فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب إذا جامع في رمضان، ولم يكن له شيء، فتصدق عليه فليكفر

( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ)

أَيْ عَامِدًا عَالِمًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ يُعْتِقُ أَوْ يُطْعِمُ وَلَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ أَيْ بِقَدْرِ مَا يَجْزِيهِ فَلْيُكَفِّرْ أَيْ بِهِ لِأَنَّهُ صَارَ وَاجِدًا وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِعْسَارَ لَا يُسْقِطُ الْكَفَّارَةَ عَنِ الذِّمَّةِ .

     قَوْلُهُ 



[ قــ :1853 ... غــ :1936] أَخْبرنِي حميد بن عبد الرَّحْمَن أَي بن عَوْفٍ هَكَذَا تَوَارَدَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ جَمَعْتُ مِنْهُمْ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ لِطُرُقِ هَذَا الحَدِيث أَكثر من أَرْبَعِينَ نفسا مِنْهُم بن عُيَيْنَةَ وَاللَّيْثُ وَمَعْمَرٌ وَمَنْصُورٌ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَشُعَيْبٌ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمَالِكٍ وبن جُرَيْجٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَالْجَوْزَقِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن مُسَافر عِنْد الطَّحَاوِيّ وَعقيل عِنْد بن خُزَيْمَة وبن أَبِي حَفْصَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَيُونُسُ وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَصَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَسَأَذْكُرُ مَا عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمْ مِنْ زِيَادَةِ فَائِدَةٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَخَالَفَهُمْ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ فَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ قَالَ الْبَزَّار وبن خُزَيْمَةَ وَأَبُو عَوَانَةَ أَخْطَأَ فِيهِ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ.

قُلْتُ وَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ فَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَالْمَحْفُوظُ عَن بن أَبِي حَفْصَةَ كَالْجَمَاعَةِ كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ عَنْهُمَا فَقَدْ جَمَعَهُمَا عَنْهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ مِنْ طَرِيقِهِ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ حِكَايَةُ خِلَافٍ آخَرَ فِيهِ عَلَى مَنْصُورٍ وَكَذَلِكَ فِي الْكَفَّارَاتِ حِكَايَةُ خِلَافٍ فِيهِ عَلَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فِي رِوَايَةِ بن جريج عِنْد مُسلم وَعقيل عِنْد بن خُزَيْمَة وبن أَبِي أُوَيْسٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ التَّصْرِيحُ بِالتَّحْدِيثِ بَيْنَ حميد وَأَبِي هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ أَصْلُهَا بَيْنَ وَقَدْ تَرِدُ بِغَيْرِ مَا فَتُشْبَعُ الْفَتْحَةُ وَمن خَاصَّة بَيْنَمَا أَنَّهَا تتلقى باذوباذا حَيْثُ تَجِيءُ لِلْمُفَاجَأَةِ بِخِلَافِ بَيْنَا فَلَا تُتَلَقَّى بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَقَدْ وَرَدَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ حُسْنُ الْأَدَبِ فِي التَّعْبِيرِ لِمَا تُشْعِرُ الْعِنْدِيَّةُ بِالتَّعْظِيمِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مَعَ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ إِلَّا أَنَّ عبد الْغَنِيّ فِي المبهمات وَتَبعهُ بن بَشْكُوَالَ جَزْمًا بِأَنَّهُ سُلَيْمَانُ أَوْ سَلَمَةُ بْنُ صَخْر البياضي واستند إِلَى مَا أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ أَنَّهُ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ وَأَنَّهُ وَطِئَهَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرِّرْ رَقَبَةً.

قُلْتُ مَا أَمْلِكُ رَقَبَةً غَيْرَهَا وَضَرَبَ صَفْحَةَ رَقَبَتِهِ قَالَ فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ قَالَ وَهَلْ أَصَبْتُ الَّذِي أَصَبْتُ إِلَّا مِنَ الصِّيَامِ قَالَ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكَيْنَا قَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا لَنَا طَعَامٌ قَالَ فَانْطَلِقْ إِلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ فَلْيَدْفَعْهَا إِلَيْكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ فَإِنَّ فِي قِصَّةِ الْمُجَامِعِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ كَانَ صَائِمًا كَمَا سَيَأْتِي وَفِي قِصَّةِ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لَيْلًا فَافْتَرَقَا وَلَا يَلْزَمُ مِنِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي كَوْنِهِمَا مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ وَفِي صِفَةِ الْكَفَّارَةِ وَكَوْنِهَا مُرَتَّبَةً وَفِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ خِصَالِهَا اتِّحَادُ الْقِصَّتَيْنِ وَسَنَذْكُرُ أَيْضًا مَا يُؤَيِّدُ الْمُغَايِرَةَ بَينهمَا وَأخرج بن عبد الْبر فِي تَرْجَمَة عَطاء الخرساني مِنَ التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ سُلَيْمَان بن صَخْر قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَظُنُّ هَذَا وَهْمًا لِأَنَّ الْمَحْفُوظَ أَنَّهُ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ وَوَقَعَ عَلَيْهَا فِي اللَّيْلِ لَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ بِالنَّهَارِ اه وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمضَانَ أَيْ لَيْلًا بَعْدَ أَنْ ظَاهَرَ فَلَا يَكُونُ وَهْمًا وَلَا يَلْزَمُ الِاتِّحَادُ وَوَقَعَ فِي مَبَاحِثِ الْعَامِّ من شرح بن الْحَاجِبِ مَا يُوهِمُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ يَسَارٍ وَهُوَ وَهَمٌ يَظْهَرُ مِنْ تَأَمُّلِ بَقِيَّةِ كَلَامِهِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَادَ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ جَاءَ رَجُلٌ وَهُوَ يَنْتِفُ شَعْرَهُ وَيَدُقُّ صَدْرَهُ وَيَقُولُ هَلَكَ الْأَبْعَدُ وَلِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ يَلْطِمُ وَجْهَهُ وَلِحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ يَدْعُو ويله وَفِي مُرْسل بن الْمُسَيَّبِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَيُحْثِي عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ هَذَا الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ مِمَّن وَقَعَتْ لَهُ مَعْصِيَةٌ وَيُفَرَّقُ بِذَلِكَ بَيْنَ مُصِيبَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَيَجُوزُ فِي مُصِيبَةِ الدِّينِ لِمَا يُشْعِرُ بِهِ الْحَالُ مِنْ شِدَّةِ النَّدَمِ وَصِحَّةِ الْإِقْلَاعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ لَطْمِ الْخُدُودِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ هَلَكْتُ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ فَقَالَ إِنَّ الْأَخِرَ هَلَكَ وَالْأَخِرُ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ بِغَيْرِ مَدٍّ هُوَ الْأَبْعَدُ وَقِيلَ الْغَائِبُ وَقِيلَ الْأَرْذَلُ .

     قَوْلُهُ  هَلَكْتُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ كَمَا تقدم احترقت وَفِي رِوَايَة بن أَبِي حَفْصَةَ مَا أَرَانِي إِلَّا قَدْ هَلَكْتُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَامِدًا لِأَنَّ الْهَلَاكَ وَالِاحْتِرَاقَ مَجَازٌ عَنِ الْعِصْيَانِ الْمُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْمُتَوَقَّعَ كَالْوَاقِعِ وَبَالَغَ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى النَّاسِي وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَعَنْ أَحْمَدَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ يَجِبُ عَلَى النَّاسِي وَتَمَسَّكُوا بِتَرْكِ اسْتِفْسَارِهِ عَنْ جِمَاعِهِ هَلْ كَانَ عَنْ عَمْدٍ أَوْ نِسْيَانٍ وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي الْفِعْلِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْقَوْلِ كَمَا اشْتُهِرَ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ حَالُهُ بِقَوْلِهِ هَلَكْتُ وَاحْتَرَقْتُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَامِدًا عَارِفًا بِالتَّحْرِيمِ وَأَيْضًا فَدُخُولُ النِّسْيَانِ فِي الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ مَنِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا وَجَاء مستفتيا أَنه لايعزر لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَاقِبْهُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِالْمَعْصِيَةِ وَقَدْ تَرْجَمَ لِذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي الْحُدُودِ وَأَشَارَ إِلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ وتوجيهه أَن مَجِيئه مستفتيا يقتضى النَّدَم وَالتَّوْبَة والتعزيز إِنَّمَا جعل للاستصلاح وَلَا استصلاح مَعَ الصَّلَاحِ وَأَيْضًا فَلَوْ عُوقِبَ الْمُسْتَفْتِي لَكَانَ سَبَبًا لِتَرْكِ الِاسْتِفْتَاءِ وَهِيَ مَفْسَدَةٌ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ لَا يُعَاقَبَ هَكَذَا قَرَّرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَكِنْ وَقَعَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لِلْبَغَوِيِّ أَنَّ مَنْ جَامَعَ مُتَعَمِّدًا فِي رَمَضَانَ فَسَدَ صَوْمُهُ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَيُعَزَّرُ عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ مَا وَقَعَ مِنْ صَاحِبِ هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنَ النَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ وَبَنَاهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَعْزِير شَاهد الزُّور قَوْله قَالَ مَالك بِفَتْحِ اللَّامِ اسْتِفْهَامٌ عَنْ حَالِهِ وَفِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ وَيْحَكَ مَا شَأْنُكَ وَلِابْنِ أَبِي حَفْصَةَ وَمَا الَّذِي أَهْلَكَكَ وَلِعَمْرٍو مَا ذَاكَ وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ وَيْحَكَ مَا صَنَعْتَ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ وَتَرْجَمَ بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ وَيْلَكَ وَيْحَكَ ثُمَّ قَالَ عَقِبَهُ تَابَعَهُ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ يَعْنِي فِي قَوْلِهِ وَيْحَكَ.

     وَقَالَ  عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَيْلَكَ.

قُلْتُ وَسَأَذْكُرُ مَنْ وَصَلَهُمَا هُنَاكَ أَن شَاءَ الله تَعَالَى وَقد تَابع بن خَالِدٍ فِي قَوْلِهِ وَيْلَكَ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ وَتَابَعَ الْأَوْزَاعِيَّ فِي قَوْلِهِ وَيْحَكَ عُقَيْلٌ وبن إِسْحَاقَ وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ فَهُوَ أَرْجَحُ وَهُوَ اللَّائِق بالْمقَام فَإِن وَيْح كلمة رَحْمَة وويل كَلِمَةُ عَذَابٍ وَالْمَقَامُ يَقْتَضِي الْأَوَّلَ .

     قَوْلُهُ  وَقَعْتُ على امراتى وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ أَصَبْتُ أَهْلِي وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَطِئْتُ امْرَأَتي وَوَقع فِي رِوَايَة مَالك وبن جُرَيْجٍ وَغَيْرِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ قَلِيلٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّخْيِيرِ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ صِيَامَهُ مُطْلَقًا بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْخِلَافِ فِيهِ وَالْجُمْهُورُ حَمَلُوا .

     قَوْلُهُ  أَفْطَرَ هُنَا عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي وَكَأَنَّهُ قَالَ أَفْطَرَ بِجِمَاعٍ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى الْقُرْطُبِيِّ وَغَيْرِهِ تَعَدُّدَ الْقِصَّةِ وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ مُطْلَقًا بِقِيَاسِ الْآكِلِ عَلَى الْمُجَامِعِ بِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ انْتَهَاكِ حُرْمَةِ الصَّوْمِ وَبِأَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْأَكْلِ فَسَدَ صَوْمُهُ كَمَا يَفْسُدُ صَوْمُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْجِمَاعِ بِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا وَسَيَأْتِي بَيَانُ التَّرْجِيحِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّرْتِيبِ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ نَظِيرُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمُعْظَمُ الرِّوَايَاتِ فِيهَا وَطِئْتُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ سَاقَ مُسْلِمٌ إِسْنَادَهَا وَسَاقَ أَبُو عَوَانَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مَتْنَهَا أَنَّهُ قَالَ أَفْطَرْتُ فِي رَمَضَانَ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ وَمَخْرَجُهَا مُتَّحِدٌ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَفْطَرْتُ فِي رَمَضَان بجماع وَقد وَقع فِي مُرْسل بن الْمُسَيَّبِ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَصَبْتُ امْرَأَتِي ظُهْرًا فِي رَمَضَانَ وَتَعْيِينُ رَمَضَانَ مَعْمُولٌ بِمَفْهُومِهِ وَلِلْفَرْقِ فِي وُجُوبِ كَفَّارَةِ الْمُجَامِعِ فِي الصَّوْمِ بَيْنَ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ كَالنَّذْرِ وَفِي كَلَامِ أَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ إِشَارَةٌ إِلَى وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ وَقَعَ مِنْهُ فِي رَمَضَانَ نَهَارًا سَوَاءٌ كَانَ الصَّوْمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَ وَاجِبٍ .

     قَوْلُهُ  وَأَنَا صَائِمٌ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ قَوْلِهِ وَقَعْتُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي إِطْلَاقِ اسْمِ الْمُشْتَقِّ بَقَاءُ الْمَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ حَقِيقَةً لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِهِ صَائِمًا مُجَامِعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَلَى هَذَا .

     قَوْلُهُ  وَطِئْتُ أَيْ شَرَعْتُ فِي الْوَطْءِ أَوْ أَرَادَ جَامَعْتُ بَعْدَ إِذْ أَنَا صَائِمٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي الْيَوْمَ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ .

     قَوْلُهُ  هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ أَتَجِدُ مَا تحرر رَقَبَة وَفِي رِوَايَة بن أَبِي حَفْصَةَ أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ فَقَالَ أَعْتِقْ رَقَبَةً زَادَ فِي رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ بِئْسَمَا صَنَعْتَ أَعْتِقْ رَقَبَةً .

     قَوْلُهُ  قَالَ لَا فِي رِوَايَة بن مُسَافِرٍ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاق لَيْسَ عِنْدِي وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ فَقَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا مَلَكْتُ رَقَبَةً قَطُّ وَاسْتُدِلَّ بِإِطْلَاقِ الرَّقَبَةِ عَلَى جَوَازِ إِخْرَاجِ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ السَّبَبَ إِذَا اخْتَلَفَ وَاتَّحَدَ الْحُكْمُ هَلْ يُقَيَّدُ الْمُطْلَقُ أَوْ لَا وَهَلْ تَقْيِيدُهُ بِالْقِيَاسِ أَوْ لَا وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ بِالْقِيَاسِ وَيُؤَيِّدُهُ التَّقْيِيدُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى .

     قَوْلُهُ  قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن سَعْدٍ قَالَ فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَفِي حَدِيثِ سعد قَالَ لَا أقدر وَفِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ وَهَلْ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ إِلَّا مِنَ الصّيام قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَا إِشْكَالَ فِي الِانْتِقَالِ عَنِ الصَّوْم إِلَى الْإِطْعَام لَكِن رِوَايَة بن إِسْحَاقَ هَذِهِ اقْتَضَتْ أَنَّ عَدَمَ اسْتِطَاعَتِهِ لِشِدَّةِ شَبَقِهِ وَعَدَمِ صَبْرِهِ عَنِ الْوَقَاعِ فَنَشَأَ لِلشَّافِعِيَّةِ نَظَرٌ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا أَيْ شِدَّةُ الشَّبَقِ حَتَّى يُعَدَّ صَاحِبُهُ غَيْرَ مُسْتَطِيعٍ لِلصَّوْمِ أَوْ لَا وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمُ اعْتِبَارُ ذَلِكَ وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَنْ يَجِدُ رَقَبَةً لَا غِنَى بِهِ عَنْهَا فَإِنَّهُ يَسُوغُ لَهُ الِانْتِقَالُ إِلَى الصَّوْمِ مَعَ وُجُودِهَا لِكَوْنِهِ فِي حُكْمِ غَيْرِ الْوَاجِدِ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مُرْسَلًا أَنَّهُ قَالَ فِي جَوَابِ قَوْلِهِ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ إِنِّي لَأَدَعُ الطَّعَامَ سَاعَةً فَمَا أُطِيقُ ذَلِكَ فَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَلَعَلَّهُ اعْتَلَّ بِالْأَمْرَيْنِ .

     قَوْلُهُ  فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكينا قَالَ لَا زَاد بن مُسَافِرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ إِطْعَامَ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَعِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ فَتُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكينا قَالَ لَا أجد وَفِي رِوَايَة بن أَبِي حَفْصَةَ أَفَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا وَذكر الْحَاجة وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ قَالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُشْبِعُ أَهلِي قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ أَضَافَ الْإِطْعَامَ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ أَطْعِمْ إِلَى سِتِّينَ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي حَقِّ مَنْ أَطْعَمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا وَمَنْ أَجَازَ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنَ النَّصِّ مَعْنًى يَعُودُ عَلَيْهِ بِالْإِبْطَالِ وَالْمَشْهُورُ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ الْإِجْزَاءُ حَتَّى لَوْ أَطْعَمَ الْجَمِيعُ مِسْكِينًا وَاحِدًا فِي سِتِّينَ يَوْمًا كَفَى وَالْمُرَادُ بِالْإِطْعَامِ الْإِعْطَاءُ لَا اشْتِرَاطُ حَقِيقَةِ الْإِطْعَامِ مِنْ وَضْعِ الْمَطْعُومِ فِي الْفَمِ بَلْ يَكْفِي الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي إِطْلَاقِ الْإِطْعَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِوُجُودِ الْإِطْعَامِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ مُنَاوَلَةٍ بِخِلَافِ زَكَاةِ الْفَرْضِ فَإِنَّ فِيهَا النَّصَّ عَلَى الْإِيتَاءِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ فِيهَا النَّصَّ عَلَى الْأَدَاءِ وَفِي ذِكْرِ الْإِطْعَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ طَاعِمِينَ فَيَخْرُجُ الطِّفْلُ الَّذِي لَمْ يَطْعَمْ كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ وَنَظَرَ الشَّافِعِيُّ إِلَى النَّوْعِ فَقَالَ يُسَلَّمُ لِوَلِيِّهِ وَذَكَرَ السِّتِّينَ لِيُفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَا زَادَ عَلَيْهَا وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْمَفْهُومِ تَمَسَّكَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَذُكِرَ فِي حِكْمَةِ هَذِهِ الْخِصَالِ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ مَنِ انْتَهَكَ حُرْمَةَ الصَّوْمِ بِالْجِمَاعِ فَقَدْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ بِالْمَعْصِيَةِ فَنَاسَبَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً فَيَفْدِيَ نَفْسَهُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ.
وَأَمَّا الصِّيَامُ فَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ كَالْمُقَاصَّةِ بِجِنْسِ الْجِنَايَةِ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ شَهْرَيْنِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِمُصَابَرَةِ النَّفْسِ فِي حِفْظِ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى الْوَلَاءِ فَلَمَّا أَفْسَدَ مِنْهُ يَوْمًا كَانَ كَمَنْ أَفْسَدَ الشَّهْرَ كُلَّهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ بِالنَّوْعِ فَكُلِّفَ بِشَهْرَيْنِ مُضَاعَفَةً عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ لِنَقِيضِ قَصْدِهِ.
وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ مُقَابَلَةُ كُلِّ يَوْمٍ بِإِطْعَامِ مِسْكَيْنٍ ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ جَامِعَةٌ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى حَقِّ اللَّهِ وَهُوَ الصَّوْمُ وَحَقِّ الْأَحْرَارِ بِالْإِطْعَامِ وَحَقِّ الْأَرِقَّاءِ بِالْإِعْتَاقِ وَحَقِّ الْجَانِي بِثَوَابِ الِامْتِثَالِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ بِالْجِمَاعِ خِلَافًا لِمَنْ شَذَّ فَقَالَ لَا تَجِبُ مُسْتَنِدًا إِلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا سَقَطَ بِالْإِعْسَارِ وَتُعُقِّبَ بِمَنْعِ الْإِسْقَاطِ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ الصَّائِمُ يُصْبِحُ جُنُبًا نَقْلُ الْخِلَافِ فِي إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ بِالْقُبْلَةِ وَالنَّظَرِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَالْإِنْعَاظِ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ يُلْحَقُ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ بِالْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ كُلُّ وَطْءٍ فِي أَيِّ فَرْجٍ كَانَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَرَيَانِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكَفَّارَةِ وَوَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَعْرِفُ مَالِكٌ غَيْرَ الْإِطْعَامِ وَلَا يَأْخُذُ بِعِتْق وَلَا صِيَام قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَهِيَ مُعْضِلَةٌ لَا يَهْتَدِي إِلَى تَوْجِيهِهَا مَعَ مُصَادَمَةِ الْحَدِيثِ الثَّابِتِ غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ حَمَلَ هَذَا اللَّفْظَ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فِي تَقْدِيمِ الطَّعَامِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْخِصَالِ وَوَجَّهُوا تَرْجِيحَ الطَّعَامِ عَلَى غَيْرِهِ بِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَهُ فِي الْقُرْآنِ رُخْصَةً لِلْقَادِرِ ثُمَّ نُسِخَ هَذَا الْحُكْمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَسْخُ الْفَضِيلَةِ فَيَتَرَجَّحُ الْإِطْعَامُ أَيْضًا لِاخْتِيَارِ اللَّهِ لَهُ فِي حَقِّ الْمُفْطِرِ بِالْعُذْرِ وَكَذَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ آخَرُ وَلِمُنَاسَبَةِ إِيجَابِ الْإِطْعَامِ لِجَبْرِ فَوَاتِ الصِّيَامِ الَّذِي هُوَ إِمْسَاكٌ عَنِ الطَّعَامِ وَلِشُمُولِ نَفْعِهِ لِلْمَسَاكِينِ وَكُلُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ لَا تُقَاوِمُ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ تَقْدِيمِ الْعِتْقِ عَلَى الصِّيَامِ ثُمَّ الْإِطْعَامِ سَوَاءٌ قُلْنَا الْكَفَّارَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ أَوِ التَّخْيِيرِ فَإِنَّ هَذِهِ الْبُدَاءَةَ إِنْ لَمْ تَقْتَضِ وُجُوبَ التَّرْتِيبِ فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ تَقْتَضِيَ اسْتِحْبَابَهُ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ لَمْ يَقَعْ فِيهِ سِوَى الْإِطْعَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ قَبْلُ وَأَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ذِكْرُ الْعِتْقِ أَيْضًا وَمِنَ الْمَالِكِيَّةِ مَنْ وَافَقَ عَلَى هَذَا الِاسْتِحْبَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ الْكَفَّارَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فَفِي وَقْتِ الشِّدَّةِ يَكُونُ بِالْإِطْعَامِ وَفِي غَيْرِهَا يَكُونُ بِالْعِتْقِ أَوِ الصَّوْمِ وَنَقَلُوهُ عَنْ مُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْإِفْطَارُ بِالْجِمَاعِ يُكَفَّرُ بِالْخِصَالِ الثَّلَاثِ وَبِغَيْرِهِ لَا يُكَفَّرُ إِلَّا بِالْإِطْعَامِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُصْعَبٍ.

     وَقَالَ  بن جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْعِتْقِ وَالصَّوْمِ وَلَا يُطْعِمُ إِلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُمَا وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِغَيْرِ هَذِهِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ فِي الْكَفَّارَةِ وَجَاءَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ إِهْدَاءُ الْبَدَنَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّقَبَةِ وَرُبَّمَا أَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِإِلْحَاقِ إِفْسَادِ الصِّيَامِ بِإِفْسَادِ الْحَجِّ وَوَرَدَ ذِكْرُ الْبَدَنَةِ فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأ عَن عَطاء الخرساني عَنْهُ وَهُوَ مَعَ إِرْسَالِهِ قَدْ رَدَّهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَكَذَبَ مَنْ نَقَلَهُ عَنْهُ كَمَا روى سعيد بن مَنْصُور عَن بن عُلَيَّةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَاصِمٍ.

قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مَا حَدِيثٌ حدّثنَاهُ عَطاء الخرساني عَنْكَ فِي الَّذِي وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ أَنَّهُ يُعْتِقُ رَقَبَةً أَوْ يُهْدِي بَدَنَةً فَقَالَ كَذَبَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَهَكَذَا رَوَاهُ اللَّيْثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَاصِمٍ وَتَابَعَهُ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَن سعيد وَذكر بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ عَطَاءً لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ فَقَدْ وَرَدَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْصُولًا ثُمَّ سَاقَهُ بِإِسْنَادِهِ لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَلَيْثٌ ضَعِيفٌ وَقَدِ اضْطَرَبَ فِي رِوَايَتِهِ سَنَدًا وَمَتْنًا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ الْكَفَّارَةَ بِالْخِصَالِ الثَّلَاثِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقَلَهُ مِنْ أَمْرٍ بَعْدَ عَدَمِهِ لِأَمْرٍ آخَرَ وَلَيْسَ هَذَا شَأْنَ التَّخْيِيرِ وَنَازَعَ عِيَاضٌ فِي ظُهُورِ دَلَالَةِ التَّرْتِيبِ فِي السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ مِثْلَ هَذَا السُّؤَالِ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ على التَّخْيِير وَقَررهُ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ بِأَنَّ شَخْصًا لَوْ حَنِثَ فَاسْتَفْتَى فَقَالَ لَهُ الْمُفْتِي أَعْتِقْ رَقَبَةً فَقَالَ لَا أَجِدُ فَقَالَ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَخْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِحَقِيقَةِ التَّخْيِيرِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ إِرْشَادَهُ إِلَى الْعِتْقِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ لِتَنْجِيزِ الْكَفَّارَةِ.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيُّ تَرْتِيبُ الثَّانِي بِالْفَاءِ عَلَى فَقْدِ الْأَوَّلِ ثُمَّ الثَّالِثِ بِالْفَاءِ عَلَى فَقْدِ الثَّانِي يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّخْيِيرِ مَعَ كَوْنِهَا فِي مَعْرِضِ الْبَيَانِ وَجَوَابِ السُّؤَالِ فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ لِلْحُكْمِ وَسَلَكَ الْجُمْهُورُ فِي ذَلِكَ مَسْلَكَ التَّرْجِيحِ بِأَنَّ الَّذِينَ رَوَوُا التَّرْتِيبَ عَنِ الزُّهْرِيّ أَكثر مِمَّن روى التَّخْيِير وَتعقبه بن التِّين بَان الَّذين رووا التَّرْتِيب بن عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالَّذِينَ رَوَوُا التَّخْيِيرَ مَالِكٌ وبن جُرَيْجٍ وَفُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْمَخْزُومِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَالَّذِينَ رَوَوُا التَّرْتِيبَ فِي الْبُخَارِيِّ الَّذِي نَحْنُ فِي شَرْحِهِ أَيْضًا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَمَنْصُورٌ وَرِوَايَةُ هَذَيْنِ فِي هَذَا الْبَابِ الَّذِي نشرحه وَفِي الَّذِي يَلِيهِ فَكيف غفل بن التِّينِ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَنْظُرُ فِيهِ بَلْ رَوَى التَّرْتِيبَ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ تَمَامُ ثَلَاثِينَ نَفْسًا أَوْ أَزْيَدَ وَرُجِّحَ التَّرْتِيبُ أَيْضًا بِأَنْ رَاوِيَهُ حَكَى لَفْظَ الْقِصَّةِ عَلَى وَجْهِهَا فَمَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ مِنْ صُورَةِ الْوَاقِعَةِ وَرَاوِي التَّخْيِيرِ حَكَى لَفْظَ رَاوِي الْحَدِيثِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ بَعْضِ الرُّوَاةِ إِمَّا لِقَصْدِ الِاخْتِصَارِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَيَتَرَجَّحُ التَّرْتِيبُ أَيْضًا بِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِهِ مجزىء سَوَاءٌ قُلْنَا بِالتَّخْيِيرِ أَوْ لَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ كَالْمُهَلَّبِ وَالْقُرْطُبِيِّ بِالْحَمْلِ عَلَى التَّعَدُّدِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ وَالْمَخْرَجُ مُتَّحِدٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَبَعْضُهُمْ حَمَلَ التَّرْتِيبَ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ وَالتَّخْيِيرَ عَلَى الْجَوَازِ وَعَكَسَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ أَوْ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلتَّفْسِيرِ وَالتَّقْدِيرِ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يَصُومَ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْعِتْقِ أَوْ يُطْعِمَ إِنْ عَجَزَ عَنْهُمَا وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ سَبَبَ إِتْيَانِ بَعْضِ الرُّوَاةِ بِالتَّخْيِيرِ أَنَّ الزُّهْرِيَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ قَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ فَصَارَتِ الْكَفَّارَةُ إِلَى عِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ أَوِ الْإِطْعَامِ قَالَ فَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُخْتَصَرًا مُقْتَصَرًا عَلَى مَا ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ آلَ إِلَيْهِ الْأَمْرُ قَالَ وَقَدْ قَصَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ الْقِصَّةَ عَلَى وَجْهِهَا ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِهِ مِثْلَ حَدِيثِ الْبَابِ إِلَى قَوْلِهِ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ قَالَ فَصَارَتِ الْكَفَّارَةُ إِلَى عِتْقِ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ إِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا.

قُلْتُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ فَصَارَتْ سُنَّةً عِتْقُ رَقَبَةٍ أَوْ صِيَامُ شَهْرَيْنِ أَوْ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا .

     قَوْلُهُ  فَمَكَثَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا هُنَا بِالْمِيمِ وَالْكَافِ الْمَفْتُوحَةِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ وَجْهَيْنِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ فَسَكَتَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْكَافِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْمُثَنَّاةِ وَكَذَا فِي رِوَايَة بن مُسَافر وبن أَبى الْأَخْضَر وَفِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ فَجَلَسَ .

     قَوْلُهُ  فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ بن عُيَيْنَةَ فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ كَذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ أَمْرِهِ لَهُ بِالْجُلُوسِ انْتِظَارَ مَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي حَقِّهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيُؤْتَى بِشَيْءٍ يُعِينُهُ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَسْقَطَ عَنْهُ الْكَفَّارَةَ بِالْعَجْزِ وَهَذَا الثَّالِثُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ مَا عَادَتْ عَلَيْهِ حَيْثُ أَمَرَهُ بِهَا بَعْدَ إِعْطَائِهِ إِيَّاهُ الْمِكْتَلَ .

     قَوْلُهُ  أُتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَهُوَ جَوَابُ بَيْنَا فِي هَذِه الرِّوَايَة وَأما رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فَقَالَ فِيهَا إِذْ أُتِيَ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ وَالْآتِي الْمَذْكُورُ لَمْ يُسَمَّ لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَفَّارَاتِ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مُرْسَلًا فَأَتَى رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ فَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حَلِيفًا لِلْأَنْصَارِ أَوْ إِطْلَاقِ الْأَنْصَارِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَإِلَّا فَرِوَايَةُ الصَّحِيحِ أَصَحُّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ فَجَاءَ رَجُلٌ بِصَدَقَتِهِ يَحْمِلُهَا وَفِي مُرْسَلِ الْحَسَنِ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِتَمْرٍ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ .

     قَوْلُهُ  بِعَرَقٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ بعْدهَا قَاف قَالَ بن التِّينِ كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ يَعْنِي الْقَابِسِيَّ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ قَالَ عِيَاضٌ وَالصَّوَاب الْفَتْح.

     وَقَالَ  بن التِّينِ أَنْكَرَ بَعْضُهُمُ الْإِسْكَانَ لِأَنَّ الَّذِي بِالْإِسْكَانِ هُوَ الْعَظْمُ الَّذِي عَلَيْهِ اللَّحْمُ.

قُلْتُ إِنْ كَانَ الْإِنْكَارُ مِنْ جِهَةِ الِاشْتِرَاكِ مَعَ الْعَظْمِ فَلْيُنْكَرِ الْفَتْحُ لِأَنَّهُ يَشْتَرِكُ مَعَ الْمَاءِ الَّذِي يَتَحَلَّبُ مِنَ الْجَسَدِ نَعَمِ الرَّاجِحُ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ الْفَتْحُ وَمِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ أَيْضًا إِلَّا أَنَّ الْإِسْكَانَ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ بَلْ أَثْبَتَهُ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ كَالْقَزَّازِ .

     قَوْلُهُ  وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا لَامٌ زَاد بن عُيَيْنَة عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ وبن خُزَيْمَةَ الْمِكْتَلُ الضَّخْمُ قَالَ الْأَخْفَشُ سُمِّيَ الْمِكْتَلُ عرقا لِأَنَّهُ يضفر عرقة عرقة فَالْعَرَقُ جَمْعُ عِرْقَةٍ كَعَلَقٍ وَعِلْقَةٍ وَالْعِرْقَةُ الضَّفِيرَةُ مِنَ الْخُوصِ وَقَولُهُ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ تَفْسِيرٌ مِنْ أَحَدِ رُوَاتِهِ وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ الصَّحَابِيُّ لَكِن فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ الزُّهْرِيُّ وَفِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا فَأُتِيَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ وَهُوَ الزَّبِيلُ وَفِي رِوَايَة بن أَبِي حَفْصَةَ فَأُتِيَ بِزَبِيلٍ وَهُوَ الْمِكْتَلُ وَالزَّبِيلُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ لَامٌ بِوَزْنِ رَغِيفٍ هُوَ الْمِكْتَلُ قَالَ بن دُرَيْدٍ يُسَمَّى زَبِيلًا لِحَمْلِ الزِّبْلِ فِيهِ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى زِنْبِيلٌ بِكَسْرِ الزَّايِ أَوَّلَهُ وَزِيَادَةِ نُونٍ سَاكِنَةٍ وَقَدْ تُدْغَمُ النُّونُ فَتُشَدَّدُ الْبَاءُ مَعَ بَقَاءِ وَزْنِهِ وَجَمْعُهُ عَلَى اللُّغَاتِ الثَّلَاثِ زَنَابِيلُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَجَاءَهُ عَرَقَانِ وَالْمَشْهُورُ فِي غَيْرِهَا عَرَقٌ وَرَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَجَمَعَ غَيْرُهُ بَيْنَهُمَا بِتَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ وَهُوَ جَمْعٌ لَا نَرْضَاهُ لِاتِّحَادِ مَخْرَجِ الْحَدِيثِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّعَدُّدِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّمْرَ كَانَ قَدْرَ عَرَقٍ لَكِنَّهُ كَانَ فِي عَرَقَيْنِ فِي حَالِ التَّحْمِيلِ عَلَى الدَّابَّةِ لِيَكُونَ أَسْهَلَ فِي الْحَمْلِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْآتِيَ بِهِ لَمَّا وَصَلَ أَفْرَغَ أَحَدَهُمَا فِي الْآخَرِ فَمَنْ قَالَ عَرَقَانِ أَرَادَ ابْتِدَاءَ الْحَالِ وَمَنْ قَالَ عَرَقٌ أَرَادَ مَا آلَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  أَيْن السَّائِل زَاد بن مُسَافِرٍ آنِفًا أَطْلَقَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّ كَلَامَهُ مُتَضَمَّنٌ لِلسُّؤَالِ فَإِنَّ مُرَادَهُ هَلَكْتُ فَمَا يُنْجِينِي وَمَا يُخَلِّصُنِي مَثَلًا وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ آنِفًا وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ وَلَمْ يُعَيِّنْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارَ مَا فِي الْمِكْتَلِ مِنَ التَّمْرِ بَلْ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة بن أَبِي حَفْصَةَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَفِي رِوَايَةِ مُؤَمَّلٍ عَنْ سُفْيَانَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ مِهْرَانَ بْنِ أبي عمر عَن الثَّوْريّ عَن بن خُزَيْمَةَ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ عِشْرُونَ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مَالِكٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَفِي مُرْسَلِهِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ الْجَزْمُ بِعِشْرِينَ صَاعًا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْد بن خُزَيْمَةَ فَأُتِيَ بِعَرَقٍ فِيهِ عِشْرُونَ صَاعًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ .

     قَوْلُهُ  عِشْرُونَ صَاعًا بَلَاغٌ بَلَغَ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ يَعْنِي بَعْضَ رُوَاتِهِ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ فَحُدِّثْتُ بَعْدُ أَنَّهُ كَانَ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ.

قُلْتُ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِهِ عِنْدَ مُسَدَّدٍ فَأَمَرَ لَهُ بِبَعْضِهِ وَهَذَا يَجْمَعُ الرِّوَايَاتِ فَمَنْ قَالَ إِنَّهُ كَانَ عِشْرِينَ أَرَادَ أَصْلَ مَا كَانَ فِيهِ وَمَنْ قَالَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَرَادَ قَدْرَ مَا تَقَعُ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيٍّ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ وَفِيهِ فَأُتِيَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا فَقَالَ أَطْعِمْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَكَذَا فِي رِوَايَةِ حَجَّاجٍ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْكُوفِيِّينَ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ وَاجِبَهُ مِنَ الْقَمْحِ ثَلَاثُونَ صَاعًا وَمِنْ غَيْرِهِ سِتُّونَ صَاعًا وَلِقَوْلِ عَطَاءٍ إِنْ أَفْطَرَ بِالْأَكْلِ أَطْعَمَ عِشْرِينَ صَاعًا وَعَلَى أَشْهَبَ فِي قَوْلِهِ لَوْ غَدَّاهُمْ أَوْ عَشَّاهُمْ كُفِيَ تَصَدُّقَ الْإِطْعَامِ وَلِقَوْلِ الْحَسَنِ يُطْعِمُ أَرْبَعِينَ مِسْكِينًا عِشْرِينَ صَاعًا أَوْ بِالْجِمَاعِ أَطْعَمَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْجَوْهَرِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْمِكْتَلُ يُشْبِهُ الزَّبِيلَ يَسْعَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا لِأَنَّهُ لَا حَصْرَ فِي ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ عِشْرِينَ وَلَعَلَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْخَاصَّةِ فَيُوَافِقُ رِوَايَةَ مِهْرَانَ وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا حَصْرَ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ أَنَّهُ أُتِيَ بِمِكْتَلِ فِيهِ عِشْرُونَ صَاعًا فَقَالَ تَصَدَّقْ بِهَذَا.

     وَقَالَ  قَبْلَ ذَلِكَ تَصَدَّقْ بِعِشْرِينَ صَاعًا أَوْ بِتِسْعَ عَشْرَةَ أَوْ بِإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الشَّكِّ وَلِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدِ اضْطَرَبَ فِيهِ وَفِي الْإِسْنَادِ إِلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَجَاءَهُ عَرَقَانِ فِيهِمَا طَعَامٌ وَوَجْهُهُ إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا مَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَمِنْهُمْ مَنْ ذكره بِمَعْنَاهُ وَزَاد بن إِسْحَاقَ فَتَصَدَّقْ بِهِ عَنْ نَفْسِكَ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مَنْصُورٍ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظِ أَطْعِمْ هَذَا عَنْكَ وَنَحْوُهُ فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيَّبِ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْهُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْنُ نَتَصَدَّقُ بِهِ عَنْكَ وَاسْتُدِلَّ بِإِفْرَادِهِ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ دُونَ الْمَوْطُوءَةِ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  فِي الْمُرَاجَعَةِ هَلْ تَسْتَطِيع وَهل تَجِدُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ.

     وَقَالَ  الْجُمْهُورُ وَأَبُو ثَوْر وبن الْمُنْذِرِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَيْضًا عَلَى اخْتِلَافٍ وَتَفَاصِيلَ لَهُمْ فِي الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَالْمُطَاوِعَةِ وَالْمُكْرَهَةِ وَهَلْ هِيَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى الرَّجُلِ عَنْهَا وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ بِسُكُوتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ إِعْلَامِ الْمَرْأَةِ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْحَاجَةِ وَأُجِيبُ بِمَنْعِ وُجُودِ الْحَاجَةِ إِذْ ذَاكَ لِأَنَّهَا لَمْ تَعْتَرِفْ وَلَمْ تَسْأَلْ وَاعْتِرَافُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا لَا يُوجِبُ عَلَيْهَا حُكْمًا مَا لَمْ تَعْتَرِفْ وَبِأَنَّهَا قَضِيَّةُ حَالٍ فَالسُّكُوتُ عَنْهَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْحُكْمِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ لَمْ تَكُنْ صَائِمَةً لِعُذْرٍ مِنَ الْأَعْذَارِ ثُمَّ إِنَّ بَيَانَ الْحُكْمِ لِلرَّجُلِ بَيَانٌ فِي حَقِّهَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي تَحْرِيمِ الْفِطْرِ وَانْتَهَاكِ حُرْمَةِ الصَّوْمِ كَمَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْغُسْلِ وَالتَّنْصِيصُ عَلَى الْحُكْمِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ كَافٍ عَنْ ذِكْرِهِ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ السُّكُوتِ عَنْ حُكْمِ الْمَرْأَةِ مَا عَرَفَهُ مِنْ كَلَامِ زَوْجِهَا بِأَنَّهَا لَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى شَيْءٍ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ اخْتَلَفُوا فِي الْكَفَّارَةِ هَلْ هِيَ عَلَى الرَّجُلِ وَحْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا أَوْ عَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ عَنْهُ وَعَنْهَا أَوْ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا عَنْهَا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ سَاكِتٌ عَنِ الْمَرْأَةِ فَيُؤْخَذُ حُكْمُهَا مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ السُّكُوتِ أَنَّهَا كَانَتْ غَيْرَ صَائِمَةٍ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ هَلَكْتُ وَأَهْلَكْتُ وَهِيَ زِيَادَةٌ فِيهَا مَقَالٌ فَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ فِي قَوْلِهِ وَأَهْلَكْتُ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ أَكْرَهَهَا وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُهْلِكًا لَهَا.

قُلْتُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَعَدُّدُ الْكَفَّارَةِ بَلْ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَهْلَكْتُ إِيجَابُ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهَا بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ هَلَكْتُ أَثِمْتُ وَأَهْلَكْتُ أَيْ كُنْتُ سَبَبًا فِي تاثيم من طاوعتنى فَوَاقَعْتهَا إِذْ لَا رَيْبَ فِي حُصُولِ الْإِثْمِ عَلَى الْمُطَاوِعَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ إِثْبَاتُ الْكَفَّارَةِ وَلَا نَفْيُهَا أَوِ الْمَعْنَى هَلَكْتُ أَيْ حَيْثُ وَقَعْتُ فِي شَيْءٍ لَا أَقْدِرُ عَلَى كَفَّارَتِهِ وَأَهْلَكْتُ أَيْ نَفْسِي بِفِعْلِي الَّذِي جَرَّ عَلَيَّ الْإِثْمَ وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ لِلْحَاكِمِ فِي بُطْلَانِهَا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ وَمُحَصَّلُ الْقَوْلِ فِيهَا أَنَّهَا وَرَدَتْ من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ وَمن طَرِيق بن عُيَيْنَةَ أَمَّا الْأَوْزَاعِيُّ فَتَفَرَّدَ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِيهِ ثَلَاثَتُهُمْ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَوَاهُ جَمِيعُ أَصْحَابِ الْأَوْزَاعِيِّ بِدُونِهَا وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الرُّوَاةِ عَنِ الْوَلِيدِ وَعُقْبَةَ وَعُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ كَانَ حَافِظًا مُكْثِرًا إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ أَمْرِهِ عَمِيَ فَلَعَلَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ عَنْهُ بِدُونِهَا وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهَا مَا رَوَاهُ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي رَمَضَانَ قَالَ عَلَيْهِمَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إِلَّا الصِّيَامَ قِيلَ لَهُ فَإِنِ اسْتَكْرَهَهَا قَالَ عَلَيْهِ الصِّيَامُ وَحْدَهُ وَأما بن عُيَيْنَةَ فَتَفَرَّدَ بِهَا أَبُو ثَوْرٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ عَنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُعَلَّى لَيْسَ بِذَاكَ الْحَافِظ وَتعقبه بن الْجَوْزِيِّ بِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَحَدًا طَعَنَ فِي الْمُعَلَّى وَغَفَلَ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إِنَّهُ كَانَ يخطىء كُلَّ يَوْمٍ فِي حَدِيثَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَلَعَلَّهُ حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ بِهَذَا فَوَهَمَ وَقَدْ قَالَ الْحَاكِمُ وَقَفْتُ عَلَى كِتَابِ الصِّيَامِ لِلْمُعَلَّى بِخَطٍّ مَوْثُوقٍ بِهِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِيهِ وَزَعَمَ بن الْجَوْزِيِّ أَنَّ الدَّارَقطْنِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ أَيْضًا وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ فَإِنَّ الدَّارَقطْنِيَّ لَمْ يُخْرِجْ طَرِيقَ عُقَيْلٍ فِي السُّنَنِ وَقَدْ سَاقَهُ فِي الْعِلَل بِالْإِسْنَادِ الَّذِي ذكره عَنهُ بن الْجَوْزِيِّ بِدُونِهَا تَنْبِيهٌ الْقَائِلُ بِوُجُوبِ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الزَّوْجِ عَنْهُ وَعَنْ مَوْطُوءَتِهِ يَقُولُ يُعْتَبَرُ حَالُهُمَا فَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْعِتْقِ أَجْزَأَتْ رَقَبَةٌ وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الْإِطْعَامِ أَطْعَمَ مَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَا مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ صاما جَمِيعًا فَإِنِ اخْتَلَفَ حَالُهُمَا فَفِيهِ تَفْرِيعٌ مَحَلُّهُ كُتُبُ الْفُرُوعِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ الرَّجُلُ عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي أَيْ أَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى شَخْصٍ أَفْقَرَ مِنِّي وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ فَهِمَ الْإِذْنَ لَهُ فِي التَّصَدُّقِ عَلَى مَنْ يَتَّصِفُ بِالْفَقْرِ وَقَدْ بَين بن عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ ذَلِكَ فَزَادَ فِيهِ إِلَى مَنْ أَدْفَعُهُ قَالَ إِلَى أَفْقَرَ مَنْ تَعْلَمُ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنْ أَهْلِي وَلِابْنِ مُسَافِرٍ أَعَلَى أَهْلِ بَيْتٍ أَفْقَرَ مِنِّي وَلِلْأَوْزَاعِيِّ أَعَلَى غَيْرِ أَهْلِي وَلِمَنْصُورٍ أَعَلَى أَحْوَجَ مِنَّا وَلِابْنِ إِسْحَاقَ وَهَلِ الصَّدَقَةُ إِلَّا لِي وَعَلَيَّ .

     قَوْلُهُ  فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا تَثْنِيَةُ لَابَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهَا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ وَالضَّمِيرُ لِلْمَدِينَةِ وَقَولُهُ يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ مِنْ كَلَام بعض رُوَاته زَاد فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٍ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ وَوَقَعَ فِي حَدِيث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ مَا بَيْنَ حَرَّتَيْهَا وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ الْآتِيَةِ فِي الْأَدَبِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَيْنَ طُنُبَيِ الْمَدِينَةِ تَثْنِيَةُ طُنُبٍ وَهُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا نُونٌ وَالطُّنُبُ أَحَدُ أَطْنَابِ الْخَيْمَةِ فَاسْتَعَارَهُ لِلطَّرَفِ .

     قَوْلُهُ  أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي زَادَ يُونُسُ مِنِّي وَمِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سعد أفقر منا وأفقر بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مَا النَّافِيَةِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى لُغَةِ تَمِيمٍ وَفِي رِوَايَةِ عُقَيْلٍ مَا أَحَدٌ أَحَقَّ بِهِ مِنْ أَهْلِي مَا أحد أحْوج إِلَيْهِ مني وَفِي أَحَق واحوج مَا فِي أَفْقَرَ وَفِي مُرْسَلِ سَعِيدٍ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُدَ عَنْهُ وَاللَّهِ مَا لِعِيَالِي مِنْ طَعَام وَفِي حَدِيث عَائِشَة عِنْد بن خُزَيْمَةَ مَا لَنَا عَشَاءُ لَيْلَةٍ .

     قَوْلُهُ  فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ انيابه فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَلِأَبِي قُرَّةَ فِي السّنَن عَن بن جُرَيْجٍ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ وَلَعَلَّهَا تَصْحِيفٌ مِنْ أَنْيَابِهِ فَإِنَّ الثَّنَايَا تَبِينُ بِالتَّبَسُّمِ غَالِبًا وَظَاهِرُ السِّيَاقِ إِرَادَةُ الزِّيَادَةِ عَلَى التَّبَسُّمِ وَيُحْمَلُ مَا وَرَدَ فِي صِفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ضَحِكَهُ كَانَ تَبَسُّمًا عَلَى غَالِبِ أَحْوَالِهِ وَقِيلَ كَانَ لَا يَضْحَكُ إِلَّا فِي أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ فَإِنْ كَانَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا لَمْ يَزِدْ عَلَى التَّبَسُّمِ قِيلَ وَهَذِهِ الْقَضِيَّةُ تُعَكِّرُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ قِيلَ إِنَّ سَبَبَ ضَحِكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ تَبَايُنِ حَالِ الرَّجُلِ حَيْثُ جَاءَ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ رَاغِبًا فِي فَدَائِهَا مَهْمَا أَمْكَنَهُ فَلَمَّا وَجَدَ الرُّخْصَةَ طَمِعَ فِي أَنْ يَأْكُلَ مَا أُعْطِيَهُ مِنَ الْكَفَّارَةِ وَقِيلَ ضَحِكَ مِنْ حَالِ الرَّجُلِ فِي مَقَاطِعِ كَلَامِهِ وَحُسْنِ تَأَتِّيهِ وَتَلَطُّفِهِ فِي الْخِطَابِ وَحُسْنِ تَوَسُّلِهِ فِي تَوَصُّلِهِ إِلَى مَقْصُودِهِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَالَ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ تَابعه معمر وبن أَبِي حَفْصَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ عُيَيْنَةَ فِي الْكَفَّارَاتِ أَطْعِمْهُ عِيَالَكَ وَلِإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فَأَنْتُمْ إِذًا وَقَدَّمَ عَلَى ذَلِكَ ذِكْرَ الضَّحِكِ وَلِأَبِي قُرَّة عَن بن جُرَيْجٍ ثُمَّ قَالَ كُلْهُ وَنَحْوُهُ لِيَحْيَى بْنِ سعيد وعراك وَجمع بَينهمَا بن إِسْحَاقَ وَلَفْظُهُ خُذْهَا وَكُلْهَا وَأَنْفِقْهَا عَلَى عِيَالِكَ وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ وَحَجَّاجٍ وَهِشَامِ بْنِ سَعْدٍ كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عُدْ بِهِ عَلَيْكَ وَعَلَى أهلك.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ تَبَايَنَتْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْمَذَاهِبُ فَقِيلَ إِنَّهُ دَلَّ عَلَى سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ بِالْإِعْسَارِ الْمُقَارن لوُجُوبهَا لِأَن الْكَفَّارَة لاتصرف إِلَى النَّفْسِ وَلَا إِلَى الْعِيَالِ وَلَمْ يُبَيِّنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِقْرَارَهَا فِي ذِمَّتِهِ إِلَى حِينِ يَسَارِهِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ وَجَزَمَ بِهِ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيُّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا يَعُودُ وَيَتَأَيَّدُ ذَلِكَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ حَيْثُ تَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ الْمُقَارِنِ لِسَبَبِ وُجُوبِهَا وَهُوَ هِلَالُ الْفِطْرِ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ لَهَا أَمَدٌ تَنْتَهِي إِلَيْهِ وَكَفَّارَةَ الْجِمَاعِ لَا أَمَدَ لَهَا فَتَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِسْقَاطِهَا بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِمْرَارِهَا عَلَى الْعَاجِزِ.

     وَقَالَ  الْجُمْهُورُ لَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بِالْإِعْسَارِ وَالَّذِي أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ الزُّهْرِيُّ هُوَ خَاصٌّ بِهَذَا الرَّجُلِ وَإِلَى هَذَا نَحَا إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ هُوَ مَنْسُوخٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَائِلُهُ نَاسِخَهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْأَهْلِ الَّذِينَ أُمِرَ بِصَرْفِهَا إِلَيْهِمْ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ أَقَارِبِهِ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَضُعِّفَ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي فِيهَا عِيَالُكَ وَبِالرِّوَايَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي الْأَكْلِ مِنْ ذَلِكَ وَقِيلَ لَمَّا كَانَ عَاجِزًا عَنْ نَفَقَةِ أَهْلِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الْكَفَّارَةَ لَهُمْ وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَهُوَ الَّذِي حَمَلَ أَصْحَابَ الْأَقْوَالِ الْمَاضِيَةِ عَلَى مَا قَالُوهُ بِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَأْكُلُ مِنْ كَفَّارَةِ نَفْسِهِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُجْعَلَ الْإِعْطَاءُ لَا عَلَى جِهَةِ الْكَفَّارَةِ بَلْ عَلَى جِهَةِ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ بِتِلْكَ الصَّدَقَةِ لِمَا ظَهَرَ مِنْ حَاجَتِهِمْ.
وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلَمْ تَسْقُطْ بِذَلِكَ وَلَكِنْ لَيْسَ اسْتِقْرَارُهَا فِي ذِمَّتِهِ مَأْخُوذًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا مَا اعْتَلُّوا بِهِ مِنْ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْوُجُوبِ قَدْ تَقَدَّمَ وَلَمْ يَرِدْ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِسْقَاطِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَهُ بِعَجْزِهِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِإِخْرَاجِ الْعَرَقِ دَلَّ عَلَى أَنْ لَا سُقُوطَ عَنِ الْعَاجِزِ وَلَعَلَّهُ أَخَّرَ الْبَيَانَ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ اه وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى إِسْقَاطِ الْكَفَّارَةِ أَوْ عَلَى إِجْزَائِهَا عَنْهُ بِإِنْفَاقِهِ إِيَّاهَا عَلَى عِيَالِهِ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَكُلْهُ أَنْتَ وَعِيَالُكَ فَقَدْ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْكَ وَلَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ لَمْ يَقْبِضْهُ بَلِ اعْتَذَرَ بِأَنَّهُ أَحْوَجُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ فَأَذِنَ لَهُ حِينَئِذٍ فِي أَكْلِهِ فَلَوْ كَانَ قَبَضَهُ لَمَلَكَهُ مِلْكًا مَشْرُوطًا بِصِفَةٍ وَهُوَ إِخْرَاجُهُ عَنْهُ فِي كَفَّارَتِهِ فَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي التَّمْلِيكِ الْمُقَيَّدِ بِشَرْطٍ لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقْبِضْهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَلَمَّا أَذِنَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِطْعَامِهِ لِأَهْلِهِ وَأَكْلِهِ مِنْهُ كَانَ تَمْلِيكًا مُطْلَقًا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَإِلَى أَهْلِهِ وَأَخْذُهُمْ إِيَّاهُ بِصِفَةِ الْفَقْرِ الْمَشْرُوحَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ وَتَصَرُّفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ تَصَرُّفُ الْإِمَامِ فِي إِخْرَاجِ مَالِ الصَّدَقَةِ وَاحْتُمِلَ أَنَّهُ كَانَ تَمْلِيكًا بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَمِنْ ثَمَّ نَشَأَ الْإِشْكَالُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَلَا يَكُونُ فِيهِ إِسْقَاطٌ وَلَا أَكْلُ الْمَرْءِ مِنْ كَفَّارَةِ نَفْسِهِ وَلَا إِنْفَاقِهِ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ مِنْ كَفَّارَةِ نَفْسِهِ.
وَأَمَّا تَرْجَمَةُ الْبُخَارِيِّ الْبَابَ الَّذِي يَلِيهِ بَابٌ المجامع فِي رَمَضَان هَل يطعم أَهله من الْكَفَّارَةِ إِذَا كَانُوا مَحَاوِيجَ فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِمَا تَضْمَنَّهُ حُكْمُ التَّرْجَمَةِ وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَى الِاحْتِمَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِإِتْيَانِهِ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ إِعْطَاءِ الصَّدَقَةِ جَمِيعِهَا فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ هُوَ جَمِيعُ مَا يَجِبُ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي أَحْضَرَ التَّمْرَ وَعَلَى سُقُوطِ قَضَاءِ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْسَدَهُ الْمُجَامِعُ اكْتِفَاءً بِالْكَفَّارَةِ إِذْ لَمْ يَقَعِ التَّصْرِيحُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِقَضَائِهِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ يَقْضِي إِنْ كَفَّرَ بِغَيْرِ الصَّوْمِ وَهُوَ وَجه للشَّافِعِيَّة أَيْضا قَالَ بن الْعَرَبِيّ إِسْقَاط الْقَضَاء لَا يشبه منصب الشَّافِعِيِّ إِذْ لَا كَلَامَ فِي الْقَضَاءِ لِكَوْنِهِ أَفْسَدَ الْعِبَادَةَ.
وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَإِنَّمَا هِيَ لِمَا اقْتَرَفَ مِنَ الْإِثْمِ قَالَ.
وَأَمَّا كَلَامُ الْأَوْزَاعِيِّ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ.

قُلْتُ وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالْقَضَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَهِشَامِ بْنِ سَعْدٍ كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَحَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فِي الصَّحِيحِ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَفْسِهِ بِغَيْرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَحَدِيثُ اللَّيْثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِدُونِهَا وَوَقَعَتِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ وَبِمَجْمُوعِ هَذِهِ الطُّرُقِ تَعْرِفُ أَنَّ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ أَصْلًا وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ صُمْ يَوْمًا عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْفَوْرِيَّةِ لِلتَّنْكِيرِ فِي قَوْلِهِ يَوْمًا وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ السُّؤَالُ عَنْ حُكْمِ مَا يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ وَالتَّحَدُّثُ بِذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ وَاسْتِعْمَالُ الْكِنَايَةِ فِيمَا يُسْتَقْبَحُ ظُهُورُهُ بِصَرِيحِ لَفْظِهِ لِقَوْلِهِ وَاقَعْتُ أَوْ أَصَبْتُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَطِئْتُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ وَفِيهِ الرِّفْقُ بِالْمُتَعَلِّمِ وَالتَّلَطُّفُ فِي التَّعْلِيمِ وَالتَّأَلُّفُ عَلَى الدِّينِ وَالنَّدَمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَاسْتِشْعَارُ الْخَوْفِ وَفِيهِ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ مِنَ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ كَنَشْرِ الْعِلْمِ وَفِيهِ جَوَازُ الضَّحِكِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ وَإِخْبَارُ الرَّجُلِ بِمَا يَقَعُ مِنْهُ مَعَ أَهْلِهِ لِلْحَاجَةِ وَفِيهِ الْحَلِفُ لِتَأْكِيدِ الْكَلَامِ وَقَبُولُ قَوْلِ الْمُكَلَّفِ مِمَّا لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ قِبَلِهِ لِقَوْلِهِ فِي جَوَابِ قَوْلِهِ أَفْقَرَ مِنَّا أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ لِصِدْقِهِ وَفِيهِ التَّعَاوُنُ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالسَّعْيُ فِي إِخْلَاصِ الْمُسْلِمِ وَإِعْطَاءُ الْوَاحِدِ فَوْقَ حَاجَتِهِ الرَّاهِنَةِ وَإِعْطَاءُ الْكَفَّارَةِ أَهْلَ بَيْتٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ الْمُضْطَرَّ إِلَى مَا بِيَدِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ أَوْ بعضه لمضطر آخر