فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ مكانها مساجد

( قَولُهُ بَابُ هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي الْجَاهِلِيَّةِ)
أَيْ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْإِهَانَةِ لَهُمْ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ لَا حُرْمَةَ لَهُمْ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ فَوَجْهُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْوَعِيدَ عَلَى ذَلِكَ يَتَنَاوَلُ مَنِ اتَّخَذَ قُبُورَهُمْ مَسَاجِدَ تَعْظِيمًا وَمُغَالَاةً كَمَا صَنَعَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَجَرَّهُمْ ذَلِكَ إِلَى عِبَادَتِهِمْ وَيَتَنَاوَلُ مَنِ اتَّخَذَ أَمْكِنَةَ قُبُورِهِمْ مَسَاجِدَ بِأَنْ تُنْبَشَ وَتُرْمَى عِظَامُهُمْ فَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْأَنْبِيَاءِ وَيَلْتَحِقُ بِهِمْ أَتْبَاعُهُمْ.
وَأَمَّا الْكَفَرَةُ فَإِنَّهُ لَا حَرَجَ فِي نَبْشِ قُبُورِهِمْ إِذْ لَا حَرَجَ فِي إِهَانَتِهِمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ فِي أَمْكِنَتِهَا تَعْظِيمٌ فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنْ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَبْشِ قُبُورِ الْمُشْرِكِينَ وَاتِّخَاذِ مَسْجِدِهِ مَكَانَهَا وَبَيْنَ لَعْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنِ اتَّخَذَ قُبُورَ الْأَنْبِيَاءِ مَسَاجِدَ لِمَا تَبَيَّنَ مِنْ الْفَرْقِ وَالْمَتْنِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ وَصَلَهُ فِي بَابِ الْوَفَاةِ فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ هِلَالٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِيهِ قِصَّةٌ وَوَصَلَهُ فِي الْجَنَائِزِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ هِلَالٍ وَزَادَ فِيهِ وَالنَّصَارَى وَذَكَرَهُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى بِالزِّيَادَةِ .

     قَوْلُهُ  وَمَا يُكْرَهُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْقُبُورِ يَتَنَاوَلُ مَا إِذَا وَقَعَتِ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ أَوْ إِلَى الْقَبْرِ أَوْ بَيْنَ الْقَبْرَيْنِ وَفِي ذَلِكَ حَدِيثٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مِرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ مَرْفُوعًا لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا أَوْ عَلَيْهَا.

قُلْتُ وَلَيْسَ هُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ فَأَشَارَ إِلَيْهِ فِي التَّرْجَمَةِ وَأَوْرَدَ مَعَهُ أَثَرَ عُمَرَ الدَّالَّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي فَسَادَ الصَّلَاةِ وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رَوَيْنَاهُ مَوْصُولًا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُهُ بَيْنَمَا أَنَسٌ يُصَلِّي إِلَى قَبْرٍ نَادَاهُ عُمَرُ الْقَبْرَ الْقَبْرَ فَظَنَّ أَنَّهُ يَعْنِي الْقَمَرَ فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ يَعْنِي الْقَبْرَ جَازَ الْقَبْرَ وَصَلَّى وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى بَيَّنْتُهَا فِي تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ مِنْهَا مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ وَزَادَ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ يَلِينِي إِنَّمَا يَعْنِي الْقَبْرَ فَتَنَحَّيْتُ عَنْهُ وَقَولُهُ الْقَبْرَ الْقَبْرَ بِالنَّصْبِ فِيهِمَا عَلَى التَّحْذِيرِ وَقَولُهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ اسْتَنْبَطَهُ مِنْ تَمَادِي أَنَسٍ عَلَى الصَّلَاةِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يَقْتَضِي فَسَادَهَا لَقَطَعَهَا وَاسْتَأْنَفَ



[ قــ :419 ... غــ :427] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ الْقَطَّانُ عَنْ هِشَامٍ هُوَ بن عُرْوَةَ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَائِشَةَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ أَيْ رَمْلَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ الْأُمَوِيَّةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَيْ هِنْدَ بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةِ الْمَخْزُومِيَّةَ وَهُمَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتَا مِمَّنْ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ .

     قَوْلُهُ  ذَكَرَتَا كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ وَلِلْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيِّ ذَكَرَا بِالتَّذْكِيرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ .

     قَوْلُهُ  رَأَيْنَهَا أَيْ هُمَا وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَالْأَصِيلِيِّ رَأَتَاهَا وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ قَرِيبًا فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي الْبِيعَةِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدَةَ عَنْ هِشَامٍ أَنَّ تِلْكَ الْكَنِيسَةَ كَانَتْ تُسَمَّى مَارِيَةَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَلَهُ فِي الْجَنَائِزِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ نَحْوُهُ وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ لَمَّا اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ طَرِيقِ هِلَالٍ عَنْ عُرْوَةَ بِلَفْظِ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جُنْدَبٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَحْوَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُتَوَفَّى بِخَمْسٍ وَزَادَ فِيهِ فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ انْتَهَى وَفَائِدَةُ التَّنْصِيصِ عَلَى زَمَنِ النَّهْيِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ مِنَ الْأَمْرِ الْمُحْكَمِ الَّذِي لَمْ يُنْسَخْ لِكَوْنِهِ صَدَرَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ أُولَئِكِ بِكَسْرِ الْكَافِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا .

     قَوْلُهُ  فَمَاتَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَانَ وَقَولُهُ بَنَوْا جَوَابُ إِذَا .

     قَوْلُهُ  وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ وَلِلْمُسْتَمْلِي تِيكَ الصُّوَرَ بِالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ بَدَلَ اللَّامِ وَفِي الْكَافِ فِيهَا وَفِي أُولَئِكِ مَا فِي أُولَئِكِ الْمَاضِيَةِ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ أَوَائِلُهُمْ لِيَتَأَنَّسُوا بِرُؤْيَةِ تِلْكَ الصُّوَرِ وَيَتَذَكَّرُوا أَحْوَالَهُمُ الصَّالِحَةَ فَيَجْتَهِدُوا كَاجْتِهَادِهِمْ ثُمَّ خَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ جَهِلُوا مُرَادَهُمْ وَوَسْوَسَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَنَّ أَسْلَافَكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ وَيُعَظِّمُونَهَا فَعَبَدُوهَا فَحَذَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى ذَلِكَ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ الْوَعِيدَ عَلَى مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لِقُرْبِ الْعَهْدِ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ.
وَأَمَّا الْآنَ فَلَا وَقَدْ أَطْنَبَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِي رَدِّ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيُّ لَمَّا كَانَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى يَسْجُدُونَ لِقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِمْ وَيَجْعَلُونَهَا قِبْلَةً يَتَوَجَّهُونَ فِي الصَّلَاةِ نَحْوَهَا وَاتَّخَذُوهَا أَوْثَانًا لَعَنَهُمْ وَمَنَعَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فَأَمَّا مَنِ اتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي جِوَارٍ صَالِحٍ وَقَصَدَ التَّبَرُّكَ بِالْقُرْبِ مِنْهُ لَا التَّعْظِيمَ لَهُ وَلَا التَّوَجُّهَ نَحْوَهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْوَعيد وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ حِكَايَةِ مَا يُشَاهِدُهُ الْمُؤْمِنُ مِنَ الْعَجَائِبِ وَوُجُوبُ بَيَانِ حُكْمِ ذَلِكَ عَلَى الْعَالِمِ بِهِ وَذَمُّ فَاعِلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْأَحْكَامِ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ وَفِيهِ كَرَاهِيَةُ الصَّلَاةِ فِي الْمَقَابِرِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِجَنْبِ الْقَبْرِ أَوْ عَلَيْهِ أَوْ إِلَيْهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ قَرِيبًا وَيَأْتِي حَدِيثُ أَنَسٍ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ الْهِجْرَةِ وَإِسْنَادُهُ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ قَوْله فِيهِ فَأَقَامَ فِيهِمْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ كَذَا لِلْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيِّ وَلِلْبَاقِينَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَهُوَ الصَّوَابُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ وَفِيهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ السِّيَرِ كَمَا سَيَأْتِي وَقَولُهُ وَأَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ هُمْ أَخْوَالُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِأَنَّ أُمَّهُ سَلْمَى مِنْهُمْ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النُّزُولَ عِنْدَهُمْ لَمَّا تَحَوَّلَ مِنْ قُبَاءٍ وَالنَّجَّارِ بَطْنٌ مِنَ الْخَزْرَجِ وَاسْمُهُ تَيْمُ اللَّاتِ بْنُ ثَعْلَبَةَ .

     قَوْلُهُ  مُتَقَلِّدِينَ السُّيُوفَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ بِحَذْفِ النُّونِ وَالسُّيُوفِ مَجْرُورَةٌ بِالْإِضَافَةِ .

     قَوْلُهُ  وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ كَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَهُ تَشْرِيفًا لَهُ وَتَنْوِيهَا بِقَدْرِهِ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ نَاقَةٌ هَاجَرَ عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي الْهِجْرَة وَقَوله وَمَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ أَيْ جَمَاعَتُهُمْ وَكَأَنَّهُمْ مَشَوْا مَعَهُ أَدَبًا وَقَولُهُ حَتَّى أَلْقَى أَيْ أَلْقَى رَحْلَهُ وَالْفِنَاءُ النَّاحِيَةُ الْمُتَّسِعَةُ أَمَامَ الدَّارِ .

     قَوْلُهُ  وَأَنَّهُ أَمَرَ بِالْفَتْحِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَقِيلَ رُوِيَ بِالضَّمِّ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ .

     قَوْلُهُ  ثَامِنُونِي بِالْمُثَلَّثَةِ اذْكُرُوا لِي ثَمَنُهُ لِأَذْكُرَ لَكُمُ الثَّمَنَ الَّذِي أَخْتَارَهُ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُسَاوَمَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ سَاوِمُونِي فِي الثَّمَنِ .

     قَوْلُهُ  لَا نَطْلُبُ ثَمَنُهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ تَقْدِيرُهُ لَا نَطْلُبُ الثَّمَنَ لَكِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ أَوْ إِلَى بِمَعْنَى مِنْ وَكَذَا عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا من الله وَزَاد بن مَاجَهْ أَبَدًا وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهُ ثَمَنًا وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلَ السِّيَرِ كَمَا سَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  فَكَانَ فِيهِ أَيْ فِي الْحَائِطِ الَّذِي بَنَى فِي مَكَانِهِ الْمَسْجِدَ .

     قَوْلُهُ  وَفِيه خرب قَالَ بن الْجَوْزِيِّ الْمَعْرُوفُ فِيهِ فَتْحُ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرُ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ جَمْعُ خَرِبَةٍ كَكَلِمٍ وَكَلِمَةٍ.

قُلْتُ وَكَذَا ضُبِطَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا كَسْرَ أَوَّلِهِ وَفَتْحَ ثَانِيهِ جَمْعُ خَرِبَةٍ كَعِنَبٍ وَعِنَبَةٍ ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ حَرْثٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ وَقَدْ بَيَّنَ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ رِوَايَةَ عَبْدِ الْوَارِثِ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَرِوَايَةَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ فَعَلَى هَذَا فَرِوَايَةُ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَهْمٌ لِأَنَّ الْبُخَارِيَّ إِنَّمَا أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَارِثِ وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ ضَبْطًا آخَرَ وَفِيهِ بَحْثٌ سَيَأْتِي مَعَ بَقِيَّةِ مَا فِيهِ فِي كِتَابِ الْهِجْرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  فِي آخِرِهِ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيِّ فَاغْفِرِ الْأَنْصَارَ بِحَذْفِ اللَّامِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ ضَمَّنَ اغْفِرْ مَعْنَى اسْتُرْ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُسَدَّدٍ بِلَفْظِ فَانْصُرِ الْأَنْصَارَ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ وَجَوَازُ نَبْشِ الْقُبُورِ الدَّارِسَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ مُحْتَرَمَةً وَجَوَازُ الصَّلَاةِ فِي مَقَابِرِ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ نَبْشِهَا وَإِخْرَاجِ مَا فِيهَا وَجَوَازُ بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي أَمَاكِنِهَا قِيلَ وَفِيهِ جَوَازُ قَطْعِ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ لِلْحَاجَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ وَأَمَرَ بِالنَّخْلِ فَقُطِعَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُثْمِرُ إِمَّا بِأَنْ يَكُونَ ذُكُورًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا قَطَعَ ثَمَرَتَهُ وَسَيَأْتِي صِفَةُ هَيْئَةِ بِنَاء الْمَسْجِد من حَدِيث بن عمر وَغَيره قَرِيبا