فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الشرب من قدح النبي صلى الله عليه وسلم وآنيته

( قَولُهُ بَابُ الشُّرْبِ مِنْ قَدَحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
أَيْ تَبَرُّكًا بِهِ قَالَ بن الْمُنِيرِ كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ دَفْعَ تَوَهُّمِ مَنْ يَقَعُ فِي خَيَالِهِ أَنَّ الشُّرْبَ فِي قَدَحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَبَيَّنَ أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُورَثُ وَمَا تَرَكَهُ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَلَا يُقَالُ إِنَّ الْأَغْنِيَاءَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَالصَّدَقَةُ لَا تَحِلُّ لِلْغَنِيِّ لِأَنَّ الْجَوَابَ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ مِنَ الصَّدَقَةِ هُوَ الْمَفْرُوضُ مِنْهَا وَهَذَا لَيْسَ مِنَ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ.

قُلْتُ وَهَذَا الْجَوَابُ غَيْرُ مُقْنِعٍ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الصَّدَقَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ جِنْسِ الْأَوْقَافِ الْمُطْلَقَةِ يَنْتَفِعُ بِهَا مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا وَتُقَرُّ تَحْتَ يَدِ مَنْ يُؤْتَمَنُ عَلَيْهَا وَلِهَذَا كَانَ عِنْدَ سَهْلٍ قَدَحٌ وَعِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ آخَرُ وَالْجُبَّةُ عِنْدَ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وقَال أَبُو بردة هُوَ بن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ .

     قَوْلُهُ  قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ هُوَ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ وَلَامُ سَلَامٍ مُخَفَّفَةٌ .

     قَوْلُهُ  أَلَا بِتَخْفِيفِ اللَّامِ لِلْعَرْضِ وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ سَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ مِنْ طَرِيقِ بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَتَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي قِصَّةِ الْجَوْنِيَّةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ ثُمَّ نُونٍ فِي قِصَّةِ اسْتِعَاذَتِهَا لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ قِصَّتِهَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَقَولُهُ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ فَنَزَلَتْ فِي أُجُمٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ هُوَ بِنَاءٌ يُشْبِهُ الْقَصْرَ وَهُوَ مِنْ حُصُونِ الْمَدِينَةِ وَالْجَمْعُ آجَامٌ مِثْلُ أُطُمٍ وَآطَامٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْأُطُمُ وَالْأُجُمُ بِمَعْنًى وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ الْآجَامُ الْأَشْجَارُ وَالْحَوَائِطُ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْكِرْمَانِيِّ الْأُجُمُ بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ أَجَمَةٍ وَهِيَ الْغَيْضَةُ



[ قــ :5338 ... غــ :5637] .

     قَوْلُهُ  قَالَتْ أَنَا كُنْتُ أَشْقَى مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ فِيهِ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ مُرَادُهَا إِثْبَاتُ الشَّقَاءِ لَهَا لِمَا فَاتَهَا مِنَ التَّزَوُّجِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْبَيْعَةُ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِالْخِلَافَةِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَالَ اسْقِنَا يَا سَهْلُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ اسْقِنَا لِسَهْلٍ أَيْ قَالَ لِسَهْلٍ اسْقِنَا وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فَقَالَ اسْقِنَا يَا أَبَا سَعْدٍ وَالَّذِي أَعْرِفُهُ فِي كُنْيَةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَبُو الْعَبَّاسِ فَلَعَلَّ لَهُ كنيتين أَو كَانَ الأَصْل يَا بن سَعْدٍ فَتَحَرَّفَتْ .

     قَوْلُهُ  فَأَخْرَجْتُ لَهُمْ هَذَا الْقَدَحَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي فَخَرَجْتُ لَهُمْ بِهَذَا الْقَدَحِ .

     قَوْلُهُ  فَأَخْرَجَ لَنَا سَهْلٌ قَائِلُ ذَلِكَ هُوَ أَبُو حَازِمٍ الرَّاوِي عَنْهُ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ اسْتَوْهَبَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ ذَلِكَ فَوَهَبَهُ لَهُ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَئِذٍ قَدْ وَلِيَ إمرة الْمَدِينَة وَلَيْسَت الْهِبَة هُنَا حَقِيقِيَّة بَلْ مِنْ جِهَةِ الِاخْتِصَاصِ وَفِي الْحَدِيثِ التَّبَسُّطُ عَلَى الصَّاحِبِ وَاسْتِدْعَاءُ مَا عِنْدِهُ مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَتَعْظِيمُهُ بِدُعَائِهِ بِكُنْيَتِهِ وَالتَّبَرُّكُ بِآثَارِ الصَّالِحِينَ وَاسْتِيهَابُ الصِّدِّيقِ مَا لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ هِبَتُهُ وَلَعَلَّ سَهْلًا سَمَحَ بِذَلِكَ لِبَدَلٍ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا فَعَوَّضَهُ الْمُسْتَوْهِبُ مَا يَسُدُّ بِهِ حَاجَتَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَمُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ ظَاهِرَةٌ مِنْ جِهَةِ رَغْبَةِ الَّذِينَ سَأَلُوا سَهْلًا أَنْ يُخْرِجَ لَهُمُ الْقَدَحَ الْمَذْكُورَ لِيَشْرَبُوا فِيهِ تَبَرُّكًا بِهِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ





[ قــ :5339 ... غــ :5638] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ كَذَا أَخْرَجَ هُنَا وَفِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ بِوَاسِطَةٍ وَأَخْرَجَ عَنْهُ فِي هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَالْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ كَانَ صِهْرَ يَحْيَى بْنِ حَمَّادٍ فَكَانَ عِنْدَهُ عَنْهُ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِ وَلِهَذَا لَمْ يُخْرِجْهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ وَلَا وَجَدَ لَهُ أَبُو نُعَيْمٍ إِسْنَادًا غَيْرَ إِسْنَادِ الْبُخَارِيِّ فَأَخْرَجَهُ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ الْفَرَبْرِيِّ عَنِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ قَالَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُدْرِكٍ وَيُقَالُ إِنَّهُ حَدِيثُهُ يَعْنِي أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ .

     قَوْلُهُ  رَأَيْتُ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ تَقَدَّمَ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ رَأَيْتُ الْقَدَحَ وَشَرِبْتُ مِنْهُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ ثُمَّ قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ وَأَنَا رَأَيْتُ الْقَدَحَ وَشَرَّبْتُ مِنْهُ وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ رَأَى فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْقَدِيمَةِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ رَأَيْتَ هَذَا الْقَدَحَ بِالْبَصْرَةِ وَشَرِبْتُ مِنْهُ وَكَانَ اشْتَرَى مِنْ مِيرَاثِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ بِثَمَانِمِائَةِ أَلْفٍ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ قَدِ انْصَدَعَ أَيِ انْشَقَّ .

     قَوْلُهُ  فَسَلْسَلَهُ بِفِضَّةٍ أَيْ وَصَلَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الَّذِي وَصَلَهُ هُوَ أَنَسٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ الْمَذْكُورَةِ بِلَفْظِ إِنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَسَرَ فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ لَكِنْ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ انْصَدَعَ فَجَعَلْتُ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ قَالَ يَعْنِي أَنَسًا هُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ فَمَا أَدْرِي مَنْ قَالَهُ مِنْ رُوَاتِهِ هَلْ هُوَ مُوسَى بْنُ هَارُونَ أَوْ غَيْرُهُ.

قُلْتُ لَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَنْ قَالَ هَذَا وَهُوَ جَعَلْتُ بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى أَنَّهُ ضَمِيرُ الْقَائِلِ وَهُوَ أَنَسٌ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جُعِلَتْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ فَتُسَاوِي الرِّوَايَةَ الَّتِي فِي الصَّحِيحِ وَوَقَعَ لِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ عَاصِمٍ رَأَيْتُ عِنْدَ أَنَسٍ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ ضَبَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَهَذَا أَيْضًا يَحْتَمِلُ وَالشَّعْبُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الصَّدْعُ وَكَأَنَّهُ سَدَّ الشُّقُوقَ بِخُيُوطٍ مِنْ فِضَّةٍ فَصَارَتْ مِثْلَ السِّلْسِلَةِ .

     قَوْلُهُ  وَهُوَ قَدَحٌ جَيِّدٌ عَرِيضٌ مِنْ نُضَارٍ الْقَائِلُ هُوَ عَاصِمٌ رَاوِيهِ وَالْعَرِيضُ الَّذِي لَيْسَ بِمُتَطَاوِلٍ بَلْ يَكُونُ طُولُهُ أَقْصَرَ مِنْ عُمْقِهِ وَالنُّضَارُ بِضَمِّ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الْخَالِصُ مِنَ الْعُودِ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَيُقَالُ أَصْلُهُ مِنْ شَجَرِ النَّبْعِ وَقِيلَ مِنَ الْأَثْلِ وَلَوْنُهُ يَمِيلُ إِلَى الصُّفْرَةِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيُّ هُوَ أَجْوَدُ الْخَشَبِ لِلْآنِيَةِ.

     وَقَالَ  فِي الْمُحْكَمِ النُّضَارُ التِّبْرُ وَالْخَشَبُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَيْ عَاصِمٌ قَالَ أَنَسٌ لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْقَدَحِ أَكْثَرَ مِنْ كَذَا وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ لَقَدْ سَقَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحِي هَذَا الشَّرَابَ كُلَّهُ الْعَسَلَ وَالنَّبِيذَ وَالْمَاءَ وَاللَّبَنَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ صِفَةُ النَّبِيذِ الَّذِي كَانَ يَشْرَبُهُ وَأَنَّهُ نَقِيعُ التَّمْرِ أَوِ الزَّبِيبِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَيْ عَاصِمٌ.

     وَقَالَ  بن سِيرِينَ هُوَ مُحَمَّدٌ وَقَدْ فَصَّلَ أَبُو عَوَانَةَ فِي رِوَايَتِهِ هَذِهِ مَا حَمَلَهُ عَاصِمٌ عَنْ أنس مِمَّا حمله عَن بن سِيرِينَ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ الْمَاضِيَةِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّهُ كَانَ فِيهِ حَلْقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ فَأَرَادَ أَنَسٌ أَنْ يَجْعَلَ مَكَانَهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّرَدُّدُ مِنْ أَنَسٍ عِنْدَ إِرَادَةِ ذَلِكَ أَوِ اسْتِشَارَتُهُ أَبَا طَلْحَةَ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ زَوْجُ أُمِّ سُلَيْمٍ وَالِدَةُ أَنَسٍ .

     قَوْلُهُ  لَا تُغَيِّرَنَّ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالتَّوْكِيدِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ لَا تُغَيِّرْ بِصِيغَةِ النَّهْيِ بِغَيْرِ تَأْكِيدٍ وَكَلَام أبي طَلْحَة هَذَا إِن كَانَ بن سِيرِينَ سَمِعَهُ مِنْ أَنَسٍ وَإِلَّا فَيَكُونُ أَرْسَلَهُ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ اتِّخَاذِ ضَبَّةَ الْفِضَّةِ وَكَذَلِكَ السِّلْسِلَةِ وَالْحَلْقَةِ وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَنَعَهُ مُطْلَقًا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَعَنْ مَالِكٍ يَجُوزُ مِنَ الْفِضَّةِ إِنْ كَانَ يَسِيرًا وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ قَالَ لِئَلَّا يَكُونَ شَارِبًا عَلَى فِضَّةٍ فَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَخْتَصُّ بِمَا إِذَا كَانَتِ الْفِضَّةُ فِي مَوْضِعِ الشُّرْبِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ.

     وَقَالَ  بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ.

     وَقَالَ  بن الْمُنْذِرِ تَبَعًا لِأَبِي عُبَيْدٍ الْمُفَضَّضُ لَيْسَ هُوَ إِنَاءُ فِضَّةٍ وَالَّذِي تَقَرَّرَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الضَّبَّةَ إِنْ كَانَتْ مِنَ الْفِضَّةِ وَهِيَ كَبِيرَةٌ لِلزِّينَةِ تَحْرُمُ أَوْ لِلْحَاجَةِ فَتَجُوزُ مُطْلَقًا وَتَحْرُمُ ضَبَّةُ الذَّهَبِ مُطْلَقًا وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَ ضَبَّتَيِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِيه عَن بن عُمَرَ بِنَحْوِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَزَادَ فِيهِ أَوْ فِي إِنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَعْلُولٌ بِجَهَالَةِ حَالِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ وَوَلَدِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الصَّوَابُ مَا رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَن بن عُمَرَ مَوْقُوفًا أَنَّهُ كَانَ لَا يَشْرَبُ فِي قَدَحٍ فِيهِ ضَبَّةُ فِضَّةٍ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَن لُبْسِ الذَّهَبِ وَتَفْضِيضِ الْأَقْدَاحِ ثُمَّ رَخَّصَ فِي تَفْضِيضِ الْأَقْدَاحِ وَهَذَا لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ حُجَّةً فِي الْجَوَازِ لَكِنْ فِي سَنَدِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ أَوْ إِنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِنَاءِ مِنَ النُّحَاسِ أَوِ الْحَدِيدِ الْمَطْلِيِّ بِالذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ كَانَ يَحْصُلُ مِنْهُ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ حُرِّمَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا وَفِي الْعَكْسِ وَجْهَانِ كَذَلِكَ وَلَوْ غُلِّفَ إِنَاءُ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ بِالنُّحَاسِ مَثَلًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَكَذَلِكَ وَجَزَمَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ كَحَشْوِ الْجُبَّةِ الَّتِي مِنَ الْقُطْنِ مَثَلًا بِالْحَرِيرِ وَاسْتُدِلَّ بِجَوَازِ اتِّخَاذِ السَّلْسَلَةِ وَالْحَلْقَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ لِلْإِنَاءِ رَأْسٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ وَهَذَا مَا نَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالْخُوَارِزْمِيُّ.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيُّ فِيهِ نَظَرٌ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ كَالتَّضْبِيبِ وَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ وَالتَّفْصِيلُ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَابِطِ الصِّغَرِ فِي ذَلِكَ فَقِيلَ الْعُرْفُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ مَا يَلْمَعُ عَلَى بُعْدٍ كَبِيرٍ وَمَا لَا فَصَغِيرٌ وَقِيلَ مَا اسْتَوْعَبَ جُزْءًا مِنَ الْإِنَاءِ كَأَسْفَلِهِ أَوْ عروته أَو شفته كَبِير وَمَا لَا فَلَا وَمَتَى شَكَّ فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ وَالله أعلم