فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: صدقة الفطر على الحر والمملوك

قَوْله بَاب الصَّدَقَة قبل الْعِيد)
قَالَ بن التِّينِ أَيْ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى صَلَاةِ الْعِيد وَبعد صَلَاة الْفجْر.

     وَقَالَ  بْنُ عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ يُقَدِّمُ الرَّجُلُ زَكَاتَهُ يَوْمَ الْفِطْرِ بَيْنَ يَدَيْ صَلَاتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فصلى وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ الله عَن أَبِيه عَن جده أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ نَزَلَتْ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ ثُمَّ أَخْرَجَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيث بن عُمَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مُطَوَّلًا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَولُهُ فِي الْإِسْنَادِ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ هُوَ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَزيد هُوَ بن أسلم وَدلّ حَدِيث بن عُمَرَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ يَوْمَ الْفِطْرِ أَيْ أَوَّلَهُ وَهُوَ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ التَّقْيِيدَ بِقَبْلِ صَلَاةِ الْعِيدِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِصِدْقِ الْيَوْمِ عَلَى جَمِيعِ النَّهَارِ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ نَافِع عَن بن عُمَرَ بِلَفْظِ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَهَا قَبْلَ أَنْ نُصَلِّيَ فَإِذَا انْصَرَفَ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ.

     وَقَالَ  أَغْنُوهُمْ عَنِ الطَّلَبِ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَلَكِن أَبُو معشر ضَعِيف وَوهم بن الْعَرَبِيِّ فِي عَزْوِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِمُسْلِمٍ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ قَولُهُ بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى الْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ قِيلَ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ تَكْرَارٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْله بَاب صَدَقَة الْفطر على العَبْد وَغَيره من الْمُسلمين وَأجَاب بن رَشِيدٍ بِاحْتِمَالَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ تَقْوِيَةَ مُعَارَضَةِ الْعُمُومِ فِي قَوْلِهِ وَالْمَمْلُوكِ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَرَادَ أَنَّ زَكَاةَ الْعَبْدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَالٌ لَا مِنْ حَيْثُ هُوَ نَفْسٌ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ مُسْلِمُهُمْ وَكَافِرُهُمْ.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ غَرَضُهُ مِنَ الْأُولَى أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تُخْرَجُ عَنْ كَافِرٍ وَلِهَذَا قَيَّدَهَا بِقَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَرَضُهُ مِنْ هَذِهِ تَمْيِيزُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ أَوْ عَنْهُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَلِذَلِكَ اسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِهِ فِيهَا قَوْله.

     وَقَالَ  الزُّهْرِيّ الخ وَصله بن الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى إِسْنَادِهِ وَذَكَرَ بَعْضَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ يُونُس عَن بن شِهَابٍ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمَمْلُوكِ زَكَاةٌ وَلَا يُزَكِّي عَنْهُ سَيِّدُهُ إِلَّا زَكَاةَ الْفِطْرِ وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنِ الزُّهْرِيِّ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ.

     وَقَالَ  النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ عَبِيدِ التِّجَارَةِ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِيهِمُ الزَّكَاةَ وَلَا تَجِبُ فِي مَالٍ وَاحِدٍ زكاتان



[ قــ :1451 ... غــ :1511] قَوْله فَكَانَ بن عُمَرَ يُعْطِي التَّمْرَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأ عَن نَافِع كَانَ بن عُمَرَ لَا يُخْرِجُ إِلَّا التَّمْرَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ أَخْرَجَ شَعِيرًا وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوب كَانَ بن عُمَرَ إِذَا أَعْطَى أَعْطَى التَّمْرَ إِلَّا عَامًا وَاحِدًا .

     قَوْلُهُ  فَأَعْوَزَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ أَيِ احْتَاجَ يُقَالُ أَعْوَزَنِي الشَّيْءُ إِذَا احْتَجْتُ إِلَيْهِ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّمْرَ أَفْضَلُ مَا يُخْرَجُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَقَدْ رَوَى جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ.

قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ قَدْ أَوْسَعَ اللَّهُ وَالْبُرُّ أَفْضَلُ مِنَ التَّمْرِ أَفَلَا تُعْطِي الْبُرَّ قَالَ لَا أُعْطِي إِلَّا كَمَا كَانَ يُعْطِي أَصْحَابِي وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْرِجُونَ مِنْ أَعْلَى الْأَصْنَافِ الَّتِي يُقْتَاتُ بِهَا لِأَنَّ التَّمْرَ أَعْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ فِي حَدِيث أبي سعيد وَإِن كَانَ بن عُمَرَ فَهِمَ مِنْهُ خُصُوصِيَّةَ التَّمْرِ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى إِنْ كَانَ يُعْطِي عَنْ بَنِيَّ زَادَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي بَنِي نَافِعٍ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ رُوِيَ بِفَتْحِ أَنْ وَكَسْرِهَا وَشَرْطُ الْمَفْتُوحَةِ قَدْ وَشَرْطُ الْمَكْسُورَةِ اللَّامُ فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْحَذْفِ أَوْ تَكُونَ أَنْ مَصْدَرِيَّةً وَكَانَ زَائِدَةً وَقَول نَافِع هَذَا هُوَ شَاهد التَّرْجَمَة وَجه الدّلَالَة مِنْهُ أَن بن عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ فَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ مِنْهُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَوْلَادُ نَافِعٍ إِنْ كَانَ رِزْقُهُمْ وَهُوَ بَعْدُ فِي الرِّقِّ فَلَا إِشْكَالَ وَإِنْ كَانَ رِزْقُهُمْ بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَ فَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ من بن عُمَرَ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّعِ أَوْ كَانَ يَرَى وُجُوبَهَا عَلَى جَمِيعِ مَنْ يُمَوِّنُهُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَن بن عُمَرَ كَانَ يُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ مَمْلُوكٍ لَهُ فِي أَرْضِهِ وَغَيْرِ أَرْضِهِ وَعَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ يَعُولُهُ مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ وَعَنْ رَقِيقِ امْرَأَتِهِ وَكَانَ لَهُ مُكَاتَبٌ فَكَانَ لَا يُؤَدِّي عَنهُ وروى بن الْمُنْذر من طَرِيق بن إِسْحَاق قَالَ حَدثنِي نَافِع أَن بن عُمَرَ كَانَ يُخْرِجُ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلِّهِمْ حُرِّهِمْ وَعَبْدِهِمْ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ مُسْلِمِهِمْ وكافرهم من الرَّقِيق وَهَذَا يُقَوي بحث بن رشيد الْمُتَقَدّم وَقد حمله بن الْمُنْذِرِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي عَنِ الْكَافِرِ مِنْهُم تَطَوّعا قَوْله وَكَانَ بن عُمَرَ يُعْطِيهَا لِلَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا أَيِ الَّذِي يُنَصِّبُهُ الإِمَام بقبضها وَبِه جزم بن بطال.

     وَقَالَ  بن التَّيْمِيِّ مَعْنَاهُ مَنْ قَالَ أَنَا فَقِيرٌ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ عَقِبَ الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْمُصَنِّفُ كَانُوا يُعْطُونَ لِلْجَمْعِ لَا لِلْفُقَرَاءِ وَقَدْ وَقع فِي رِوَايَة بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ قلت مَتى كَانَ بن عُمَرَ يُعْطِي قَالَ إِذَا قَعَدَ الْعَامِلُ.

قُلْتُ مَتَى يَقْعُدُ الْعَامِلُ قَالَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَن بن عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي يُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ.

     وَقَالَ  هَذَا حَسَنٌ وَأَنَا أَسْتَحِبُّهُ يَعْنِي تَعْجِيلَهَا قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ انْتَهَى وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْوَكَالَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ أَمْسَكَ الشَّيْطَانَ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَهُوَ يَأْخُذُ مِنَ التَّمْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُعَجِّلُونَهَا وَعَكَسَهُ الْجَوْزَقِيُّ فَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِهَا عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ للأمرين