فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب إذا رأى بقرا تنحر

( قَولُهُ بَابُ إِذَا رَأَى بَقَرًا تُنْحَرُ)
كَذَا تَرْجَمَ بِقَيْدِ النَّحْرِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مُوسَى وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ كَمَا سأبينه وَحَدِيث أَبِي مُوسَى الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ أَوْرَدَهُ بِهَذَا السَّنَدِ بِتَمَامِهِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَفَرَّقَ مِنْهُ فِي الْمَغَازِي بِهَذَا السَّنَدِ أَيْضًا وَعَلَّقَ فِيهَا مِنْهُ قِطْعَةً فِي الْهِجْرَةِ فَقَالَ



[ قــ :6664 ... غــ :7035] .

     وَقَالَ  أَبُو مُوسَى وَذَكَرَ بَعْضَهُ هُنَا وَبَعْضَهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ شَرْحُ مَا أَوْرَدَهُ مِنْهُ فِيهَا .

     قَوْلُهُ  أُرَاهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ أَظُنُّهُ وَقَدْ بَيَّنْتُ هُنَاكَ أَنَّ الْقَائِلَ أُرَاهُ هُوَ الْبُخَارِيُّ وَأَنَّ مُسْلِمًا وَغَيْرَهُ رَوَوْهُ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَلَاءِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ بِدُونِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ بَلْ جَزَمُوا بِرَفْعِهِ قَوْله فَذهب وهلى قَالَ بن التِّينِ رُوِّينَاهُ وَهَلِي بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالَّذِي ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ بِسُكُونِهَا تَقُولُ وَهَلْتُ بِالْفَتْحِ أَهَلُ وهلا إِذَا ذَهَبَ وَهْمُكَ إِلَيْهِ وَأَنْتَ تُرِيدُ غَيْرَهُ مِثْلَ وَهِمْتُ وَوَهِلَ يَوْهَلُ وَهَلًا بِالتَّحْرِيكِ إِذَا فَزِعَ قَالَ وَلَعَلَّهُ وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ عَلَى مِثْلِ مَا قَالُوهُ فِي الْبَحْرِ بَحَرٌ بِالتَّحْرِيكِ وَكَذَا النَّهْرُ وَالنَّهَرُ وَالشَّعْرُ وَالشَّعَرُ انْتَهَى وَبِهَذَا جزم أهل اللُّغَة بن فَارس والفارابي والجوهري والفالي وبن الْقَطَّاعِ إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا وَأَنْتَ تُرِيدُ غَيْرَهُ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْمِائَةِ سَنَةٍ فَوَهِلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَلًا بِالتَّحْرِيكِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ غَلِطُوا يُقَالُ وَهَلَ بِفَتْحِ الْهَاءِ يَهِلُ بِكَسْرِهَا وَهْلًا بِسُكُونِهَا مِثْلَ ضَرَبَ يَضْرِبُ ضَرْبًا أَيْ غَلِطَ وَذَهَبَ وَهْمُهُ إِلَى خِلَافِ الصَّوَابِ.
وَأَمَّا وَهِلْتُ بِكَسْرِهَا أَوْهَلُ بِالْفَتْحِ وَهَلًا بِالتَّحْرِيكِ أَيْضًا كَحَذِرْتُ أَحْذَرُ حَذَرًا فَمَعْنَاهُ فَزِعْتُ وَالْوَهَلُ بِالْفَتْحِ الْفَزَعُ وَضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِالتَّحْرِيكِ.

     وَقَالَ  الْوَهَلُ بِالتَّحْرِيكِ مَعْنَاهُ الْوَهْمُ وَالِاعْتِقَادُ.
وَأَمَّا صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَجَزَمَ أَنَّهُ بِالسُّكُونِ .

     قَوْلُهُ  أَوِ الْهَجَرُ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ هُنَا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَوَافَقَهُ الْأَصِيلِيُّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ أَوْ هَجَرُ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ وَهِيَ بَلَدٌ قَدَّمْتُ بَيَانَهَا فِي بَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ .

     قَوْلُهُ  وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللَّهِ خَيْرٌ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالدَّارِمِيِّ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ حَدَّثَنَا جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُنْحَرُ فَأَوَّلْتُ الدِّرْعَ الْحَصِينَةَ الْمَدِينَةَ وَأَنَّ الْبَقَرَ بَقْرٌ وَاللَّهِ خَيْرٌ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ الْأَخِيرَةُ وَهِيَ بَقْرٌ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ مَصْدَرُ بَقَرَهُ يَبْقُرُهُ بَقْرًا وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهَا بِفَتْحِ النُّونِ وَالْفَاءِ وَلِهَذَا الْحَدِيثِ سَبَبٌ جَاءَ بَيَانُهُ فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ أَيْضًا وَالنَّسَائِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَن بن عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ أُحُدٍ وَإِشَارَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَبْرَحُوا مِنْ الْمَدِينَةِ وَإِيثَارُهُمُ الْخُرُوجَ لِطَلَبِ الشَّهَادَةِ وَلُبْسُهُ اللَّأْمَةَ وَنَدَامَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَقَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ وَفِيهِ إِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَتَمَّ مِنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ وَإِلَى مَا لَهُ مِنْ شَاهِدٍ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ قَوْلُ السُّهَيْلِيِّ إِنَّ الْبَقَرَ تَعْبُرُ بِرِجَالٍ مُتَسَلِّحِينَ يَتَنَاطَحُونَ فِي الْقِتَالِ وَالْبَحْثُ مَعَهُ فِيهِ وَهُوَ إِنَّمَا تَكَلَّمَ عَلَى رِوَايَة بن إِسْحَاقَ إِنِّي رَأَيْتُ وَاللَّهِ خَيْرًا رَأَيْتُ بَقَرًا وَلَكِنَّ تَقْيِيدَهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ الْبَقَرَ بِكَوْنِهَا تُنْحَرُ هُوَ عَلَى مَا فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُمْ مَنْ أُصِيبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ بِسُكُونِ الْقَافِ أَوْ بِالنُّونِ وَالْفَاءِ وَلَيْسَ مِنْ رُؤْيَةِ الْبَقَرِ الْمُتَنَاطِحَةِ فِي شَيْءٍ وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّعْبِيرِ لِلْبَقَرِ فِي النَّوْمِ وُجُوهًا أُخْرَى مِنْهَا أَنَّ الْبَقَرَةَ الْوَاحِدَةَ تُفَسَّرُ بِالزَّوْجَةِ وَالْمَرْأَةِ وَالْخَادِمِ وَالْأَرْضِ وَالثَّوْرَ يُفَسَّرُ بِالثَّائِرِ لِكَوْنِهِ يُثِيرُ الْأَرْضَ فَيَتَحَرَّكُ عَالِيهَا وَسَافِلَهَا فَكَذَلِكَ مَنْ يَثُورُ فِي نَاحِيَةٍ لِطَلَبِ مُلْكٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمِنْهَا أَنَّ الْبَقَرَ إِذَا وَصَلَتْ إِلَى بَلَدٍ فَإِنْ كَانَتْ بَحْرِيَّةً فُسِّرَتْ بِالسُّفُنِ وَإِلَّا فَبِعَسْكَرٍ أَوْ بِأَهْلِ بَادِيَةٍ أَوْ يُبْسٍ يَقَعُ فِي تِلْكَ الْبَلَدِ .

     قَوْلُهُ  وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ الْمُرَادُ بِمَا بَعْدَ بَدْرٍ فَتْحُ خَيْبَرَ ثُمَّ مَكَّةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَعْدُ بِالضَّمِّ أَيْ بَعْدَ أُحُدٍ وَنَصْبِ يَوْمِ أَيْ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ بَدْرٍ الثَّانِيَةِ مِنْ تَثْبِيتِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْخَيْرِ الْغَنِيمَةُ وَبَعْدُ أَيْ بَعْدَ الْخَيْرِ وَالثَّوَابُ وَالْخَيْرُ حَصَلَا فِي يَوْمِ بَدْرٍ.

قُلْتُ وَفِي هَذَا السِّيَاقِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْخَبَرِ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْ جُمْلَةِ الرُّؤْيَا وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ لَفْظَهُ لَمْ يَتَحَرَّرْ إِيرَادُهُ وَأَنَّ رِوَايَةَ بن إِسْحَاقَ هِيَ الْمُحَرَّرَةُ وَأَنَّهُ رَأَى بَقَرًا وَرَأَى خَيْرًا فَأَوَّلَ الْبَقَرَ عَلَى مَنْ قُتِلَ مِنَ الصَّحَابَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَوَّلَ الْخَيْرَ عَلَى مَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ ثَوَابِ الصِّدْقِ فِي الْقِتَالِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْجِهَادِ يَوْمَ بَدْرٍ وَمَا بَعْدَهُ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ وَالْمُرَادُ بِالْبَعْدِيَّةِ عَلَى هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِمَا بَيْنَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ نَبَّهَ عَلَيْهِ بن بَطَّاٍل وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِبَدْرٍ بَدْرَ الْمَوْعِدِ لَا الْوَقْعَةِ الْمَشْهُورَةِ السَّابِقَةِ عَلَى أُحُدٍ فَإِنَّ بَدْرَ الْمَوْعِدِ كَانَتْ بَعْدَ أُحُدٍ وَلَمْ يَقَعْ فِيهَا قِتَالٌ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ لَمَّا رَجَعُوا مِنْ أُحُدٍ قَالُوا مَوْعِدُكُمُ الْعَامَ الْمُقْبِلَ بَدْرٌ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنِ انْتُدِبَ مَعَهُ إِلَى بَدْرٍ فَلَمْ يَحْضُرِ الْمُشْرِكُونَ فَسُمِّيَتْ بَدْرٌ الْمَوْعِدُ فَأَشَارَ بِالصِّدْقِ إِلَى أَنَّهُمْ صَدَقُوا الْوَعْدَ وَلَمْ يُخْلِفُوهُ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ بِمَا فَتَحَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قُرَيْظَة وخيبر وَمَا بعْدهَا وَالله أعلم