فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب فضل صلاة العصر

( قَولُهُ بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الْعَصْرِ)
أَيْ عَلَى جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ إِلَّا الصُّبْحَ وَإِنَّمَا حَمَلْتُهُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ حَدِيثَيِ الْبَابِ لَا يَظْهَرُ مِنْهُمَا رُجْحَانُ الْعَصْرِ عَلَيْهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْعَصْرَ ذَاتُ فَضِيلَةٍ لَا ذَاتُ أَفْضَلِيَّةٍ



[ قــ :539 ... غــ :554] قَوْله حَدثنَا إِسْمَاعِيل هُوَ بن أبي خَالِد وَقيس هُوَ بن أبي حَازِم وَوَقع عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ إِسْمَاعِيلَ مِنْ قَيْسٍ وَسَمَاعِ قَيْسٍ مِنْ جَرِيرٍ .

     قَوْلُهُ  فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً زَادَ مُسْلِمٌ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَكَذَا لِلْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ خَالٍ مِنَ الْعَنْعَنَةِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ فَضْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ .

     قَوْلُهُ  لَا تُضَامُونَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مُخَفَّفًا أَيْ لَا يَحْصُلُ لَكُمْ ضَيْمٌ حِينَئِذٍ وَرُوِيَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالتَّشْدِيدِ مِنَ الضَّمِّ وَالْمُرَادُ نَفْيُ الِازْدِحَامِ وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَطْعِ أَسْبَابِ الْغَلَبَةِ الْمُنَافِيَةِ لِلِاسْتِطَاعَةِ كَالنَّوْمِ وَالشُّغْلِ وَمُقَاوَمَةِ ذَلِكَ بِالِاسْتِعْدَادِ لَهُ وَقَولُهُ فَافْعَلُوا أَيْ عَدَمَ الْغَلَبَةِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَمَّا ذُكِرَ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ الْمَذْكُورَةِ فَلَا تَغْفُلُوا عَنْ صَلَاةٍ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا زَادَ مُسْلِمٌ يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ وَلِابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَقَبْلَ غُرُوبهَا صَلَاة الْعَصْر.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ قَالَ الْمُهَلَّبُ .

     قَوْلُهُ  فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَنْ صَلَاةٍ أَيْ فِي الْجَمَاعَةِ قَالَ وَخَصَّ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لِاجْتِمَاعِ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمَا وَرَفْعِهِمْ أَعْمَالَ الْعِبَادِ لِئَلَّا يَفُوتَهُمْ هَذَا الْفَضْلُ الْعَظِيمُ.

قُلْتُ وَعُرِفَ بِهَذَا مُنَاسَبَةُ إِيرَادِ حَدِيثِ يَتَعَاقَبُونَ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ تَقْيِيدِ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ فِي جَمَاعَةٍ وَإِنْ كَانَ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ مَعْلُومًا مِنْ أَحَادِيثَ أُخَرَ بَلْ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَتَنَاوَلُ مَنْ صَلَّاهُمَا وَلَوْ مُنْفَرِدًا إِذْ مُقْتَضَاهُ التَّحْرِيضُ عَلَى فِعْلِهِمَا أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ جَمَاعَةً أَوْ لَا .

     قَوْلُهُ  فَافْعَلُوا قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ قَدْ يُرْجَى نَيْلُهَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ اه وَقَدْ يُسْتَشْهَدُ لِذَلِكَ بِمَا أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بن عُمَرَ رَفَعَهُ قَالَ إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّهِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَرَأَ كَذَا فِي جَمِيعِ رِوَايَاتِ الْجَامِعِ وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فِي غَيْرِهِ بِإِبْهَامِ فَاعِلِ قَرَأَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ لَمْ أَرَ ذَلِكَ صَرِيحًا وَحَمَلَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِإِسْنَادِ حَدِيثِ الْبَابِ ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ أَيِ الصَّحَابِيُّ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ فَظَهَرَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي سِيَاقِ حَدِيثِ الْبَابِ وَمَا وَافَقَهُ إِدْرَاجٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَوَجْهُ مُنَاسَبَةِ ذِكْرِ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ عِنْدَ ذِكْرِ الرُّؤْيَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ الطَّاعَاتِ وَقَدْ ثَبَتَ لِهَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ مِنَ الْفَضْلِ عَلَى غَيْرِهِمَا مَا ذُكِرَ مِنَ اجْتِمَاعِ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمَا وَرَفْعِ الْأَعْمَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهُمَا أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ فَنَاسَبَ أَنْ يُجَازِيَ الْمُحَافِظَ عَلَيْهِمَا بِأَفْضَلِ الْعَطَايَا وَهُوَ النَّظَرُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ لَمَّا حَقَّقَ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى بِرُؤْيَةِ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ وَهُمَا آيَتَانِ عَظِيمَتَانِ شُرِعَتْ لِخُسُوفِهِمَا الصَّلَاةُ وَالذِّكْرُ نَاسَبَ مَنْ يُحِبُّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الصَّلَاةِ عِنْدَ غُرُوبِهَا اه وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ وَتَكَلُّفُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ





[ قــ :540 ... غــ :555] .

     قَوْلُهُ  يَتَعَاقَبُونَ أَيْ تَأْتِي طَائِفَةٌ عَقِبَ طَائِفَةٍ ثمَّ تعود الأولى عقب الثَّانِيَة قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّعَاقُبُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ أَوْ رَجُلَيْنِ بِأَنْ يَأْتِيَ هَذَا مَرَّةً وَيَعْقُبُهُ هَذَا وَمِنْهُ تَعْقِيبُ الْجُيُوشِ أَنْ يُجَهِّزَ الْأَمِيرُ بَعْثًا إِلَى مُدَّةٍ ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُمْ فِي الرُّجُوعِ بَعْدَ أَنْ يُجَهِّزَ غَيْرَهُمْ إِلَى مُدَّةٍ ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُمْ فِي الرُّجُوعِ بَعْدَ أَنْ يُجَهِّزَ الْأَوَّلِينَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ يَتَعَاقَبُونَ عَلَامَةُ الْفَاعِلِ الْمُذَكَّرِ الْمَجْمُوعِ عَلَى لُغَةِ بِلْحَارِثِ وَهُمُ الْقَائِلُونَ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ بِحُورَانَ يَعْصِرْنَ السَّلِيطَ أَقَارِبُهُ وَهِيَ لُغَةٌ فَاشِيَةٌ وَعَلَيْهَا حَمَلَ الْأَخْفَشُ قَوْلَهُ تَعَالَى وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا قَالَ وَقَدْ تَعَسَّفَ بَعْضُ النُّحَاةِ فِي تَأْوِيلِهَا وَرَدِّهَا لِلْبَدَلِ وَهُوَ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فَإِنَّ تِلْكَ اللُّغَةَ مَشْهُورَةٌ وَلَهَا وَجْهٌ مِنَ الْقِيَاسِ وَاضِحٌ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ .

     قَوْلُهُ  وأسروا عَائِد على النَّاس الْمَذْكُورين أَولا وَالَّذين ظَلَمُوا بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ أَنَّهُ لَمَّا قِيلَ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى قِيلَ مَنْ هُمْ قَالَ الَّذين ظلمُوا حَكَاهُ الشَّيْخ مُحي الدِّينِ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْدِيرِ وَتَوَارَدَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشُّرَّاحِ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْبَاب من هَذَا الْقَبِيل وَوَافَقَهُمْ بن مَالِكٍ وَنَاقَشَهُ أَبُو حَيَّانَ زَاعِمًا أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ اخْتَصَرَهَا الرَّاوِي وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الْبَزَّارِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ الْحَدِيثَ وَقَدْ سُومِحَ فِي الْعَزْوِ إِلَى مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَالْعَزْوُ إِلَيْهِمَا أَوْلَى وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ الْمَلَائِكَةُ يَتَعَاقَبُونَ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ بِلَفْظِ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي الزِّنَادِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ تَارَةً يَذْكُرُهُ هَكَذَا وَتَارَةً هَكَذَا فَيُقَوِّي بَحْثَ أَبِي حَيَّانَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ الْأَعْرَجِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَدْ رَوَوْهُ تَامًّا فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ لَكِنْ بِحَذْفِ إِنَّ مِنْ أَوله وَأخرجه بن خُزَيْمَةَ وَالسَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَتَعَاقَبُونَ وَهَذِهِ هِيَ الطَّرِيقَةُ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْبَزَّارُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ إِن الْمَلَائِكَة فِيكُم يعتقبون وَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ فَالْعَزْوُ إِلَى الطَّرِيقِ الَّتِي تَتَّحِدُ مَعَ الطَّرِيقِ الَّتِي وَقَعَ الْقَوْلُ فِيهَا أَوْلَى مِنْ طَرِيقٍ مُغَايِرَةٍ لَهَا فَلْيُعْزَ ذَلِكَ إِلَى تَخْرِيجِ الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ لِمَا أَوْضَحْتُهُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَوْله فِيكُمْ أَيِ الْمُصَلِّينَ أَوْ مُطْلَقِ الْمُؤْمِنِينَ قَوْله مَلَائِكَةٌ قِيلَ هُمُ الْحَفَظَةُ نَقَلَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الْجُمْهُور وَتردد بن بَزِيزَةَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُمْ غَيْرُهُمْ وَيُقَوِّيهِ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الْحَفَظَةَ يُفَارِقُونَ الْعَبْدَ وَلَا أَنَّ حَفَظَةَ اللَّيْلِ غَيْرُ حَفَظَةِ النَّهَارِ وَبِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا هُمُ الْحَفَظَةُ لَمْ يَقَعِ الِاكْتِفَاءُ فِي السُّؤَالِ مِنْهُمْ عَنْ حَالَةِ التَّرْكِ دُونَ غَيْرِهَا فِي قَوْلِهِ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي قَوْله وَيَجْتَمِعُونَ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ التَّعَاقُبُ مُغَايِرٌ لِلِاجْتِمَاعِ لَكِنَّ ذَلِكَ مُنَزَّلٌ عَلَى حَالين قلت وَهُوَ ظَاهر.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ الْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ مَعَهُمُ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ وَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ لِلْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّعَاقُبَ يَقَعُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَأَنْ يَقَعَ التَّعَاقُبُ بَيْنَهُمْ فِي النَّوْعِ لَا فِي الشَّخْصِ قَالَ عِيَاضٌ وَالْحِكْمَةُ فِي اجْتِمَاعِهِمْ فِي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادِهِ وَإِكْرَامِهِ لَهُمْ بِأَنْ جَعَلَ اجْتِمَاعَ مَلَائِكَتِهِ فِي حَالِ طَاعَةِ عِبَادِهِ لِتَكُونَ شَهَادَتُهُمْ لَهُمْ بِأَحْسَنِ الشَّهَادَةِ.

قُلْتُ وَفِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ رَجَّحَ أَنَّهُمُ الْحَفَظَةُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِينَ يَصْعَدُونَ كَانُوا مُقِيمِينَ عِنْدَهُمْ مُشَاهِدِينَ لِأَعْمَالِهِمْ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ تَعَالَى لَا يَسْأَلُهُمْ إِلَّا عَنِ الْحَالَةِ الَّتِي تَرَكُوهُمْ عَلَيْهَا مَا ذُكِرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْتُرُ عَنْهُمْ مَا يَعْمَلُونَهُ فِيمَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ لَكِنَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ الْحَفَظَةِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ إِنَّ الصَّلَاةَ إِلَى الصَّلَاةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا فَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ السُّؤَالُ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ عَنْ آخِرِ شَيْءٍ فَارَقُوهُمْ عَلَيْهِ قَوْله ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ لِيَقَعَ عُرُوجُ الْمَلَائِكَةِ إِذَا فَرَغَ مِنْهَا آخِرَ النَّهَارِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ إِذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَا يَصْعَدُونَ إِلَّا سَاعَةَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ بَلْ جَائِزٌ أَنْ تَفْرُغَ الصَّلَاةُ وَيَتَأَخَّرُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ وَلَا مَانِعَ أَيْضًا مِنْ أَنْ تَصْعَدَ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَبَعْضُ النَّهَارِ بَاقٍ وَتُقِيمُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ وَصْفُهُمْ بِالْمَبِيتِ بِقَوْلِهِ بَاتُوا فِيكُمْ لِأَنَّ اسْمَ الْمَبِيتِ صَادِقٌ عَلَيْهِمْ وَلَوْ تَقَدَّمَتْ إِقَامَتَهُمْ بِاللَّيْلِ إقامتهم قِطْعَةٌ مِنَ النَّهَارِ .

     قَوْلُهُ  الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ الِاقْتِصَارِ عَلَى سُؤَالِ الَّذِينَ بَاتُوا دُونَ الَّذِينَ ظَلُّوا فَقِيلَ هُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ بِذِكْرِ أَحَدِ الْمِثْلَيْنِ عَنِ الْآخَرِ كَقَوْلِه تَعَالَى فَذكر إِن نَفَعت الذكرى أَيْ وَإِنْ لَمْ تَنْفَعْ وَقَولُهُ تَعَالَى سَرَابِيلَ تقيكم الْحر أَي وَالْبرد وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بن التِّينِ وَغَيْرُهُ ثُمَّ قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ يُعْلَمُ مِنْ حُكْمِ طَرَفَيِ اللَّيْلِ فَلَوْ ذَكَرَهُ لَكَانَ تَكْرَارًا ثُمَّ قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى هَذَا الشِّقِّ دُونَ الْآخَرِ أَنَّ اللَّيْلَ مَظِنَّةُ الْمَعْصِيَةِ فَلَمَّا لَمْ يَقَعْ مِنْهُمْ عِصْيَانٌ مَعَ إِمْكَانِ دَوَاعِي الْفِعْلِ مِنْ إِمْكَانِ الْإِخْفَاءِ وَنَحْوِهِ وَاشْتَغَلُوا بِالطَّاعَةِ كَانَ النَّهَارُ أَوْلَى بِذَلِكَ فَكَانَ السُّؤَالُ عَنِ اللَّيْلِ أَبْلَغَ مِنَ السُّؤَالِ عَنِ النَّهَارِ لِكَوْنِ النَّهَارِ مَحَلَّ الِاشْتِهَارِ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَلَائِكَةَ اللَّيْلِ إِذَا صَلَّوْا الْفَجْرَ عَرَجُوا فِي الْحَالِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ إِذَا صَلَّوْا الْعَصْرَ لَبِثُوا إِلَى آخِرِ النَّهَارِ لِضَبْطِ بَقِيَّةِ عَمَلِ النَّهَارِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن مَلَائِكَة النَّهَار لَا يسئلون عَنْ وَقْتِ الْعَصْرِ وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُمُ الْحَفَظَةُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا سَنُبَيِّنُهُ وَقِيلَ بَنَاهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُمُ الْحَفَظَةُ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ فَقَطْ وَهُمْ لَا يَبْرَحُونَ عَنْ مُلَازَمَةِ بَنِي آدَمَ وَمَلَائِكَةُ اللَّيْلِ هُمُ الَّذِينَ يَعْرُجُونَ وَيَتَعَاقَبُونَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ قَالَ يَلْتَقِي الْحَارِسَانِ أَيْ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَيُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَتَلْبَثُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعُرُوجُ إِنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ خَاصَّةً.
وَأَمَّا النُّزُولُ فَيَقَعُ فِي الصَّلَاتَيْنِ مَعًا وَفِيهِ التَّعَاقُبُ وَصُورَتُهُ أَنْ تَنْزِلَ طَائِفَةٌ عِنْدَ الْعَصْرِ وَتَبِيتُ ثُمَّ تَنْزِلُ طَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ عِنْدَ الْفَجْرِ فَيَجْتَمِعُ الطَّائِفَتَانِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فَقَطْ وَيَسْتَمِرُّ الَّذِينَ نَزَلُوا وَقْتَ الْفَجْرِ إِلَى الْعَصْرِ فَتَنْزِلُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيَحْصُلُ اجْتِمَاعُهُمْ عِنْدَ الْعَصْرِ أَيْضًا وَلَا يَصْعَدُ مِنْهُمْ أَحَدٌ بَلْ تَبِيتُ الطَّائِفَتَانِ أَيْضًا ثُمَّ تَعْرُجُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ فَتَصِحُّ صُورَةُ التَّعَاقُبِ مَعَ اخْتِصَاصِ النُّزُولِ بِالْعَصْرِ وَالْعُرُوجُ بِالْفَجْرِ فَلِهَذَا خَصَّ السُّؤَالَ بِالَّذِينَ بَاتُوا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَهْمٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي طُرُقٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ الِاجْتِمَاعَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ قَالَ فِيهِ وَتَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفجْر قَالَ أَبُو هُرَيْرَة وأقرؤا إِنْ شِئْتُمْ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مشهودا وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِن قرأن الْفجْر كَانَ مشهودا قَالَ تشهده مَلَائِكَة اللَّيْل وَالنَّهَار وروى بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَيْسَ فِي هَذَا دَفْعٌ لِلرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْعَصْرِ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِ الْعَصْرِ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الْآخَرِ عَدَمَ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْعَصْرِ لِأَنَّ الْمَسْكُوتَ عَنْهُ قَدْ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ بِدَلِيلٍ آخَرَ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِاقْتِصَارُ وَقَعَ فِي الْفَجْرِ لِكَوْنِهَا جَهْرِيَّةٌ وَبَحْثُهُ الْأَوَّلُ مُتَّجَهٌ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى ادِّعَاءِ تَوْهِيمِ الرَّاوِي الثِّقَةِ مَعَ إِمْكَانِ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَلَا سِيَّمَا أَنَّ الزِّيَادَةَ مِنَ الْعَدْلِ الضَّابِطِ مَقْبُولَةٌ وَلِمَ لَا يُقَالُ إِنَّ رِوَايَةَ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ سُؤَالَ الَّذِينَ أَقَامُوا فِي النَّهَارِ وَاقِعٌ مِنْ تَقْصِيرِ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَوْ يُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْمَبِيتِ بِاللَّيْلِ وَالْإِقَامَةِ بِالنَّهَارِ فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِلَيْلٍ دُونَ نَهَارٍ وَلَا عَكْسِهِ بَلْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ إِذَا صَعِدَتْ سُئِلَتْ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ بَاتَ فِي أَقَامَ مَجَازًا وَيَكُونُ .

     قَوْلُهُ  فَيَسْأَلُهُمْ أَيْ كُلًّا مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصْعَدُ فِيهِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْحَمْلِ رِوَايَةُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَلَفْظُهُ ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ كَانُوا فِيكُمْ فَعَلَى هَذَا لَمْ يَقَعْ فِي الْمَتْنِ اخْتِصَارٌ وَلَا اقْتِصَارٌ وَهَذَا أَقْرَبُ الْأَجْوِبَةِ وَقَدْ وَقَعَ لَنَا هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَاضِحًا وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِسُؤَالِ كُلٍّ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ جَمِيعًا عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى عَنْ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَتَبِيتُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ فَتَصْعَدُ مَلَائِكَةُ النَّهَارِ وَتَبِيتُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي الْحَدِيثَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُزِيلُ الْإِشْكَالَ وَتُغْنِي عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ وَيُحْمَلُ مَا نَقَصَ مِنْهَا عَلَى تَقْصِيرِ بَعْضِ الرُّوَاةِ قَوْله فَيَسْأَلُهُمْ قِيلَ الْحِكْمَةُ فِيهِ اسْتِدْعَاءُ شَهَادَتِهِمْ لِبَنِي آدَمَ بِالْخَيْرِ وَاسْتِنْطَاقِهِمْ بِمَا يَقْتَضِي التَّعَطُّفَ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ لِإِظْهَارِ الْحِكْمَةِ فِي خَلْقِ نَوْعِ الْإِنْسَانِ فِي مُقَابَلَةِ مَنْ قَالَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ أَيْ وَقَدْ وُجِدَ فِيهِمْ مَنْ يُسَبِّحُ وَيُقَدِّسُ مِثْلَكُمْ بِنَصِّ شَهَادَتِكُمْ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ هَذَا السُّؤَالُ عَلَى سَبِيلِ التَّعَبُّدِ لِلْمَلَائِكَةِ كَمَا أُمِرُوا أَنْ يَكْتُبُوا أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم من الْجَمِيع بِالْجَمِيعِ قَوْله كَيفَ تركْتُم عبَادي قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ آخِرِ الْأَعْمَالِ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِخَوَاتِيمِهَا قَالَ وَالْعِبَادُ الْمَسْئُولُ عَنْهُمْ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ قَوْله تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ لَمْ يراعوا التَّرْتِيب الوجودى لأَنهم بدؤا بِالتَّرْكِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُمْ طَابَقُوا السُّؤَالَ لِأَنَّهُ قَالَ كَيْفَ تَرَكْتُمْ وَلِأَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ صَلَاةُ الْعِبَادِ وَالْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا فَنَاسَبَ ذَلِكَ إِخْبَارَهُمْ عَنْ آخِرِ عَمَلِهِمْ قَبْلَ أَوَّلِهِ وَقَولُهُ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ فَارَقُوهُمْ عِنْدَ شُرُوعِهِمْ فِي الْعَصْرِ سَوَاءٌ تَمَّتْ أَمْ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ إِتْمَامِهَا وَسَوَاءٌ شَرَعَ الْجَمِيعُ فِيهَا أَمْ لَا لِأَنَّ الْمُنْتَظِرَ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ أَيْ ينتظرون صَلَاة الْمغرب.

     وَقَالَ  بن التِّينِ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَاوُ الْحَالِ أَيْ تَرَكْنَاهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ وَلَا يُقَالُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُمْ فَارَقُوهُمْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَشْهَدُوهَا مَعَهُمْ وَالْخَبَرُ نَاطِقٌ بِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَهَا لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ شَهِدُوا الصَّلَاةَ مَعَ مَنْ صَلَّاهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَشَهِدُوا مَنْ دَخَلَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَمَنْ شَرَعَ فِي أَسْبَابِ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُفَارِقَ الشَّخْصُ شَيْئًا مِنْ أُمُورِهِ إِلَّا وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ كَشَعْرِهِ إِذَا حَلَقَهُ وَظُفْرِهِ إِذَا قَلَّمَهُ وَثَوْبِهِ إِذَا أَبْدَلَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  بن أَبِي جَمْرَةَ أَجَابَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَكْثَرَ مِمَّا سُئِلُوا عَنْهُ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ سُؤَالٌ يَسْتَدْعِي التَّعَطُّفَ عَلَى بَنِي آدَمَ فَزَادُوا فِي مُوجِبِ ذَلِكَ قلت وَوَقع فِي صَحِيح بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَاغْفِرْ لَهُمْ يَوْمَ الدِّينِ قَالَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الصَّلَاةَ أَعْلَى الْعِبَادَاتِ لِأَنَّهُ عَنْهَا وَقَعَ السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ وَفِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى عِظَمِ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ لِكَوْنِهِمَا تَجْتَمِعُ فِيهِمَا الطَّائِفَتَانِ وَفِي غَيْرِهِمَا طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْإِشَارَةُ إِلَى شَرَفِ الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الرِّزْقَ يُقَسَّمُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَنَّ الْأَعْمَالَ تُرْفَعُ آخِرَ النَّهَارِ فَمَنْ كَانَ حِينَئِذٍ فِي طَاعَةٍ بُورِكَ فِي رِزْقِهِ وَفِي عَمَلِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حِكْمَةُ الْأَمْرِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِمَا وَالِاهْتِمَامِ بِهِمَا وَفِيهِ تَشْرِيفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى غَيْرِهَا وَيَسْتَلْزِمُ تَشْرِيفَ نَبِيِّهَا عَلَى غَيْرِهِ وَفِيهِ الْإِخْبَارُ بِالْغُيُوبِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ زِيَادَةُ الْإِيمَانِ وَفِيهِ الْإِخْبَارُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ضَبْطِ أَحْوَالِنَا حَتَّى نَتَيَقَّظَ وَنَتَحَفَّظَ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَنَفْرَحَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِقُدُومِ رُسُلِ رَبِّنَا وَسُؤَالِ رَبِّنَا عَنَّا وَفِيهِ إِعْلَامُنَا بِحُبِّ مَلَائِكَةِ اللَّهِ لَنَا لِنَزْدَادَ فِيهِمْ حُبًّا وَنَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِذَلِكَ وَفِيهِ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ مَلَائِكَتِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ قَوْلِهِ ثُمَّ يَعْرُجُ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى