فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب القنوت قبل الركوع وبعده

( قَولُهُ بَابُ الْقُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ)
الْقُنُوتُ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ مِنَ الْقِيَامِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ أَثْبَتَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ مَشْرُوعِيَّةَ الْقُنُوتِ إِشَارَةً إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ بِدْعَةٌ كَابْنِ عُمَرَ وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ وَوَجْهُ الرَّدِّ عَلَيْهِ ثُبُوتُهُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مُرْتَفِعٌ عَنْ دَرَجَةِ الْمُبَاحِ قَالَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي التَّرْجَمَةِ بِصُبْحٍ وَلَا غَيْرِهِ مَعَ كَوْنِهِ مُقَيَّدًا فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ بِالصُّبْحِ وَأَوْرَدَهَا فِي أَبْوَابِ الْوِتْرِ أَخْذًا مِنْ إِطْلَاقِ أَنَسٍ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ كَذَا قَالَ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ فِي الطَّرِيقِ الرَّابِعَةِ كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الْمَغْرِبَ وِتْرُ النَّهَارِ فَإِذَا ثَبَتَ الْقُنُوتُ فِيهَا ثَبَتَ فِي وِتْرِ اللَّيْلِ بِجَامِعِ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْوِتْرِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِهِ صَرِيحًا فِي الْوِتْرِ فَرَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ الْحَدِيثَ وَقَدْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ



[ قــ :970 ... غــ :1001] .

     قَوْلُهُ  سُئِلَ أَنَسٌ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَيُّوبَ عِنْدَ مُسْلِمٍ.

قُلْتُ لِأَنَسٍ فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّهُ أبهم نَفسه قَوْله فَقيل أوقنت فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِغَيْرِ وَاوٍ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ هَلْ قَنَتَ .

     قَوْلُهُ  قَبْلَ الرُّكُوعِ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَوْ بَعْدَ الرُّكُوعِ .

     قَوْلُهُ  بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا قَدْ بَيَّنَ عَاصِمٌ فِي رِوَايَتِهِ مِقْدَارَ هَذَا الْيَسِيرِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا إِنَّمَا قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شهرا وَفِي صَحِيح بن خُزَيْمَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَقْنُتُ إِلَّا إِذَا دَعَا لِقَوْمٍ أَوْ دَعَا عَلَى قَوْمٍ وَكَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ إِنَّمَا قَنَتَ شَهْرًا أَيْ مُتَوَالِيًا





[ قــ :971 ... غــ :100] .

     قَوْلُهُ  حَدثنَا عبد الْوَاحِد هُوَ بن زِيَاد وَعَاصِم هُوَ بن سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ .

     قَوْلُهُ  قَدْ كَانَ الْقُنُوتُ فِيهِ إِثْبَاتُ مَشْرُوعِيَّتِهِ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَقَالَ كَذَبَ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ هَذَا الرَّجُلِ صَرِيحًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ بِدَلِيلِ رِوَايَتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ كَثِيرًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَا قُنُوتَ قَبْلَهَ أَصْلًا وَمَعْنَى قَوْلِهِ كَذَبَ أَيْ أَخْطَأَ وَهُوَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ يُطْلِقُونَ الْكَذِبَ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ كَذَبَ أَيْ إِنْ كَانَ حَكَى أَنَّ الْقُنُوتَ دَائِمًا بَعْدَ الرُّكُوعِ وَهَذَا يُرَجِّحُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ وَيُبَيِّنُهُ مَا أخرجه بن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقُنُوتِ فَقَالَ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ إِسْنَاده قوي وروى بن الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتُوا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْضَهُمْ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ جَعَلَ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَيْ دَائِمًا عُثْمَانُ لِكَيْ يُدْرِكَ النَّاسُ الرَّكْعَةَ وَقَدْ وَافَقَ عَاصِمًا عَلَى رِوَايَتِهِ هَذِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَغَازِي بِلَفْظِ سَأَلَ رَجُلٌ أَنَسًا عَنِ الْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَوْ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْقِرَاءَةِ قَالَ لَا بَلْ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَمَجْمُوعُ مَا جَاءَ عَنْ أَنَسٍ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقُنُوتَ لِلْحَاجَةِ بَعْدَ الرُّكُوعِ لَا خِلَافَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا لِغَيْرِ الْحَاجَةِ فَالصَّحِيحُ عَنْهُ أَنَّهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَقَدِ اخْتَلَفَ عَمَلُ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنَ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ .

     قَوْلُهُ  كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْمَغَازِي وَكَذَا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي مِجْلَزٍ وَالتَّيْمِيُّ الرَّاوِي عَنْهُ هُوَ سُلَيْمَانُ وَهُوَ يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ نَفْسِهِ وَيُرْوَى عَنْهُ أَيْضًا بِوَاسِطَة كَمَا فِي هَذَا الحَدِيث





[ قــ :973 ... غــ :1004] قَوْله حَدثنَا إِسْمَاعِيل هُوَ بن عُلَيَّةَ وَخَالِدٌ هُوَ الْحَذَّاءُ .

     قَوْلُهُ  كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ قَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ إِيرَادِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بَعْضِهَا فِي أَثْنَاءِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ نَحْوَ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا وَتَمَسَّكَ بِهِ الطَّحَاوِيُّ فِي تَرْكِ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ قَالَ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى نَسْخِهِ فِي الْمَغْرِبِ فَيَكُونُ فِي الصُّبْحِ كَذَلِكَ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَقَدْ عَارَضَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي الصُّبْحِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ تَرَكَ فَيُتَمَسَّكَ بِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَثْبُتَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَظَهَرَ لِي أَن الْحِكْمَة فِي جعل قنوت النَّازِلَةَ فِي الِاعْتِدَالِ دُونَ السُّجُودِ مَعَ أَنَّ السُّجُودَ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ كَمَا ثَبَتَ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ وَثُبُوتُ الْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ فِيهِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ قُنُوتِ النَّازِلَةِ أَنْ يُشَارِكَ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ فِي الدُّعَاءِ وَلَوْ بِالتَّأْمِينِ وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُجْهَرُ بِهِ بِخِلَافِ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ فَاخْتُلِفَ فِي مَحَلِّهِ وَفِي الْجَهْرِ بِهِ تَكْمِلَةٌ ذَكَرَ بن الْعَرَبِيِّ أَنَّ الْقُنُوتَ وَرَدَ لِعَشَرَةِ مَعَانٍ فَنَظَمَهَا شَيْخُنَا الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فِيمَا أَنْشَدَنَا لِنَفْسِهِ إِجَازَةً غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَفْظُ الْقُنُوتِ اعْدُدْ مَعَانِيَهُ تَجِدْ مَزِيدًا عَلَى عَشْرِ مَعَانِي مَرْضِيَّهْ دُعَاءُ خُشُوعٍ وَالْعِبَادَةُ طَاعَةٌ إِقَامَتُهَا إِقْرَارُهُ بِالْعُبُودِيَّهْ سكُوت صَلَاة وَالْقِيَام وَطوله كَذَاك دوَام الطَّاعَة الرَّابِحِ الْقُنِيَّهْ خَاتِمَةٌ اشْتَمَلَتْ أَبْوَابُ الْوِتْرِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ حَدِيثًا مِنْهَا وَاحِدٌ مُعَلَّقٌ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى ثَمَانِيَةُ أَحَادِيثَ وَالْخَالِصُ سَبْعَةٌ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ ثَلَاثَةٌ مَوْصُولَةٌ وَاللَّهُ أعلم بَاب الاسْتِسْقَاء وَخُرُوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا لِلْمُسْتَمْلِي دُونَ الْبَسْمَلَةِ وَسَقَطَ مَا قَبْلَ بَابٍ مِنْ رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ وَالْكُشْمِيهَنِيِّ وَلِلْأَصِيلِيِّ كِتَابُ الِاسْتِسْقَاءِ فَقَطْ وَثَبَتَتِ الْبَسْمَلَةُ فِي رِوَايَةِ بن شَبُّوَيْهِ وَالِاسْتِسْقَاءُ لُغَةُ طَلَبِ سَقْيِ الْمَاءِ مِنَ الْغَيْرِ لِلنَّفْسِ أَوِ الْغَيْرِ وَشَرْعًا طَلَبُهُ مِنَ اللَّهِ عِنْدَ حُصُولِ الْجَدْبِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ