فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الخوف من الله

( قَولُهُ بَابُ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)
هُوَ مِنَ الْمَقَامَاتِ الْعَلِيَّةِ وَهُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤمنين.

     وَقَالَ  تَعَالَى فَلَا تخشوا النَّاس واخشون.

     وَقَالَ  تَعَالَى إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعلمَاء وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّكُمْ لَهُ خَشْيَةً وَكُلَّمَا كَانَ الْعَبْدُ أَقْرَبُ إِلَى رَبِّهِ كَانَ أَشَدَّ لَهُ خَشْيَةً مِمَّنْ دُونَهُ وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَلَائِكَةَ بِقَوْلِهِ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ من فَوْقهم وَالْأَنْبِيَاءَ بِقَوْلِهِ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشونَ أحدا الا الله وَإِنَّمَا كَانَ خَوْفُ الْمُقَرَّبِينَ أَشَدَّ لِأَنَّهُمْ يُطَالَبُونَ بِمَا لَا يُطَالَبُ بِهِ غَيْرُهُمْ فَيُرَاعُونَ تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ لِلَّهِ مِنْهُ الشُّكْرُ عَلَى الْمَنْزِلَةِ فَيُضَاعَفُ بِالنِّسْبَةِ لِعُلُوِّ تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ فَالْعَبْدُ إِنْ كَانَ مُسْتَقِيمًا فَخَوْفُهُ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ لقَوْله تَعَالَى يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه أَوْ نُقْصَانِ الدَّرَجَةِ بِالنِّسْبَةِ وَإِنْ كَانَ مَائِلًا فَخَوْفُهُ مِنْ سُوءِ فِعْلِهِ وَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ مَعَ النَّدَمِ وَالْإِقْلَاعِ فَإِنَّ الْخَوْفَ يَنْشَأُ مِنْ مَعْرِفَةِ قُبْحِ الْجِنَايَةِ وَالتَّصْدِيقِ بِالْوَعِيدِ عَلَيْهَا وَأَنْ يُحْرَمَ التَّوْبَةَ أَوْ لَا يَكُونَ مِمَّنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ فَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ ذَنْبِهِ طَالِبٌ مِنْ رَبِّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ فِيمَنْ يَغْفِرُ لَهُ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ الْحَدِيثُ الَّذِي قَبْلَهُ وَفِيهِ أَيْضًا وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ جَمَالٍ وَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَحَدِيثُ الثَّلَاثَةِ أَصْحَابِ الْغَارِ فَإِنَّ أَحَدَهُمُ الَّذِي عَفَّ عَنِ الْمَرْأَةِ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ وَتَرَكَ لَهَا الْمَالَ الَّذِي أَعْطَاهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّةُ الْكِفْلِ وَكَانَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ عَفَّ عَنِ الْمَرْأَةِ وَتَرَكَ الْمَالَ الَّذِي أَعْطَاهَا خَوْفًا مِنَ اللَّهِ ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ الَّذِي أَوْصَى بِأَنْ يُحْرَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيْضًا



[ قــ :6142 ... غــ :6480] .

     قَوْلُهُ  جَرِيرٌ هُوَ بن عبد الحميد وَمَنْصُور هُوَ بن الْمُعْتَمِر ورِبْعِي هُوَ بن حِرَاشٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرَهُ شِينٌ مُعْجَمَةٌ وَالسَّنَدُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  عَنْ حُذَيْفَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقَدَّمَ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَصْرِيحُ حُذَيْفَةَ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ وَالَانِ الْعَبْدِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ بِطُولِهِ وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ آخِرُ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي الشَّفَاعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَتَبَيَّنُ شُذُوذَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَتْنُ كَمَا ظَهَرَ شُذُوذُهَا مِنْ حَيْثُ السَّنَدُ .

     قَوْلُهُ  كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمِنْ ثَمَّ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ .

     قَوْلُهُ  يُسِيءُ الظَّنَّ بِعَمَلِهِ تَقَدَّمَ هُنَاكَ أَنَّهُ كَانَ نَبَّاشًا .

     قَوْلُهُ  فَذَرُونِي قَدَّمْتُ هُنَاكَ فِيهِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ بِالتَّخْفِيفِ بِمَعْنَى التَّرْكِ وَالتَّشْدِيدُ بِمَعْنَى التَّفْرِيقِ وَهُوَ ثُلَاثِيٌّ مُضَاعَفٌ تَقُولُ ذَرَرْتُ الْمِلْحَ أَذُرُّهُ وَمِنْهُ الذَّرِيرَةُ نَوْعٌ مِنَ الطّيب قَالَ بن التِّينِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَذَا قَرَأْنَاهُ وَرُوِّينَاهُ بِضَمِّهَا وَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ مِنَ الذَّرِّ وَعَلَى الثَّانِي مِنَ التَّذْرِيَةِ وَبِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ أَذَرَتِ الْعَيْنُ دَمْعَهَا وَأَذْرَيْتُ الرَّجُلَ عَنِ الْفَرَسِ وَبِالْوَصْلِ مِنْ ذَرَوْتُ الشَّيْءَ وَمِنْه تَذْرُوهُ الرِّيَاح .

     قَوْلُهُ  فِي الْبَحْرِ سَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي الرِّيحِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي فِي التَّوْحِيدِ وَاذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْر .

     قَوْلُهُ  فِي يَوْمٍ صَائِفٍ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيٍّ بِلَفْظِ فذروني فِي الْيَمِّ فِي يَوْمٍ حَازٍّ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَزَايٍ ثَقِيلَةٍ كَذَا لِلْمَرْوَزِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ وَلِأَبِي ذَرٍّ عَن الْمُسْتَمْلِي والسرخسي وَكَرِيمَةَ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِرِوَايَةِ الْبَابِ وَوُجِّهَتِ الْأُولَى بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يحز الْبدن لشدَّة حره وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي بَعْدَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ رِيحٌ عَاصِفٌ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةَ الْمَرْوَزِيِّ بِنُونٍ بَدَلَ الزَّايِ أَيْ حَانَ رِيحه قَالَ بن فَارِسٍ الْحُونُ رِيحٌ تَحِنُّ كَحَنِينِ الْإِبِلِ





[ قــ :6143 ... غــ :6481] .

     قَوْلُهُ  فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي تابعيه ومُوسَى هُوَ بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي ومعتمر هُوَ بن سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ وَالسَّنَدُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  فِيمَنْ سَلَفَ أَوْ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي عَنْ قَتَادَةَ وَتَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِلَفْظِ أَنَّ رَجُلًا كَانَ قَبْلَكُمْ .

     قَوْلُهُ  آتَاهُ اللَّهُ مَالًا وَوَلَدًا يَعْنِي أَعْطَاهُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلَفْظِ آتَاهُ وَهِيَ بِالْمَدِّ بِمَعْنَى الْعَطَاءِ وَبِالْقَصْرِ بِمَعْنَى الْمَجِيءِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا مَالًا وَلَا مَعْنَى لِإِعَادَتِهَا بِمُفْرَدِهَا .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا فَسَّرَهَا قَتَادَةُ لَمْ يَدَّخِرْ كَذَا وَقَعَ هُنَا يَبْتَئِرُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ مَهْمُوزَةٌ ثُمَّ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ وَتَفْسِيرُ قَتَادَةَ صَحِيحٌ وَأَصْلُهُ مِنَ الْبَئِيرَةِ بِمَعْنَى الذَّخِيرَةِ وَالْخَبِيئَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ بَأَرْتُ الشَّيْءَ وَابْتَأَرْتُهُ أَبْأَرُهُ وَأَبْتَئِرُهُ إِذَا خَبَّأْتُهُ وَوَقع فِي رِوَايَة بن السَّكَنِ لَمْ يَأْبَتِرْ بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ حَكَاهُ عِيَاضٌ وَهُمَا صَحِيحَانِ بِمَعْنًى وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَمَعْنَاهُ لَمْ يُقَدِّمْ خَيْرًا كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ يُقَالُ بَأَرْتُ الشَّيْءَ وَابْتَأَرْتُهُ وَائْبَتَرْتُهُ إِذَا ادَّخَرْتُهُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحُفْرَةِ الْبِئْرُ وَوَقَعَ فِي التَّوْحِيدِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ فِيمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ عِيَاضٌ وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَنَا كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ لَمْ يَبْتَئِرْ أَوْ لَمْ يَبْتَئِزْ بِالشَّكِّ فِي الزَّايِ أَوِ الرَّاءِ وَفِي رِوَايَةِ الجُّرْجَانِيِّ بِنُونٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ وَالزَّايِ قَالَ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي غَيْرِ الْبُخَارِيِّ يَنْتَهِزُ بِالْهَاءِ بَدَلَ الْهَمْزَةِ وَبِالزَّايِ وَيَمْتَئِرُ بِالْمِيمِ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالرَّاءِ أَيْضًا قَالَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ أَيْضًا كَالْأَوَّلَيْنِ .

     قَوْلُهُ  وَإِنْ يَقْدَمْ عَلَى اللَّهِ يُعَذِّبْهُ كَذَا هُنَا بِفَتْحِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْقَافِ مِنَ الْقُدُومِ وَهُوَ بِالْجَزْمِ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ وَكَذَا يُعَذِّبْهُ بِالْجَزْمِ عَلَى الْجَزَاءِ وَالْمَعْنَى إِنْ بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى هَيْئَتِهِ يَعْرِفْهُ كُلُّ أَحَدٍ فَإِذَا صَارَ رَمَادًا مَبْثُوثًا فِي الْمَاءِ وَالرِّيحِ لَعَلَّهُ يَخْفَى وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ جَرِيرٍ بِسَنَدِ حَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهُ إِنْ يَقْدِرْ عَلَيَّ رَبِّي لَا يَغْفِرْ لِي وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيَّ وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ مُسْتَوْفًى فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمِنَ اللَّطَائِفِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْأَجْوِبَةِ عَنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا بن الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ ذَلِكَ لِمَا غَلَبَهُ مِنَ الْخَوْفِ وَغَطَّى عَلَى فَهْمِهِ مِنَ الْجَزَعِ فَيُعْذَرُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ الْخَبَرِ الْمَرْوِيِّ فِي قِصَّةِ الَّذِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ آخِرَ مَنْ يَدْخُلُهَا فَيُقَالُ إِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا فَيَقُولُ لِلْفَرَحِ الَّذِي دَخَلَهُ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ.

قُلْتُ وَتَمَامُ هَذَا أَنَّ أَبَا عَوَانَةَ أَخْرَجَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ هُوَ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ وَقَعَ لَهُ مِنَ الْخَطَإِ بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ نَظِيرُ مَا وَقَعَ لَهُ مِنَ الْخَطَإِ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ لَكِنْ أَحَدَهُمَا مِنْ غَلَبَةِ الْخَوْفِ وَالْآخَرُ مِنْ غَلَبَةِ الْفَرَحِ.

قُلْتُ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ الَّذِي قَالَ أَنْتَ عَبْدِي هُوَ الَّذِي وَجَدَ رَاحِلَتَهُ بَعْدَ أَنْ ضَلَّتْ وَقَدْ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى .

     قَوْلُهُ  فَأَحْرِقُونِي فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ هُنَاكَ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا ثُمَّ أَوْرُوا نَارًا حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِي وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي .

     قَوْلُهُ  فَاسْحَقُونِي أَوْ قَالَ فَاسْهَكُونِي هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ اسْحَقُونِي بِغَيْرِ شَكٍّ وَالسَّهْكُ بِمَعْنَى السَّحْقِ وَيُقَالُ هُوَ دُونَهُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُونِي .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ إِذَا كَانَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ حَتَّى إِذا كَانَ .

     قَوْلُهُ  فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَرَبِّي هُوَ مِنَ الْقَسَمِ الْمَحْذُوفِ جَوَابُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةَ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ أَيْ قَالَ لِمَنْ أَوْصَاهُ قُلْ وَرَبِّي لَأَفْعَلَنَ ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأَخَذَ مِنْهُمْ يَمِينًا لَكِنْ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَيْضًا فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ وَرَبِّي فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ قَسَمٌ مِنَ الْمُخْبِرِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ هُوَ الصَّوَابُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الَّذِي عِنْدَ مُسْلِمٍ لَعَلَّهُ أَصْوَبُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ مُسْلِمٍ وَذُرِّي بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ بَدَلَ وَرَبِّي أَيْ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنَ التَّذْرِيَةِ قَالَ عِيَاضٌ إِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً فَهِيَ الْوَجْهُ وَلَعَلَّ الذَّالَ سَقَطَتْ لِبَعْضِ النُّسَّاخِ ثُمَّ صُحِّفَتِ اللَّفْظَةُ كَذَا قَالَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَصْوِيبِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَخْطِئَةُ الْحُفَّاظِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَلِأَنَّ غَايَتَهَا أَنْ تَكُونَ تَفْسِيرًا أَوْ تَأْكِيدًا لِقولِهِ فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَرَبِّي فَإِنَّهَا تَزِيدُ مَعْنًى آخَرَ غَيْرَ قَوْلِهِ وَذُرِّي وَأَبْعَدَ الْكِرْمَانِيُّ فَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَرَبِّي بِصِيغَةِ الْمَاضِي مِنَ التَّرْبِيَةِ أَيْ رَبِّي أَخَذَ الْمَوَاثِيقَ بِالتَّأْكِيدَاتِ وَالْمُبَالَغَاتِ قَالَ لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الرِّوَايَةِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ اللَّهُ كُنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ وَكَذَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ الَّذِي قَبْلَهُ فَجَمَعَهُ اللَّهُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَقَالَ اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ قَوْله فَإِذا رجل قَائِم قَالَ بن مَالِكٍ جَازَ وُقُوعُ الْمُبْتَدَأِ نَكِرَةً مَحْضَةً بَعْدَ إِذا المفاجأة لِأَنَّهَا مِنَ الْقَرَائِنِ الَّتِي تَحْصُلُ بِهَا الْفَائِدَةُ كَقَوْلِكَ خَرَجْتُ فَإِذَا سَبُعٌ .

     قَوْلُهُ  مَخَافَتُكَ أَوْ فَرَقٌ مِنْكَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَهُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ مَخَافَتُكَ بِغَيْرِ شَكٍّ وَتَقَدَّمَ بِلَفْظِ خَشْيَتُكَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَبَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ فِيمَا مَضَى وَهُوَ بِالرَّفْعِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مِنْ خَشْيَتِكَ وَلِبَعْضِهِمْ خَشْيَتَكَ بِغَيْرِ مِنْ وَهِيَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَجَوَّزُوا الْكَسْرَ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِهَا وَإِبْقَاءِ عَمَلِهَا .

     قَوْلُهُ  فَمَا تَلَافَاهُ أَنْ رَحِمَهُ أَيْ تَدَارَكَهُ وَمَا مَوْصُولَةٌ أَيِ الَّذِي تَلَافَاهُ هُوَ الرَّحْمَةُ أَوْ نَافِيَةٌ وَصِيغَةُ الِاسْتِثْنَاءِ مَحْذُوفَةٌ أَوِ الضَّمِيرُ فِي تَلَافَاهُ لِعَمَلِ الرَّجُلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ هُنَاكَ وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فَغَفَرَ لَهُ وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ غَفَرَ لَهُ لِأَنَّهُ تَابَ عِنْدَ مَوْتِهِ وَنَدِمَ عَلَى فِعْلِهِ.

     وَقَالَ تِ الْمُرْجِئَةُ غَفَرَ لَهُ بِأَصْلِ تَوْحِيدِهِ الَّذِي لَا تَضُرُّ مَعَهُ مَعْصِيَةٌ وَتُعُقِّبَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ رَدَّ الْمَظْلِمَةَ فَالْمَغْفِرَةِ حِينَئِذٍ بِفَضْلِ اللَّهِ لَا بِالتَّوْبَةِ لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ إِلَّا بِأَخْذِ الْمَظْلُومِ حَقَّهُ مِنَ الظَّالِمِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ نَبَّاشًا وَتُعُقِّبَ الثَّانِي بِأَنَّهُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ أَوَّلًا أَنَّهُ عُذِّبَ فَعَلَى هَذَا فَتُحْمَلُ الرَّحْمَةُ وَالْمَغْفِرَةُ عَلَى إِرَادَةِ تَرْكِ الْخُلُودِ فِي النَّارِ وَبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ مَعًا عَلَى الْمُرْجِئَةِ فِي أَصْلِ دُخُولِ النَّارِ وَعَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي دَعْوَى الْخُلُودِ فِيهَا وَفِيهِ أَيْضًا رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ بِذَلِكَ الْكَلَامِ تَابَ فَوَجَبَ على الله قبُول تَوْبَته قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ كَانَ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا لِأَنَّهُ قَدْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ وَأَنَّ السَّيِّئَاتِ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا مَا أَوْصَى بِهِ فَلَعَلَّهُ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِمْ ذَلِكَ لِتَصْحِيحِ التَّوْبَةِ فَقَدْ ثَبَتَ فِي شَرْعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَتْلُهُمْ أَنْفُسَهُمْ لِصِحَّةِ التَّوْبَةِ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا قَرُبَ مِنْهُ لِأَنَّهُ قَالَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَإِنَّمَا الَّذِي حَضَرَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ عَلَامَاتُهُ وَفِيهِ فَضْلُ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ لِمَا خُفِّفَ عَنْهُمْ مِنْ وَضْعِ مِثْلِ هَذِهِ الْآصَارِ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ وَفِيهِ عِظَمُ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ جَمَعَ جَسَدَ الْمَذْكُورِ بَعْدَ أَنْ تَفَرَّقَ ذَلِكَ التَّفْرِيقَ الشَّدِيدَ.

قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ إِخْبَارٌ عَمَّا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى .

     قَوْلُهُ  قَالَ فَحَدَّثْتُ أَبَا عُثْمَانَ الْقَائِلُ هُوَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ وَالِدُ مُعْتَمِرٍ وَأَبُو عُثْمَانَ هُوَ النَّهْدِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلٍّ وَقَولُهُ سَمِعْتُ سَلْمَانَ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ حَذَفَ الْمَسْمُوعَ الَّذِي اسْتُثْنِيَ مِنْهُ مَا ذُكِرَ وَالتَّقْدِيرُ سَمِعْتُ سَلْمَانَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ .

     قَوْلُهُ  أَوْ كَمَا حَدَّثَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَا بِلَفْظِهِ كُلِّهِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ حَدِيثَ سَلْمَانَ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ حَاتِمِ بْنِ وَرْدَانَ وَحُمَيْدِ بْنِ مَسْعَدَةَ قَالَا حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أَبِي سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سَلْمَانَ فَذَكَرَهُ .

     قَوْلُهُ  وقَال مُعَاذٌ إِلَخْ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ مَضَى التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ أَيْضا هُنَاكَ