فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم نصرت بالصبا

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُصِرْتُ بِالصَّبَا)
قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى تَخْصِيصِ حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي قَبْلَهُ بِمَا سِوَى الصَّبَا مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الرِّيحِ لِأَنَّ قَضِيَّةَ نَصْرِهَا لَهُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُسَرُّ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ أَنَسٍ عَلَى عُمُومِهِ إِمَّا بِأَنْ يَكُونَ نَصْرُهَا لَهُ مُتَأَخِّرًا عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقولِهِ تَعَالَى فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ وَإِمَّا بِأَنْ يَكُونَ نَصْرُهَا لَهُ بِسَبَبِ إِهْلَاكِ أَعْدَائِهِ فَيُخْشَى مِنْ هُبُوبِهَا أَنْ تُهْلِكَ أَحَدًا مِنْ عُصَاةِ أُمَّتِهِ وَهُوَ كَانَ بِهِمْ رَءُوفًا رَحِيمًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْضًا فَالصَّبَا تُؤَلِّفُ السَّحَابَ وَتَجْمَعُهُ فَالْمَطَرُ فِي الْغَالِبِ يَقَعُ حِينَئِذٍ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْخَبَرِ الْمَاضِي أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَمْطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الصَّبَا أَيْضًا مِمَّا يَقَعُ التَّخَوُّفُ عِنْدَ هُبُوبِهَا فَيُعَكِّرُ ذَلِكَ عَلَى التَّخْصِيصِ الْمَذْكُورِ وَاللَّهُ أعلم



[ قــ :1001 ... غــ :1035] قَوْله حَدثنَا مُسلم هُوَ بن إِبْرَاهِيمَ .

     قَوْلُهُ  بِالصَّبَا بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مَقْصُورَةٌ يُقَالُ لَهَا الْقَبُولُ بِفَتْحِ الْقَافِ لِأَنَّهَا تُقَابِلُ بَابَ الْكَعْبَةِ إِذْ مَهَبُّهَا مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ وَضِدُّهَا الدَّبُورُ وَهِيَ الَّتِي أُهْلِكَتْ بِهَا قَوْمُ عَادٍ وَمِنْ لَطِيفِ الْمُنَاسَبَةِ كَوْنُ الْقَبُولِ نَصَرْتَ أَهْلَ الْقَبُولِ وَكَوْنُ الدَّبُّورِ أَهْلَكْتَ أَهْلَ الْإِدْبَارِ وَأَنَّ الدَّبُّورَ أَشَدُّ مِنَ الصَّبَا لِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي قِصَّةِ عَادٍ أَنَّهَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا إِلَّا قَدْرٌ يَسِيرٌ وَمَعَ ذَلِكَ اسْتَأْصَلَتْهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَة وَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ رَأْفَةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْمِهِ رَجَاءَ أَنْ يُسْلِمُوا سَلَّطَ عَلَيْهِمْ الصَّبَا فَكَانَتْ سَبَبُ رَحِيلِهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا أَصَابَهُمْ بِسَبَبِهَا مِنَ الشِّدَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ تُهْلِكْ مِنْهُمْ أَحَدًا وَلَمْ تَسْتَأْصِلْهُمْ وَمِنَ الرِّيَاحِ أَيْضًا الْجَنُوبُ وَالشَّمَالُ فَهَذِهِ الْأَرْبَعُ تَهُبُّ مِنَ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ وَأَيُّ رِيحٍ هَبَّتْ مِنْ بَيْنِ جِهَتَيْنِ مِنْهَا يُقَالُ لَهَا النَّكْبَاءُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْكَافِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَمَدٌّ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى