فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما يذكر من شؤم الفرس

( قَولُهُ بَابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ شُؤْمِ الْفَرَسِ)
أَيْ هَلْ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ أَوْ مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ الْخَيْلِ وَهَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ مُؤَوَّلٌ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ وَقَدْ أَشَارَ بِإِيرَادِ حَدِيث سهل بعد حَدِيث بن عمر إِلَى أَن الْحصْر الَّذِي فِي حَدِيث بن عُمَرَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَبِتَرْجَمَةِ الْبَابِ الَّذِي بعده وَهِي الْخَيل لثَلَاثَة إِلَى أَنَّ الشُّؤْمَ مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ الْخَيْلِ دُونَ بَعْضٍ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ لَطِيفِ نَظَرِهِ وَدَقِيقِ فِكْرِهِ



[ قــ :2730 ... غــ :2858] .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنِي سَالِمٌ كَذَا صَرَّحَ شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيّ بأخبار سَالم لَهُ وشذ بن أَبِي ذِئْبٍ فَأَدْخَلَ بَيْنَ الزُّهْرِيِّ وَسَالِمٍ مُحَمَّدَ بن زبيد بن قنقد وَاقْتصر شُعَيْب على سَالم وَتَابعه بن جريج عَن بن شِهَابٍ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَكَذَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا سَيَأْتِي فِي الطِّبِّ وَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ عَنهُ عَن الزُّهْرِيّ وَنقل التِّرْمِذِيّ عَن بن الْمَدِينِيِّ وَالْحُمَيْدِيِّ أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَقُولُ لَمْ يَرْوِ الزُّهْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا عَنْ سَالِمٍ انْتَهَى وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ عَنْ سُفْيَانَ إِنَّمَا نَحْفَظُهُ عَنْ سَالِمٍ لَكِنَّ هَذَا الْحَصْرَ مَرْدُودٌ فَقَدْ حَدَّثَ بِهِ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَحَمْزَةَ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِمَا وَمَالِكٌ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ وَلَا سِيمَا فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ وَكَذَا رَوَاهُ بن أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ نَفْسِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُ وَهُوَ يَقْتَضِي رُجُوعَ سُفْيَانَ عَمَّا سَبَقَ مِنَ الْحَصْرِ.
وَأَمَّا التِّرْمِذِيُّ فَجَعَلَ رِوَايَةَ بن أَبِي عُمَرَ هَذِهِ مَرْجُوحَةً وَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا أَيْضا يُونُس من رِوَايَة بن وَهْبٍ عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الطِّبِّ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبُو أُوَيْسٍ عِنْدَ أَحْمد وَيحيى بن سعيد وبن أَبِي عَتِيقٍ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عِنْدَ النَّسَائِيِّ كُلُّهمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُمَا وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بن رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَاقْتَصَرَ عَلَى حَمْزَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَكَذَا أخرجه بن خُزَيْمَةَ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ مَبْرُورٍ عَنْ يُونُسَ فَاقْتَصَرَ عَلَى حَمْزَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ رَبَاحِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مَعْمَرٍ مُقْتَصِرًا عَلَى حَمْزَةَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ مَعْمَرٍ فَاقْتَصَرَ عَلَى سَالِمٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الزُّهْرِيَّ يَجْمَعُهُمَا تَارَةً وَيُفْرِدُ أَحَدَهُمَا أُخْرَى وَقَدْ رَوَاهُ إِسْحَاقُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ عَنْ سَالِمٍ أَوْ حَمْزَةَ أَوْ كِلَاهُمَا وَلَهُ أَصْلٌ عَنْ حَمْزَةَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا الشُّؤْمُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَقَدْ تُسَهَّلُ فَتَصِيرُ وَاوًا .

     قَوْلُهُ  فِي ثَلَاث يتَعَلَّق بِمَحْذُوف تَقْدِيره كَائِن قَالَه بن الْعَرَبِيِّ قَالَ وَالْحَصْرُ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَادَةِ لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخِلْقَةِ انْتَهَى.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ إِنَّمَا خُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِطُولِ مُلَازَمَتِهَا وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ وَسَائِرُ الرُّوَاةِ بِحَذْفِ إِنَّمَا لَكِنْ فِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَإِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي الثَّلَاثَةِ قَالَ مُسلم لم يذكر أحد فِي حَدِيث بن عُمَرَ لَا عَدْوَى إِلَّا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ.

قُلْتُ وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ لَكِنْ قَالَ فِيهِ إِنْ تَكُنِ الطِّيَرَةُ فِي شَيْءٍ الْحَدِيثَ وَالطِّيَرَةُ وَالشُّؤْمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ فِي أَوَاخِرِ شَرْحِ الطِّبِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الشُّؤْمَ وَالطِّيرَةَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَة قَالَ بن قُتَيْبَةَ وَوَجْهُهُ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَطَيَّرُونَ فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْلَمَهُمْ أَنْ لَا طِيرَةَ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهَوا بَقِيَتِ الطِّيرَةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ.

قُلْتُ فَمشى بن قُتَيْبَةَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ مَنْ تَشَاءَمَ بِشَيْءٍ مِنْهَا نَزَلَ بِهِ مَا يَكْرَهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَلَا يَظُنُّ بِهِ أَنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْتَقِدُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ بِذَاتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَطَأٌ وَإِنَّمَا عَنَى أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ هِيَ أَكْثَرُ مَا يَتَطَيَّرُ بِهِ النَّاسُ فَمَنْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ أُبِيحَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَسْتَبْدِلَ بِهِ غَيْرَهُ.

قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة عمر الْعَسْقَلَانِي وَهُوَ بْنِ مُحَمَّدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَن بن عُمَرَ كَمَا سَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ بِلَفْظِ ذَكَرُوا الشُّؤْمَ فَقَالَ إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي وَلِمُسْلِمٍ إِنْ يَكُ مِنَ الشُّؤْمِ شَيْءٌ حَقٌّ وَفِي رِوَايَةِ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ وَكَذَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ وَهُوَ يَقْتَضِي عَدَمَ الْجَزْم بذلك بِخِلَاف رِوَايَة الزُّهْرِيّ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ خَلَقَ اللَّهُ الشُّؤْمَ فِي شَيْءٍ مِمَّا جَرَى مِنْ بَعْضِ الْعَادَةِ فَإِنَّمَا يَخْلُقُهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ مُجْمَلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِنْ يَكُنِ الشُّؤْمُ حَقًّا فَهَذِهِ الثَّلَاثُ أَحَقُّ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّ النُّفُوسَ يَقَعُ فِيهَا التَّشَاؤُمُ بِهَذِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يَقَعُ بِغَيْرِهَا وَجَاءَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَنْكَرَتْ هَذَا الْحَدِيثَ فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ قِيلَ لِعَائِشَةَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ فَقَالَتْ لَمْ يَحْفَظْ إِنَّهُ دَخَلَ وَهُوَ يَقُولُ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ يَقُولُونَ الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ فَسَمِعَ آخِرَ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَسْمَعْ أَوَّلَهُ.

قُلْتُ وَمَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ فَهُوَ مُنْقَطع لَكِن روى أَحْمد وبن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ دَخَلَا عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَا إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الطِّيرَةُ فِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ فَغَضِبَتْ غَضَبًا شَدِيدًا .

     وَقَالَتْ  مَا قَالَهُ وَإِنَّمَا قَالَ إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَطَيَّرُونَ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى وَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِ ذَلِكَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ مَعَ مُوَافَقَةِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنَ الصَّحَابَةِ لَهُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ غَيْرُهَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ سِيقَ لِبَيَانِ اعْتِقَادِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ لَا أَنَّهُ إِخْبَارٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثُبُوتِ ذَلِكَ وَسِيَاقُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا يُبْعِدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ هَذَا جَوَابٌ سَاقِطٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُبْعَثْ لِيُخْبِرَ النَّاسَ عَنْ مُعْتَقَدَاتِهِمُ الْمَاضِيَةِ وَالْحَاصِلَةِ وَإِنَّمَا بُعِثَ لِيُعَلِّمَهُمْ مَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَعْتَقِدُوهُ انْتَهَى وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا شُؤْمَ وَقَدْ يكون الْيمن فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالْفَرَسِ فَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.

     وَقَالَ  عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مَعْمَرٍ سَمِعْتُ مَنْ يُفَسِّرُ هَذَا الْحَدِيثَ يَقُولُ شُؤْمُ الْمَرْأَةِ إِذَا كَانَتْ غَيْرَ وَلُودٍ وَشُؤْمُ الْفَرَسِ إِذَا لَمْ يُغْزَ عَلَيْهِ وَشُؤْمُ الدَّارِ جَارُ السَّوْءِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي الطِّبّ عَن بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ كَمْ مِنْ دَارٍ سَكَنَهَا نَاسٌ فَهَلَكُوا قَالَ الْمَازِرِيُّ فَيَحْمِلُهُ مَالِكٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ قَدَرَ اللَّهِ رُبَمَا اتَّفَقَ مَا يُكْرَهُ عِنْدَ سُكْنَى الدَّارِ فَتَصِيرُ فِي ذَلِكَ كَالسَّبَبِ فَتَسَامَحَ فِي إِضَافَة الشَّيْء إِلَيْهِ اتساعا.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ لَمْ يُرِدْ مَالِكٌ إِضَافَةَ الشُّؤْمِ إِلَى الدَّارِ وَإِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ جَرْيِ الْعَادَةِ فِيهَا فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ الْخُرُوجُ عَنْهَا صِيَانَةً لِاعْتِقَادِهِ عَنِ التَّعَلُّقِ بِالْبَاطِلِ وَقِيلَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ يَطُولُ تَعْذِيبُ الْقَلْبِ بِهَا مَعَ كَرَاهَةِ أَمْرِهَا لِمُلَازَمَتِهَا بِالسُّكْنَى والصحبية وَلَوْ لَمْ يَعْتَقِدِ الْإِنْسَانُ الشُّؤْمَ فِيهَا فَأَشَارَ الْحَدِيثُ إِلَى الْأَمْرِ بِفِرَاقِهَا لِيَزُولَ التَّعْذِيبُ.

قُلْتُ وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بن الْعَرَبِيِّ فِي تَأْوِيلِ كَلَامِ مَالِكٍ أَوْلَى وَهُوَ نَظِيرُ الْأَمْرِ بِالْفِرَارِ مِنَ الْمَجْذُومِ مَعَ صِحَّةِ نَفْيِ الْعَدْوَى وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ حَسْمُ الْمَادَّةِ وَسَدُّ الذَّرِيعَةِ لِئَلَّا يُوَافِقَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْقَدَرَ فَيَعْتَقِدُ مَنْ وَقَعَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْعَدْوَى أَوْ مِنَ الطِّيرَةِ فَيَقَعُ فِي اعْتِقَادِ مَا نُهِيَ عَنِ اعْتِقَادِهِ فَأُشِيرَ إِلَى اجْتِنَابِ مِثْلِ ذَلِكَ وَالطَّرِيقُ فِيمَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ مَثَلًا أَنْ يُبَادِرَ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْهَا لِأَنَّهُ مَتَى اسْتَمَرَّ فِيهَا رُبَّمَا حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى اعْتِقَادِ صِحَّةِ الطِّيرَةِ وَالتَّشَاؤُمِ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٌ فِيهَا عَدَدُنَا وَأَمْوَالُنَا فَتَحَوَّلْنَا إِلَى أُخْرَى فَقَلَّ فِيهَا ذَلِكَ فَقَالَ ذَرُوهَا ذَمِيمَةً وَأخرج من حَدِيث فَرْوَة بن مسيك بِالْمُهْمَلَةِ مُصَغرًا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ السَّائِلُ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَلَهُ رِوَايَةٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ بن العَرْبِيِّ وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مُنْقَطِعًا قَالَ وَالدَّارُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِهِ كَانَتْ دَارَ مُكْمِلٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْمِيم بعْدهَا لَام وَهُوَ بن عَوْفٍ أَخُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ وَإِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْهَا وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا لَكِنَّ الْخَالِقَ جَلَّ وَعَلَا جَعَلَ ذَلِكَ وَفْقًا لِظُهُورِ قَضَائِهِ وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْهَا لِئَلَّا يَقَعَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْء فيستمر اعْتِقَادهم قَالَ بن الْعَرَبِيِّ وَأَفَادَ وَصْفُهَا بِكَوْنِهَا ذَمِيمَةً جَوَازَ ذَلِكَ وَأَنَّ ذِكْرَهَا بِقَبِيحٍ مَا وَقَعَ فِيهَا سَائِغٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهَا وَلَا يَمْتَنِعُ ذَمُّ مَحَلِّ الْمَكْرُوهِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْهُ شَرْعًا كَمَا يُذَمُّ الْعَاصِي عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ وَمَعْنَاهُ إِبْطَالُ مَذْهَبِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي التَّطَيُّرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إِنْ كَانَتْ لِأَحَدِكُمْ دَارٌ يَكْرَهُ سُكْنَاهَا أَوِ امْرَأَةٌ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا أَوْ فَرَسٌ يَكْرَهُ سَيْرَهُ فَلْيُفَارِقْهُ قَالَ وَقِيلَ إِنَّ شُؤْمَ الدَّارِ ضِيقُهَا وَسُوءُ جِوَارِهَا وَشُؤْمَ الْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَلِدَ وَشُؤْمَ الْفَرَسِ أَنْ لَا يُغَزَى عَلَيْهِ وَقِيلَ الْمَعْنَى مَا جَاءَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ رَوَاهُ الدِّمْيَاطِيُّ فِي الْخَيْلِ إِذَا كَانَ الْفَرَسُ ضَرُوبًا فَهُوَ مَشْئُومٌ وَإِذَا حَنَّتِ الْمَرْأَةُ إِلَى بَعْلِهَا الْأَوَّلِ فَهِيَ مَشْئُومَةٌ وَإِذَا كَانَتِ الدَّارُ بَعِيدَةً مِنَ الْمَسْجِدِ لَا يُسْمَعُ مِنْهَا الْأَذَانُ فَهِيَ مَشْئُومَةٌ وَقِيلَ كَانَ .

     قَوْلُهُ  ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفسكُم الا فِي كتاب الْآيَة حَكَاهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ لَا سِيَّمَا مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ وَرَدَ فِي نَفْسِ هَذَا الْخَبَرِ نَفْيُ التَّطَيُّرِ ثُمَّ إِثْبَاتُهُ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَقِيلَ يُحْمَلُ الشُّؤْمُ عَلَى قِلَّةِ الْمُوَافَقَةِ وَسُوءِ الطِّبَاعِ وَهُوَ كَحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَفَعَهُ مِنْ سَعَادَة الْمَرْءِ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ وَالْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ وَمِنْ شَقَاوَةِ الْمَرْءِ الْمَرْأَةُ السُّوءُ وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْأَجْنَاسِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ بَعْضٍ وَبِهِ صَرَّحَ بن عَبْدِ الْبَرِّ فَقَالَ يَكُونُ لِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ بِقَدَرِ اللَّهِ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِقَوْلِهِ الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ مَنِ الْتَزَمَ التَّطَيُّرَ وَلَمْ يَسْتَطِعْ صَرْفَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُلَازِمُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَاتْرُكُوهَا عَنْكُمْ وَلَا تُعَذِّبُوا أَنْفُسَكُمْ بِهَا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَصْدِيرُهُ الْحَدِيثَ بِنَفْي الطَّيرَة وَاسْتدلَّ لذَلِك بِمَا أخرجه بن حِبَّانَ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ لَا طِيرَةَ وَالطِّيرَةُ عَلَى مَنْ تَطَيَّرَ وَإِنْ تَكُنْ فِي شَيْءٍ فَفِي الْمَرْأَةِ الْحَدِيثَ وفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عُتْبَةَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَنَسٍ وَعُتْبَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَسَيَكُونُ لَنَا عَوْدَةٌ إِلَى بَقِيَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّطَيُّرِ وَالْفَأْلِ فِي آخِرِ كِتَابِ الطِّبِّ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَكْمِيلٌ اتَّفَقَتِ الطُّرْقُ كُلُّهَا عَلَى الِاقْتِصَارِ على الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة وَوَقع عِنْد بن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ مَعْمَرٌ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَالسَّيْفُ قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَاهُ جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.

قُلْتُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إِلَى الزُّهْرِيِّ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ جُوَيْرِيَةُ بَلْ تَابَعَهُ سَعِيدُ بْنُ دَاوُدَ عَنْ مَالِكٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا قَالَ وَالْمُبْهَمُ الْمَذْكُورُ هُوَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ سَمَّاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيّ فِي رِوَايَته قلت أخرجه بن مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَوْصُولًا فَقَالَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا حَدَّثَتْ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَزَادَتْ فِيهِنَّ وَالسَّيْفِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ الْمَذْكُورُ هُوَ بن بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ طَرِيق بن أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَأَدْرَجَ فِيهِ السَّيْفَ وَخَالَفَ فِيهِ فِي الْإِسْنَادِ أَيْضًا





[ قــ :731 ... غــ :859] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي حَازِمٍ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ .

     قَوْلُهُ  إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالْمَسْكَنِ كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَكَذَا هُوَ فِي الْمُوَطَّإِ لَكِنْ زَادَ فِي آخِرِهِ يَعْنِي الشُّؤْمَ وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْحَرَّانِيُّ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الْمَرْأَةِ إِلَخْ أَخْرَجَهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ لَكِنْ لَمْ يَقُلْ إِسْمَاعِيلُ فِي شَيْءٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ ذَكَرُوا الشُّؤْمَ عِنْدَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ فَذَكَرَهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ لَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفظه