فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب استعانة المكاتب وسؤاله الناس

( قَولُهُ بَابُ اسْتِعَانَةِ الْمُكَاتَبِ وَسُؤَالِهِ النَّاسَ)
هُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّ الِاسْتِعَانَةَ تَقَعُ بِالسُّؤَالِ وَبِغَيْرِهِ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ بَرِيرَةَ عَلَى سُؤَالِهَا عَائِشَةَ فِي إِعَانَتِهَا عَلَى كِتَابَتِهَا.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ يَرْفَعُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خيرا قَالَ حِرْفَةً وَلَا تُرْسِلُوهُمْ كَلًّا عَلَى النَّاسِ فَهُوَ مُرْسَلٌ أَوْ مُعْضَلٌ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ



[ قــ :2451 ... غــ :2563] قَوْله عَن هِشَام زَاد أَبُو ذَر بن عُرْوَةَ .

     قَوْلُهُ  فَأَعِينِينِي كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ لِلْمُؤَنَّثِ مِنَ الْإِعَانَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَأَعْيَتْنِي بِصِيغَةِ الْخَبَرِ الْمَاضِي مِنَ الْإِعْيَاءِ وَالضَّمِيرُ لِلْأَوَاقِي وَهُوَ مُتَّجَهُ الْمَعْنَى أَيْ أَعْجَزَتْنِي عَنْ تَحْصِيلِهَا وَفِي رِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِ فَأَعْتِقِينِي بِصِيغَةِ الْأَمْرِ لِلْمُؤَنَّثِ بِالْعِتْقِ إِلَّا أَنَّ الثَّابِتَ فِي طَرِيقِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنْ هِشَامٍ الْأَوَّلُ .

     قَوْلُهُ  فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْوَلَاءُ زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَانْتَهَرْتُهَا وَكَأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ عَرَفَتِ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  خُذِيهَا فَأَعْتِقِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاء قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ كَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ وَأَصْحَابُ مَالِكٍ عَنْهُ عَنْ هِشَامٍ وَاسْتَشْكَلَ صُدُورُ الْإِذْنِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْعِ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ الشَّرْطَ فِي الحَدِيث فروى الْخطابِيّ فِي المعالم بِسَنَدِهِ إِلَى يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ أَنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ الْإِشَارَةُ إِلَى تَضْعِيفِ رِوَايَةِ هِشَامٍ الْمُصَرِّحَةِ بِالِاشْتِرَاطِ لِكَوْنِهِ انْفَرَدَ بِهَا دُونَ أَصْحَابِ أَبِيهِ وَرِوَايَاتُ غَيْرِهِ قَابِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ وَأَشَارَ غَيْرُهُ إِلَى أَنَّهُ رُوِيَ بِالْمَعْنَى الَّذِي وَقَعَ لَهُ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ وَأَثْبَتَ الرِّوَايَةَ آخَرُونَ وَقَالُوا هِشَامٌ ثِقَةٌ حَافِظٌ وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ فَلَا وَجْهَ لِرَدِّهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَوْجِيهِهَا فَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْمُزَنِيَّ حَدَّثَهُ بِهِ عَنِ الشَّافِعِيِّ بِلَفْظِ وَأَشْرِطِي بِهَمْزَةِ قَطْعٍ بِغَيْرِ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ ثُمَّ وَجَّهَهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَظْهَرِي لَهُمْ حُكْمَ الْوَلَاءِ وَالْإِشْرَاطُ الْإِظْهَارُ قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ فَأَشْرَطَ فِيهَا نَفْسَهُ وَهُوَ مِعْصَمٌ أَيْ أَظْهَرَ نَفْسَهُ انْتَهَى وَأَنْكَرَ غَيْرُهُ الرِّوَايَةَ وَالَّذِي فِي مُخْتَصَرِ الْمُزنِيّ وَالأُم وَغَيْرِهِمَا عَنِ الشَّافِعِيِّ كَرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ وَاشْتَرِطِي بِصِيغَةِ أَمْرِ الْمُؤَنَّثِ مِنَ الشَّرْطِ ثُمَّ حَكَى الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا تَأْوِيلَ الرِّوَايَةِ الَّتِي بِلَفْظِ اشْتَرِطِي وَأَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ اشْتَرِطِي لَهُمْ بِمَعْنَى عَلَيَّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْمُزَنِيِّ وَجَزَمَ بِهِ عَنْهُ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ عَنْ حَرْمَلَة عَنهُ وَحكى الْخطابِيّ عَن بن خُزَيْمَةَ أَنَّ قَوْلَ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ غَلَطٌ وَالتَّأْوِيلَ الْمَنْقُولَ عَنِ الْمُزَنِيِّ لَا يَصِحُّ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ تَأْوِيلُ اللَّامِ بِمَعْنَى عَلَى هُنَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْكَرَ الِاشْتِرَاطَ وَلَوْ كَانَتْ بِمَعْنَى عَلَى لَمْ يُنْكِرْهُ فَإِنْ قِيلَ مَا أَنْكَرَ إِلَّا إِرَادَةَ الِاشْتِرَاطِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَالْجَوَابُ أَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يَأْبَى ذَلِكَ وَضَعفه أَيْضا بن دَقِيقِ الْعِيدِ.

     وَقَالَ  اللَّامُ لَا تَدُلُّ بِوَضْعِهَا عَلَى الِاخْتِصَاصِ النَّافِعِ بَلْ عَلَى مُطْلَقِ الِاخْتِصَاصِ فَلَا بُدَّ فِي حَمْلِهَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَرِينَةٍ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ اشْتَرِطِي لِلْإِبَاحَةِ وَهُوَ عَلَى جِهَةِ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُمْ فَوُجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ وَكَأَنَّهُ يَقُول اشترطي أَولا تَشْتَرِطِي فَذَلِكَ لَا يُفِيدُهُمْ وَيُقَوِّي هَذَا التَّأْوِيلَ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ أَيْمَنَ الْآتِيَةِ آخِرَ أَبْوَابِ الْمُكَاتَبِ اشْتَرِيهَا وَدَعِيهِمْ يَشْتَرِطُونَ مَا شَاءُوا وَقِيلَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَائِعِ الْوَلَاءَ بَاطِلٌ وَاشْتَهَرَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ بَرِيرَةَ فَلَمَّا أَرَادُوا أَنْ يَشْتَرِطُوا مَا تَقَدَّمَ لَهُمُ الْعِلْمُ بِبُطْلَانِهِ أَطْلَقَ الْأَمْرَ مُرِيدًا بِهِ التَّهْدِيدَ عَلَى مَآلِ الْحَالِ كَقَوْلِهِ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله وكقول مُوسَى ألقوا مَا أَنْتُم ملقون أَيْ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَافِعِكُمْ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ اشْتَرِطِي لَهُمْ فَسَيَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُمْ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلَهُ حِينَ خَطَبَهُمْ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا إِلَخْ فَوَبَّخَهُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ مُشِيرًا إِلَى أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْهُ بَيَانُ حُكْمِ اللَّهِ بِإِبْطَالِهِ إِذْ لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ بَيَانُ ذَلِكَ لَبَدَأَ بِبَيَانِ الْحُكْمِ فِي الْخُطْبَةِ لَا بِتَوْبِيخِ الْفَاعِلِ لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَقِيلَ الْأَمْرُ فِيهِ بِمَعْنَى الْوَعِيدِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الْأَمْرُ وَبَاطِنُهُ النَّهْيُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى اعْمَلُوا مَا شِئْتُم.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَمَّا كَانَ مَنِ اشْتَرَطَ خِلَافَ مَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَاصِيًا وَكَانَتْ فِي الْمَعَاصِي حُدُودٌ وَآدَابٌ وَكَانَ مِنْ أَدَبِ الْعَاصِينَ أَنْ يُعَطِّلَ عَلَيْهِمْ شُرُوطَهُمْ لِيَرْتَدِعُوا عَنْ ذَلِكَ وَيَرْتَدِعَ بِهِ غَيْرُهُمْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَيْسَرِ الْأَدَبِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ مَعْنَى اشْتَرِطِي اتْرُكِي مُخَالَفَتَهُمْ فِيمَا شَرَطُوهُ وَلَا تُظْهِرِي نِزَاعَهُمْ فِيمَا دَعَوْا إِلَيْهِ مُرَاعَاةً لِتَنْجِيزِ الْعِتْقِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إِلَيْهِ وَقَدْ يُعْبَّرُ عَنِ التَّرْكِ بِالْفِعْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ الا بِإِذن الله أَيْ نَتْرُكُهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِذْنِ إِبَاحَة الاضرار بِالسحرِ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا إِلَّا أَنَّهُ خَارِجٌ عَنِ الْحَقِيقَةِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى الْمَجَازِ مِنْ حَيْثُ السِّيَاقُ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ أَقْوَى الْأَجْوِبَةِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ خَاصٌّ بِعَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَأَنَّ سَبَبَهُ الْمُبَالَغَةُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ لِمُخَالَفَتِهِ حُكْمِ الشَّرْعِ وَهُوَ كَفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ كَانَ خَاصًّا بِتِلْكَ الْحَجَّةِ مُبَالَغَةً فِي إِزَالَةِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ مَنْعِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ إِذَا اسْتَلْزَمَ إِزَالَةَ أَشَدِّهِمَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ على مُخْتَلف فِيهِ وَتعقبه بن دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ على خلاف هَذِه الْمقَالة.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْوَلَاءِ وَالْعِتْقِ كَانَ مُقَارِنًا لِلْعَقْدِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ سَابِقًا لِلْعَقْدِ فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِقَوْلِهِ اشْتَرِطِي مُجَرَّدَ الْوَعْدِ وَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَتُعُقِّبَ بِاسْتِبْعَادِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ شَخْصًا أَنْ يَعِدَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا يَفِي بذلك الْوَعْد وَأغْرب بن حَزْمٍ فَقَالَ كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا بِجَوَازِ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ فَوَقَعَ الْأَمْرُ بِاشْتِرَاطِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ جَائِزًا فِيهِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِخُطْبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِقَوْلِهِ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَا يَخْفَى بُعْدُ مَا قَالَ وَسِيَاقُ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ تَدْفَعُ فِي وَجْهِ هَذَا الْجَوَابِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ وَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَلَاءَ لَمَّا كَانَ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ وَالْإِنْسَانَ إِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ ثَبَتَ لَهُ نَسَبُهُ وَلَا يَنْتَقِلُ نَسَبُهُ عَنْهُ وَلَوْ نُسِبَ إِلَى غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا ثَبَتَ لَهُ وَلَاؤُهُ وَلَوْ أَرَادَ نَقْلَ وَلَائِهِ عَنْهُ أَوْ أَذِنَ فِي نَقْلِهِ عَنْهُ لَمْ يَنْتَقِلْ فَلَمْ يَعْبَأْ بِاشْتِرَاطِهِمُ الْوَلَاء وَقيل اشترطي ودعيهم يشترطون ماشاءوا أَو نَحْو ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الْعَقْدِ بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ اللَّغْوِ مِنَ الْكَلَامِ وَأَخَّرَ إِعْلَامَهُمْ بِذَلِكَ لِيَكُونَ رَدُّهُ وَإِبْطَالُهُ قَوْلًا شَهِيرًا يُخْطَبُ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ ظَاهِرًا إِذْ هُوَ أَبْلَغُ فِي النَّكِيرِ وَأَوْكَدُ فِي التَّعْبِيرِ اه وَهُوَ يَئُولُ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ كَمَا تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  فَقَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ أَيْ بِالِاتِّبَاعِ مِنَ الشُّرُوطِ الْمُخَالِفَةِ لَهُ .

     قَوْلُهُ  وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ أَيْ بِاتِّبَاعِ حُدُودِهِ الَّتِي حَدَّهَا وَلَيْسَتِ الْمُفَاعَلَةُ هُنَا عَلَى حَقِيقَتِهَا إِذْ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَقَدْ وَرَدَتْ صِيغَةُ أَفْعَلَ لِغَيْرِ التَّفْضِيلِ كَثِيرًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ وَرَدَ ذَلِكَ عَلَى مَا اعْتَقَدُوهُ مِنَ الْجَوَازِ .

     قَوْلُهُ  مَا بَالُ رِجَالٍ أَيْ مَا حَالُهُمْ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ كَلِمَةَ إِنَّمَا لِلْحَصْرِ وَهُوَ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ لِلْمَذْكُورِ وَنَفْيُهُ عَمَّا عَدَاهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا لَزِمَ مِنْ إِثْبَاتِ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ نَفْيُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَاسْتُدِلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ أَوْ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُحَالَفَةٌ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَلَا لِلْمُلْتَقِطِ خِلَافًا لِإِسْحَاقَ وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَسْطٍ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُسْتَفَادُ مِنْ مَنْطُوقِهِ إِثْبَاتُ الْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ سَابِيَهُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَصِيرُ وَلَاؤُهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَدْخُلُ فِيمَنْ أَعْتَقَ عِتْقُ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ وَلِلْكَافِرِ وَبِالْعَكْسِ ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتَقِ تَنْبِيهٌ زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ زَوْجِهَا وَكَانَ عَبْدًا وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ سَتَأْتِي فِي النِّكَاح من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي زَوْجِهَا هَلْ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا وَتَسْمِيَتِهِ وَمَا اتَّفَقَ لَهُ بَعْدَ فِرَاقِهَا وَفِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ هَذَا مِنَ الْفَوَائِدِ سِوَى مَا سَبَقَ وَسِوَى مَا سَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ جَوَازُ كِتَابَةِ الْأَمَةِ كَالْعَبْدِ وَجَوَازُ كِتَابَةِ الْمُتَزَوِّجَةِ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنِ الزَّوْجُ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ كِتَابَتِهَا وَلَوْ كَانَتْ تُؤَدِّي إِلَى فِرَاقِهَا مِنْهُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ الْمُتَزَوِّجِ مَنْعُ السَّيِّدِ مِنْ عِتْقِ أَمَتِهِ الَّتِي تَحْتَهُ وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى بُطْلَانِ نِكَاحِهَا وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ تَمْكِينِهَا مِنَ السَّعْيِ فِي مَالِ الْكِتَابَةِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا خِدْمَتُهُ وَفِيهِ جَوَازُ سَعْيِ الْمُكَاتَبَةِ وَسُؤَالِهَا وَاكْتِسَابِهَا وَتَمْكِينِ السَّيِّدِ لَهَا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ الْجَوَازِ إِذَا عُرِفَتْ جِهَةُ حِلِّ كَسْبِهَا وَفِيهِ الْبَيَانُ بِأَنَّ النَّهْيَ الْوَارِدَ عَنْ كَسْبِ الْأَمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ وَجْهَ كَسْبِهَا أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمُكَاتَبَةِ وَفِيهِ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَسْأَلَ مِنْ حِينِ الْكِتَابَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ عَجْزُهُ خِلَافًا لِمَنْ شَرَطَهُ وَفِيهِ جَوَازُ السُّؤَالِ لِمَنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ أَوْ غُرْمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَعْجِيلِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَفِيهِ جَوَازُ الْمُسَاوَمَةِ فِي الْبَيْعِ وَتَشْدِيدِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ فِيهَا وَأَنَّ الْمَرْأَةَ الرَّشِيدَةَ تَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهَا فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً خِلَافًا لِمَنْ أَبَى ذَلِكَ وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدٌ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَأَنَّ مَنْ لَا يَتَصَرَّفُ بِنَفْسِهِ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَذِنَ السَّيِّدُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ جَازَ تَصَرُّفُهُ وَفِيهِ جَوَازُ رَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَ إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ لِلْعِتْقِ أَنْ يُظْهِرَ ذَلِكَ لِأَصْحَابِ الرَّقَبَةِ لِيَتَسَاهَلُوا لَهُ فِي الثَّمَنِ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مِنَ الرِّيَاءِ وَفِيهِ إِنْكَارُ الْقَوْلِ الَّذِي لَا يُوَافِقُ الشَّرْعَ وَانْتِهَارُ الرَّسُولِ فِيهِ وَفِيهِ أَنَّ الشَّيْءَ إِذَا بِيعَ بِالنَّقْدِ كَانَتِ الرَّغْبَةُ فِيهِ أَكْثَرَ مِمَّا لَوْ بِيعَ بِالنَّسِيئَةِ وَأَنَّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَقْضِيَ عَنْهُ دَيْنَهُ بِرِضَاهُ وَفِيهِ جَوَازُ الشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ عَجَّلَ بَعْضَ كِتَابَتِهِ قَبْلَ الْمَحَلِّ عَلَى أَنْ يَضَعَ عَنْهُ سَيِّدُهُ الْبَاقِيَ لَمْ يُجْبَرِ السَّيِّدُ عَلَى ذَلِكَ وَجَوَازُ الْكِتَابَةِ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَأَقَلَّ مِنْهَا وَأَكْثَرَ لِأَنَّ بَيْنَ الثَّمَنِ الْمُنَجَّزِ وَالْمُؤَجَّلِ فَرْقًا وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ بَذَلَتْ عَائِشَةُ الْمُؤَجَّلَ نَاجِزًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهَا كَانَتْ بِالتَّأْجِيلِ أَكْثَرَ مِمَّا كُوتِبَتْ بِهِ وَكَانَ أَهْلُهَا بَاعُوهَا بِذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ان علمْتُم فيهم خيرا الْقُوَّةُ عَلَى الْكَسْبِ وَالْوَفَاءُ بِمَا وَقَعَتِ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَالَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِ الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ فَكَيْفَ يُكَاتِبُهُ بِمَالِهِ لَكِنْ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ لَا يَرِدُ عَلَيْهِ هَذَا وَقَدْ نقل عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ الْمَالُ مَعَ أَنَّهُ يَقُولُ إِنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ فَنُسِبَ إِلَى التَّنَاقُضِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْعَبْدَ مَالُ سَيِّدِهِ وَالْمَالَ الَّذِي مَعَهُ لِسَيِّدِهِ فَكَيْفَ يُكَاتِبُهُ بِمَالِهِ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ لَا يَصِحُّ تَفْسِيرِ الْخَيْرِ بِالْمَالِ فِي الْآيَةِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فُلَانٌ لَا مَالَ فِيهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَا مَالَ لَهُ أَوْ لَا مَالَ عِنْدَهُ فَكَذَا إِنَّمَا يُقَالُ فِيهِ وَفَاءٌ وَفِيهِ أَمَانَةٌ وَفِيهِ حُسْنُ مُعَامَلَةٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا جَوَازُ كِتَابَةِ مَنْ لَا حِرْفَةَ لَهُ وِفَاقًا لِلْجُمْهُورِ وَاخْتَلَفَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَذَلِكَ أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَلَى كِتَابَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْهَا شَيْئًا فَلَوْ كَانَ لَهَا مَالٌ أَوْ حِرْفَةٌ لَمَا احْتَاجَتْ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ لِأَنَّ كِتَابَتَهَا لَمْ تَكُنْ حَالَّةً وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ ابْتَاعَتْ بَرِيرَةَ مُكَاتَبَةً وَهِيَ لَمْ تَقْضِ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا وَتَقَدَّمَتِ الزِّيَادَةُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَفِيهِ جَوَازُ أَخْذِ الْكِتَابَةِ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ وَالرَّدِّ عَلَى مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ وَزَعَمَ أَنَّهُ أَوْسَاخُ النَّاسِ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ مَعُونَةِ الْمُكَاتَبَةِ بِالصَّدَقَةِ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنِ الْفَرْضِ وَفِيهِ جَوَازُ الْكِتَابَةِ بِقَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ وَجَوَازُ التَّأْقِيتِ فِي الدُّيُونِ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَثَلًا كَذَا مِنْ غَيْرِ بَيَانِ أَوَّلِهِ أَوْ وَسَطِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مَجْهُولًا لِأَنَّهُ يتَبَيَّن بِانْقِضَاء الشَّهْر الْحُلُول كَذَا قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ بَرِيرَةَ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ أَيْ فِي غُرَّتِهِ مَثَلًا وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَيُمْكِنُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْكِتَابَةِ وَالدُّيُونِ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ عَجَزَ حَلَّ لِسَيِّدِهِ مَا أَخَذَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيّ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ الدُّيُونِ وَغَيْرِهَا وَقِصَّةُ بَرِيرَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ قَصَّرَ فِي بَيَانِ تَعْيِينِ الْوَقْتِ وَإِلَّا يَصِيرُ الْأَجَلُ مَجْهُولًا وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السَّلَفِ إِلَّا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَفِيهِ أَنَّ الْعَدَّ فِي الدَّرَاهِمِ الصِّحَاحِ الْمَعْلُومَةِ الْوَزْنِ يَكْفِي عَنِ الْوَزْنِ وَأَنَّ الْمُعَامَلَةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَتْ بِالْأَوَاقِيِّ وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ وَزَعَمَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِالْعَدِّ إِلَى مَقْدَمِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ثُمَّ أُمِرُوا بِالْوَزْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قِصَّةَ بَرِيرَةَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ مَقْدَمِهِ بِنَحْوٍ مِنْ ثَمَانِ سِنِينَ لَكِنْ يُحْتَمَلُ قَوْلُ عَائِشَةَ أَعُدُّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً أَيْ أَدْفَعُهَا لَهُمْ وَلَيْسَ مُرَادُهَا حَقِيقَةَ الْعَدِّ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهَا فِي طَرِيقِ عَمْرَةَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ أَنْ أَصُبَّ لَهُمْ ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً وَفِيهِ جَوَازُ الْبَيْعِ عَلَى شَرْطِ الْعِتْقِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ لِغَيْرِهِ وَلَا يَهَبَهُ مَثَلًا وَأَنَّ مِنَ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ مَا لَا يُبْطِلُ وَلَا يَضُرُّ الْبَيْعَ وَفِيهِ جَوَازُ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ إِذَا رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَاجِزًا عَنْ أَدَاءِ نَجْمٍ قَدْ حَلَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ بَرِيرَةَ لَمْ تَقُلْ إِنَّهَا عَجَزَتْ وَلَا اسْتَفْصَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَفِيهِ جَوَازُ مُنَاجَاةِ الْمَرْأَةِ دُونَ زَوْجِهَا سِرًّا إِذَا كَانَ الْمُنَاجِي مِمَّنْ يُؤْمَنُ وَأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا رَأَى شَاهِدَ الْحَالِ يَقْتَضِي السُّؤَالَ عَنْ ذَلِكَ سَأَلَ وَأَعَانَ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ لِزَوْجَتِهِ وَيُشْهِدَ وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْمَرْأَةِ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ الْعَبْدِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَفِيهِ أَنَّ عَقْدَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ الْأَدَاءِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْعِتْقَ وَأَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَفِيهِ الْبَدَاءَةُ فِي الْخُطْبَةِ بِالْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ وَقَوْلُ أَمَّا بَعْدُ فِيهَا وَالْقِيَامُ فِيهَا وَجَوَازُ تَعَدُّدِ الشُّرُوطِ لِقَوْلِهِ مِائَةَ شَرْطٍ وَأَنَّ الْإِيتَاءَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ السَّيِّدُ سَاقِطٌ عَنْهُ إِذَا بَاعَ مُكَاتَبَهُ لِلْعِتْقِ وَفِيهِ أَنْ لَا كَرَاهَةَ فِي السَّجْعِ فِي الْكَلَامِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدٍ وَلَا مُتَكَلَّفًا وَفِيهِ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ حَالَةً فَارَقَ فِيهَا الْأَحْرَارَ وَالْعَبِيدَ وَفِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُظْهِرُ الْأُمُورَ الْمُهِمَّةَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَيُعْلِنُهَا وَيَخْطُبُ بِهَا عَلَى الْمِنْبَرِ لِإِشَاعَتِهَا وَيُرَاعِي مَعَ ذَلِكَ قُلُوبَ أَصْحَابِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ أَصْحَابَ بَرِيرَةَ بَلْ قَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ وَلِأَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ تَقْرِيرُ شَرْعٍ عَامٍّ لِلْمَذْكُورِينَ وَغَيْرِهِمْ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا بِخِلَافِ قِصَّةِ عَلِيٍّ فِي خِطْبَتِهِ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ فَإِنَّهَا كَانَتْ خَاصَّةً بِفَاطِمَةَ فَلِذَلِكَ عَيَّنَهَا وَفِيهِ حِكَايَةُ الوقائع لِتَعْرِيفِ الْأَحْكَامِ وَأَنَّ اكْتِسَابَ الْمُكَاتَبِ لَهُ لَا لِسَيِّدِهِ وَجَوَازُ تَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ الرَّشِيدَةِ فِي مَالِهَا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا وَمُرَاسَلَتِهَا الْأَجَانِبَ فِي أَمْرِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَذَلِكَ وَجَوَازُ شِرَاءِ السِّلْعَةِ لِلرَّاغِبِ فِي شِرَائِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا لِأَنَّ عَائِشَةَ بَذَلَتْ مَا قُرِّرَ نَسِيئَةً عَلَى جِهَةِ النَّقْدِ مَعَ اخْتِلَافِ الْقِيمَةِ بَيْنَ النَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِدَانَةِ مَنْ لَا مَالَ لَهُ عِنْد حَاجته إِلَيْهِ قَالَ بن بَطَّالٍ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي تَخْرِيجِ الْوُجُوهِ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ حَتَّى بَلَّغُوهَا نَحْوَ مِائَةِ وَجْهٍ وَسَيَأْتِي الْكَثِيرُ مِنْهَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ صنف فِيهِ بن خُزَيْمَة وبن جَرِيرٍ تَصْنِيفَيْنِ كَبِيرَيْنِ أَكْثَرَا فِيهِمَا مِنِ اسْتِنْبَاطِ الْفَوَائِدِ مِنْهَا فَذَكَرَا أَشْيَاءَ.

قُلْتُ وَلَمْ أَقِفْ على تصنيف بن خُزَيْمَة ووقفت على كَلَام بن جَرِيرٍ مِنْ كِتَابِهِ تَهْذِيبِ الْآثَارِ وَلَخَّصْتُ مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ بَلَغَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْفَوَائِدَ مِنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ إِلَى أَرْبَعِمِائَةٍ أَكْثَرُهَا مُسْتَبْعَدٌ مُتَكَلَّفٌ كَمَا وَقَعَ نَظِيرُ ذَلِك للَّذي صَنَّفَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَان فَبلغ بِهِ ألف فَائِدَة وَفَائِدَة