فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: إذا فاته العيد يصلي ركعتين، وكذلك النساء، ومن كان في البيوت والقرى

( قَولُهُ بَابُ إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ)
أَيْ مَعَ الْإِمَامِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ حُكْمَانِ مَشْرُوعِيَّةُ اسْتِدْرَاكِ صَلَاةِ الْعِيد إِذا فَاتَت مَعَ الْجَمَاعَة سَوَاء كَانَت بِالِاضْطِرَارِ أَوْ بِالِاخْتِيَارِ وَكَوْنِهَا تُقْضَى رَكْعَتَيْنِ كَأَصْلِهَا وَخَالَفَ فِي الْأَوَّلِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْمُزَنِيُّ فَقَالَ لَا تقضى وفىالثانى الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ قَالَا إِنْ صَلَّاهَا وَحْدَهُ صَلَّى أَرْبعا وَلَهُمَا فِي ذَلِك سلف قَالَ بن مَسْعُودٍ مَنْ فَاتَهُ الْعِيدُ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.

     وَقَالَ  إِسْحَاق إِن صلاهَا فىالجماعة فَرَكْعَتَيْنِ وَإِلَّا فَأَرْبَعًا قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ كَأَنَّهُمْ قَاسُوهَا عَلَى الْجُمُعَةِ لَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ مَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ يَعُودُ لِفَرْضِهِ مِنَ الظُّهْرِ بِخِلَافِ الْعِيدِ انْتَهَى.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالتَّرْكِ وَبَيْنَ الثِّنْتَيْنِ وَالْأَرْبَعِ وَأورد البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْجَارِيَتَيْنِ الْمُغَنِّيَتَيْنِ وَأَشْكَلَتْ مطابقته للتَّرْجَمَة على جمَاعَة وَأجَاب بن الْمُنِيرِ بِأَنَّ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا أَيَّام عيد فَأَضَافَ نِسْبَةَ الْعِيدِ إِلَى الْيَوْمِ فَيَسْتَوِي فِي إِقَامَتهَا الْفَذ وَالْجَمَاعَة وَالنِّسَاء وَالرِّجَال قَالَ بن رشيد وَتَتِمَّتُهُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ أَيْ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَلِهَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَدْرِ الْبَابِ وَأَهْلُ الْإِسْلَامِ شَامِلٌ لِجَمِيعِهِمْ أَفْرَادًا وَجَمْعًا وَهَذَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ الْحُكْمُ الثَّانِي لَا مَشْرُوعِيَّةُ الْقَضَاءِ قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَخَذَ مَشْرُوعِيَّةَ الْقَضَاءِ مِنْ



[ قــ :958 ... غــ :987] قَوْلِهِ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ أَيْ أَيَّامُ مِنًى فَلَمَّا سَمَّاهَا أَيَّامَ عِيدٍ كَانَتْ مَحَلًّا لِأَدَاءِ هَذِهِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِيَوْمِ الْعِيدِ فَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا تَقَعُ أَدَاءً وَأَنَّ لِوَقْتِ الْأَدَاءِ آخِرًا وَهُوَ آخِرُ أَيَّامِ مِنًى قَالَ وَوَجَدْتُ بِخَطِّ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْوَرْدِ لَمَّا سَوَّغَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ رَاحَةَ الْعِيدِ الْمُبَاحَةَ كَانَ آكَدَ أَنْ يَنْدُبَهُنَّ إِلَى صَلَاتِهِ فِي بُيُوتِهِنَّ .

     قَوْلُهُ  فِي التَّرْجَمَةِ وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ دَعْهُمَا فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ وَالْقُرَى يُشِيرُ إِلَى مُخَالَفَةِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ فَضْلِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَنِ الزُّهْرِيِّ لَيْسَ عَلَى الْمُسَافِرِ صَلَاةُ عِيدٍ وَوَجْهُ مُخَالَفَتِهِ كَوْنُ عُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ يُخَالِفُ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ أَرَهُ هَكَذَا وَإِنَّمَا أَوَّلَهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْمُغَنِّيَتَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ثَالِثِ التَّرْجَمَةِ مِنْ كِتَابِ الْعِيدَيْنِ بِلَفْظِ إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا.
وَأَمَّا بَاقِيهِ فَلَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا أَيَّامُ مِنًى عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ فِي السّنَن وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ وَقَولُهُ أَهْلَ الْإِسْلَامِ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مُنَادَى مُضَافٌ حُذِفَ مِنْهُ حَرْفُ النِّدَاءِ أَوْ بِإِضْمَارِ أَعْنِي أَوْ أَخُصُّ وَجَوَّزَ فِيهِ أَبُو الْبَقَاءِ فِي إِعْرَابِ الْمُسْنَدِ الْجَرَّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ عِيدُنَا .

     قَوْلُهُ  وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلَاهُ فِي رِوَايَةِ المستملى مَوْلَاهُم قَوْله بن أَبِي غَنِيَّةَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ بِالْمُعْجَمَةِ وَالنُّونُ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ مُثَقَّلَةٌ وَلِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ الرَّاجِحُ .

     قَوْلُهُ  بِالزَّاوِيَةِ بِالزَّايِ مَوْضِعٌ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنَ الْبَصْرَةِ كَانَ بِهِ لِأَنَسٍ قَصْرٌ وَأَرْضٌ وَكَانَ يُقِيمُ هُنَاكَ كَثِيرًا وَكَانَتْ بِالزَّاوِيَةِ وَقْعَةٌ عَظِيمَةٌ بَيْنَ الْحَجَّاجِ وبن الْأَشْعَث وَهَذَا الْأَثر وَصله بن أبي شيبَة عَن بن علية عَن يُونُس هُوَ بن عُبَيْدٍ حَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ أَنَسٍ أَنَّ أَنَسًا كَانَ رُبَّمَا جَمَعَ أَهْلَهُ وَحَشَمَهُ يَوْمَ الْعِيدِ فَيُصَلِّي بِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ مَوْلَاهُ رَكْعَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالْبَعْضِ الْمَذْكُورِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ كَانَ أَنَسٌ إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ مَعَ الْإِمَامِ جَمَعَ أَهْلَهُ فَصَلَّى بِهِمْ مِثْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْعِيدِ .

     قَوْلُهُ  وقَال عِكْرِمَة وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْهُ قَالَ فِي الْقَوْمِ يَكُونُونَ فِي السَّوَادِ وَفِي السَّفَرِ فِي يَوْمِ عِيدِ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى قَالَ يَجْتَمِعُونَ وَيَؤُمُّهُمْ أَحَدُهُمْ .

     قَوْلُهُ  وقَال عَطَاءٌ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَكَانَ عَطَاءٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فَقَدْ رَوَاهُ الْفِرْيَابِيُّ فِي مُصَنَّفِهِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنِ بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ مَنْ فَاتَهُ الْعِيدُ فَليصل رَكْعَتَيْنِ وَأخرجه بن أبي شيبَة من وَجه آخر عَن بن جريج وَزَادَ وَيُكَبِّرُ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّهَا تُقْضَى كَهَيْئَتِهَا لَا أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ مُطْلَقُ نَفْلٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْعِيدَيْنِ وَقَولُهُ فِيهِ .

     وَقَالَتْ  عَائِشَةُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَقَولُهُ فَزَجَرَهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُمْ كَذَا فِي الْأُصُولِ بِحَذْفِ فَاعِلِ زَجَرَهُمْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ كَذَا هُنَا وَسَيَأْتِي بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي أَوَائِلِ الْمَنَاقِبِ بِحَذْفِهِ أَيْضًا لِلْجَمِيعِ وَضَبَّبَ النَّسَفِيُّ بَيْنَ زَجَرَهُمْ وَبَيْنَ فَقَالَ إِشَارَةً إِلَى الْحَذْفِ وَقَدْ ثَبَتَ بِلَفْظِ عُمَرَ فِي طُرُقٍ أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْعِيدَيْنِ وَقَولُهُ فِيهِ أَمْنًا بِسُكُونِ الْمِيمِ يَعْنِي مِنَ الْأَمْنِ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى اتْرُكْهُمْ مِنْ جِهَةِ أَنَّا آمِنَّاهُمْ أَمْنًا أَوْ أَرَادَ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَمْنِ لَا مِنَ الْأَمَانِ الَّذِي لِلْكُفَّارِ وَاللَّهُ أعلم