فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما يجوز من الهجران لمن عصى

( قَولُهُ بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ الْهِجْرَانِ لِمَنْ عَصَى)
أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ بَيَانَ الْهِجْرَانِ الْجَائِزِ لِأَنَّ عُمُومَ النَّهْيِ مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَمْ يَكُنْ لِهَجْرِهِ سَبَبٌ مَشْرُوعٌ فَتَبَيَّنَ هُنَا السَّبَبُ الْمُسَوِّغُ لِلْهَجْرِ وَهُوَ لِمَنْ صَدَرَتْ مِنْهُ مَعْصِيَةٌ فَيَسُوغُ لِمَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهَا مِنْهُ هَجْرُهُ عَلَيْهَا لِيَكُفَّ عَنْهَا قَوْله.

     وَقَالَ  كَعْب أَي بن مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا وَذَكَرَ خَمْسِينَ لَيْلَةً وَهَذَا طَرَفٌ مِنَ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي وَذكر حَدِيثُ عَائِشَةَ إِنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكَ وَرِضَاكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ غَيْرَةِ النِّسَاءِ وَوَجْدِهِنَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ قَالَ الْمُهَلَّبُ غَرَضُ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ يُبَيِّنَ صِفَةَ الْهِجْرَانِ الْجَائِزِ وَأَنَّهُ يَتَنَوَّعُ بِقَدْرِ الْجُرْمِ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِصْيَانِ يَسْتَحِقُّ الْهِجْرَانَ بِتَرْكِ الْمُكَالَمَةِ كَمَا فِي قِصَّةِ كَعْبٍ وَصَاحِبَيْهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُغَاضَبَةِ بَيْنَ الْأَهْلِ وَالْإِخْوَانِ فَيَجُوزُ الْهَجْرُ فِيهِ بِتَرْكِ التَّسْمِيَةِ مَثَلًا أَوْ بِتَرْكِ بَسْطِ الْوَجْهِ مَعَ عَدَمِ هَجْرِ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ لَعَلَّهُ أَرَادَ قِيَاسَ هِجْرَانِ مَنْ يُخَالِفُ الْأَمر الشَّرْعِيّ عَلَى هِجْرَانِ اسْمٍ مَنْ يُخَالِفُ الْأَمْرَ الطَّبِيعِيَّ.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ قِصَّةُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَصْلٌ فِي هِجْرَانِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَقَدِ اسْتُشْكِلَ كَوْنُ هِجْرَانِ الْفَاسِقِ أَوِ الْمُبْتَدِعِ مَشْرُوعًا وَلَا يُشْرَعُ هِجْرَانُ الْكَافِرِ وَهُوَ أَشَدُّ جُرْمًا مِنْهُمَا لِكَوْنِهِمَا من أهل التَّوْحِيد فِي الْجُمْلَة وَأجَاب بن بَطَّالٍ بِأَنَّ لِلَّهِ أَحْكَامًا فِيهَا مَصَالِحُ لِلْعِبَادِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِشَأْنِهَا وَعَلَيْهِمُ التَّسْلِيمُ لِأَمْرِهِ فِيهَا فَجَنَحَ إِلَى أَنَّهُ تَعَبُّدٌ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْهِجْرَانَ عَلَى مَرْتَبَتَيْنِ الْهِجْرَانُ بِالْقَلْبِ وَالْهِجْرَانُ بِاللِّسَانِ فَهِجْرَانُ الْكَافِرِ بِالْقَلْبِ وَبِتَرْكِ التَّوَدُّدِ وَالتَّعَاوُنِ وَالتَّنَاصُرِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ حَرْبِيًّا وَإِنَّمَا لَمْ يُشْرَعْ هِجْرَانُهُ بِالْكَلَامِ لِعَدَمِ ارْتِدَاعِهِ بِذَلِكَ عَنْ كُفْرِهِ بِخِلَافِ الْعَاصِي الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ يَنْزَجِرُ بِذَلِكَ غَالِبًا وَيَشْتَرِكُ كُلٌّ مِنَ الْكَافِرِ وَالْعَاصِي فِي مَشْرُوعِيَّةِ مُكَالَمَتِهِ بِالدُّعَاءِ إِلَى الطَّاعَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِنَّمَا الْمَشْرُوعُ تَرْكُ الْمُكَالَمَةِ بِالْمُوَادَّةِ وَنَحْوِهَا قَالَ عِيَاضٌ إِنَّمَا اغْتُفِرَتْ مُغَاضَبَةُ عَائِشَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحَرَجِ لِأَنَّ الْغَضَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ لِأَنَّ الْحَامِلَ لَهَا عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرَةُ الَّتِي جُبِلَتْ عَلَيْهَا النِّسَاءُ وَهِيَ لَا تَنْشَأُ إِلَّا عَنْ فَرْطِ الْمَحَبَّةِ فَلَمَّا كَانَ الْغَضَبُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْبُغْضَ اغْتُفِرَ لِأَنَّ الْبُغْضَ هُوَ الَّذِي يُفْضِي إِلَى الْكُفْرِ أَوِ الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ دَلَّ قَوْلُهَا لَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ عَلَى أَنَّ قَلْبَهَا مَمْلُوءٌ بِمَحَبَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ



[ قــ :5750 ... غــ :6078] .

     قَوْلُهُ  أَجَلْ بِوَزْنِ نَعَمْ وَمَعْنَاهُ.

     وَقَالَ  الْأَخْفَشُ إِلَّا أَنَّ نَعَمْ أَحْسَنُ مِنْ أَجَلْ فِي جَوَابَ الِاسْتِفْهَامِ وَأَجَلْ أَحْسَنُ مِنْ نَعَمْ فِي التَّصْدِيقِ.

قُلْتُ وَهِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وَفْقِ مَا قَالَ