فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي»

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكَنَّوْا)
بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْديد النُّون وَهُوَ على حذف إِحْدَى التائين أَوْ بِسُكُونِ الْكَافِ وَضَمِّ النُّونِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَلَا تَكْتَنُوا بِسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا نُونٌ .

     قَوْلُهُ  بِكُنْيَتِي فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِكِنْوَتِي بِالْوَاوِ بَدَلَ التَّحْتَانِيَّةِ وَهِيَ بِمَعْنَاهَا كَنَوْتُهُ وَكَنَّيْتُهُ بِمَعْنًى قَالَ عِيَاضٌ رَوَوْهُ كُلُّهُمْ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ بِالْيَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْكُنْيَةِ وَالتَّعْرِيفُ بِهَا فِي أَوَائِلِ الْمَنَاقِبِ فِي بَابِ كُنْيَةِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  فِيهِ أَنَسٌ يُشِيرُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي الْبُيُوعِ ثُمَّ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ بِهَذَا وَفِيهِ قِصَّةٌ سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا وَلَفْظُهُ سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تُكَنُّوا بِكُنْيَتِي ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ جَابِرٍ فِي ذَلِكَ ثُمَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ حَدِيثَ جَابِرٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَاقْتَصَرَ فِيهِ على الْمَتْنُ وَلَفْظُهُ كَحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ وَهُوَ بن أَبِي الْجَعْدِ عَنْهُ وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلَامٌ فَسَمَّاهُ الْقَاسِمُ فَقَالُوا لَا نُكَنِّيكَ حَتَّى نَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْهُ فَقُلْنَا لَا نَكْنِيكَ بِأَبِي الْقَاسِمِ وَلَا نُنَعِّمُكَ عَيْنًا فَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ إِمَّا بِأَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ هَذَا وَبَعْضَهُمْ قَالَ هَذَا وَإِمَّا أَنَّهُمْ مَنَعُوا أَوَّلًا مُطْلَقًا ثُمَّ اسْتَدْرَكُوا فَقَالُوا حَتَّى نَسْأَلَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَيْضًا فَقَالَ سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تُكَنُّوا بِكُنْيَتِي وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ سَمِّ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَحَدَ الرَّاوِيَيْنِ ذَكَرَ مَا لَمْ يَذْكُرِ الْآخَرُ وَقَولُهُ



[ قــ :5860 ... غــ :6189] لَا نَكْنِيكَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مَعَ التَّخْفِيف وبضمه مَعَ التَّشْدِيد وننعمك بِضَمِّ أَوَّلِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتُلِفَ فِي التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبٍ الْأَوَّلُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ اسْمُهُ مُحَمَّدًا أَمْ لَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَالثَّانِي الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَيَخْتَصُّ النَّهْيُ بِحَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّالِثُ لَا يَجُوزُ لِمَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا يَفْعَلُونَهُ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا إِطْبَاقُ النَّاسِ عَلَيْهِ فَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِلْمَذْهَبِ الثَّانِي وَكَأَنَّ مُسْتَنَدَهُمْ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُشَارِ إِلَيْهِ قَبْلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي السُّوقِ فَسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَمْ أَعْنِكَ فَقَالَ سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تُكَنُّوا بِكُنْيَتِي قَالَ فَفَهِمُوا مِنَ النَّهْيِ الِاخْتِصَاصَ بِحَيَاتِهِ لِلسَّبَبِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ زَالَ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَهَذَا السَّبَبُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ فَمَا خَرَجَ صَاحِبُ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ عَنِ الظَّاهِرِ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَمِمَّا نُنَبِّهُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّوَوِيَّ أَوْرَدَ الْمَذْهَبَ الثَّالِثَ مَقْلُوبًا فَقَالَ يَجُوزُ لِمَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا لَا يُعْرَفُ بِهِ قَائِلٌ وَإِنَّمَا هُوَ سَبْقُ قَلَمٍ وَقَدْ حَكَى الْمَذَاهِبَ الثَّلَاثَةَ فِي الْأَذْكَارِ عَلَى الصَّوَابِ وَكَذَا هِيَ فِي الرَّافِعِيِّ وَمِمَّا تَعَقَّبَهُ السُّبْكِيُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَجَّحَ مَنْعَ التَّكْنِيَةِ بِأَبِي الْقَاسِمِ مُطْلَقًا وَلِمَا ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي خُطْبَةِ الْمِنْهَاجِ كناه فَقَالَ الْمُحَرِّرُ لِلْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ الرَّافِعِيِّ وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ لِلْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ فَقَطْ أَوْ يُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ وَلَا يُكَنِّيهِ بِالْكُنْيَةِ الَّتِي يَعْتَقِدُ الْمُصَنِّفُ مَنْعَهَا وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى اخْتِيَارِ الرَّافِعِيِّ الْجَوَازَ أَوْ إِلَى أَنَّهُ مُشْتَهِرٌ بِذَلِكَ وَمَنْ شُهِرَ بِشَيْءٍ لَمْ يَمْتَنِعْ تَعْرِيفُهُ بِهِ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ هَذَا الْقَصْدِ فَإِنَّهُ لَا يُسَوَّغُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَبِالْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ قَالَ الظَّاهِرِيَّةُ وَبَالَغَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُسَمِّيَ ابْنَهُ الْقَاسِمَ لِئَلَّا يَكُنَّى أَبَا الْقَاسِمِ وَحَكَى الطَّبَرِيُّ مَذْهَبًا رَابِعًا وَهُوَ الْمَنْعُ مِنِ التَّسْمِيَةِ بِمُحَمَّدٍ مُطْلَقًا وَكَذَا التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ مُطْلَقًا ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدٍ كَتَبَ عُمَرُ لَا تُسَمُّوا أَحَدًا بِاسْمِ نَبِيٍّ وَاحْتَجَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْقَوْلِ بِمَا أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ يُسَمُّونَهُمْ مُحَمَّدًا ثُمَّ يَلْعَنُونَهُمْ وَهُوَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى أَيْضًا وَسَنَدُهُ لَيِّنٌ قَالَ عِيَاضٌ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ إِعْظَامًا لِاسْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يُنْتَهَكَ وَقَدْ كَانَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِمُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ يَا مُحَمَّدُ فَعَلَ اللَّهُ بِكَ وَفَعَلَ فَدَعَاهُ.

     وَقَالَ  لَا أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبُّ بِكَ فَغَيَّرَ اسْمَهُ.

قُلْتُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن بن أبي ليلى نظر عمر إِلَى بن عَبْدِ الْحَمِيدِ وَكَانَ اسْمُهُ مُحَمَّدًا وَرَجُلٌ يَقُولُ لَهُ فَعَلَ اللَّهُ بِكَ يَا مُحَمَّدُ فَأَرْسَلَ إِلَى بن زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَا أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسب بك فَسَمَّاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَأَرْسَلَ إِلَى بَنِي طَلْحَةَ وَهُمْ سَبْعَةٌ لِيُغَيِّرَ أَسْمَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ وَهُوَ كَبِيرُهُمْ وَاللَّهِ لَقَدْ سَمَّانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا فَقَالَ قُومُوا فَلَا سَبِيلَ إِلَيْكُمْ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنْ ذَلِكَ وَحَكَى غَيْرُهُ مَذْهَبًا خَامِسًا وَهُوَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا فِي حَيَاتِهِ وَالتَّفْصِيلُ بَعْدَهُ بَيْنَ مَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ فَيَمْتَنِعُ وَإِلَّا فَيَجُوزُ وَقَدْ وَرَدَ مَا يُؤَيِّدُ الْمَذْهَبَ الثَّالِثَ الَّذِي ارْتَضَاهُ الرَّافِعِيُّ وَوَهَّاهُ النَّوَوِيُّ وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَحسنه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ مَنْ تَسَمَّى بِاسْمِي فَلَا يَكْتَنِي بِكُنْيَتِي وَمَنِ اكْتَنَى بِكُنْيَتِي فَلَا يَتَسَمَّى بِاسْمِي لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ وَأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ عَن أبي الزبير وَلَفظ التِّرْمِذِيّ وبن حبَان من طَرِيق حُسَيْن بن وَاقد عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ إِذَا سَمَّيْتُمْ بِي فَلَا تُكَنُّوا بِي وَإِذَا كَنَّيْتُمْ بِي فَلَا تُسَمُّوا بِي قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنِ بن جُرَيْجٍ مِثْلَ رِوَايَةِ هِشَامٍ وَرَوَاهُ مَعْقِلٌ عَنْ أبي الزبير مثل رِوَايَة بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَرَوَاهُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ.

قُلْتُ وَوَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَبُو يَعْلَى وَلَفْظُهُ لَا تَجْمَعُوا بَيْنَ اسْمِي وَكُنْيَتِي وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْهُ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ.

     وَقَالَ  أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ اللَّهُ يُعْطِي وَأَنَا أَقْسِمُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَاخْتُلِفَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ وَعَلَى أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرٍو وَمُوسَى بْنِ يَسَارٍ عَنْ أبي هُرَيْرَة على الْوَجْهَيْنِ قلت وَحَدِيث بن أبي عمْرَة أخرجه أَحْمد وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ عَمِّهِ رَفَعَهُ لَا تَجْمَعُوا بَيْنَ اسْمِي وَكُنْيَتِي وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فَضَالَةَ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَأَنا بن أُسْبُوعَيْنِ فَأُتِيَ بِي إِلَيْهِ فَمَسَحَ عَلَى رَأْسِي.

     وَقَالَ  سَمُّوهُ بِاسْمِي وَلَا تُكَنُّوهُ بِكُنْيَتِي وَرِوَايَةُ أَبِي زُرْعَةَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى بِلَفْظِ مَنْ تَسَمَّى بِاسْمِي فَلَا يَكْتَنِي بِكُنْيَتِي وَاحْتَجَّ لِلْمَذْهَبِ الثَّانِي بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ وُلِدَ لِي مِنْ بَعْدِكَ وَلَدٌ أُسَمِّيهِ بِاسْمِكَ وَأُكَنِّيهِ بِكُنْيَتِكَ قَالَ نَعَمْ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ فَسَمَّانِي مُحَمَّدًا وَكَنَّانِي أَبَا الْقَاسِمِ وَكَانَ رُخْصَةً مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَوَيْنَا هَذِهِ الرُّخْصَةَ فِي أَمَالِي الْجَوْهَرِيِّ وأخرجها بن عَسَاكِرٍ فِي التَّرْجَمَةِ النَّبَوِيَّةِ مِنْ طَرِيقِهِ وَسَنَدُهَا قَوِيٌّ قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي إِبَاحَةِ ذَلِكَ لِعَلِيٍّ ثُمَّ تَكْنِيَةُ عَلِيٍّ وَلَدَهُ أَبَا الْقَاسِمِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ عَلَى الْكَرَاهَةِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ قَالَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى التَّحْرِيمِ لَأَنْكَرَهُ الصَّحَابَةُ وَلَمَا مَكَّنُوهُ أَنْ يُكَنِّي وَلَدَهُ أَبَا الْقَاسِمِ أَصْلًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا فَهِمُوا مِنَ النَّهْيِ التَّنْزِيهَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْحَصِرِ الْأَمْرُ فِيمَا قَالَ فَلَعَلَّهُمْ عَلِمُوا الرُّخْصَةَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَوْ فَهِمُوا تَخْصِيصَ النَّهْيِ بِزَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا أَقْوَى لِأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ سَمَّى ابْنَهُ مُحَمَّدًا وَكَنَّاهُ أَبَا الْقَاسِمِ وَهُوَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَقَدْ جَزَمَ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي كَنَّاهُ وَأَخْرَجَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ ظِئْرِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ وَكَذَا يُقَالُ لكنية كل من المحمدين بن أبي بكر وبن سعد وبن جَعْفَر بن أبي طَالب وبن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وبن حَاطِب بن أبي بلتعة وبن الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ أَبُو الْقَاسِمِ وَأَنَّ آبَاءَهُمْ كَنَّوْهُمْ بِذَلِكَ قَالَ عِيَاضٌ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَمَّيْتُ ابْنِي مُحَمَّدًا وَكَنَّيْتُهُ أَبَا الْقَاسِمِ فَذُكِرَ لِي أَنَّكَ تَكْرَهُ ذَلِكَ قَالَ مَا الَّذِي أَحَلَّ اسْمِي وَحَرَّمَ كُنْيَتِي فَقَدْ ذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عِمْرَانَ الْحَجَبِيَّ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْهَا وَمُحَمَّدٌ الْمَذْكُورُ مَجْهُولٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ النَّهْيِ وَفِي الْجُمْلَةِ أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ الْمَذْهَبُ الْمُفَصَّلُ الْمَحْكِيُّ أَخِيرًا مَعَ غَرَابَتِهِ.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي جَمْرَةَ بَعْدَ أَنْ أَشَارَ إِلَى تَرْجِيحِ الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ مِنْ حَيْثُ الْجَوَازِ لَكِنَّ الْأَوْلَى الْأَخْذُ بِالْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَبْرَأ للذمة وَأعظم للْحُرْمَة وَالله أعلم