فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع

( قَولُهُ بَابُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ)
فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مُتَفَرِّقٍ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ لَمْ يُقَيِّدِ الْمُصَنِّفُ التَّرْجَمَةَ بِقَوْلِهِ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ لِاخْتِلَافِ نَظَرِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمُرَادِ بِذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  وَيُذْكَرُ عَنْ سَالِمٍ عَنِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ أَيْ مِثْلُ لَفْظِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَهُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ مَوْصُولًا وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ ضَعِيفٌ فِي الزُّهْرِيِّ وَقَدْ خَالَفَهُ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ فِي الزُّهْرِيِّ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ.

     وَقَالَ  إِنَّ فِيهِ تَقْوِيَةً لِرِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ لِأَنَّهُ قَالَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَوَعَيْتُهَا عَلَى وَجْهِهَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ بن عُمَرَ حَدَّثَهُ بِهِ وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ الْبُخَارِيُّ لَكِنْ أَوْرَدَهُ شَاهِدًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ وَلَفْظُهُ وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ أَيْضًا وَزَادَ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْخَشْيَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ وَعَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ أَتَانَا مُصَدِّقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأْتُ فِي عَهْدِهِ فَذَكَرَ مِثْلَهُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ النَّفَرُ الثَّلَاثَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ شَاةً وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ فَيَجْمَعُونَهَا حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ فِيهَا إِلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ يَكُونُ لِلْخَلِيطَيْنِ مِائَتَا شَاةٍ وَشَاتَانِ فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ فَيُفَرِّقُونَهَا حَتَّى لَا يَكُونَ عَلَى كُلٍّ وَاحِدٍ إِلَّا شَاةً وَاحِدَةً.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ هُوَ خِطَابٌ لِرَبِّ الْمَالِ مِنْ جِهَةٍ وَلِلسَّاعِي مِنْ جِهَةٍ فَأُمِرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ لَا يُحْدِثَ شَيْئًا مِنَ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ فَرَبُّ الْمَالِ يَخْشَى أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ فَيَجْمَعَ أَوْ يُفَرِّقَ لِتَقِلَّ وَالسَّاعِي يَخْشَى أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ فَيَجْمَعَ أَوْ يُفَرِّقَ لِتَكْثُرَ فَمَعْنَى



[ قــ :1393 ... غــ :1450] قَوْلِهِ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ أَيْ خَشْيَةَ أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ أَوْ خَشْيَةَ أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ فَلَمَّا كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْأَمْرَيْنِ لَمْ يَكُنِ الْحَمْلُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَحُمِلَ عَلَيْهِمَا مَعًا لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْمَالِكِ أَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ دُونَ النِّصَابِ مِنَ الْفِضَّةِ وَدُونَ النِّصَابِ مِنَ الذَّهَبِ مَثَلًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ ضَمُّ بَعْضِهِ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى يَصِيرَ نِصَابًا كَامِلًا فَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يُضَمُّ عَلَى الْأَجْزَاءِ كَالْمَالِكِيَّةِ أَوْ عَلَى الْقِيَمِ كَالْحَنَفِيَّةِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِأَحْمَدَ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ مَاشِيَةٌ بِبَلَدٍ لَا تَبْلُغُ النِّصَابَ كَعِشْرِينَ شَاةً مَثَلًا بِالْكُوفَةِ وَمِثْلُهَا بِالْبَصْرَةِ أَنَّهَا لَا تُضَمُّ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا مِلْكَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَتُؤْخَذُ مِنْهَا الزَّكَاةُ لِبُلُوغِهَا النّصاب قَالَه بن الْمُنْذِرِ وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا يُجْمَعُ عَلَى صَاحِبِ المَال أَمْوَاله وَلَوْ كَانَتْ فِي بُلْدَانٍ شَتَّى وَيُخْرَجُ مِنْهَا الزَّكَاةُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى إِبْطَالِ الْحِيَلِ وَالْعَمَلِ عَلَى الْمَقَاصِدِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهَا بِالْقَرَائِنِ وَأَنَّ زَكَاةَ الْعَيْنِ لَا تَسْقُطُ بِالْهِبَةِ مَثَلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ