فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء

(قَولُهُ بَابُ السَّمَرِ)
فِي الْفِقْهِ وَالْخَيْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ)
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمُنِيرِ الْفِقْهُ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْخَيْرِ لَكِنَّهُ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ تَنْوِيهًا بِذِكْرِهِ وَتَنْبِيهًا عَلَى قَدْرِهِ وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ مُحَسِّنًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْمُرُ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْأَمْرِ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا مَعَهُمَا



[ قــ :584 ... غــ :600] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُبَاحٍ هُوَ الْعَطَّارُ وَهُوَ بَصْرِيٌّ وَكَذَا بَقِيَّةُ رِجَالِ هَذَا الْإِسْنَاد قَوْله انتظرنا الْحسن أَي بن أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ .

     قَوْلُهُ  وَرَاثَ عَلَيْنَا الْوَاوُ لِلْحَالِ وَرَاثَ بِمُثَلَّثَةٍ غَيْرُ مَهْمُوزٍ أَيْ أَبْطَأَ .

     قَوْلُهُ  مِنْ وَقْتِ قِيَامِهِ أَيِ الَّذِي جَرَتْ عَادَتُهُ بِالْقُعُودِ مَعَهُمْ فِيهِ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ لِأَخْذِ الْعِلْمِ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  دَعَانَا جِيرَانُنَا بِكَسْرِ الْجِيمِ كَأَنَّ الْحَسَنَ أَوْرَدَ هَذَا مَوْرِدَ الِاعْتِذَارِ عَنْ تَخَلُّفِهِ عَنِ الْقُعُودِ عَلَى عَادَتِهِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَالَ أَيِ الْحَسَنُ قَالَ أَنَسٌ نَظَرْنَا وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ انْتَظَرْنَا وَهُمَا بِمَعْنًى .

     قَوْلُهُ  حَتَّى كَانَ شَطْرُ اللَّيْلِ بِرَفْعِ شَطْرٍ وَكَانَ تَامَّةٌ وَقَولُهُ يَبْلُغُهُ أَيْ يَقْرُبُ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ خَطَبَنَا هُوَ مَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ لِمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ بَعْدَهَا أَيْ بَعْدَ صَلَاتِهَا وَأَوْرَدَ الْحَسَنُ ذَلِكَ لِأَصْحَابِهِ مُؤْنِسًا لَهُمْ وَمُعَرِّفًا أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانَ فَاتَهُمُ الْأَجْرُ عَلَى مَا يَتَعَلَّمُونَهُ مِنْهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ عَلَى ظَنِّهِمْ فَلَمْ يَفُتْهُمُ الْأَجْرُ مُطْلَقًا لِأَنَّ مُنْتَظِرَ الْخَيْرِ فِي خَيْرٍ فَيَحْصُلُ لَهُ الْأَجْرُ بِذَلِكَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُمُ الْخَيْرُ فِي الْجُمْلَةِ لَا مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ وَبِهَذَا يُجَابُ عَمَّنِ اسْتَشْكَلَ قَوْلَهُ أَنَّهُمْ فِي صَلَاةٍ مَعَ أَنَّهُمْ جَائِزٌ لَهُمُ الْأَكْلُ وَالْحَدِيثُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ الْحَسَنُ عَلَى ذَلِكَ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ آنَسَ أَصْحَابَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ بَعْدُ وَأَنَّ الْقَوْمَ لَا يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا انْتَظَرُوا الْخَيْرَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ قُرَّةُ هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ يَعْنِي الْكَلَامَ الْأَخِيرَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِي لِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَخِيرُ هُوَ الَّذِي لَمْ يُصَرِّحِ الْحَسَنُ بِرَفْعِهِ وَلَا بِوَصْلِهِ فَأَرَادَ قُرَّةُ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَى كَوْنِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مَوْصُولًا مَرْفُوعًا أَنْ يَعْلَمَ مَنْ رَوَاهُ عَنهُ بذلك تَنْبِيه أخرج مُسلم وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّباح شيخ البُخَارِيّ بِإِسْنَادِهِ هَذَا حَدِيثا خالفا الْبُخَارِيَّ فِيهِ فِي بَعْضِ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ فَقَالَا عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ نَظَرْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ قَالَ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى قَالَ فَكَأَنَّمَا أنظر إِلَى وَبِيصُ خَاتَمِهِ حَلْقَةٌ فِضَّةٌ انْتَهَى وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُسْتَخْرَجِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَهْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصُّبَاحِ كَذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ قُرَّةَ عَنْ قَتَادَةَ وَلَمْ يُصِبْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ حَدِيثٌ آخَرُ كَانَ عِنْدَ أَبِي عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ عَنْ قُرَّةَ أَيْضًا وَسَمِعَهُ مِنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصُّبَاحِ كَمَا سَمِعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ الْآخَرَ عَنْ قُرَّةَ عَنِ الْحَسَنِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ مَا لَيْسَ فِي الْآخَرِ وَقَدْ أَوْرَدَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ الْحَدِيثَيْنِ من الطَّرِيقَيْنِ فَأَوْرَدَ حَدِيثَ قُرَّةَ عَنْ قَتَادَةَ مِنْ طُرُقٍ مِنْهَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ وَحَدِيثِ قُرَّةَ عَنِ الْحَسَنِ مِنْ رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ نُصَيْرٍ عَنْ قُرَّةَ وَهُوَ فِي التَّحْقِيقِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ عَنْ أَنَسٍ اشْتَرَكَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ فِي سَمَاعِهِ مِنْهُ فَاقْتَصَرَ الْحَسَنُ عَلَى مَوْضِعِ حَاجَتِهِ مِنْهُ فَلَمْ يَذْكُرْ قِصَّةَ الْخَاتَمِ وَزَادَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى قَتَادَةَ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ





[ قــ :585 ... غــ :601] .

     قَوْلُهُ  وَأَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ نِسْبَةً إِلَى جَدِّهِ وَهُوَ أَبُو بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَذَلِكَ فِي بَابِ السَّمَرِ بِالْعِلْمِ مِنْ كِتَابِ الْعِلْمِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ بن عُمَرَ هُنَاكَ .

     قَوْلُهُ  فَوَهِلَ النَّاسُ أَيْ غَلِطُوا أَوْ تَوَهَّمُوا أَوْ فَزِعُوا أَوْ نَسَوْا وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ هُنَا وَقِيلَ وَهَلَ بِالْفَتْحِ بِمَعْنَى وَهِمَ بِالْكَسْرِ وَوَهِلَ بِالْكَسْرِ مِثْلُهُ وَقِيلَ بِالْفَتْحِ غَلِطَ وَبِالْكَسْرِ فَزِعَ .

     قَوْلُهُ  فِي مَقَالَةٍ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي والْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ مَقَالَةٍ .

     قَوْلُهُ  إِلَى مَا يَتَحَدَّثُونَ فِي هَذِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ هَذِهِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَقُولُ إِنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ عِنْدَ تَقَضِّي مِائَةِ سَنَةٍ كَمَا رَوَى ذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ وَرَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَقَدْ بَيَّنَ بن عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُرَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ عِنْدَ انْقِضَاءِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ يَنْخَرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنُ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ تِلْكَ الْمَقَالَةِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ بِالِاسْتِقْرَاءِ فَكَانَ آخِرَ مَنْ ضُبِطَ أَمْرُهُ مِمَّنْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَئِذٍ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ آخِرَ الصَّحَابَةِ مَوْتًا وَغَايَةُ مَا قِيلَ فِيهِ إِنَّهُ بَقِيَ إِلَى سَنَةِ عَشْرٍ وَمِائَةٍ وَهِيَ رَأْسُ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ مَقَالَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَوْتِ الْخَضِرِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْخَضِرَ كَانَ حِينَئِذٍ مِنْ سَاكِنِي الْبَحْرِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْحَدِيثِ قَالُوا وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا يَبْقَى مِمَّنْ تَرَوْنَهُ أَوْ تَعْرِفُونَهُ فَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَقِيلَ احْتَرَزَ بِالْأَرْضِ عَنِ الْمَلَائِكَةِ وَقَالُوا خَرَجَ عِيسَى مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ حَيٌّ لِأَنَّهُ فِي السَّمَاءِ لَا فِي الْأَرْضِ وَخَرَجَ إِبْلِيسُ لِأَنَّهُ عَلَى الْمَاءِ أَوْ فِي الْهَوَاءِ وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّامَ فِي الْأَرْضِ عَهْدِيَّةٌ وَالْمُرَادُ أَرْضُ الْمَدِينَةِ وَالْحَقُّ أَنَّهَا لِلْعُمُومِ وَتَتَنَاوَلُ جَميْعَ بَنِي آدَمَ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ الْمُرَادُ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ سَوَاءٌ أُمَّةُ الْإِجَابَةِ وَأُمَّةُ الدَّعْوَةِ وَخَرَجَ عِيسَى وَالْخَضِرُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أُمَّتِهِ فَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ عِيسَى يَحْكُمُ بِشَرِيعَتِهِ فَيَكُونُ مِنْ أُمَّتِهِ وَالْقَوْلُ فِي الْخَضِرِ إِنْ كَانَ حَيًّا كالقول فِي عِيسَى وَالله أعلم