فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب مناقب سعد بن معاذ رضي الله عنه

( قَولُهُ بَابُ مَنَاقِبِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ)
أَيِ بن النُّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَهُوَ كَبِيرُ الْأَوْسِ كَمَا أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ كَبِيرُ الْخَزْرَجِ وَإِيَّاهُمَا أَرَادَ الشَّاعِرُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ يُسْلِمِ السَّعْدَانِ يُصْبِحٌ مُحَمَّدٌ بِمَكَّةَ لَا يَخْشَى خِلَافَ الْمُخَالِفِ



[ قــ :3626 ... غــ :3802] .

     قَوْلُهُ  أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةٌ حَرِيرٌ الَّذِي أَهْدَاهَا لَهُ أُكَيْدِرُ دَوْمَةَ كَمَا بَيَّنَهُ أَنَسٌ فِي حَدِيثِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ .

     قَوْلُهُ  رَوَاهُ قَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ سَمِعَا أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا رِوَايَةُ قَتَادَةَ فَوَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي الْهِبَةِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ فَوَصَلَهَا فِي اللِّبَاسِ وَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى





[ قــ :367 ... غــ :3803] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا فَضْلُ بْنُ مُسَاوِرٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ بَصْرِيٌّ يُكَنَّى أَبَا الْمُسَاوِرِ وَكَانَ خَتَنَ أَبِي عَوَانَةَ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ .

     قَوْلُهُ  خَتَنَ أَبِي عَوَانَةَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَنَّاةِ أَيْ صِهْرُهُ زَوْجُ ابْنَتِهِ وَالْخَتَنُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ مِنْ أَقَارِبِ الْمَرْأَةِ .

     قَوْلُهُ  وَعَنِ الْأَعْمَشِ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِسْنَادِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهَذَا مِنْ شَأْنِ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ صَاحِبُ جَابِرٍ لَا يُخْرِجُ لَهُ إِلَّا مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ أَوِ اسْتِشْهَادًا .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّ الْبَرَاءَ يَقُولُ اهْتَزَّ السَّرِيرُ أَيِ الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّهُ كَانَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ أَيِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ .

     قَوْلُهُ  ضَغَائِنُ بِالضَّادِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ جَمْعُ ضَغِينَةٍ وَهِيَ الْحِقْدُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا قَالَ جَابِرٌ ذَلِكَ لِأَنَّ سَعْدًا كَانَ مِنَ الْأَوْسِ وَالْبَرَاءَ خَزْرَجِيٌّ وَالْخَزْرَجُ لَا تُقِرُّ لِلْأَوْسِ بِفَضْلٍ كَذَا قَالَ وَهُوَ خَطَأٌ فَاحِشٌ فَإِنَّ الْبَرَاءَ أَيْضا اوسي لِأَنَّهُ بن عَازِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مُجَدَّعَةَ بْنِ حَارِثَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ يَجْتَمِعُ مَعَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَالْخَزْرَجُ وَالِدُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَلَيْسَ هُوَ الْخَزْرَج الَّذِي يُقَابل الْأَوْس وانما سمي عَلَى اسْمِهِ نَعَمُ الَّذِي مِنَ الْخَزْرَجِ الَّذِينَ هُمْ مُقَابِلُو الْأَوْسِ جَابِرٌ وَإِنَّمَا قَالَ جَابِرٌ ذَلِكَ إِظْهَارًا لِلْحَقِّ وَاعْتِرَافًا بِالْفَضْلِ لِأَهْلِهِ فَكَأَنَّهُ تَعَجَّبَ مِنَ الْبَرَاءِ كَيْفَ قَالَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ أَوْسِيٌّ ثُمَّ قَالَ أَنَا وَإِنْ كُنْتُ خَزْرَجِيًّا وَكَانَ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ مَا كَانَ لَا يَمْنَعُنِي ذَلِكَ أَنْ أَقُولَ الْحَقَّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَالْعُذْرُ لِلْبَرَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ تَغْطِيَةَ فَضْلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَإِنَّمَا فَهِمَ ذَلِكَ فَجَزَمَ بِهِ هَذَا الَّذِي يَلِيقُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ تَعَصُّبِهِ وَلَمَّا جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ بِمَا تَقَدَّمَ احْتَاجَ هُوَ وَمَنْ تَبِعَهُ إِلَى الِاعْتِذَارِ عَمَّا صَدَرَ مِنْ جَابِرٍ فِي حَقِّ الْبَرَاءِ وَقَالُوا فِي ذَلِكَ مَا مُحَصَّلُهُ إِنَّ الْبَرَاءَ مَعْذُورٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْعَدَاوَةِ لِسَعْدٍ وَإِنَّمَا فَهِمَ شَيْئًا مُحْتَمَلًا فَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَيْهِ وَالْعُذْرُ لِجَابِرٍ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْبَرَاءَ أَرَادَ الْغَضَّ مِنْ سَعْدٍ فَسَاغَ لَهُ أَنْ يَنْتَصِرَ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ أَنْكَرَ بن عُمَرَ مَا أَنْكَرَهُ الْبَرَاءُ فَقَالَ إِنَّ الْعَرْشَ لَا يَهْتَزُّ لِأَحَدٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَجَزَمَ بِأَنَّهُ اهْتَزَّ لَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ أَخْرَجَ ذَلِك بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْهُ وَالْمُرَادُ بِاهْتِزَازِ الْعَرْشِ اسْتِبْشَارُهُ وَسُرُورُهُ بِقُدُومِ رُوحِهِ يُقَالُ لِكُلِّ مَنْ فَرِحَ بِقُدُومِ قَادِمٍ عَلَيْهِ اهْتَزَّ لَهُ وَمِنْهُ اهْتَزَّتِ الْأَرْضُ بِالنَّبَاتِ إِذَا اخْضَرَّتْ وَحَسُنَتْ وَوَقع ذَلِك من حَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِلَفْظِ اهْتَزَّ الْعَرْشُ فَرَحًا بِهِ لَكِنَّهُ تَأَوَّلَهُ كَمَا تَأَوَّلَهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ فَقَالَ اهْتَزَّ الْعَرْشُ فَرَحًا بِلِقَاءِ اللَّهِ سَعْدًا حَتَّى تَفَسَّخَتْ أَعْوَادُهُ عَلَى عَوَاتِقِنَا قَالَ بن عُمَرَ يَعْنِي عَرْشَ سَعْدٍ الَّذِي حُمِلَ عَلَيْهِ وَهَذَا مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُجَاهِد عَن بن عُمَرَ وَفِي حَدِيثِ عَطَاءٍ مَقَالٌ لِأَنَّهُ مِمَّنِ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَيُعَارِضُ رِوَايَتَهُ أَيْضًا مَا صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا حُمِلَتْ جِنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ الْمُنَافِقُونَ مَا أَخَفَّ جِنَازَتَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ قَالَ الْحَاكِمُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تُصَرِّحُ بِاهْتِزَازِ عَرْشِ الرَّحْمَنِ مُخَرَّجَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَيْسَ لِمُعَارِضِهَا فِي الصَّحِيحِ ذِكْرٌ انْتَهَى وَقِيلَ الْمُرَادُ بِاهْتِزَازِ الْعَرْشِ اهْتِزَازُ حَمَلَةِ الْعَرْشِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ إِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ مَنْ هَذَا الْمَيِّتُ الَّذِي فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَاسْتَبْشَرَ بِهِ أَهْلُهَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقِيلَ هِيَ عَلَامَةٌ نَصَبَهَا اللَّهُ لِمَوْتِ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أَوْلِيَائِهِ لِيُشْعِرَ مَلَائِكَتَهُ بِفَضْلِهِ.

     وَقَالَ  الْحَرْبِيُّ إِذَا عَظَّمُوا الْأَمْرَ نَسَبُوهُ إِلَى عَظِيمٍ كَمَا يَقُولُونَ قَامَتْ لِمَوْتِ فُلَانٍ الْقِيَامَةُ وَأَظْلَمَتِ الدُّنْيَا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَفِي هَذِهِ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِسَعْدٍ.
وَأَمَّا تَأْوِيلُ الْبَرَاءِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بالعرش السرير الَّذِي حمل عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ فَضْلًا لَهُ لِأَنَّهُ يَشْرَكُهُ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَيِّتٍ إِلَّا أَنَّهُ يُرِيدُ اهْتَزَّ حَمَلَةُ السَّرِيرِ فَرَحًا بِقُدُومِهِ عَلَى رَبِّهِ فَيُتَّجَهُ وَوَقَعَ لِمَالِكٍ نَحْوُ مَا وَقَعَ لِابْنِ عُمَرَ أَوَّلًا فَذَكَرَ صَاحِبُ الْعُتْبِيَّةِ فِيهَا أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ أَنْهَاكَ أَنْ تَقُولَهُ وَمَا يَدْعُو الْمَرْءَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَذَا وَمَا يَدْرِي مَا فِيهِ مِنَ الْغُرُورِ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِ الْعُتْبِيَّةِ إِنَّمَا نَهَى مَالِكٌ لِئَلَّا يَسْبِقُ إِلَى وَهَمِ الْجَاهِلِ أَنَّ الْعَرْشَ إِذَا تَحَرَّكَ يَتَحَرَّكُ اللَّهُ بِحَرَكَتِهِ كَمَا يَقَعُ لِلْجَالِسِ مِنَّا عَلَى كُرْسِيِّهِ وَلَيْسَ الْعَرْشُ بِمُوضَعِ اسْتِقْرَارِ اللَّهِ تَبَارَكَ اللَّهُ وَتَنَزَّهَ عَنْ مُشَابَهَةِ خَلْقِهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَالِكًا مَا نَهَى عَنْهُ لِهَذَا إِذْ لَوْ خَشِيَ مِنْ هَذَا لَمَا أَسْنَدَ فِي الْمُوَطَّأِ حَدِيثَ يَنْزِلُ اللَّهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا لِأَنَّهُ أَصْرَحُ فِي الْحَرَكَةِ مِنِ اهْتِزَازِ الْعَرْشِ وَمَعَ ذَلِكَ فَمُعْتَقَدُ سَلَفِ الْأَئِمَّةِ وَعُلَمَاءِ السُّنَّةِ مِنَ الْخَلَفِ أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَرَكَةِ وَالتَّحَوُّلِ وَالْحُلُولِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء وَيحْتَمل الْفرق بِأَن حَدِيث سعد ماثبت عِنْدَهُ فَأَمَرَ بِالْكَفِّ عَنِ التَّحَدُّثِ بِهِ بِخِلَافِ حَدِيثِ النُّزُولِ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ فَرَوَاهُ وَوَكَّلَ أَمْرَهُ إِلَى فَهْمِ أُولِي الْعِلْمِ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ فِي الْقُرْآنِ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ حَدِيثُ اهْتِزَازِ الْعَرْشِ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ عَشَرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوْ أَكْثَرَ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِهِ





[ قــ :368 ... غــ :3804] .

     قَوْلُهُ  إِنَّ أُنَاسًا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ هُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ وَسَيَأْتِي شَرْحُ ذَلِكَ فِي الْمَغَازِي وَقَولُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَلَمَّا بَلَغَ قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ أَيِ الَّذِي أَعَدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ مُحَاصَرَتِهِ لِبَنِي قُرَيْظَةَ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَأَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ غَلَطٌ مِنَ الرَّاوِي لِظَنِّهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَسْجِدِ الْمَسْجِدَ النَّبَوِيَّ بِالْمَدِينَةِ.

     وَقَالَ  إِنَّ الصَّوَابَ مَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَيْضًا بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظِ فَلَمَّا دَنَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وَإِذَا حُمِلَ عَلَى مَا قَرَّرْتُهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ تَنَافٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ كَذَلِكَ