فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما يشتهى من اللحم يوم النحر

( قَولُهُ بَابُ مَا يُشْتَهَى مِنَ اللَّحْمِ يَوْمَ النَّحْرِ)
أَيِ اتِّبَاعًا لِلْعَادَةِ بِالِالْتِذَاذِ بِأَكْلِ اللَّحْمِ يَوْمَ الْعِيدِ.

     وَقَالَ  اللَّهُ تَعَالَى لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام



[ قــ :5253 ... غــ :5549] قَوْله حَدثنَا صَدَقَة هُوَ بن الْفضل وبن عُلَيَّةَ هُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِقْسَمٍ .

     قَوْلُهُ  فَقَامَ رَجُلٌ هُوَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ فِي رِوَايَةِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ وَفِي لَفْظٍ لَهُ مَقْرُومٌ وَهُوَ بِسُكُونِ الْقَافِ قَالَ عِيَاضٌ رُوِّينَاهُ فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْفَارِسِيِّ وَالسِّجْزِيِّ مَكْرُوهٌ وَمِنْ طَرِيقِ الْعُذْرِيِّ مَقْرُومٌ وَقَدْ صَوَّبَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ.

     وَقَالَ  مَعْنَاهُ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ يُقَالُ قَرَمْتُ إِلَى اللَّحْمِ وَقَرَمْتُهُ إِذَا اشْتَهَيْتُهُ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ قَالَ عِيَاضٌ.

     وَقَالَ  بَعْضُ شُيُوخِنَا صَوَابُ الرِّوَايَةِ اللَّحَمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهُوَ اشْتِهَاءُ اللَّحْمِ وَالْمَعْنَى تَرْكُ الذَّبْحِ وَالتَّضْحِيَةِ وَإِبْقَاءُ أَهْلِهِ فِيهِ بِلَا لَحْمٍ حَتَّى يَشْتَهُوهُ مَكْرُوهٌ قَالَ.

     وَقَالَ  لِي الْأُسْتَاذُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ مَعْنَاهُ ذبح مَا لَا يُجزئ فِي الْأُضْحِيَّةِ مِمَّا هُوَ لَحْمٌ اه وَبَالَغَ بن الْعَرَبِيِّ فَقَالَ الرِّوَايَةُ بِسُكُونِ الْحَاءِ هُنَا غَلَطٌ وَإِنَّمَا هُوَ اللَّحَمُ بِالتَّحْرِيكِ يُقَالُ لَحِمَ الرَّجُلُ بِكَسْرِ الْحَاءِ يَلْحَمُ بِفَتْحِهَا إِذَا كَانَ يَشْتَهِي اللَّحْمَ.
وَأَمَّا الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ فَقَالَ تَكَلَّفَ بَعضهم مَا لَا يَصح رِوَايَة أَي اللَّحَمَ بِالتَّحْرِيكِ وَلَا مَعْنَى وَهُوَ قَوْلُ الْآخَرِ مَعْنَى الْمَكْرُوهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ قَالَ وَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْ سِيَاقَ الْحَدِيثِ فَإِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ لَا يُلَائِمُهُ إِذْ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَقُولَ إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ اللَّحْمُ فِيهِ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَإِنِّي عَجِلْتُ لِأُطْعِمَ أَهْلِي قَالَ وَأَقْرَبُ مَا يُتَكَلَّفُ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَعْنَاهُ اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهُ التَّأْخِيرِ فَحُذِفَ لَفْظُ التَّأْخِيرِ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ عَجِلْتُ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى أَنَّ مَعْنَاهُ هَذَا يَوْمٌ طَلَبُ اللَّحْمِ فِيهِ مَكْرُوهٌ شَاقٌّ قَالَ وَهُوَ مَعْنًى حَسَنٌ.

قُلْتُ يَعْنِي طَلَبَهُ مِنَ النَّاسِ كَالصَّدِيقِ وَالْجَارِ فَاخْتَارَ هُوَ أَنْ لَا يَحْتَاجَ أَهْلُهُ إِلَى ذَلِكَ فَأَغْنَاهُمْ بِمَا ذَبَحَهُ عَنِ الطَّلَبِ وَوَقع فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ كَمَا مَضَى فِي الْعِيدَيْنِ وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ فَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ وَأَنَّ وَصْفَهُ اللَّحْمَ بِكَوْنِهِ مُشْتَهًى وَبِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا لَا تَنَاقُضَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارَيْنِ فَمِنْ حَيْثُ إِنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ فِيهِ بِالذَّبَائِحِ فَالنَّفْسُ تَتَشَوَّقُ لَهُ يَكُونُ مُشْتَهًى وَمِنْ حَيْثُ تَوَارُدِ الْجَمِيعِ عَلَيْهِ حَتَّى يَكْثُرَ يَصِيرُ مُمَوَّلًا فَأُطْلِقَتْ عَلَيْهِ الْكَرَاهَةُ لِذَلِكَ فَحَيْثُ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ مُشْتَهًى أَرَادَ ابْتِدَاءَ حَالِهِ وَحَيْثُ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا أَرَادَ انْتِهَاءَهُ وَمِنْ ثَمَّ اسْتَعْجَلَ بِالذَّبْحِ لِيَفُوزَ بِتَحْصِيلِ الصِّفَةِ الْأُولَى عِنْدَ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ فِرَاسٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَقَالَ خَالِي يَا رَسُول الله قد نسكت عَن بن لِي وَقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذَا وَظَهَرَ لِي أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ ضَحَّى لِأَجْلِهِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ فِي أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ فَخَصَّ وَلَدَهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَخَصُّ بِذَلِكَ عِنْدَهُ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ وَلَدُهُ بِمَا عِنْدَهُ عَنِ التَّشَوُّفِ إِلَى مَا عِنْدَ غَيْرِهِ .

     قَوْلُهُ  وَذَكَرَ جِيرَانَهُ فِي رِوَايَةِ عَاصِمٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَإِنِّي عَجَّلْتُ فِيهِ نَسِيكَتِي لِأُطْعِمَ أَهْلِي وَجِيرَانِي وَأَهْلَ دَارِي .

     قَوْلُهُ  فَلَا أَدْرِي أَبَلَغَتِ الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لَا قَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ اخْتِصَاصُهُ بِذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ وَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ كَأَنَّ أَنَسًا لم يسمع ذَلِك وَقد روى بن عون عَن الشّعبِيّ حَدِيث الْبَراء وَعَن بن سِيرِينَ حَدِيثَ أَنَسٍ فَكَانَ إِذَا حَدَّثَ حَدِيثَ الْبَرَاءِ يَقِفُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ وَيُحَدِّثُ بِقَوْلِ أَنَسٍ لَا أَدْرِي أَبَلَغَتِ الرُّخْصَةُ غَيْرَهُ أَمْ لَا وَلَعَلَّهُ اسْتَشْكَلَ الْخُصُوصِيَّةَ بِذَلِكَ لِمَا جَاءَ مِنْ ثُبُوتِ ذَلِكَ لِغَيْرِ أَبِي بُرْدَةَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ انْكَفَأَ مَهْمُوزٌ أَيْ مَالَ يُقَالُ كَفَأْتُ الْإِنَاءَ إِذَا أَمَلْتُهُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ مَكَانِ الْخُطْبَةِ إِلَى مَكَانِ الذَّبْحِ .

     قَوْلُهُ  وَقَامَ النَّاسُ كَذَا هُنَا وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ فِي بَابِ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَعَادَ فتمسك بِهِ بن التِّينِ فِي أَنَّ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الْإِمَامِ لَا يُجْزِئُهُ وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  إِلَى غنيمَة بغين مُعْجمَة وَنون مصغر فَتَوَزَّعُوهَا أَوْ قَالَ فَتَجَزَّعُوهَا شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْأَوَّلُ بِالزَّايِ مِنَ التَّوْزِيعِ وَهُوَ التَّفْرِقَةُ أَيْ تَفَرَّقُوهَا وَالثَّانِي بِالْجِيمِ وَالزَّايِ أَيْضًا مِنَ الْجَزْعِ وَهُوَ الْقَطْعُ أَيِ اقْتَسَمُوهَا حِصَصًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمُ اقْتَسَمُوهَا بَعْدَ الذَّبْحِ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ قِطْعَةً مِنَ اللَّحْمِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَخْذُ حِصَّةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَالْقِطْعَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْحِصَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَكُونُ الْمَعْنَى وَاحِدًا وَإِن كَانَ ظَاهره فِي الأَصْل الِاخْتِلَاف