فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب التعوذ من عذاب القبر

( قَولُهُ بَابُ التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ)
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ .

     قَوْلُهُ  سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ وَأُمُّ خَالِدٍ بِنْتُ خَالِدٍ اسْمُهَا أَمَةُ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ بِنْتُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي اللِّبَاسِ وَأَنَّهَا وُلِدَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ لَمَّا هَاجَرَ أَبَوَاهَا إِلَيْهَا ثُمَّ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَكَانَتْ صَغِيرَةً فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ حَفِظَتْ عَنْهُ قَولُهُ بَابُ التَّعَوُّذِ مِنَ الْبُخْلِ كَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ هُنَا لِلْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ وَهِيَ غَلَطٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ فِي الْبَابِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ الْبُخْلِ لَكِنْ قَدْ تَرْجَمَ لِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ بِعَيْنِهَا بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ وَذَكَرَ فِيهِ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ بِعَيْنِهِ ثَانِيهِمَا أَنَّ الْحَدِيثَ الثَّانِي مُخْتَصٌّ بِعَذَابِ الْقَبْرِ لَا ذِكْرَ لِلْبُخْلِ فِيهِ أَصْلًا فَهُوَ بَقِيَّةٌ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ اللَّائِقُ بِهِ وَقَولُهُ عَن عبد الْملك هُوَ بن عُمَيْرٍ كَمَا سَيَأْتِي مَنْسُوبًا فِي الْبَابِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ



[ قــ :6030 ... غــ :6365] قَوْله عَن مُصعب هُوَ بن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ رِوَايَةِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ وَلِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ فِيهِ شَيْخٌ آخَرُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ سَعْدٍ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فَحَدَّثْتُ بِهِ مُصْعَبًا فَصَدَّقَهُ وَأَوْرَدَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ مُصْعَبٍ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ فَحَدَّثْتُ بِهِ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ فَقَالَ وَأَنَا حَدَّثَنِي بِهِنَّ سَعْدٌ وَقَدْ أَوْرَدَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ جَمِيعًا عَنْ سَعْدٍ وَسَاقَهُ عَلَى لَفْظِ مُصْعَبٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْهُمَا وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ مُصْعَبٍ وَحْدَهُ وَفِي سِيَاقِ عَمْرٍو أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ دُبُرَ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُصْعَبٍ وَفِي رِوَايَةِ مُصْعَبٍ ذِكْرُ الْبُخْلِ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ عَمْرٍو وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَن عَمْرو بن مَيْمُون عَن بن مَسْعُودٍ هَذِهِ رِوَايَةُ زَكَرِيَّا عَنْهُ.

     وَقَالَ  إِسْرَائِيلُ عَنْهُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الدَّارِمِيِّ أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَبُو إِسْحَاقَ يَضْطَرِبُ فِيهِ.

قُلْتُ لَعَلَّ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ سَمِعَهُ مِنْ جَمَاعَةٍ فَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَمَّى مِنْهُمْ ثَلَاثَةً كَمَا تَرَى وَقَولُهُ إِنَّهُ كَانَ سَعْدٌ يَأْمُرُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَأْمُرُنَا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَجَرِيرٌ الْمَذْكُور فِي الحَدِيث الثَّانِي هُوَ بن عبد الحميد وَمَنْصُور هُوَ بن الْمُعْتَمِرِ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَأَبُو وَائِلٍ هُوَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ وَهُوَ وَمَسْرُوقٌ شَيْخُهُ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَرِجَالُ الْإِسْنَادِ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ إِلَى عَائِشَةَ وَرِوَايَةُ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ مِنَ الْأَقْرَانِ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُسْتَمْلِي عَنِ الْفَرَبْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْصُورٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَمَسْرُوقٌ عَنْ عَائِشَةَ بِوَاوٍ بَدَلَ عَنْ قَالَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَلَا يُحْفَظُ لِأَبِي وَائِلٍ عَنْ عَائِشَةَ رِوَايَةٌ.

قُلْتُ أَمَّا كَوْنُهُ الصَّوَابَ فَصَوَابٌ لِاتِّفَاقِ الرُّوَاةِ فِي الْبُخَارِيِّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ مَنْصُورٍ.
وَأَمَّا النَّفْيُ فَمَرْدُودٌ فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا رَأَيْت الْوَجَع عَلَى أَحَد أَشَدّ مِنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا أخرجه الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ وَالثَّانِي إِذَا تَصَدَّقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ عَنْ عَائِشَةَ وَهَذَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ وَهَذَا جَمِيعُ مَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّة لأبي وَائِل عَن عَائِشَة واخرج بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا دُونَهَا إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً الْحَدِيثَ وَفِي بَعْضِ هَذَا مَا يَرُدُّ إِطْلَاقَ أَبِي عَلِيٍّ





[ قــ :6031 ... غــ :6366] .

     قَوْلُهُ  دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ عُجُزِ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ بَعْدَهَا زَايٌ جَمْعُ عَجُوزٍ مِثْلُ عَمُودٍ وَعُمُدٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى عَجَائِزَ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ قَالَ بن السِّكِّيتِ وَلَا يُقَالُ عَجُوزَةٌ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ هِيَ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ وَقَولُهُ وَلَمْ أُنْعِمْ هُوَ رُبَاعِيٌّ مِنْ أَنْعَمَ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا لَمْ تُصَدِّقْهُمَا أَوَّلًا .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَجُوزَيْنِ وَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ صَدَقَتَا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ حُذِفَ خَبَرُ إِنَّ لِلْعِلْمِ بِهِ وَالتَّقْدِيرُ دَخَلَتَا.

قُلْتُ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ هُوَ الَّذِي اخْتَصَرَهُ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَسَاقَهُ وَلَفْظُهُ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَجُوزَيْنِ مِنْ عَجَائِزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ دَخَلَتَا عَلَيَّ فَزَعَمَتَا أَنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ فَقَالَ صَدَقَتَا وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَرِيرٍ شَيْخِ عُثْمَانَ فِيهِ فَعَلَى هَذَا فَيُضْبَطُ وَذَكَرْتُ لَهُ بِضَمِّ التَّاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ ذَكَرْتُ لَهُ مَا قَالَتَا وَقَولُهُ تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى وَبَيَّنْتُ طَرِيقَ الْجَمْعِ بَيْنَ جَزْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَا بِتَصْدِيقِ الْيَهُودِيَّتَيْنِ فِي إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَقَولُهُ فِي الرِّوَايَةِ عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ فَقَالَ إِنَّمَا يُفْتَنُ يَهُودُ فَجَرَى عَلَى مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ ذَلِكَ ثُمَّ لَمَّا عَلِمَ بِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ لِغَيْرِ الْيَهُودِ اسْتَعَاذَ مِنْهُ وَعَلَّمَهُ وَأَمَرَ بِإِيقَاعِهِ فِي الصَّلَاةِ لِيَكُونَ أَنْجَحَ فِي الْإِجَابَة وَالله اعْلَم