فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الأكفاء في الدين

( قَولُهُ بَابُ الْأَكْفَاءِ)
فِي الدِّينِ جَمْعُ كُفْءٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ الْمِثْلُ وَالنَّظِيرُ وَاعْتِبَارُ الْكَفَاءَةِ فِي الدِّينِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَلَا تَحِلُّ الْمُسْلِمَةُ لِكَافِرٍ أَصْلًا .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وصهرا الْآيَةَ قَالَ الْفَرَّاءُ النَّسَبُ مَنْ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُ وَالصِّهْرُ مَنْ يَحِلُّ نِكَاحُهُ فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّا رَأَى الْحَصْرَ وَقَعَ بِالْقِسْمَيْنِ صَلُحَ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ لِوُجُودِ الصَّلَاحِيَّةِ إِلَّا مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِهِ وَهُوَ اسْتِثْنَاءُ الْكَافِرِ وَقَدْ جَزَمَ بِأَنَّ اعْتِبَارَ الْكَفَاءَةِ مُخْتَصٌّ بِالدِّينِ مَالِكٌ وَنُقِلَ عَن بن عمر وبن مَسْعُودٍ وَمِنَ التَّابِعِينَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاعْتَبَرَ الْكَفَاءَةَ فِي النَّسَبِ الْجُمْهُورُ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ قُرَيْشٌ أَكْفَاءُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَالْعَرَبُ كَذَلِكَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ كُفْأً لِقُرَيْشٍ كَمَا لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ كُفْأً لِلْعَرَبِ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالصَّحِيحُ تَقْدِيمُ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَمَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ أَكْفَاءُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.

     وَقَالَ  الثَّوْرِيُّ إِذَا نَكَحَ الْمَوْلَى الْعَرَبِيَّةَ يُفْسَخُ النِّكَاحُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَتَوَسَّطَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ لَيْسَ نِكَاحُ غَيْرِ الْأَكْفَاءِ حَرَامًا فَأَرُدُّ بِهِ النِّكَاحَ وَإِنَّمَا هُوَ تَقْصِيرٌ بِالْمَرْأَةِ وَالْأَوْلِيَاءِ فَإِذَا رَضُوا صَحَّ وَيَكُونُ حَقًّا لَهُمْ تَرَكُوهُ فَلَوْ رَضُوا إِلَّا وَاحِدًا فَلَهُ فَسْخُهُ وَذَكَرَ أَنَّ الْمَعْنَى فِي اشْتِرَاطِ الْوِلَايَةِ فِي النِّكَاحِ كَيْلَا تُضَيِّعَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فِي غَيْرِ كُفْءٍ انْتَهَى وَلَمْ يَثْبُتْ فِي اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ بِالنَّسَبِ حَدِيثٌ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ رَفَعَهُ الْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ وَالْمَوَالِي بَعْضُهُمْ أَكْفَاءُ بَعْضٍ فَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيّ بِحَدِيث وائلة مَرْفُوعًا إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى بَنِي كِنَانَةَ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ الْحَدِيثَ وَهُوَ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ لَكِنْ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ لِذَلِكَ نَظَرٌ لَكِنْ ضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَيْهِ حَدِيثَ قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تقدموها وَنقل بن الْمُنْذِرِ عَنِ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ الْكَفَاءَةُ فِي الدِّينِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَنَقَلَ الْأَبْزَى عَنِ الرَّبِيعِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الشَّافِعِيَّ عَنْهُ فَقَالَ أَنَا عَرَبِيٌّ لَا تَسْأَلْنِي عَنْ هَذَا ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ عَائِشَةَ



[ قــ :4816 ... غــ :5088] .

     قَوْلُهُ  أَنَّ أَبَا حُذَيْفَة اسْمه مهشم على الْمَشْهُور وَقيل هَاشم وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ خَالُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ .

     قَوْلُهُ  تَبَنَّى بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ بَعْدَهَا أَلِفٌ أَيِ اتَّخَذَهُ وَلَدًا وَسَالم هُوَ بن مَعْقِلٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَلَمْ يَكُنْ مَوْلَاهُ وَإِنَّمَا كَانَ يُلَازِمُهُ بَلْ كَانَ مِنْ حُلَفَائِهِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَكَانَ اسْتِشْهَادُ أَبِي حُذَيْفَةَ وَسَالِمٍ جَمِيعًا يَوْمَ الْيَمَامَةِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ .

     قَوْلُهُ  وَأَنْكَحَهُ أَيْ زَوَّجَهُ هِنْدًا كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَوَقَعَ عِنْدَ مَالِكٍ فَاطِمَةَ فَلَعَلَّ لَهَا اسْمَيْنِ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ أَحَدُ مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ كَافِرًا وَقَولُهُ بِنْتُ أَخِيهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّة هُوَ الصَّحِيح وَحكى بن التِّينِ أَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ وَهُوَ غَلَطٌ .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ مَوْلَى امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ تَقَدَّمَ بَيَانُ اسْمِهَا فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ .

     قَوْلُهُ  كَمَا تَبَنَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا أَيِ بن حَارِثَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ خَبَرُهُ بِذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ .

     قَوْلُهُ  فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ أَبٌ بِضَمِّ أَوَّلِ يُعْلَمُ وَفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ .

     قَوْلُهُ  كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِي الدِّينِ لَعَلَّ فِي هَذَا إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِمْ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَإِنَّ سَالِمًا لَمَّا نَزَلَتْ ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُعْلَمُ لَهُ أَبٌ فَقِيلَ لَهُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ .

     قَوْلُهُ  إِنَّا كُنَّا نَرَى بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ نَعْتَقِدُ .

     قَوْلُهُ  سَالِمًا وَلَدًا زَادَ الْبَرْقَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَكَانَ يَأْوِي مَعِي وَمَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَيَرَانِي فُضُلًا وَفُضُلًا بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْمُعْجَمَةِ أَيْ مُتَبَذِّلَةً فِي ثِيَابِ الْمِهْنَةِ يُقَالُ تَفَضَّلَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا فَعَلَتْ ذَلِك هَذَا قَوْله الْخطابِيّ وَتَبعهُ بن الْأَثِيرِ وَزَادَ وَكَانَتْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ الْخَلِيلُ رَجُلٌ فُضُلٌ مُتَوَشِّحٌ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ قَالَ فَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَهِي منكشف بَعْضهَا وَعَن بن وَهْبٍ فُضُلٌ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ وَالصَّدْرِ وَقِيلَ الْفُضُلُ الَّذِي عَلَيْهِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَلَا إِزَارَ تَحْتَهُ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الصِّحَاحِ تَفَضَّلَتِ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا إِذَا كَانَتْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ كَقَمِيصٍ لَا كُمَّيْنِ لَهُ .

     قَوْلُهُ  وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مَا قَدْ عَلِمْتَ أَيِ الْآيَةَ الَّتِي سَاقَهَا قبل وَهِي ادعوهُمْ لِآبَائِهِمْ وَقَوله وَمَا جعل ادعياءكم ابناءكم .

     قَوْلُهُ  فَذَكَرَ الْحَدِيثَ سَاقَ بَقِيَّتَهُ الْبَرْقَانِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ فَكَيْفَ تَرَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضِعِيهِ فَأَرْضَعَتْهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَأْمُرُ بَنَاتِ إِخْوَتِهَا وَبَنَاتِ أَخَوَاتِهَا أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ عَائِشَةَ أَنْ يَرَاهَا وَيَدْخُلَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا خَمْسَ رَضَعَاتٍ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَأَبَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَرْضَعَ فِي الْمَهْدِ وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ وَاللَّهِ مَا نَدْرِي لَعَلَّهَا رُخْصَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ دُونَ النَّاسِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ فَيَّاضِ بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ فِيهِ مَعَ عُرْوَةَ أَبُو عَائِذِ اللَّهِ بْنُ رَبِيعَةَ وَمَعَ عَائِشَةَ أُمُّ سَلَمَةَ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا الْبُخَارِيُّ فِي إِسْنَادِهِ.

قُلْتُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ بَكَّارٍ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ مُخْتَصَرًا كَرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ وَاخْتَصَرَ الْمَتْنَ أَيْضًا وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ عَن عُرْوَة وبن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ كَمَا تَرَى وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ ربيعَة والذهلي من طَرِيق بن أَخِي الزُّهْرِيِّ كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا قَالَ عقيل وَكَذَا أخرجه مَالك وبن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ لَكِنَّهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ مُرْسَلٌ وَخَالَفَ الْجَمِيعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ قَالَ الذُّهْلِيُّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كلهَا عندنَا مَحْفُوظَة الا رِوَايَة بن مُسَافِرٍ فَانَّهَا غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ أَيْ ذِكْرُ عَمْرَةَ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ وَالرَّجُلُ الْمَذْكُورُ مَعَ عُرْوَةَ لَا أَعْرِفُهُ إِلَّا أَنَّنِي أَتَوَهَّمُ أَنَّهُ إِبْرَاهِيمُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ فَانَّ أُمَّهُ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ أبي بكر فَهُوَ بن أُخْت عَائِشَة كَمَا أَن عُرْوَة بن اخْتِهَا وَقَدْ رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ حَدِيثَيْنِ غَيْرَ هَذَا قَالَ وَهُوَ بِرِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أشبه حَيْثُ قَالَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ فَنَسَبَهُ لِجَدِّهِ وَأما قَول شُعَيْب أَبُو عَائِذِ اللَّهِ فَهُوَ مَجْهُولٌ.

قُلْتُ لَعَلَّهَا كُنْيَةُ إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورِ وَقَدْ نَقَلَ الْمِزِّيُّ فِي التَّهْذِيبِ قَوْلَ الذُّهْلِيِّ هَذَا وَأَقَرَّهُ وَخَالَفَ فِي الْأَطْرَافِ فَقَالَ أَظُنُّهُ الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ يَعْنِي عَمَّ إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورِ وَالَّذِي أَظُنُّ أَنَّ قَوْلَ الذُّهْلِيِّ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ فَانَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرِ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَكَأَنَّ مَا عَدَاهُ تَصْحِيفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ وَمِنْ طَرِيقِ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ فَلَهُ أَصْلٌ مِنْ حَدِيثِهِمَا فَفِي رِوَايَةٍ لِلْقَاسِمِ عِنْدَهُ جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ وَهُوَ حَلِيفُهُ فَقَالَ أَرْضِعِيهِ فَقَالَتْ وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ فَتَبَسَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

     وَقَالَ  قَدْ عَلِمْتِ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ وَفِي لَفْظٍ فَقَالَتْ إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالِ وَأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ زَيْنَبَ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ لِعَائِشَةَ إِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكِ الْغُلَامُ الَّذِي مَا أُحِبُّ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ فَقَالَتْ أَمَا لَكِ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةٌ إِنَّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ فَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا وَفِي رِوَايَةِ الْغُلَامِ الَّذِي قَدِ اسْتَغْنَى عَن الرضَاعَة وفيهَا فَقَالَ ارضعيه قَالَتْ إِنَّهُ ذُو لِحْيَةٍ فَقَالَ أَرْضِعِيهِ يَذْهَبْ مَا فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَتْ فَوَاللَّهِ مَا عَرَفْتُهُ فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ وَفِي لَفْظٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إِلَّا رُخْصَةً لِسَالِمٍ فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ وَلَا رائينا.

قُلْتُ وَهَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ حَفْصَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَبْوَابِ الرَّضَاعِ وَنَذْكُرُ هُنَاكَ حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي إِرْضَاعَ الْكَبِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيَّةِ بِنْتُ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي أَبْوَابِ الْمُحْصَرِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَقَولُهُ





[ قــ :4817 ... غــ :5089] فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا أَجِدُنِي أَيْ مَا أَجِدُ نَفْسِي وَاتِّحَادُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ مَعَ كَوْنِهِمَا ضَمِيرَيْنِ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ مِنْ خَصَائِصِ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْيَمِينِ فِي دَرَجِ الْكَلَامِ بِغَيْرِ قَصْدٍ وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْمِرَ زَوْجَهَا فِي حَجِّ الْفَرْضِ كَذَا قِيلَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُهَا أَنْ يَسْقُطَ عَنْهَا اسْتِئْذَانُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي آخِرِهِ وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ ظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ وَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ فَانَّ الْمِقْدَاد وَهُوَ بن عَمْرٍو الْكِنْدِيُّ نُسِبَ إِلَى الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ الزُّهْرِيِّ لِكَوْنِهِ تَبَنَّاهُ فَكَانَ مِنْ حُلَفَاءِ قُرَيْشٍ وَتَزَوَّجَ ضُبَاعَةَ وَهِيَ هَاشِمِيَّةٌ فَلَوْلَا أَنَّ الْكَفَاءَةَ لَا تُعْتَبَرُ بِالنَّسَبِ لَمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِأَنَّهَا فَوْقَهُ فِي النَّسَبِ وَلِلَّذِي يَعْتَبِرُ الْكَفَاءَةَ فِي النَّسَبِ أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّهَا رَضِيَتْ هِيَ وَأَوْلِيَاؤُهَا فَسَقَطَ حَقُّهُمْ مِنَ الْكَفَاءَةِ وَهُوَ جَوَابٌ صَحِيحٌ إِنْ ثَبَتَ أَصْلُ اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ فِي النَّسَبِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ





[ قــ :4818 ... غــ :5090] .

     قَوْلُهُ  تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ أَيْ لِأَجْلِ أَرْبَعٍ .

     قَوْلُهُ  لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ أَيْ شَرَفِهَا وَالْحَسَبُ فِي الْأَصْلِ الشَّرَفُ بِالْآبَاءِ وَبِالْأَقَارِبِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحِسَابِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَفَاخَرُوا عَدُّوا مَنَاقِبَهَمْ وَمَآثِرَ آبَائِهِمْ وَقَوْمِهِمْ وَحَسَبُوهَا فَيُحْكَمُ لِمَنْ زَادَ عَدَدُهُ عَلَى غَيْرِهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحَسَبِ هُنَا الْفِعَالُ الْحَسَنَةُ وَقِيلَ الْمَالُ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِذِكْرِ الْمَالِ قَبْلَهُ وَذَكَرَهُ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَلَى دِينِهَا وَمَالِهَا وَعَلَى حَسَبِهَا وَنَسَبِهَا وَذِكْرُ النَّسَبِ عَلَى هَذَا تَأْكِيدٌ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الشَّرِيفَ النَّسِيبَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ نَسِيبَةً إِلَّا أَنْ تُعَارِضَ نَسِيبَةً غَيْرُ دَيِّنَةٍ وَغَيْرَ نَسِيبَةٍ دَيِّنَةٌ فَتُقَدَّمُ ذَاتُ الدِّينِ وَهَكَذَا فِي كُلِّ الصِّفَاتِ.
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَكُونَ الْمَرْأَةُ ذَاتَ قَرَابَةٍ قَرِيبَةٍ فَانْ كَانَ مُسْتَنِدًا إِلَى الْخَبَرِ فَلَا أَصْلَ لَهُ أَوْ إِلَى التَّجْرِبَةِ وَهُوَ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْوَلَدَ بَيْنَ الْقَرِيبَيْنِ يَكُونُ أَحْمَقَ فَهُوَ مُتَّجِهٌ وَأما مَا أخرجه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَفَعَهُ إِنَّ أَحْسَابَ أَهْلِ الدُّنْيَا الَّذِي يَذْهَبُونَ الَيْهِ الْمَالُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ حَسَبُ مَنْ لَا حَسَبَ لَهُ فَيَقُومُ النَّسَبُ الشَّرِيفُ لِصَاحِبِهِ مَقَامَ الْمَالِ لِمَنْ لَا نَسَبَ لَهُ وَمِنْهُ حَدِيثُ سَمُرَةَ رَفَعَهُ الْحَسَبُ الْمَالُ وَالْكَرَمُ التَّقْوَى أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ هُوَ وَالْحَاكِمُ وَبِهَذَا الْحَدِيثِ تَمَسَّكَ مَنِ اعْتَبَرَ الْكَفَاءَةَ بِالْمَالِ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ أَوْ أَنَّ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الدُّنْيَا رِفْعَةً مَنْ كَانَ كَثِيرَ الْمَالِ وَلَوْ كَانَ وَضِيعًا وَضِعَةً مَنْ كَانَ مُقِلًّا وَلَوْ كَانَ رَفِيعَ النَّسَبِ كَمَا هُوَ موحود مُشَاهَدٌ فَعَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنَ الْحَدِيثِ اعْتِبَارُ الْكَفَاءَةِ بِالْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ لَا عَلَى الثَّانِي لِكَوْنِهِ سِيقَ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْحَسَبِ اقْتَصَرَ عَلَى الدِّينِ وَالْمَالِ وَالْجَمَالِ .

     قَوْلُهُ  وَجَمَالِهَا يُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ تَزَوُّجِ الْجَمِيلَةِ إِلَّا أَنْ تُعَارِضَ الْجَمِيلَةَ الْغَيْرُ دَيِّنَةٍ وَالْغَيْرَ جَمِيلَةٍ الدِّينَةُ نَعَمْ لَوْ تَسَاوَتَا فِي الدِّينِ فَالْجَمِيلَةُ أَوْلَى وَيَلْتَحِقُ بِالْحَسَنَةِ الذَّاتُ الْحَسَنَةُ الصِّفَاتِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ خَفِيفَةَ الصَّدَاقِ .

     قَوْلُهُ  فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّائِقَ بِذِي الدِّينِ وَالْمُرُوءَةِ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ مَطْمَحَ نَظَرِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ لَا سِيَّمَا فِيمَا تَطُولُ صُحْبَتُهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحْصِيلِ صَاحِبَةِ الدِّينِ الَّذِي هُوَ غَايَةُ الْبُغْيَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ بن مَاجَهْ رَفَعَهُ لَا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ أَيْ يُهْلِكَهُنَّ وَلَا تَزَوَّجُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ وَلَأَمَةٌ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ .

     قَوْلُهُ  تَرِبَتْ يَدَاكَ أَيْ لَصِقَتَا بِالتُّرَابِ وَهِيَ كِنَايَة عَن الْفقر وَهُوَ خير بِمَعْنَى الدُّعَاءِ لَكِنْ لَا يُرَادُ بِهِ حَقِيقَتُهُ وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ زَادَ غَيْرُهُ أَنَّ صُدُورَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّ مُسْلِمٍ لَا يُسْتَجَابُ لِشَرْطِهِ ذَلِك على ربه وَحكى بن الْعَرَبِيِّ أَنَّ مَعْنَاهُ اسْتَغْنَتْ وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَعْرُوفَ أَتْرَبَ إِذَا اسْتَغْنَى وَتَرِبَ إِذَا افْتَقَرَ وَوُجِّهَ بِأَن الْغَنِيّ الناشيء عَنِ الْمَالِ تُرَابٌ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الدُّنْيَا تُرَابٌ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ ضَعُفَ عَقْلُكَ وَقِيلَ افْتَقَرْتَ مِنَ الْعِلْمِ وَقِيلَ فِيهِ تَقْدِيرُ شَرْطٍ أَيْ وَقَعَ لَكَ ذَلِكَ إِن لم تفعل وَرجحه بن الْعَرَبِيّ وَقيل معنى افْتَقَرت خابت وَصَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ مَعْنَى تَرِبَتْ تَفَرَّقَتْ وَهُوَ مِثْلُ حَدِيثِ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ إِذَا صَارَتِ الشَّمْسُ كَالْأَثَارِبِ وَهُوَ جَمْعُ ثُرُوبٍ وَأَثْرُبٍ مِثْلُ فُلُوسٍ وَأَفْلُسٍ وَهِيَ جَمْعُ ثَرْبٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهُوَ الشَّحْمُ الرَّقِيقُ الْمُتَفَرِّقُ الَّذِي يَغْشَى الْكَرِشَ وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ الْأَرْبَعَ هِيَ الَّتِي يُرْغَبُ فِي نِكَاحِ الْمَرْأَةِ لِأَجْلِهَا فَهُوَ خَبَرٌ عَمَّا فِي الْوُجُودِ مِنْ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ وَقَعَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ بَلْ ظَاهِرُهُ إِبَاحَةُ النِّكَاحِ لِقَصْدِ كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ لَكِنَّ قَصْدَ الدِّينِ أَوْلَى قَالَ وَلَا يُظَنُّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْبَعَ تُؤْخَذُ مِنْهَا الْكَفَاءَةُ أَيْ تَنْحَصِرُ فِيهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْتُ وَإِنْ كَانُوا اخْتَلَفُوا فِي الْكَفَاءَةِ مَا هِيَ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ الِاسْتِمْتَاعَ بِمَالِ الزَّوْجَةِ فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُهَا بِذَلِكَ حَلَّ لَهُ وَإِلَّا فَلَهُ مِنْ ذَلِكَ قَدْرُ مَا بَذَلَ لَهَا مِنَ الصَّدَاقِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يَنْحَصِرْ قَصْدُ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ لِأَجْلِ مَالِهَا فِي اسْتِمْتَاعِ الزَّوْجِ بَلْ قَدْ يَقْصِدُ تَزْوِيجَ ذَاتِ الْغِنَى لِمَا عَسَاهُ يَحْصُلُ لَهُ مِنْهَا مِنْ وَلَدٍ فَيَعُودُ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْمَالُ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ إِنْ وَقَعَ أَوْ لِكَوْنِهَا تَسْتَغْنِي بِمَالِهَا عَنْ كَثْرَةِ مُطَالَبَتِهِ بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ النِّسَاء وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَعْجَبُ مِنْهُ اسْتِدْلَالُ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي مَالِهَا قَالَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا تَزَوَّجَ لِأَجْلِ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهَا تَفْوِيتُهُ عَلَيْهِ وَلَا يَخْفَى وَجْهُ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الرَّابِع حَدِيث سهل وَهُوَ بن سعد





[ قــ :4819 ... غــ :5091] قَوْله بن أَبِي حَازِمٍ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ .

     قَوْلُهُ  مَرَّ رَجُلٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ .

     قَوْلُهُ  حَرِيٌّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ أَيْ حَقِيقٌ وَجَدِيرٌ .

     قَوْلُهُ  يُشَفَّعُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ تُقْبَلُ شَفَاعَتُهُ .

     قَوْلُهُ  فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمه وَفِي مُسْند الرَّوْيَانِيّ وفتوح مصر لِابْنِ عبد الحكم ومسند الصَّحَابَةِ الَّذِينَ دَخَلُوا مِصْرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ جُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ .

     قَوْلُهُ  فَمَرَّ رَجُلٌ فِي رِوَايَةِ الرِّقَاقِ قَالَ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ وَقَعَ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى تَأْتِي فِي الرِّقَاقِ بِلَفْظِ فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٌ مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا وَكَأَنَّهُ جَمَعَ هُنَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْجَالِسِينَ عِنْدَهُ كَانُوا جَمَاعَةً لَكِنِ الْمُجِيبُ وَاحِدٌ وَقَدْ سَمَّى مِنَ الْمُجِيبِينَ أَبُو ذَرٍّ فِيمَا أَخْرَجَهُ بن حِبَّانِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  أَنْ لَا يَسْمَعَ زَادَ فِي رِوَايَةِ الرِّقَاقِ أَنْ لَا يَسْمَعَ لِقَوْلِهِ .

     قَوْلُهُ  هَذَا أَيِ الْفَقِيرُ خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا أَيِ الْغَنِيُّ وَمِلْءُ بِالْهَمْزِ وَيَجُوزُ فِي مِثْلِ النَّصْبُ وَالْجَرُّ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ إِنْ كَانَ الْأَوَّلُ كَافِرًا فَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ وَإِلَّا فَيَكُونُ ذَلِكَ مَعْلُومًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ.

قُلْتُ يُعْرَفُ الْمُرَادُ مِنَ الطَّرِيقِ الْأُخْرَى الَّتِي سَتَأْتِي فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ بِلَفْظِ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِلَخْ فَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ أَطْلَقَ تَفْضِيلَ الْفَقِيرِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْغَنِيِّ الْمَذْكُورِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَفْضِيلُ كُلِّ غَنِيٍّ عَلَى كُلِّ فَقِيرٍ وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ المُصَنّف فِي كتاب الرقَاق فضل الْمقر وَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى