فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة، إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك، وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين، يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم} [النساء: 176]

( قَولُهُ بَابُ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ الْبَرَاءِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْهُ



[ قــ :6392 ... غــ :6744] آخِرَ آيَةٍ نَزَلَتْ خَاتِمَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَة وَأَرَادَ بِذَلِكَ مَا فِيهَا مِنَ التَّنْصِيصِ عَلَى مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَلَالَةُ قَالَ مَنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَالِدًا فَوَرَثَتُهُ كَلَالَةٌ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ خَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنِّي لَا أَدَعُ بَعْدِي شَيْئًا أَهَمَّ عِنْدِي مِنَ الْكَلَالَةِ وَمَا رَاجَعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَاجَعْتُهُ فِي الْكَلَالَةِ حَتَّى طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ فِي صَدْرِي فَقَالَ أَلَّا يَكْفِيكَ آيَةُ النِّصْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْكَلَالَةِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ وَاخْتُلِفَ فِي بِنْتٍ وَأُخْتٍ هَلْ تَرِثُ الْأُخْتُ مَعَ الْبِنْتِ وَكَذَا فِي الْجَدِّ هَلْ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْأَبِ فَلَا تَرِثُ مَعَهُ الْإِخْوَةُ قَالَ السُّهَيْلِيُّ الْكَلَالَةُ مِنَ الْإِكْلِيلِ الْمُحِيطِ بِالرَّأْسِ لِأَنَّ الْكَلَالَةَ وراثة تكللت الْعصبَة أَي أحاطت بِالْمَيتِ وَإِنْ عَنَيْتَ الْمَصْدَرَ قُلْتَ وَرِثُوهُ عَنْ كَلَالَةٍ وَتُطْلَقُ الْكَلَالَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ مَجَازًا قَالَ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ الْكَلَالَةُ الْمَالُ وَلَا الْمَيِّتُ إِلَّا عَلَى إِرَادَةِ تَفْسِيرِهِ مَعْنًى مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ ثُمَّ قَالَ وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ الْكَلَالَةَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنَ النِّسَاءِ لَا يَرِثُ فِيهَا الْإِخْوَةُ مَعَ الْبِنْتِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهَا التَّقْيِيدُ بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَقُيِّدَ بِهِ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ أَنَّ الْأُخْتَ فِيهَا وَرِثَتْ مَعَ الْبِنْتِ وَالْحِكْمَةُ فِيهَا أَنَّ الْأُولَى عُبِّرَ فِيهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ الْإِحَاطَةُ بِجَمِيعِ الْمَالِ فَأَغْنَى لَفْظُ يُورَثُ عَنِ الْقَيْدِ وَمِثْلُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ أَيْ يُحِيطُ بِمِيرَاثِهَا.
وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ فَالْمُرَادُ بِالْوَلَدِ فِيهَا الذَّكَرُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَلَمْ يُعَبَّرْ فِيهَا بِلَفْظِ يُورَثُ فَلِذَلِكَ وَرِثَتِ الْأُخْتُ مَعَ الْبِنْت.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ الِاسْتِدْلَالُ بِآيَةِ الْكَلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْأَخَوَاتِ عَصَبَةٌ لَطِيفٌ جِدًّا وَهُوَ أَنَّ الْعُرْفَ فِي آيَاتِ الْفَرَائِضِ قَدِ اطَّرَدَ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُور فِيهَا هُوَ لِمِقْدَارِ الْفَرْضِ لَا لِأَصْلِ الْمِيرَاثِ فَيُفْهَمُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُوجَدِ الشَّرْطُ أَنْ يَتَغَيَّرَ قَدْرُ الْمِيرَاثِ فَمِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَورثه أَبَوَاهُ فلأمه الثُّلُث فَتَغَيَّرَ الْقَدْرُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ أَصْلُ الْمِيرَاثِ وَكَذَا فِي الزَّوْجِ وَفِي الزَّوْجَةِ فَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنْ يَطَّرِدَ فِي الْأُخْتِ فَلَهَا النِّصْفُ إِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ وَلَدٌ تَغَيَّرَ الْقَدْرُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ أَصْلُ الْإِرْثِ وَلَيْسَ هُنَاكَ قَدْرٌ يَتَغَيَّرُ إِلَيْهِ إِلَّا التَّعْصِيبَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَرِثَ الْأُخْتُ مَعَ الِابْنِ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالْإِجْمَاعِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي آخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي آخِرِ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ اخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ آخِرِ مَا نَزَلَ فَقَالَ الْبَرَاءُ هُنَا خَاتِمَةُ سُورَة النِّسَاء.

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ آيَةُ الرِّبَا وَهَذَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابِيَّيْنِ وَلَمْ يَنْقُلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَالَ بظنه وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْجَمْعَ أَوْلَى كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ هُنَاكَ