فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الله جل ذكره: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم} [البقرة: 187]

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم)
إِلَى قَوْله مَا كتب الله لكم كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ غَيْرُهُ الْآيَةَ كُلَّهَا وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ بَيَانُ مَا كَانَ الْحَالُ عَلَيْهِ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مُنَزَّلَةً عَلَى أَسْبَابٍ تَتَعَلَّقُ بِالصِّيَامِ عَجَّلَ بِهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ تَعَرَّضَ لَهَا فِي التَّفْسِيرِ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي وَيُؤْخَذُ مِنْ حَاصِلِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَالُ مِنْ سَبَبِ نُزُولِهَا ابْتِدَاءُ مَشْرُوعِيَّةِ السُّحُورِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فِي هَذَا الْمَكَانِ لِأَنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ مُقَدِّمَةً لِأَبْوَابِ السُّحُورِ



[ قــ :1833 ... غــ :1915] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هُوَ السبيعِي وَإِسْرَائِيل هُوَ بن يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَذْكُورُ وَقَدْ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى وَغَيْرِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ عَن إِسْرَائِيل وَزُهَيْر هُوَ بن مُعَاوِيَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ زَادَ فِيهِ ذِكْرَ زُهَيْرٍ وَسَاقَهُ عَلَى لَفْظِ إِسْرَائِيل وَقد رَوَاهُ الدَّارمِيّ وَعبيد بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدَيْهِمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى فَلَمْ يَذْكُرَا زُهَيْرًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ زُهَيْرٍ بِهِ .

     قَوْلُهُ  كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ فِي أَوَّلِ افْتِرَاضِ الصِّيَامِ وَبَيَّنَ ذَلِك بن جَرِيرٍ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى مُرْسَلًا .

     قَوْلُهُ  فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ إِلَخْ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ كَانَ إِذَا نَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَعَشَّى لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا وَلَا يَشْرَبَ لَيْلَهُ وَيَوْمَهُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَلِأَبِي الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا أَفْطَرُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَأْتُونَ النِّسَاءَ مَا لَمْ يَنَامُوا فَإِذَا نَامُوا لم يَفْعَلُوا شَيْئا من ذَلِك إِلَى مثلهَا فَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مُقَيَّدًا بِالنَّوْمِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ وَقُيِّدَ الْمَنْعُ من ذَلِك فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ بِصَلَاةِ الْعَتَمَةِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّوُا الْعَتَمَةَ حَرُمَ عَلَيْهِمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالنِّسَاءُ وَصَامُوا إِلَى الْقَابِلَةِ وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا سَأَذْكُرُهُ قَرِيبًا وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ لِكَوْنِ مَا بَعْدَهَا مَظِنَّةَ النَّوْمِ غَالِبًا وَالتَّقْيِيدُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّوْمِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ وَبَيَّنَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ كَانَ عَلَى وَفْقِ مَا كُتِبَ على أهل الْكتاب كَمَا أخرجه بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ وَلَفْظُهُ كُتِبَ عَلَى النَّصَارَى الصِّيَامُ وَكُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَأْكُلُوا وَلَا يَشْرَبُوا وَلَا يَنْكِحُوا بَعْدَ النَّوْمِ وَكُتِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوَّلًا مِثْلُ ذَلِكَ حَتَّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَمِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يَفْعَلُونَ كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْكِتَابِ إِذَا نَامَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَطْعَمْ حَتَّى الْقَابِلَةَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ هَكَذَا سُمِّيَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى إِسْرَائِيلَ فِيهِ إِلَّا فِي رِوَايَةِ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ صِرْمَةُ بْنُ قَيْسٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ مِثْلُهُ قَالَ وَكَذَا رَوَاهُ أَشْعَثُ بْنُ سوار عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ أَبُو قَيْسِ بْنُ عَمْرٍو وَفِي حَدِيثِ السُّدِّيِّ الْمَذْكُورِ حَتَّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو قَيْسِ بْنُ صِرْمَةَ وَلِابْنِ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ بن إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ مُرْسَلًا صِرْمَةُ بْنُ أبي أنس ولغير بن جَرِيرٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ صِرْمَةُ بْنُ قَيْسٍ كَمَا قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ وَلِلذُّهْلِيِّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ مِنْ مُرْسَلِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ صِرْمَةُ بْنُ أَنَسٍ وَلِابْنِ جَرِيرٍ مِنْ مُرْسَلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى صِرْمَةُ بْنُ مَالِكٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النجار كَذَا نسبه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فَمَنْ قَالَ قَيْسُ بْنُ صِرْمَةَ قَلَبَهُ كَمَا جَزَمَ الدَّاوُدِيُّ وَالسُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ وَقَعَ مَقْلُوبًا فِي رِوَايَةِ حَدِيثِ الْبَابِ وَمَنْ قَالَ صِرْمَةُ بْنُ مَالِكٍ نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ وَمَنْ قَالَ صِرْمَةُ بْنُ أَنَسٍ حَذَفَ أَدَاةَ الْكُنْيَةِ مِنْ أَبِيهِ وَمَنْ قَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ عَمْرٍو أَصَابَ كُنْيَتَهُ وَأَخْطَأَ فِي اسْمِ أَبِيهِ وَكَذَا مَنْ قَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ صِرْمَةَ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَبُو قيس صرمة فَزَاد فِيهِ بن وَقَدْ صَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ فَرُوِّينَاهُ فِي جُزْءِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا صَلَّوُا الْعِشَاءَ حَرُمَ عَلَيْهِمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالنِّسَاءُ وَأَنَّ ضَمْرَةَ بْنَ أَنَسٍ الْأَنْصَارِيَّ غَلَبَتْهُ عَيْنُهُ الْحَدِيثَ وَقد استدرك بن الْأَثِيرِ فِي الصَّحَابَةِ ضَمْرَةَ بْنَ أَنَسٍ فِي حرف الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَهُ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَتَحْرِيفٌ وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ وَالصَّوَابُ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَصِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ مَشْهُورٌ فِي الصَّحَابَة يكنى أَبَا قيس قَالَ بن إِسْحَاقَ فِيمَا أَخْرَجَهُ السِّرَاجُ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِهِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ قَالَ قَالَ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ وَهُوَ يَذْكُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوَى فِي قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجَّةً يُذَكِّرُ لَوْ يَلْقَى صديقا مؤاتيا الأبيات قَالَ بن إِسْحَاقَ وَصِرْمَةُ هَذَا هُوَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ وكلوا وَاشْرَبُوا الْآيَةَ قَالَ وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ كَانَ أَبُو قَيْسٍ مِمَّنْ فَارَقَ الْأَوْثَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَسْلَمَ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ وَهُوَ الْقَائِلُ يَقُولُ أَبُو قَيْسٍ وَأَصْبَحَ غَادِيَا أَلَا مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ وَصَاتِيَ فَافْعَلُوا الْأَبْيَاتَ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ لَهَا أَعِنْدَكِ بِكَسْرِ الْكَافِ طَعَامٌ قَالَتْ لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ أَطْلُبُ لَك ظَاهره أَنه لم يَجِيء مَعَهُ بِشَيْءٍ لَكِنْ فِي مُرْسَلِ السُّدِّيِّ أَنَّهُ أَتَاهَا بِتَمْرٍ فَقَالَ اسْتَبْدِلِي بِهِ طَحِينًا وَاجْعَلِيهِ سَخِينًا فَإِنَّ التَّمْرَ أَحْرَقَ جَوْفِي وَفِيهِ لَعَلِّي آكُلُهُ سُخْنًا وَأَنَّهَا اسْتَبْدَلَتْهُ لَهُ وَصَنَعَتْهُ وَفِي مُرْسل بن أَبِي لَيْلَى فَقَالَ لِأَهْلِهِ أَطْعِمُونِي فَقَالَتْ حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ شَيْئًا سَخِينًا وَوَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ من طَرِيق بن أَبِي لَيْلَى فَقَالَ حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ فَذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ يَوْمَهُ بِالنَّصْبِ يَعْمَلُ أَيْ فِي أَرْضِهِ وَصَرَّحَ بِهَا أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ وَفِي مُرْسَلِ السُّدِّيِّ كَانَ يَعْمَلُ فِي حِيطَانِ الْمَدِينَةِ بِالْأُجْرَةِ فَعَلَى هَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  فِي أَرْضِهِ إِضَافَةُ اخْتِصَاصٍ .

     قَوْلُهُ  فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ أَيْ نَامَ ولِلْكُشْمِيهَنِيِّ عَيْنُهُ بِالْإِفْرَادِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَتْ خَيْبَةً لَكَ بِالنَّصْبِ وَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مَحْذُوفُ الْعَامِلِ وَقِيلَ إِذَا كَانَ بِغَيْرِ لَامٍ يَجِبُ نَصْبُهُ وَإِلَّا جَازَ وَالْخَيْبَةُ الْحِرْمَانُ يُقَالُ خَابَ يَخِيبُ إِذَا لَمْ يَنَلْ مَا طَلَبَ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا انتصف النَّهَار غشي عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَأَصْبَحَ صَائِمًا فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَلَمْ يَنْتَصِفِ النَّهَارُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْغَشْيَ وَقَعَ فِي آخِرِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنَ النَّهَارِ وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَلَمْ يَطْعَمْ شَيْئًا وَبَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ صَائِمًا حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ فَغُشِيَ عَلَيْهِ وَفِي مُرْسَلِ السُّدِّيِّ فَأَيْقَظْتُهُ فَكَرِهَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ وَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ وَفِي مُرْسَلِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى فَقَالَتْ لَهُ كُلْ فَقَالَ إِنِّي قَدْ نِمْتُ فَقَالَتْ لَمْ تَنَمْ فَأَبَى فَأَصْبَحَ جَائِعًا مَجْهُودًا .

     قَوْلُهُ  فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ فِي رِوَايَةِ زَكَرِيَّا عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ وَأَتَى عُمَرُ امْرَأَتَهُ وَقَدْ نَامَتْ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا وَنَزَلَتْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَشَرْحِ الْكِرْمَانِيِّ عَلَى ظَاهِرِهَا فَقَالَ لَمَّا صَارَ الرَّفَثُ وَهُوَ الْجِمَاعُ هُنَا حَلَالًا بَعْدَ أَنْ كَانَ حَرَامًا كَانَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَلِذَلِكَ فَرِحُوا بِنُزُولِهَا وَفَهِمُوا مِنْهَا الرُّخْصَةَ هَذَا وَجْهُ مُطَابَقَةِ ذَلِكَ لِقِصَّةِ أَبِي قَيْسٍ قَالَ ثُمَّ لَمَّا كَانَ حِلُّهُمَا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا لِيُعْلَمَ بِالْمَنْطُوقِ تَسْهِيلُ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ صَرِيحًا ثُمَّ قَالَ أَوِ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ هِيَ بِتَمَامِهَا.

قُلْتُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَبِهِ جَزَمَ السُّهَيْلِيُّ.

     وَقَالَ  إِنَّ الْآيَةَ بِتَمَامِهَا نَزَلَتْ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا وَقُدِّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِعُمَرَ لِفَضْلِهِ.

قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَنَزَلَتْ أحل لكم لَيْلَة الصّيام إِلَى قَوْله من الْفجْر فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَحَلَّ قَوْلِهِ فَفَرِحُوا بِهَا بعد قَوْله الْخَيط الْأسود وَوَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَلَفْظُهُ فَنَزَلَتْ أُحِلَّ لَكُمْ إِلَى قَوْلِهِ مِنَ الْفَجْرِ فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ وَسَيَأْتِي بَيَانُ قِصَّةِ عُمَرَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَعَ بَقِيَّةِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى