمْ يَنْفَرِدْ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بِالتَّصْرِيحِ الْمَذْكُورِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يُوسُفَ الْقَاضِي عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزُّهْرَانِيِّ عَنْ هُشَيْمٍ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا أَنَسٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.




[ قــ :397 ... غــ :403] .

     قَوْلُهُ  بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ بِالْمَدِّ وَالصَّرْفِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَيَجُوزُ فِيهِ الْقَصْرُ وَعَدَمُ الصَّرْفِ وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ ظَاهِرَ الْمَدِينَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا مَسْجِدُ أَهْلِ قُبَاءَ فَفِيهِ مَجَازُ الْحَذْفِ وَاللَّامُ فِي النَّاسِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَالْمُرَادُ أَهْلُ قُبَاءَ وَمَنْ حَضَرَ مَعَهُمْ .

     قَوْلُهُ  فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلِمُسْلِمٍ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَهُوَ أَحَدُ أَسْمَائِهَا وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ كَرَاهِيَةَ تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ وَهَذَا فِيهِ مُغَايَرَةٌ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ الْمُتَقَدِّمِ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَالْجَوَابُ أَنْ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ لِأَنَّ الْخَبَرَ وَصَلَ وَقْتَ الْعَصْرِ إِلَى مَنْ هُوَ دَاخِلَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَالْآتِي إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ أَو بن نَهِيكٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَوَصَلَ الْخَبَرُ وَقْتَ الصُّبْحِ إِلَى مَنْ هُوَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بَنُو عَمْرو بْنِ عَوْفٍ أَهْلُ قُبَاءٍ وَذَلِكَ فِي حَدِيث بن عُمَرَ وَلَمْ يُسَمَّ الْآتِي بِذَلِكَ إِلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ بن طَاهِرٍ وَغَيْرُهُ نَقَلُوا أَنَّهُ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي حَقِّ بَنِي حَارِثَةَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ فَإِنْ كَانَ مَا نَقَلُوا مَحْفُوظًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَبَّادٌ أَتَى بَنِي حَارِثَةَ أَوَّلًا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى أَهْلِ قُبَاءٍ فَأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ فِي وَقْتِ الصُّبْحِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِهِمَا أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَلَمَةَ مَرَّ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَهَذَا مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ بن عُمَرَ فِي تَعْيِينِ الصَّلَاةِ وَبَنُو سَلَمَةَ غَيْرُ بَنِي حَارِثَةَ .

     قَوْلُهُ  قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ فِيهِ إِطْلَاقُ اللَّيْلَةِ عَلَى بَعْضِ الْيَوْمِ الْمَاضِي وَاللَّيْلَةِ الَّتِي تَلِيهِ مَجَازًا وَالتَّنْكِيرُ فِي قَوْلِهِ قُرْآنٌ لِإِرَادَةِ الْبَعْضِيَّةِ وَالْمُرَادُ .

     قَوْلُهُ  قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ الْآيَاتِ .

     قَوْلُهُ  وَقَدْ أُمِرَ فِيهِ أَنَّ مَا يُؤْمَرُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْزَمُ أُمَّتَهُ وَأَنَّ أَفْعَالَهُ يُتَأَسَّى بِهَا كَأَقْوَالِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الْخُصُوصِ .

     قَوْلُهُ  فَاسْتَقْبَلُوهَا بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ لِلْأَكْثَرِ أَيْ فَتَحَوَّلُوا إِلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ وَفَاعِلُ اسْتَقْبَلُوهَا الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ وَهُمْ أَهْلُ قُبَاءٍ وَقَولُهُ وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَخْ تَفْسِيرٌ مِنَ الرَّاوِي لِلتَّحَوُّلِ الْمَذْكُورِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ اسْتَقْبَلُوهَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ وَضَمِيرُ وُجُوهِهِمْ لَهُمْ أَوْ لِأَهْلِ قُبَاءٍ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ فَاسْتَقْبِلُوهَا بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَيَأْتِي فِي ضَمِيرِ وُجُوهِهِمُ الِاحْتِمَالَانِ الْمَذْكُورَانِ وَعَوْدِهِ إِلَى أَهْلِ قُبَاءٍ أَظْهَرُ وَيُرَجِّحُ رِوَايَةَ الْكَسْرِ أَنَّهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ أَلَا فَاسْتَقْبِلُوهَا فَدُخُولُ حَرْفِ الِاسْتِفْتَاحِ يُشْعِرُ بِأَنَّ الَّذِي بَعْدَهُ أَمْرٌ لَا أَنَّهُ بَقِيَّةُ الْخَبَرِ الَّذِي قَبْلَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَوَقَعَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ التَّحَوُّلِ فِي حَدِيث ثويلة بنت أسلم عِنْد بن أَبِي حَاتِمٍ وَقَدْ ذَكَرْتُ بَعْضَهُ قَرِيبًا .

     وَقَالَتْ  فِيهِ فَتَحَوَّلَ النِّسَاءُ مَكَانَ الرِّجَالِ وَالرِّجَالُ مَكَانَ النِّسَاء فَصَلَّيْنَا السَّجْدَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ.

قُلْتُ وَتَصْوِيرُهُ أَنَّ الْإِمَامَ تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ إِلَى مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ مَنِ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ اسْتَدْبَرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَهُوَ لَوْ دَارَ كَمَا هُوَ فِي مَكَانِهِ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ مَكَانٌ يَسَعُ الصُّفُوفِ وَلَمَّا تَحَوَّلَ الْإِمَامُ تَحَوَّلَتِ الرِّجَالُ حَتَّى صَارُوا خَلْفَهُ وَتَحَوَّلَتِ النِّسَاءُ حَتَّى صِرْنَ خَلْفَ الرِّجَالِ وَهَذَا يَسْتَدْعِي عَمَلًا كَثِيرًا فِي الصَّلَاةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ كَمَا كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اغْتُفِرَ الْعَمَلُ الْمَذْكُورُ مِنْ أَجْلِ الْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ لَمْ تَتَوَالَ الْخُطَا عِنْدَ التَّحْوِيلِ بَلْ وَقَعَتْ مُفَرَّقَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ حُكْمَ النَّاسِخِ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ حَتَّى يَبْلُغَهُ لِأَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ مَعَ كَوْنِ الْأَمْرِ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَقَعَ قَبْلَ صَلَاتِهِمْ تِلْكَ بِصَلَوَاتٍ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِعْلَامُ ذَلِكَ فَالْفَرْضُ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ وَفِيهِ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا تَمَادَوْا فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقْطَعُوهَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ رَجَحَ عِنْدَهُمُ التَّمَادِي وَالتَّحَوُّلُ عَلَى الْقَطْعِ وَالِاسْتِئْنَافِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا عَنِ اجْتِهَادٍ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ نَصٌّ سَابِقٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَرَقِّبًا التَّحَوُّلَ الْمَذْكُورَ فَلَا مَانِعَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مَا صَنَعُوا مِنَ التَّمَادِي وَالتَّحَوُّلِ وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ وَنَسْخُ مَا تَقَرَّرَ بِطَرِيقِ الْعِلْمِ بِهِ لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتْ عِنْدَهُمْ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ لِمُشَاهَدَتِهِمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِهَتِهِ وَوَقَعَ تَحَوُّلُهُمْ عَنْهَا إِلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ بِخَبَرِ هَذَا الْوَاحِدِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ احْتَفَّتْ بِهِ قَرَائِنُ وَمُقَدَّمَاتٌ أَفَادَتِ الْقَطْعَ عِنْدَهُمْ بِصِدْقِ ذَلِكَ الْمُخْبِرِ فَلَمْ يُنْسَخْ عِنْدَهُمْ مَا يُفِيدُ الْعِلْمَ إِلَّا بِمَا يُفِيدُ الْعِلْمَ وَقِيلَ كَانَ النَّسْخُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ جَائِزًا فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا مُنِعَ بَعْدَهُ وَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَفِيهِ جَوَازُ تَعْلِيمِ مَنْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ مَنْ هُوَ فِيهَا وَأَنَّ اسْتِمَاعَ الْمُصَلِّي لِكَلَامِ مَنْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ لَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى تَعْيِينِ الْوَقْتِ الَّذِي حُوِّلَتْ فِيهِ الْقِبْلَةُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْبَرَاءِ فِي كتاب الْإِيمَان وَوجه تعلق حَدِيث بن عُمَرَ بِتَرْجَمَةِ الْبَابِ أَنَّ دَلَالَتَهُ عَلَى الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْهَا مِنْ قَوْلِهِ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ وَعَلَى الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ صَلَّوْا فِي أَوَّلِ تِلْكَ الصَّلَاةِ إِلَى الْقِبْلَةِ الْمَنْسُوخَةِ جَاهِلِينَ بِوُجُوبِ التَّحَوُّلِ عَنْهَا وَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ مَعَ ذَلِكَ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ فَيَكُونُ حُكْمُ السَّاهِي كَذَلِكَ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْجَاهِلَ مُسْتَصْحِبٌ لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ مُغْتَفَرٌ فِي حَقِّهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي حَقِّ السَّاهِي لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ عَنْ حُكْمٍ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ وعرفه





[ قــ :398 ... غــ :404] قَوْله عَن عبد الله يَعْنِي بن مَسْعُودٍ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ خَمْسًا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَتَعَلُّقُهُ بِالتَّرْجَمَةِ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ وَمَا ذَاكَ أَيْ مَا سَبَبُ هَذَا السُّؤَالِ وَكَانَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةِ سَهْوًا كَمَا يَظْهَرُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ من قَوْله فَثنى رجله واستقبل الْقبْلَة