فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الهجرة

( قَولُهُ بَابُ الْهِجْرَةِ)
بِكَسْرِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ أَيْ تَرْكُ الشَّخْصِ مُكَالَمَةَ الْآخَرِ إِذَا تَلَاقَيَا وَهِيَ فِي الْأَصْلِ التَّرْكُ فِعْلًا كَانَ أَوْ قَوْلًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا مُفَارَقَةُ الْوَطَنِ فَإِنَّ تِلْكَ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ قَدْ وَصَلَهُ فِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ وَأَرَادَ هُنَا أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ عُمُومَهُ مَخْصُوصٌ بِمَنْ هَجَرَ أَخَاهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ لِذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ تَحْرُمُ الْهِجْرَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ بِالنَّصِّ وَتُبَاحُ فِي الثَّلَاثِ بِالْمَفْهُومِ وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَجْبُولٌ عَلَى الْغَضَبِ فَسُومِحَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ لِيَرْجِعَ وَيَزُولَ ذَلِكَ الْعَارِضُ.

     وَقَالَ  أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ الْمُعْتَبَرُ ثَلَاثُ لَيَالٍ حَتَّى لَوْ بَدَأَ بِالْهِجْرَةِ فِي أثْنَاء النَّهَار الغي الْبَعْض وَتعْتَبر لَيْلَة ذَلِك الْيَوْمِ وَيَنْقَضِي الْعَفْوُ بِانْقِضَاءِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ.

قُلْتُ وَفِي الْجَزْمِ بِاعْتِبَارِ اللَّيَالِي دُونَ الْأَيَّامِ جُمُودٌ وَقَدْ مَضَى فِي بَابِ مَا نُهِيَ عَنِ التَّحَاسُدِ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ بِلَفْظِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمُرَخَّصَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا فَحَيْثُ أُطْلِقَتِ اللَّيَالِي أُرِيدَ بِأَيَّامِهَا وَحَيْثُ أُطْلِقَتِ الْأَيَّامُ أُرِيدَ بِلَيَالِيهَا وَيَكُونُ الِاعْتِبَارُ مُضِيَّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا مُلَفَّقَةً إِذَا ابْتُدِئَتْ مَثَلًا مِنَ الظُّهْرِ يَوْمَ السَّبْتِ كَانَ آخِرُهَا الظُّهْرَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُلْغَى الْكَسْرُ وَيَكُونُ أَوَّلَ الْعَدَدِ مِنَ ابْتِدَاءِ الْيَوْم أَو اللَّيْلَة وَالْأول أحوط ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ وَفِيه عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ شَيْءٌ مَرْفُوعٌ وَبَاقِيهِ عَنْهُمْ وَعَنْ رَابِعٍ مَوْقُوفٍ



[ قــ :5747 ... غــ :6073] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي عَوْفُ بن الطُّفَيْل وَهُوَ بن أَخِي عَائِشَةَ كَذَا عِنْدَ النَّسَفِيِّ وَأَبِي ذَرٍّ وَعِنْدَ غَيْرِهِمَا وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالك بن الطُّفَيْل وَهُوَ بن أَخِي عَائِشَةَ لِأُمِّهَا وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ وَمَعْمَرٍ ثَلَاثَتِهِمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْهُ حَدَّثَنِي الطُّفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ وَكَانَ أَخًا لَهَا مِنْ أُمِّهَا أُمِّ رُومَانَ وَفِي رِوَايَةِ صَالِحٍ عَنْهُ حَدَّثَنِي عَوْفُ بْنُ الطُّفَيْل بن الْحَارِث وَهُوَ بن أَخِي عَائِشَةَ لِأُمِّهَا وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الطُّفَيْلِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ هَكَذَا اخْتَلَفُوا وَالصَّوَابُ عِنْدِي وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الطُّفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ يَعْنِي بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَيْنَهُمَا مُعْجَمَةٌ سَاكِنَةٌ قَالَ وَالطُّفَيْلُ أَبُوهُ هُوَ الَّذِي رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْهُ يَعْنِي حَدِيثَ لَا تَقُولُوا مَا شَاءَ الله وَشاء فلَان أخرجه النَّسَائِيّ وبن ماجة وَكَذَا أخرج أَحْمد طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي كِتَابِ النَّهْيِ عَنِ الْهِجْرَانِ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ من طَرِيق معمر وَشُعَيْب وَصَالح الْأَوْزَاعِيّ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَنْ طَرِيقِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الطُّفَيْلِ وَمِنْ طَرِيقِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ هَذَا وَهَمٌ قَالَ وَكَذَا وَهِمَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي قَوْلِهِ الطُّفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ وَصَالِحٌ فِي قَوْلِهِ عَوْفُ بْنُ الطُّفَيْلِ بْنِ الْحَارِثِ وَأَصَابَ مَعْمَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ فِي قَوْلِهِمَا عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الطُّفَيْلِ كَذَا قَالَ ثُمَّ قَالَ الَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ سَخْبَرَةَ الْأَزْدِيَّ قَدِمَ مَكَّةَ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ رُومَان بنت عَامر الكنانية فَخَالف أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ ثُمَّ مَاتَ فَخَلَفَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى أُمَّ رُومَانَ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَعَائِشَةَ وَكَانَ لَهَا مِنَ الْحَارِثِ الطُّفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ فَهُوَ أَخُو عَائِشَةَ لِأُمِّهَا وَوَلَدَ الطُّفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ عَوْفًا وَلَهُ عَنْ عَائِشَةَ رِوَايَةٌ غَيْرُ هَذِهِ وَهُوَ الَّذِي حَدَّثَ عَنْهُ الزُّهْرِيُّ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الَّذِي أَصَابَ فِي تَسْمِيَتِهِ وَنَسَبِهِ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ.
وَأَمَّا مَعْمَرٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ فَقَلَبَاهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي صَوَّبَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ فَالرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَرْبِيُّ عَنْهُ هِيَ رِوَايَةُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة بن كَثِيرٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَلَى وَفْقِ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وبن خَالِدٍ.
وَأَمَّا شُعَيْبٌ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَقَلَبَ الْحَارِثُ أَيْضًا فَسَمَّاهُ مَالِكًا وَحَذَفَهُ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ فَأَصَابَ وَسَكَتَ عَنْ تَسْمِيَةِ جَدِّهِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ رِوَايَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ كَذَلِكَ وَإِذَا تَحَرَّرَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ بن الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ مِنْ أَنَّهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الطُّفَيْلِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَالِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ كُلُّهُ فِي تَحْرِيرِ اسْمِ الرَّاوِي هُنَا عَنْ عَائِشَةَ وَنَسَبِهِ إِلَّا رِوَايَةَ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ فَإِنَّهَا شَاذَّةٌ لِأَنَّهُ قَلَبَ شَيْخَ الزُّهْرِيِّ فَجَعَلَهُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَالْمَحْفُوظُ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ لِلْخَبَرِ مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ أَصْلًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ لَكِنَّهُ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ عَائِشَةَ حُدِّثَتْ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَبِحَذْفِ الْمَفْعُولِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ حَدَّثَتْهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّ عَائِشَةَ بَلَغَهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ أَيْضًا حَدَّثَتْهُ .

     قَوْلُهُ  فِي بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فِي دَارٍ لَهَا بَاعَتْهَا فَسَخِطَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بَيْعَ تِلْكَ الدَّارِ .

     قَوْلُهُ  لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ عَنْ بَيْعِ رِبَاعِهَا وَهَذَا مُفَسِّرٌ لِمَا أُبْهِمَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَكَذَا لِمَا تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ قَالَ كَانَتْ عَائِشَةُ لَا تُمْسِكُ شَيْئًا فَمَا جَاءَهَا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ تَصَدَّقَتْ بِهِ وَهَذَا لَا يُخَالِفُ الَّذِي هُنَا لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ بَاعَتِ الرِّبَاعَ لِتَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهَا وَقَولُهُ لَتَنْتَهِيَنَّ أَوْ لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا هَذَا أَيْضًا يُفَسِّرُ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى يَدِهَا .

     قَوْلُهُ  لِلَّهِ عَليّ نذر أَن لَا أكلم بن الزُّبَيْرِ أَبَدًا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ كَلِمَةً أَبَدًا وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ بِكَلِمَةٍ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ بَدَلَ قَوْلِهِ أَبَدًا حَتَّى يُفَرِّقَ الْمَوْتُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ قَالَ بن التِّينِ قَوْلُهَا أَنْ لَا أُكَلِّمَ تَقْدِيرُهُ عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ اه وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِحَذْفِ لَا وَشَرَحَ عَلَيْهَا الْكِرْمَانِيُّ وَضَبَطَهَا بِالْكَسْرِ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ قَالَ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ بِلَفْظِ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّذْرُ مُعَلَّقًا عَلَى كَلَامِهِ لَا أَنَّهَا نَذَرَتْ تَرْكَ كَلَامه ناجزا قَوْله فاستشفع بن الزُّبَيْرِ إِلَيْهَا حِينَ طَالَتِ الْهِجْرَةُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي حَتَّى بَدَلَ حِينَ وَالْأَوَّلُ الصَّوَابُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَلَى الصَّوَابِ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فَطَالَتْ هِجْرَتُهَا إِيَّاهُ فَنَقَصَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي أَمْرِهِ كُلِّهِ فَاسْتَشْفَعَ بِكُلِّ جَدِيرٍ أَنَّهَا تُقْبِلُ عَلَيْهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ فَاسْتَشْفَعَ عَلَيْهَا بِالنَّاسِ فَلَمْ تَقْبَلْ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ فاستشفع بن الزُّبَيْرِ بِالْمُهَاجِرِينَ وَقَدْ أَخْرَجَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ فَذَكَرَ نَحْوَ هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ فَاسْتَشْفَعَ إِلَيْهَا بِعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ فَقَالَ لَهَا أَيْنَ حَدِيثٌ أَخْبَرْتِنِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّوْمِ فَوق ثَلَاث قَوْله فَقَالَت لَا وَالله لَا أُشَفِّعُ بِكَسْرِ الْفَاءِ الثَّقِيلَةِ .

     قَوْلُهُ  فِيهِ أَحَدًا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَبَدًا بَدَلَ قَوْلِهِ أَحَدًا وَجَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ .

     قَوْلُهُ  وَلَا أَتَحَنَّثُ إِلَى نَذْرِي فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَلَا أَحْنَثُ فِي نَذْرِي وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فَقَالَتْ وَاللَّهِ لَا آثَمُ فِيهِ أَيْ فِي نذرها أَو فِي بن الزُّبَيْرِ وَتَكُونُ فِي سَبَبِيَّةً .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا طَالَ ذَلِك على بن الزُّبَيْرِ كَلَّمَ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ وَهُمَا مِنْ بني زهرَة أما الْمسور فَهُوَ بن مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ.
وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَجَدُّهُ يَغُوثُ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا مُثَلّثَة وَهُوَ بن وُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ يَجْتَمِعُ مَعَ الْمِسْوَرِ فِي عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ وَوُهَيْبٌ وَأُهَيْبٌ أَخَوَانِ وَمَاتَ الْأَسْوَدُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يُسْلِمْ وَمَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ صَغِيرٌ فَذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ وَلَهُ فِي الْبُخَارِيِّ غَيْرَ هَذَا الْمَوْضِعِ حَدِيثٌ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ سَيَأْتِي قَرِيبًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ الْمُتَقَدِّمَةِ فَاسْتَشْفَعَ إِلَيْهَا بِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَبِأَخْوَالِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَقَدْ بَيَّنْتُ هُنَاكَ مَعْنَى هَذِهِ الْخُئُولَةِ وَصِفَةِ قَرَابَةِ بَنِي زُهْرَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ .

     قَوْلُهُ  أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ لَمَا بِالتَّخْفِيفِ وَمَا زَائِدَةٌ وَيَجُوزُ التَّشْدِيدُ حَكَاهُ عِيَاضٌ يَعْنِي أَلَا أَيْ لَا أَطْلُبُ إِلَّا الْإِدْخَالَ عَلَيْهَا وَنَظَّرَهُ بقوله تَعَالَى لما جَمِيع لدينا محضرون وَقَوله لما عَلَيْهَا حَافظ فقد قرنا بِالْوَجْهَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَلَا أَدْخَلْتُمَانِي زَادَ الْأَوْزَاعِيُّ فَسَأَلَهُمَا أَنْ يَشْتَمِلَا عَلَيْهِ بِأَرْدِيَتِهِمَا .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّهَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَإِنَّهُ وَالْهَاءُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ .

     قَوْلُهُ  لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْذِرَ قطيعتي لِأَنَّهُ كَانَ بن أُخْتِهَا وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تَتَوَلَّى تَرْبِيَتَهُ غَالِبًا .

     قَوْلُهُ  فَقَالَا السَّلَامُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ فَقَالَا السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْكَافُ فِي الْأَوَّلِ مَفْتُوحَةً .

     قَوْلُهُ  أَنَدْخُلُ قَالَتْ نَعَمْ قَالُوا كُلُّنَا قَالَتْ نَعَمْ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَا وَمَنْ مَعَنَا قَالَتْ وَمَنْ مَعَكُمَا .

     قَوْلُهُ  فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ وَطَفِقَ يُنَاشِدُهَا وَيَبْكِي فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فَبَكَى إِلَيْهَا وَبَكَتْ إِلَيْهِ وَقَبَّلَهَا وَفِي رِوَايَتِهِ الْأُخْرَى عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ وناشدها بن الزُّبَيْرِ اللَّهَ وَالرَّحِمَ .

     قَوْلُهُ  وَيَقُولَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ نَهَى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ بِحَذْفِ الْوَاوِ وَهُوَ كَالتَّفْسِيرِ لِمَا قَبْلَهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ وُرُودُ الْحَدِيثِ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى كَحَدِيثَيْ أَنَسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ اللَّذَيْنِ بَعْدَهُ وَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الْمَرْفُوعُ مِنَ الْحَدِيثِ وَهُوَ هُنَا مِنْ مُسْنَدِ الْمِسْوَرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَعَائِشَةَ جَمِيعًا فَإِنَّهَا أَقَرَّتْهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ غَفَلَ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ عَنْ ذِكْرِهِ فِي مُسْنَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ لِكَوْنِهِ مُرْسَلًا وَلَكِنْ ذَكَرُوا أَنْظَارَهُ فَيَلْزَمُهُمْ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَلَهُ عَنْ عَائِشَةَ طَرِيقٌ أُخْرَى تَقَدَّمَ بَيَانُهَا وَأَنَّهَا مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْهَا وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ وَجَاءَ الْمَتْنُ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ بَعْدُ تَنْبِيهٌ ادَّعَى الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَنَّ الْهِجْرَانَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ تَرْكُ السَّلَامِ إِذَا الْتَقَيَا وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ من عَائِشَة فِي حق بن الزُّبَيْرِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّهَا حَلَفَتْ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ وَالْحَالِفُ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ لَا يَحْنَثَ وَتَرْكُ السَّلَامِ دَاخِلٌ فِي تَرْكِ الْكَلَامِ وَقَدْ نَدِمَتْ عَلَى سَلَامِهَا عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا اعْتَقَدَتْ أَنَّهَا حَنِثَتْ وَيُؤَيِّدُهُ مَا كَانَتْ تُعْتِقُهُ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنَ التَّذْكِرَةِ أَيِ التَّذْكِيرِ بِمَا جَاءَ فِي فَضْلِ صِلَةِ الرَّحِمِ وَالْعَفْوِ وَكَظْمِ الْغَيْظِ .

     قَوْلُهُ  وَالتَّحْرِيجِ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ الْجِيمِ أَيِ الْوُقُوعُ فِي الْحَرَجِ وَهُوَ الضِّيقُ لِمَا وَرَدَ فِي الْقَطِيعَةِ مِنَ النَّهْيِ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ التَّخْوِيفِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ يَزَالَا بِهَا حَتَّى كلمت بن الزُّبَيْرِ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ فَكَلَّمَتْهُ بَعْدَ مَا خَشِيَ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ وَقَبِلَتْ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ كَادَتْ أَنْ لَا تَقْبَلَ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ ثُمَّ بَعَثَتْ إِلَى الْيَمَنِ بِمَالٍ فَابْتِيعَ لَهَا بِهِ أَرْبَعُونَ رَقَبَةً فَأَعْتَقَتْهَا كَفَّارَةً لِنَذْرِهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ الْمُتَقَدِّمَةِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِعَشْرِ رِقَابٍ فَأَعْتَقَتْهُمْ وَظَاهِرُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَرْسَلَ إِلَيْهَا بِالْعَشَرَةِ أَوَّلًا وَلَا يُنَافِي رِوَايَةَ الْبَابِ أَنْ تَكُونَ هِيَ اشْتَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ تَمَامَ الْأَرْبَعِينَ فَأَعْتَقَتْهُمْ وَقَدْ وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ ثُمَّ لَمْ تَزَلْ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ ثُمَّ سَمِعْتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ تَذْكُرُ نَذْرَهَا ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُرْوَةَ أَنَّهَا قَالَتْ وَدِدْتُ أَنِّي جَعَلْتُ حِينَ حَلَفْتُ عَمَلًا فَأَعْمَلُهُ فَأَفْرُغُ مِنْهُ وَبَيَّنْتُ هُنَاكَ مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهَا هَذَا حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي بَابِ التَّحَاسُدِ وَأَرَادَ بِإِيرَادِهِمَا مَعًا أَنَّهُ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ شَيْخِهِ وَأَوَّلُ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ عَنْهُ لَا يَحِلُّ لِرَجُلِ كَمَا عَلَّقَهُ أَوَّلًا وَزَادَ فِيهِ يَلْتَقِيَانِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَيَلْتَقِيَانِ بِزِيَادَةِ فَاءٍ





[ قــ :5749 ... غــ :6077] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ هَكَذَا اتَّفَقَ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ وَخَالَفَهُمْ عُقَيْلٌ فَقَالَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أُبَيٍّ وَخَالَفَهُمْ كُلَّهُمْ شَبِيبُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ يُونُسَ عَنْهُ فَقَالَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَوْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ أَمَّا شبيب فَلم يضْبط سَنَده وَقد ضَبطه بن وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ فَسَاقَهُ عَلَى الصَّوَابِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَأَمَّا عُقَيْلٌ فَلَعَلَّهُ سَقَطَ عَلَيْهِ لَفْظُ أَيُّوبَ فَصَارَ عَنْ أُبَيٍّ فَنَسَبَهُ مِنْ قِبَلِ نَفسه فَقَالَ بن كَعْبٍ فَوَهِمَ فِي ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَوْقَ ثَلَاثٍ ظَاهِرُهُ إِبَاحَةُ ذَلِكَ فِي الثَّلَاثِ وَهُوَ مِنَ الرِّفْقِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ فِي طَبْعِهِ الْغَضَبُ وَسُوءُ الْخُلُقِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَالْغَالِبُ أَنَّهُ يَزُولُ أَوْ يَقِلُّ فِي الثَّلَاثِ .

     قَوْلُهُ  فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ زَادَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الزُّهْرِيِّ يَسْبِقُ إِلَى الْجَنَّةِ وَلِأَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنْ مَرَّتْ بِهِ ثَلَاثٌ فَلَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ فَقَدِ اشْتَرَكَا فِي الْأَجْرِ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ بَاءَ بِالْإِثْمِ وَخَرَجَ الْمُسَلِّمُ مِنَ الْهِجْرَةِ وَلِأَحْمَدَ وَالْمُصَنّف فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ فَإِنَّهُمَا نَاكِثَانِ عَنِ الْحَقِّ مَا دَامَا عَلَى صِرَامِهِمَا وَأَوَّلُهُمَا فَيْئًا يَكُونُ سَبْقُهُ كَفَّارَةً فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَإِنْ مَاتَا عَلَى صِرَامِهِمَا لَمْ يَدْخُلَا الْجَنَّةَ جَمِيعًا .

     قَوْلُهُ  وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ تَزُولُ الْهِجْرَةُ بِمُجَرَّدِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ لَا يَبْرَأُ مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَّا بِعَوْدِهِ إِلَى الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَوَّلًا.

     وَقَالَ  أَيْضًا تَرْكُ الْكَلَامِ إِنْ كَانَ يُؤْذِيهِ لَمْ تَنْقَطِعِ الْهِجْرَةُ بِالسَّلَامِ وَكَذَا قَالَ بن الْقَاسِمِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ إِذَا اعْتَزَلَ كَلَامَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَلَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ يَعْنِي وَهَذَا يُؤَيّد قَول بن الْقَاسِمِ.

قُلْتُ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ يُتَوَقَّى فِيهَا وَتَرْكَ الْمُكَالَمَةِ يُشْعِرُ بِأَنَّ فِي بَاطِنِهِ عَلَيْهِ شَيْئًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا زَوَالُ الْهِجْرَةِ بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ بَعْدَ تَرْكِهِ ذَلِكَ فِي الثَّلَاثِ فَلَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ وَاسْتُدِلَّ لِلْجُمْهُورِ بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَن بن مَسْعُودٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ مَوْقُوفٍ وَفِيهِ وَرُجُوعُهُ أَنْ يَأْتِيَ فَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ أَخَاهُ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَصُّ بِالْمُؤْمِنِينَ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِهِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ لِمَنْ يَقُولُ الْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمُسْلِمِ لِكَوْنِهِ الَّذِي يَقْبَلُ خِطَابَ الشَّرْعِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ.
وَأَمَّا التَّقْيِيدُ بِالْأُخُوَّةِ فَدَالٌّ عَلَى أَنَّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ الْكَافِرَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَامْتَنَعَ مِنْ مُكَالَمَتِهِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ أَثِمَ بِذَلِكَ لِأَنَّ نَفْيَ الْحِلِّ يَسْتَلْزِمُ التَّحْرِيمَ وَمُرْتَكِبُ الْحَرَامِ آثِمٌ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْهِجْرَانُ فَوْقَ ثَلَاثٍ إِلَّا لِمَنْ خَافَ مِنْ مُكَالَمَتِهِ مَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَهُ أَوْ يُدْخِلُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ دُنْيَاهُ مَضَرَّةً فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ جَازَ وَرُبَّ هَجْرٍ جَمِيلٍ خَيْرٌ مِنْ مُخَالَطَةٍ مُؤْذِيَةٍ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ عَلَى هَذَا مَا صدر من عَائِشَة فِي حق بن الزبير قَالَ بن التِّينِ إِنَّمَا يَنْعَقِدُ النَّذْرُ إِذَا كَانَ فِي طَاعَةٍ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ أَوْ أَنْ أُصَلِّيَ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ فِي حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ أَوْ مُبَاحٍ فَلَا نَذْرَ وَتَرْكُ الْكَلَامِ يُفْضِي إِلَى التَّهَاجُرِ وَهُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ وَأَجَابَ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ الْمُحَرَّمَ إِنَّمَا هُوَ تَرْكُ السَّلَامِ فَقَطْ وَإِنَّ الَّذِي صَدَرَ مِنْ عَائِشَةَ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا امْتَنَعَتْ مِنَ السَّلَامِ عَلَى بن الزُّبَيْرِ وَلَا مِنْ رَدِّ السَّلَامِ عَلَيْهِ لَمَّا بَدَأَهَا بِالسَّلَامِ وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ نَظِيرَ مَنْ كَانَا فِي بَلَدَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يُكَلِّمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَلَيْسَا مَعَ ذَلِكَ مُتَهَاجِرَيْنِ قَالَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ لَا تَأْذَنُ لِأَحَدٍ من الرِّجَال أَن يدْخل عَلَيْهَا إِلَّا بِإِذن وَمن دخل كَانَ بَينه وَبَينهَا حجاب إِلَّا إِن كَانَ ذَا محرم مِنْهَا وَمَعَ ذَلِك لَا يدْخل عَلَيْهَا حجابها إِلَّا بِإِذْنِهَا فَكَانَت فِي تِلْكَ الْمدَّة منعت بن الزُّبَيْرِ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا كَذَا قَالَ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ الْمَأْخَذِ الَّذِي سَلَكَهُ مِنْ أَوْجُهٍ لَا فَائِدَةَ لِلْإِطَالَةِ بِهَا وَالصَّوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ غَيره أَن عَائِشَة رَأَتْ أَن بن الزُّبَيْرِ ارْتَكَبَ بِمَا قَالَ أَمْرًا عَظِيمًا وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا فَإِنَّ فِيهِ تَنْقِيصًا لِقَدْرِهَا وَنِسْبَةً لَهَا إِلَى ارْتِكَابِ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ التَّبْذِيرِ الْمُوجِبِ لِمَنْعِهَا مِنَ التَّصَرُّفِ فِيمَا رَزَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى مَعَ مَا انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مِنْ كَوْنِهَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَخَالَتَهُ أُخْتَ أُمِّهِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ عِنْدَهَا فِي مَنْزِلَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي أَوَائِلِ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ فَكَأَنَّهَا رَأَتْ أَنَّ فِي ذَلِكَ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ نَوْعَ عُقُوقٍ وَالشَّخْصُ يَسْتَعْظِمُ مِمَّنْ يَلُوذُ بِهِ مَا لَا يَسْتَعْظِمُهُ مِنَ الْغَرِيبِ فَرَأَتْ أَنَّ مُجَازَاتَهُ عَلَى ذَلِكَ بِتَرْكِ مُكَالَمَتِهِ كَمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ عُقُوبَةً لَهُمْ لِتَخَلُّفِهِمْ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ كَلَامِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مِنَ الْمُنَافِقِينَ مُؤَاخَذَةً لِلثَّلَاثَةِ لِعَظِيمِ مَنْزِلَتِهِمْ وَازْدِرَاءً بِالْمُنَافِقِينَ لِحَقَارَتِهِمْ فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا صَدَرَ مِنْ عَائِشَةَ وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ هَجْرَ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَالزَّوْجِ زَوْجَتَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا يَتَضَيَّقُ بِالثَّلَاثِ وَاسْتُدِلَّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَجَرَ نِسَاءَهُ شَهْرًا وَكَذَلِكَ مَا صَدَرَ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ فِي اسْتِجَازَتِهِمْ تَرْكَ مُكَالَمَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا مَعَ عِلْمِهِمْ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُهَاجَرَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هُنَا مَقَامَيْنِ أَعْلَى وَأَدْنَى فَالْأَعْلَى اجْتِنَابُ الْإِعْرَاضِ جُمْلَةً فَيَبْذُلُ السَّلَامَ وَالْكَلَامَ وَالْمُوَادَدَةَ بِكُلِّ طَرِيقٍ وَالْأَدْنَى الِاقْتِصَارُ عَلَى السَّلَامِ دُونَ غَيْرِهِ وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ يَتْرُكُ الْمَقَامَ الْأَدْنَى.
وَأَمَّا الْأَعْلَى فَمَنْ تَركه مِنَ الْأَجَانِبِ فَلَا يَلْحَقُهُ اللَّوْمُ بِخِلَافِ الْأَقَارِبِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بن الزُّبَيْرِ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهَا قَطِيعَتِي أَيْ إِنْ كَانَتْ هِجْرَتِي عُقُوبَةً عَلَى ذَنبي فَلْيَكُن لذَلِك أمد وَإِلَّا فتأييد ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَقَدْ كَانَتْ عَائِشَةُ عَلِمَتْ بِذَلِكَ لَكِنَّهَا تَعَارَضَ عِنْدَهَا هَذَا وَالنَّذْرُ الَّذِي الْتَزَمَتْهُ فَلَمَّا وَقَعَ مِنَ اعْتِذَارِ بن الزُّبَيْرِ وَاسْتِشْفَاعِهِ مَا وَقَعَ رُجِّحَ عِنْدَهَا تَرْكُ الْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَاحْتَاجَتْ إِلَى التَّكْفِيرِ عَنْ نَذْرِهَا بِالْعِتْقِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ثُمَّ كَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ يَعْرِضُ عِنْدَهَا شَكٌّ فِي أَنَّ التَّكْفِيرَ الْمَذْكُورَ لَا يَكْفِيهَا فَتُظْهِرُ الْأَسَفَ عَلَى ذَلِكَ إِمَّا نَدَمًا عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهَا مِنْ أَصْلِ النَّذْرِ الْمَذْكُورِ وَإِمَّا خَوْفًا مِنْ عَاقِبَةِ ترك الْوَفَاء بِهِ وَالله أعلم