فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب فضل رباط يوم في سبيل الله

( قَولُهُ بَابُ فَضْلِ رِبَاطِ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابطُوا الْآيَةَ الرِّبَاطُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ مُلَازَمَةُ الْمَكَانِ الَّذِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ لِحِرَاسَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُم قَالَ بن التِّينِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْوَطَنِ قَالَهُ بن حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ.

قُلْتُ وَفِيهِ نَظَرٌ فِي إِطْلَاقِهِ فَقَدْ يَكُونُ وَطَنُهُ وَيَنْوِي بِالْإِقَامَةِ فِيهِ دَفْعَ الْعَدُوِّ وَمِنْ ثَمَّ اخْتَارَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ سُكْنَى الثُّغُورِ فَبَيْنَ الْمُرَابَطَةِ وَالْحِرَاسَةِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ وَاسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ بِالْآيَةِ اخْتِيَارٌ لِأَشْهَرِ التَّفَاسِيرِ فَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وقَتَادَةَ اصْبِرُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَصَابِرُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي الْجِهَادِ وَرَابِطُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ اصْبِرُوا عَلَى الطَّاعَةِ وَصَابِرُوا لِانْتِظَارِ الْوَعْدِ وَرَابِطُوا الْعَدُوَّ وَاتَّقُوا اللَّهَ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ اصْبِرُوا عَلَى الْجِهَادِ وَصَابِرُوا الْعَدو وَرَابطُوا الْخَيل قَالَ بن قُتَيْبَةَ أَصْلُ الرِّبَاطِ أَنْ يَرْبِطَ هَؤُلَاءِ خَيْلَهُمْ وَهَؤُلَاءِ خَيْلَهُمِ اسْتِعْدَادًا لِلْقِتَالِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاط الْخَيل وَأخرج ذَلِك بن أبي حَاتِم وبن جَرِيرٍ وَغَيْرُهُمَا وَتَفْسِيرُهُ بِرِبَاطِ الْخَيْلِ يَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ وَفِي الْمُوَطَّإِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ وَهُوَ فِي السُّنَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوٌ فِيهِ رِبَاطٌ انْتَهَى وَحَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْأَوَّلِ أَظْهَرُ وَمَا احْتَجَّ بِهِ أَبُو سَلَمَةَ لَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ ثُبُوتِ حَدِيثِ الْبَابِ فَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِبَاطٌ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْرِ بِهِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كُلًّا مِنَ الْأَمْرَيْنِ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِالْيَوْمِ فِي التَّرْجَمَةِ وَإِطْلَاقُهُ فِي الْآيَةِ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ مُطْلَقَهَا يُقَيَّدُ بِالْحَدِيثِ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ أَقَلَّ الرِّبَاطِ يَوْمٌ لِسِيَاقِهِ فِي مَقَامِ الْمُبَالِغَةِ وَذِكْرُهُ مَعَ مَوْضِعِ سَوْطٍ يُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ أَيْضًا



[ قــ :2764 ... غــ :2892] .

     قَوْلُهُ  سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ هُوَ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ سَمِعَ وَهِيَ تُحْذَفُ مِنَ الْخَطِّ كَثِيرًا .

     قَوْلُهُ  خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْجِهَادِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ هَذَا مُخْتَصَرًا بِلَفْظِ وَمَا فِيهَا وَالتَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ وَمَا عَلَيْهَا أَبْلَغُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ هُنَاكَ على حَدِيثِ الرَّوْحَةِ وَالْغَدْوَةِ وَكَذَا عَلَى حَدِيثِ مَوْضِعِ سَوْطِ أَحَدِكُمْ لَكِنْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَسَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَيْضًا فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيّ وبن حِبَّانَ رِبَاطُ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَام شهر وقيامه وَلأَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ وبن مَاجَهْ عَنْ عُثْمَانَ رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ من الْمنَازل قَالَ بن بَزِيزَةَ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْإِعْلَامِ بِالزِّيَادَةِ فِي الثَّوَابِ عَنِ الْأَوَّلِ أَوْ بِاخْتِلَافِ الْعَامِلِينَ.

قُلْتُ أَوْ بِاخْتِلَافِ الْعَمَلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ وَلَا يُعَارِضَانِ حَدِيثَ الْبَابِ أَيْضًا لِأَنَّ صِيَامَ شَهْرٍ وَقِيَامَهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا