فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الصلاة بين السواري في غير جماعة

( قَولُهُ بَابُ الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ)
إِنَّمَا قَيَّدَهَا بِغَيْرِ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ الصُّفُوفَ وَتَسْوِيَةُ الصُّفُوفِ فِي الْجَمَاعَةِ مَطْلُوبٌ.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا الحَدِيث أَي حَدِيث بن عُمَرَ عَنْ بِلَالٍ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي جمَاعَة وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى لِلْمُنْفَرِدِ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى السَّارِيَةِ وَمَعَ هَذِهِ الْأَوْلَوِيَّةِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْوُقُوفِ بَيْنَهُمَا أَيْ لِلْمُنْفَرِدِ.
وَأَمَّا فِي الْجَمَاعَةِ فَالْوُقُوفُ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ كَالصَّلَاةِ إِلَى السَّارِيَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِوُرُودِ النَّهْيِ الْخَاصِّ عَنِ الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَهُوَ فِي السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ كَرِهَ قَوْمٌ الصَّفَّ بَيْنَ السَّوَارِي لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ ذَلِكَ وَمحل الْكَرَاهَة عِنْد عدم الضّيق وَالْحكمَة فِيهِ إِمَّا لِانْقِطَاعِ الصَّفِّ أَوْ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ النِّعَالِ انْتَهَى.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ رُوِيَ فِي سَبَبِ كَرَاهَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ مُصَلَّى الْجِنِّ الْمُؤْمِنِينَ



[ قــ :491 ... غــ :504] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ هُوَ بِالْجِيمِ بِصِيغَةِ التَّصْغِيرِ وَهُوَ بن أَسْمَاءَ الضُّبَعِيُّ وَاتَّفَقَ أَنَّ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ مِنَ الْأَعْلَامِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَقَدْ سَمِعَ جُوَيْرِيَةُ الْمَذْكُورُ مِنْ نَافِعٍ وَرَوَى أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  كُنْتُ أَوَّلَ النَّاسِ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَكَرِيمَةَ وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وبن عَسَاكِرَ وَكُنْتُ بِزِيَادَةِ وَاوٍ فِي أَوَّلِهِ وَهِيَ أَشْبَهُ وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ خَرَجَ وَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ عَلَى أَثَرِهِ أَوَّلَ النَّاسِ .

     قَوْلُهُ  بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الْمُتَقَدِّمَيْنِ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ الَّتِي تَلِيهَا جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ وَلَيْسَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ مُخَالَفَةٌ لَكِنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِكَوْنِ مَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ كَانَ اثْنَيْنِ وَلِهَذَا عَقَّبَهُ الْبُخَارِيُّ بِرِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ الَّتِي قَالَ فِيهَا عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ حَيْثُ ثَنَّى أَشَارَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْبَيْتُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَيْثُ أَفْرَدَ أَشَارَ إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ





[ قــ :49 ... غــ :505] .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ لِأَنَّ فِيهِ إِشْعَارًا بِأَنَّهُ تَغَيَّرَ عَنْ هَيْئَتِهِ الْأُولَى.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ لَفْظُ الْعَمُودِ جِنْسٌ يَحْتَمِلُ الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ فَهُوَ مُجْمَلٌ بَيَّنَتْهُ رِوَايَةُ وَعَمُودَيْنِ وَيحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَمْ تَكُنِ الْأَعْمِدَةُ الثَّلَاثَةُ عَلَى سَمْتٍ وَاحِدٍ بَلِ اثْنَانِ عَلَى سَمْتٍ وَالثَّالِثُ عَلَى غَيْرِ سَمْتِهِمَا وَلَفْظُ الْمُقَدَّمَيْنِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ مُشْعِرٌ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قُلْتُ وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا رِوَايَة مُجَاهِد عَن بن عُمَرَ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ وَاتَّخِذُوا مِنْ مقَام إِبْرَاهِيم مصلى فَإِنَّ فِيهَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ عَلَى يَسَارِ الدَّاخِلِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ عَمُودَانِ عَلَى الْيَسَارِ وَأَنَّهُ صَلَّى بَيْنَهُمَا فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ ثَمَّ عَمُودٌ آخَرُ عَنِ الْيَمِينِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ أَوْ عَلَى غَيْرِ سَمْتِ الْعَمُودَيْنِ فَيَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ جَعَلَ عَنْ يَمِينِهِ عَمُودَيْنِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ وَجَوَّزَ الْكِرْمَانِيُّ احْتِمَالًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ ثَلَاثَةُ أَعْمِدَةٍ مُصْطَفَّةٍ فَصَلَّى إِلَى جَنْبِ الْأَوْسَطِ فَمَنْ قَالَ جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ لَمْ يَعْتَبِرِ الَّذِي صَلَّى إِلَى جَنْبِهِ وَمَنْ قَالَ عَمُودَيْنِ اعْتَبَرَهُ ثُمَّ وَجَدْتُهُ مَسْبُوقًا بِهَذَا الِاحْتِمَالِ وَأَبْعَدُ مِنْهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ انْتَقَلَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ لِقِلَّتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وقَال إِسْمَاعِيلُ أَيِ بن أَبِي أُوَيْسٍ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَالْأَصِيلِيِّ قَالَ مُجَرَّدَةٌ وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ قَالَ لَنَا فَوَضَّحَ وَصْلَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ عَلَى مَالِكٍ فِيهِ فَوَافَقَ الْجُمْهُورُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ عَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَوَافَقَ إِسْمَاعِيلَ فِي قَوْلِهِ عمودين عَن يَمِينه بن الْقَاسِمِ وَالْقَعْنَبِيُّ وَأَبُو مُصْعَبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو حذافة وَكَذَا الشَّافِعِي وبن مَهْدِيٍّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا.

     وَقَالَ  يَحْيَى بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ مُسْلِمٌ جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ عَكْسَ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِشْرُ بْنُ عُمَرَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا وَجَمَعَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِاتِّحَادٍ مَخْرَجِ الْحَدِيثِ وَقَدْ جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ بِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ وَمَنْ وَافَقَهُ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ رَابِعٌ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مَالِكٍ جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أَرْبَعَةُ أَعْمِدَةٍ اثْنَانِ مُجْتَمِعَانِ وَاثْنَانِ مُنْفَرِدَانِ فَوَقَفَ عِنْدَ الْمُجْتَمِعَيْنِ لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ بَعْدَ قَوْلِهِ وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ وَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَمْ يُتَابَعْ عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ



( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ)

كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِلَا تَرْجَمَةٍ وَهُوَ كَالْفَصْلِ مِنَ الْبَابِ الَّذِي قَبِلَهُ وَكَأَنَّهُ فَصَلَهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِكَوْنِ الصَّلَاةِ وَقَعَتْ بَيْنَ السَّوَارِي لَكِنْ فِيهِ بَيَانُ مِقْدَارِ مَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ مِنَ الْمَسَافَةِ وَسَقَطَ لفظ بَابٌ مِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ



[ قــ :493 ... غــ :506] .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ قَرِيبًا كَذَا وَقَعَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ وَاسْمُهَا مَحْذُوفٌ .

     قَوْلُهُ  مِنْ ثَلَاثِ أَذْرُعٍ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِغَيْرِهِ ثَلَاثَةٌ بِالتَّأْنِيثِ وَالذِّرَاعِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ .

     قَوْلُهُ  يَتَوَخَّى بالمعجمه أَي يقْصد قَوْله قَالَ أَي بن عُمَرَ .

     قَوْلُهُ  أَنْ يُصَلِّيَ كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَلِغَيْرِهِ أَن صلى بِلَفْظ الْمَاضِي وَمُرَاد بن عُمَرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ مُوَافَقَةُ الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ مُوَافَقَةُ ذَلِكَ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ الْغَرَضُ بِغَيْرِهِ