فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الجهر بقراءة صلاة الفجر

( قَولُهُ بَابُ الْجَهْرِ بِقِرَاءَةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ)
وَلِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلتَّرْجَمَةِ الْمَاضِيَةِ وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّهَا تُسَمَّى بِالْأَمْرَيْنِ .

     قَوْلُهُ  وقَالتْ أُمُّ سَلَمَةَ إِلَخْ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ طَوَافِ النِّسَاءِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ شَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَشْتَكِي أَيْ أَنَّ بِهَا مَرَضًا فَقَالَ طُوفِي وَرَاءَ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ قَالَتْ فَطُفْتُ حِينَئِذٍ وَالنَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الْحَدِيثَ وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الصَّلَاةَ حِينَئِذٍ كَانَتِ الصُّبْحَ وَلَكِنْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى أَوْرَدَهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَبْوَابٍ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا الْغَسَّانِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَلَفْظُهُ فَقَالَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ لِلصُّبْحِ فَطُوفِي وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حَسَّانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ وَأما مَا أخرجه بن خُزَيْمَة من طَرِيق بن وهب عَن مَالك وبن لَهِيعَةَ جَمِيعًا عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فِيهِ قَالَتْ وَهُوَ يَقْرَأُ فِي الْعشَاء الْآخِرَة فشاذ وأظن سِيَاقه لفظ بن لَهِيعَة لِأَن بن وَهْبٍ رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ فَلَمْ يُعَيِّنِ الصَّلَاةَ كَمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ كُلُّهُمْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّآتِ لَهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَة عَن مَالك مِنْهَا رِوَايَة بن وَهْبٍ الْمَذْكُورَةُ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَابْنُ لَهِيعَةَ لَا يَحْتَجُّ بِهِ إِذَا انْفَرَدَ فَكَيْفَ إِذَا خَالَفَ وَعُرِفَ بِهَذَا انْدِفَاعُ الِاعْتِرَاضِ الَّذِي حَكَاهُ بن التِّينِ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ حَيْثُ أَنْكَرَ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ الْمَذْكُورَةُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَقَالَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُهَا وَالْأَوْلَى أَنْ تُحْمَلَ عَلَى النَّافِلَةِ لِأَنَّ الطَّوَافَ يَمْتَنِعُ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ انْتَهَى وَهُوَ رَدٌّ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ بَلْ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ مَا مَنَعَهُ بَلْ يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ التَّفْصِيلُ فَنَقُولُ إِنْ كَانَ الطَّائِفُ بِحَيْثُ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّينَ فَيَمْتَنِعُ كَمَا قَالَ وَإِلَّا فَيَجُوزُ وَحَالُ أُمِّ سَلَمَةَ هُوَ الثَّانِي لِأَنَّهَا طَافَتْ مِنْ وَرَاءِ الصُّفُوفِ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِي الْفَرِيضَةِ لَيْسَتْ فَرْضًا عَلَى الْأَعْيَانِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ حِينَئِذٍ شَاكِيَةً فَهِيَ مَعْذُورَةٌ أَوِ الْوُجُوبُ يَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ مَبَاحِثِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

     وَقَالَ  بن رَشِيدٍ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ نَصٌّ عَلَى مَا تُرْجِمَ لَهُ مِنَ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ إِلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِالِاسْتِنْبَاطِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ قَوْلَهَا طُفْتُ وَرَاءَ النَّاسِ يَسْتَلْزِمُ الْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ سَمَاعُهَا لِلطَّائِفِ مِنْ وَرَائِهِمْ إِلَّا إِنْ كَانَتْ جَهْرِيَّةً قَالَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ إِطْلَاقِ قَرَأَ وَإِرَادَةُ جَهَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثمَّ ذكر البُخَارِيّ حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ سَمَاعِ الْجِنِّ الْقُرْآنَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ مِنَ التَّفْسِيرِ وَيَأْتِي بَيَانُ عُكَاظٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي شَرْحِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَيْضًا كَانَتْ عُكَاظٌ مِنْ أَسْوَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ الْحَدِيثَ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ هُنَا



[ قــ :752 ... غــ :773] .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْجَهْرِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا أُمِرَ وَسَكَتَ فِيمَا أُمِرَ وَمَا كَانَ رَبك نسيا لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِطْلَاقِ قَرَأَ عَلَى جَهَرَ لَكِنْ كَانَ يَبْقَى خُصُوصُ تَنَاوُلِ ذَلِكَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَيُسْتَفَادُ ذَلِكَ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ هَذَا الْإِجْمَالُ هُنَا مُفَسَّرٌ بِالْبَيَانِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ لِأَنَّ الْمُحَدِّثَ بهما وَاحِد أَشَارَ إِلَى ذَلِك بن رَشِيدٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْبُخَارِيِّ بِهَذَا خَتْمَ تَرَاجِمِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ إِشَارَةً مِنْهُ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ هُوَ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُغَيِّرَ شَيْئًا مِمَّا صَنَعَهُ.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيّ إِيرَاد حَدِيث بن عَبَّاسٍ هُنَا يُغَايِرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِثْبَاتِ الْقِرَاءَة فِي الصَّلَوَات لِأَن مَذْهَب بن عَبَّاسٍ كَانَ تَرْكَ الْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّيَّةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ لَيْسَ فِيهِ دلَالَة على التّرْك وَأما بن عَبَّاسٍ فَكَانَ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ تَارَةً وَيَنْفِي الْقِرَاءَةَ أُخْرَى وَرُبَّمَا أَثْبَتَهَا أَمَّا نَفْيُهُ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا لَهُ هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقْرَأ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ لَا قِيلَ لَعَلَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي نَفْسِهِ قَالَ هَذِهِ شَرٌّ مِنَ الْأُولَى كَانَ عَبْدًا مَأْمُورًا بَلَّغَ مَا أُمِرَ بِهِ.
وَأَمَّا شَكُّهُ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَالطَّبَرِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ مَا أَدْرِي أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَمْ لَا انْتَهَى وَقَدْ أَثْبَتَ قِرَاءَتَهُ فِيهِمَا خَبَّابٌ وَأَبُو قَتَادَةَ وَغَيْرُهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ فَرِوَايَتُهُمْ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَنْ نَفَى فَضْلًا عَلَى مَنْ شَكَّ وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ بِإِيرَادِ هَذَا إِقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَيُقَالُ لَهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَرَأَ فَيَلْزَمُكَ أَنْ تَقْرَأَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ جَاءَ عَنِ بن عَبَّاسٍ إِثْبَاتُ ذَلِكَ أَيْضًا رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ أبي الْعَالِيَة الْبَراء قَالَ سَأَلت بن عَبَّاسٍ أَقَرَأَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ هُوَ أَمَامَكَ اقْرَأْ مِنْهُ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ أخرجه بن الْمُنْذِرِ وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ هُوَ بن إِبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ .

     قَوْلُهُ  وَمَا كَانَ رَبك نسيا وَلَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُنَزِّلَ بَيَانَ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَكُونَ قُرْآنًا يُتْلَى لَفَعَلَ وَلَمْ يَتْرُكْهُ عَنْ نِسْيَانٍ وَلَكِنَّهُ وَكَلَ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إِلَى بَيَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ شَرَعَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ قَالَ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ أَفْعَالِهِ الَّتِي هِيَ لِبَيَانِ مُجْمَلِ الْكِتَابِ وَقَولُهُ أُسْوَة بِكَسْر الْهمزَة وَضمّهَا أَي قدوة