فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب

( .

     قَوْلُهُ  بَاب تَحْرِيضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي أمته أَو الْمُؤمنِينَ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ)

فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّوَافِلِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ قَالَ بن الْمُنِيرِ اشْتَمَلَتِ التَّرْجَمَةُ عَلَى أَمْرَيْنِ التَّحْرِيضِ وَنَفْيِ الْإِيجَابِ فَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَلِيٍّ لِلْأَوَّلِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ لِلثَّانِي.

قُلْتُ بَلْ يُؤْخَذُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ نَفْيُ الْإِيجَابِ وَيُؤْخَذُ التَّحْرِيضُ مِنْ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ مِنْ قَوْلِهَا كَانَ يَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّهُ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ أَحَبَّهُ اسْتَلْزَمَ التَّحْرِيضَ عَلَيْهِ لَوْلَا مَا عَارَضَهُ مِنْ خَشْيَةِ الِافْتِرَاضِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ قَالَ بن رَشِيدٍ كَأَنَّ الْبُخَارِيَّ فَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيقَاظِ الْإِيقَاظُ لِلصَّلَاةِ لَا لِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ بِمَا أُنْزِلَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ لَكَانَ يُمْكِنُ تَأْخِيرُهُ إِلَى النَّهَارِ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ لِمُشَاهَدَةِ حَالِ الْمُخْبِرِ حِينَئِذٍ أَثَرًا لَا يَكُونُ عِنْدَ التَّأْخِيرِ فَيَكُونُ الْإِيقَاظُ فِي الْحَالِ أَبْلَغَ لِوَعْيِهِنَّ مَا يُخْبِرُهُنَّ بِهِ وَلِسَمْعِهِنَّ مَا يَعِظُهُنَّ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِهِ قِيَامِ اللَّيْلِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَسَمَاعِ الْمَوْعِظَةِ وَالتَّفَكُّرِ فِي الْمَلَكُوتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيَكُونَ .

     قَوْلُهُ  وَالنَّوَافِلِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ.

قُلْتُ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ كَمَا بَيَّنْتُهُ لَا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ وَمَا نَسَبَهُ إِلَى فَهْمِ الْبُخَارِيِّ أَوَّلًا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ وَغَيْرِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجَرِ يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ حَتَّى يُصَلِّينَ فَظَهَرَتْ مُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ وَأَنَّ فِيهِ التَّحْرِيضَ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ وَعَدَمُ الْإِيجَابِ يُؤْخَذُ مِنْ تَرْكِ إِلْزَامِهِنَّ بِذَلِكَ وَجَرَى الْبُخَارِيُّ عَلَى عَادَتِهِ فِي الْحَوَالَةِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُورِدُهُ وَسَتَأْتِي بَقِيَّةُ فَوَائِدِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الْفِتَنِ وَعَبْدُ اللَّهِ الْمَذْكُورُ فِي إِسْنَادِهِ هُوَ بن الْمُبَارَكِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فِعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَذْكُورُ فِي إِسْنَادِهِ هُوَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ وَمِنْ أَشْرَفِ التَّرَاجِمِ الْوَارِدَةِ فِيمَنْ رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَحَكَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ كَاتِبَ اللَّيْثِ رَوَاهُ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي مَنِيعٍ عَنْ جَدِّهِ عَنِ الزُّهْرِيّ فِي تَفْسِير بن مَرْدَوَيْهِ وَهُوَ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ عَنِ الْحُسَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ والطبري



[ قــ :1088 ... غــ :1127] .

     قَوْلُهُ  طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ وَالطُّرُوقُ الْإِتْيَانُ بِاللَّيْلِ وَعَلَى هَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  لَيْلَةً للتاكيد وَحكى بن فَارِسٍ أَنَّ مَعْنَى طَرَقَ أَتَى فَعَلَى هَذَا يَكُونُ .

     قَوْلُهُ  لَيْلَةً لِبَيَانِ وَقْتِ الْمَجِيءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَيْلَةً أَيْ مَرَّةً وَاحِدَة قَوْله الا تصليان قَالَ بن بَطَّالٍ فِيهِ فَضِيلَةُ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَإِيقَاظُ النَّائِمِينَ مِنَ الْأَهْلِ وَالْقَرَابَةِ لِذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ الْمَذْكُورَةِ وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ وعَلى فَاطِمَة مِنَ اللَّيْلِ فَأَيْقَظَنَا لِلصَّلَاةِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فَصَلَّى هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ فَلَمْ يَسْمَعْ لَنَا حِسًّا فَرَجَعَ إِلَيْنَا فَأَيْقَظَنَا الْحَدِيثَ قَالَ الطَّبَرِيُّ لَوْلَا مَا عَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِظَمِ فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي اللَّيْل مَا كَانَ يزعج ابْنَته وبن عَمِّهِ فِي وَقْتٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لِخَلْقِهِ سَكَنًا لَكِنَّهُ اخْتَارَ لَهُمَا إِحْرَازَ تِلْكَ الْفَضِيلَةِ عَلَى الدَّعَةِ وَالسُّكُونِ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ الْآيَةَ .

     قَوْلُهُ  أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ اقْتَبَسَ عَلِيٌّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا الْآيَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَكِيمٍ الْمَذْكُورَةِ قَالَ عَلِيٌّ فَجَلَسْتُ وَأَنَا أَعْرُكُ عَيْنِي وَأَنَا أَقُولُ وَاللَّهِ مَا نُصَلِّي إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْمَشِيئَةِ لِلَّهِ وَأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا إِلَّا بِإِرَادَةِ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  بَعَثَنَا بِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ أَيْقَظَنَا وَأَصْلُهُ إِثَارَةُ الشَّيْءِ مِنْ مَوْضِعِهِ .

     قَوْلُهُ  حِينَ.

قُلْتُ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ حِينَ قُلْنَا .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يَرْجِعْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ لَمْ يُجِبْنِي وَفِيهِ أَنَّ السُّكُوتَ يَكُونُ جَوَابًا وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الْقَوْلِ الَّذِي لَا يُطَابِقُ الْمُرَادَ وَإِنْ كَانَ حَقًّا فِي نَفْسِهِ .

     قَوْلُهُ  يَضْرِبُ فَخِذَهُ فِيهِ جَوَازُ ضَرْبِ الْفَخِذِ عِنْدَ التَّأَسُّفِ.

     وَقَالَ  بن التِّينِ كَرِهَ احْتِجَاجَهُ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَأَرَادَ مِنْهُ أَنْ يَنْسُبَ التَّقْصِيرَ إِلَى نَفْسِهِ وَفِيهِ جَوَازُ الِانْتِزَاعِ مِنَ الْقُرْآنِ وَتَرْجِيحُ قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ لِلْعُمُومِ لَا لخُصُوص الْكفَّار وَفِيه منقبة لعَلي حَيْثُ لَمْ يَكْتُمْ مَا فِيهِ عَلَيْهِ أَدْنَى غَضَاضَةً فَقَدَّمَ مَصْلَحَةَ نَشْرِ الْعِلْمِ وَتَبْلِيغِهِ عَلَى كتمه وَنقل بن بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ قَالَ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُشَدِّدَ فِي النَّوَافِلِ حَيْثُ قَنَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ لِأَنَّهُ كَلَامٌ صَحِيحٌ فِي الْعُذْرِ عَنِ التَّنَفُّلِ وَلَوْ كَانَ فَرْضًا مَا عَذَرَهُ قَالَ.
وَأَمَّا ضَرْبُهُ فَخِذَهُ وَقِرَاءَتُهُ الْآيَةَ فَدَالٌّ عَلَى أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ أَحْرَجَهُمْ فَنَدِمَ عَلَى إِنْبَاهِهِمْ كَذَا قَالَ وَأَقَرَّهُ بن بَطَّالٍ وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ وَمَا تَقَدَّمَ أَوْلَى.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ ضَرَبَ فَخِذَهُ تَعَجُّبًا مِنْ سُرْعَةِ جَوَابِهِ وَعَدَمِ مُوَافَقَتِهِ لَهُ عَلَى الِاعْتِذَارِ بِمَا اعْتَذَرَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ الْأَوَّلُ فَيَشْتَمِلُ عَلَى حَدِيثَيْنِ أَحَدِهِمَا تَرْكِ الْعَمَلِ خَشْيَةَ افْتِرَاضِهِ ثَانِيهِمَا ذِكْرِ صَلَاةِ الضُّحَى وَهَذَا الثَّانِي سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الضُّحَى وَقَولُهُ





[ قــ :1089 ... غــ :118] فِي الْأَوَّلِ إِنْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَهِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ وفيهَا ضمير الشَّأْن وَقَوله لَيَدَعُ بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ يَتْرُكُ وَقَولُهُ خَشْيَةَ بِالنّصب مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَيَدَعُ وَقَولُهُ فَيُفْرَضَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى يَعْمَلَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى فَوَائِدِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ وَزَادَ فِيهِ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ قَالَتْ وَكَانَ يُحِبُّ مَا خَفَّ عَلَى النَّاسِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ الثَّانِي فَهُوَ بِإِسْنَادِ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَولُهُ



[ قــ :1090 ... غــ :119] صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ تَقَدَّمَ قُبَيْلَ صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى فِي حُجْرَتِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا بَيْتَهُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْحَصِيرُ الَّتِي كَانَ يَحْتَجِرُهَا بِاللَّيْلِ فِي الْمَسْجِدِ فَيَجْعَلُهَا عَلَى بَابِ بَيْتِ عَائِشَةَ فَيُصَلِّي فِيهِ وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ بِالنَّهَارِ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ وَلَفْظُهُ كَانَ يَحْتَجِرُ حَصِيرًا بِاللَّيْلِ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ وَيَبْسُطهُ بِالنَّهَارِ فَيَجْلِسُ عَلَيْهِ وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَأَمَرَنِي أَنْ أَنْصِبَ لَهُ حَصِيرًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي فَفَعَلْتُ فَخَرَجَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى يَحْتَجِرُ يُحَوِّطُ مَوْضِعًا مِنَ الْمَسْجِدِ بِحَصِيرٍ يَسْتُرهُ لِيُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَارٌّ لِيَتَوَفَّرَ خُشُوعُهُ وَيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ.
وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ احْتِجَارَهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَلَزِمَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ الَّذِي أُمِرَ النَّاسُ بِهِ حَيْثُ قَالَ فَصَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ إِنْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَهُوَ إِذَا احْتَجَرَ صَارَ كَأَنَّهُ بَيَّتَ بِخُصُوصِيَّتِهِ أَوْ أَنَّ السَّبَبَ فِي كَون صَلَاة التَّطَوُّع فِي الْبَيْت أفضل عدم شَوْبِهِ بِالرِّيَاءِ غَالِبًا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَزَّهٌ عَنِ الرِّيَاءِ فِي بَيْتِهِ وَفِي غَيْرِ بَيْتِهِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ أَيْ مِنَ اللَّيْلَةِ الْمُقْبِلَةِ وَهُوَ لَفْظُ مَعْمَرٍ عَن بن شِهَابٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلِ أَيِ الْوَقْتِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ كَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ بِالشَّكِّ وَفِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ عَنِ بن شِهَابٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ فَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلَاتِهِ فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ يُونُس عَن بن شِهَابٍ يَتَحَدَّثُونَ بِذَلِكَ وَنَحْوَهُ فِي رِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَلِأَحْمَدَ من رِوَايَة بن جريج عَن بن شِهَابٍ فَلَمَّا أَصْبَحَ تَحَدَّثُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ زَادَ يُونُسُ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ فَصَلَّوْا مَعَهُ فَأَصْبَحَ النَّاسُ يَذْكُرُونَ ذَلِكَ فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَخَرَجَ فَصَلَّوْا بِصَلَاتِهِ فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ وَلِابْنِ جُرَيْجٍ حَتَّى كَانَ الْمَسْجِدُ يَعْجِزُ عَنْ أَهْلِهِ وَلِأَحْمَدَ مِنْ رِوَايَة معمر عَن بن شِهَابٍ امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ حَتَّى اغْتَصَّ بِأَهْلِهِ وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْهُ فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ غَصَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ .

     قَوْلُهُ  فَلم يخرج زَاد أَحْمد فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ حَتَّى سَمِعْتُ نَاسًا مِنْهُمْ يَقُولُونَ الصَّلَاةَ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ فَقَالُوا مَا شَأْنُهُ وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَامِ فَفَقَدُوا صَوْتَهُ وَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ نَامَ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَفِي حَدِيثِهِ فِي الْأَدَبِ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا الْبَابَ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ فِي رِوَايَةِ عَقَيْلٍ فَلَمَّا قَضَى صَلَاةَ الْفَجْرِ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانكُمْ وَفِي رِوَايَة يُونُس وبن جُرَيْجٍ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ شَأْنُكُمْ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ اكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ أَنَّ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ بَيَانَ عَدَدِ صَلَاتِهِ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي لَكِنْ روى بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَانَ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ فَلَمَّا كَانَتِ الْقَابِلَةُ اجْتَمَعْنَا فِي الْمَسْجِدِ وَرَجَوْنَا أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا ثُمَّ دَخَلْنَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَدِيثَ فَإِنْ كَانَتِ الْقِصَّةُ وَاحِدَةً احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ جَابِرٌ مِمَّنْ جَاءَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى وَصْفِ لَيْلَتَيْنِ وَكَذَا مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَامَ حَتَّى كُنَّا رَهْطًا فَلَمَّا أَحَسَّ بِنَا تَجَوَّزَ ثُمَّ دَخَلَ رَحْلَهُ الْحَدِيثَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى .

     قَوْلُهُ  إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ عَدَمَ خُرُوجِهِ إِلَيْهِمْ كَانَ لِهَذِهِ الْخَشْيَةِ لَا لِكَوْنِ الْمَسْجِدِ امْتَلَأَ وَضَاقَ عَنِ الْمُصَلِّينَ .

     قَوْلُهُ  أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُم فِي رِوَايَة عقيل وبن جُرَيْجٍ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَذْكُورَةِ قُبَيْلَ صِفَةِ الصَّلَاةِ خَشِيتُ أَنْ تُكْتَبَ عَلَيْكُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَقَولُهُ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا أَيْ تَشُقَّ عَلَيْكُمْ فَتَتْرُكُوهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْعَجْزَ الْكُلِّيَّ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ التَّكْلِيفَ مِنْ أَصْلِهِ ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَقَّعَ تَرَتُّبَ افْتِرَاضِ الصَّلَاةِ بِالَلِيلِ جَمَاعَةً عَلَى وُجُودِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا وَفِي ذَلِكَ إِشْكَالٌ وَقَدْ بَنَاهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي أَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ وَفِيهِ نَظَرٌ وَأَجَابَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنَّكَ إِنْ وَاظَبْتَ عَلَى هَذِهِ الصَّلَاةِ مَعَهُمُ افْتَرَضْتُهَا عَلَيْهِمْ فَأَحَبَّ التَّخْفِيفَ عَنْهُمْ فَتَرَكَ الْمُوَاظَبَةَ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ كَمَا اتَّفَقَ فِي بَعْضِ الْقُرَبِ الَّتِي دَاوَمَ عَلَيْهَا فَافْتُرِضَتْ وَقِيلَ خَشِيَ أَنْ يَظُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَّةِ مِنْ مُدَاوَمَتِهِ عَلَيْهَا الْوُجُوبَ وَإِلَى هَذَا الْأَخِيرِ نَحَا الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ .

     قَوْلُهُ  فَتُفْرَضَ عَلَيْكُمْ أَيْ تَظُنُّونَهُ فَرْضًا فَيَجِبُ عَلَى مَنْ ظَنَّ ذَلِكَ كَمَا إِذَا ظَنَّ الْمُجْتَهِدُ حِلَّ شَيْءٍ أَوْ تَحْرِيمَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ قَالَ وَقِيلَ كَانَ حُكْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِذَا وَاظَبَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَاقْتَدَى النَّاسُ بِهِ فِيهِ أَنَّهُ يُفْرَضَ عَلَيْهِمُ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى بُعْدَ هَذَا الْأَخِيرِ فَقَدْ وَاظَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ وَتَابَعَهُ أَصْحَابُهُ وَلم تفرض.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ صَدَرَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَ قِيَامُ اللَّيْلِ فَرْضًا عَلَيْهِ دُونَ أُمَّتِهِ فَخَشِيَ إِنْ خَرَجَ إِلَيْهِمْ وَالْتَزَمُوا مَعَهُ قِيَامَ اللَّيْلِ أَنْ يُسَوِّيَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي حُكْمِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرْعِ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أُمَّتِهِ فِي الْعِبَادَةِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَشِيَ مِنْ مُوَاظَبَتِهِمْ عَلَيْهَا أَنْ يَضْعُفُوا عَنْهَا فَيَعْصِيَ مَنْ تَرَكَهَا بِتَرْكِ اتِّبَاعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الْخَطَّابِيُّ أَصْلَ هَذِهِ الْخَشْيَةِ مَعَ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ فَإِذَا أُمِنَ التَّبْدِيلُ فَكَيْفَ يَقَعُ الْخَوْفُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَهَذَا يُدْفَعُ فِي صُدُورِ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْعَالُهُ الشَّرْعِيَّةُ يَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِيهَا يَعْنِي عِنْدَ الْمُوَاظَبَةِ فَتَرَكَ الْخُرُوجَ إِلَيْهِمْ لِئَلَّا يَدْخُلَ ذَلِكَ فِي الْوَاجِبِ مِنْ طَرِيقِ الْأَمْرِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ لَا مِنْ طَرِيقِ إِنْشَاءِ فَرْضٍ جَدِيدٍ زَائِدٍ عَلَى الْخَمْسِ وَهَذَا كَمَا يُوجِبُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ صَلَاةَ نَذْرٍ فَتَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ زِيَادَةُ فَرْضٍ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ قَالَ وَفِيهِ احْتِمَالٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ الصَّلَاةَ خَمْسِينَ ثُمَّ حَطَّ مُعْظَمَهَا بِشَفَاعَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا عَادَتِ الْأُمَّةُ فِيمَا اسْتَوْهَبَ لَهَا وَالْتَزَمَتْ مَا اسْتَعْفَى لَهُمْ نَبِيُّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ لَمْ يُسْتَنْكَرْ أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ كَمَا الْتَزَمَ نَاسٌ الرَّهْبَانِيَّةَ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ ثُمَّ عَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ التَّقْصِيرَ فِيهَا فَقَالَ فَمَا رعوها حق رعايتها فَخَشِيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ سَبِيلُهُمْ سَبِيلَ أُولَئِكَ فَقَطَعَ الْعَمَلَ شَفَقَةً عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ تَلَقَّى هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ مِنَ الْخَطَّابِيِّ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ كَابْنِ الْجَوْزِيِّ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى وُجُوبِ الِاقْتِدَاءِ بِأَفْعَالِهِ وَفِي كُلٍّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ نِزَاعٌ وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَن المُرَاد بقوله تَعَالَى لَا يُبدل القَوْل لَدَى الْأَمْنُ مِنْ نَقْصِ شَيْءٍ مِنَ الْخَمْسِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلزِّيَادَةِ انْتَهَى لَكِنْ فِي ذِكْرِ التَّضْعِيفِ بِقَوْلِهِ هُنَّ خَمْسٌ وَهُنَّ خَمْسُونَ إِشَارَةٌ إِلَى عدم الزِّيَادَةِ أَيْضًا لِأَنَّ التَّضْعِيفَ لَا يَنْقُصُ عَنِ الْعَشْرِ وَدَفَعَ بَعْضُهُمْ فِي أَصْلِ السُّؤَالِ بِأَنَّ الزَّمَانَ كَانَ قَابِلًا لِلنَّسْخِ فَلَا مَانِعَ مِنْ خشيَة الافتراض وَفِيه نظر لِأَن قَوْله لَا يُبدل القَوْل لَدَى خَبَرٌ وَالنَّسْخُ لَا يَدْخُلُهُ عَلَى الرَّاجِحِ وَلَيْسَ هُوَ كَقَوْلِهِ مَثَلًا لَهُمْ صُومُوا الدَّهْرَ أَبَدًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ النَّسْخُ وَقَدْ فَتَحَ الْبَارِي بِثَلَاثَةِ أَجْوِبَةٍ أُخْرَى أَحَدِهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَخُوِّفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ اللَّيْلِ بِمَعْنَى جَعْلِ التَّهَجُّدِ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةً شَرْطًا فِي صِحَّةِ التَّنَفُّلِ بِاللَّيْلِ ويومئ إِلَيْهِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْكُمْ مَا قُمْتُمْ بِهِ فَصَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَمَنَعَهُمْ مِنَ التَّجْمِيعِ فِي الْمَسْجِدِ إِشْفَاقًا عَلَيْهِمْ مِنَ اشْتِرَاطِهِ وَأُمِنَ مَعَ إِذْنِهِ فِي الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ فِي بُيُوتِهِمْ مِنَ افْتِرَاضِهِ عَلَيْهِمْ ثَانِيهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَخُوِّفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ اللَّيْلِ عَلَى الْكِفَايَةِ لَا عَلَى الْأَعْيَانِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ زَائِدًا عَلَى الْخَمْسِ بَلْ هُوَ نَظِيرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ قَوْمٌ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهَا ثَالِثُهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَخُوِّفُ افْتِرَاضَ قِيَامِ رَمَضَانَ خَاصَّةً فَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي رَمَضَانَ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْكُمْ قِيَامُ هَذَا الشَّهْرِ فَعَلَى هَذَا يَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ لِأَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ لَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْخَمْسِ وَأَقْوَى هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ فِي نَظَرِي الْأَوَّلُ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ نَدْبُ قِيَامِ اللَّيْلِ وَلَا سِيَّمَا فِي رَمَضَانَ جَمَاعَةً لِأَنَّ الْخَشْيَةَ الْمَذْكُورَةَ أُمِنَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِذَلِكَ جَمَعَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الصِّيَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ جَوَازُ الْفِرَارِ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ قَالَهُ الْمُهَلَّبُ وَفِيهِ أَنَّ الْكَبِيرَ إِذَا فَعَلَ شَيْئًا خِلَافَ مَا اعْتَادَهُ أَتْبَاعُهُ أَنْ يَذْكُرَ لَهُمْ عُذْرَهُ وَحُكْمَهُ وَالْحِكْمَةَ فِيهِ وَفِيهِ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنَ الزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالِاكْتِفَاءِ بِمَا قَلَّ مِنْهَا وَالشَّفَقَةِ عَلَى أُمَّتِهِ وَالرَّأْفَةِ بِهِمْ وَفِيهِ تَرْكُ بَعْضِ الْمَصَالِحِ لِخَوْفِ الْمَفْسَدَةِ وَتَقْدِيمِ أَهَمِّ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَفِيهِ جَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ كَمَا تقدم وَفِيه نظر لِأَنَّ نَفْيَ النِّيَّةِ لَمْ يُنْقَلْ وَلَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ بِالظَّنِّ وَفِيهِ تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِلنَّوَافِلِ إِذا صليت جمَاعَة