فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الاستعفاف عن المسألة

قَوْله بَاب الإستعفاف عَن الْمَسْأَلَة أ)
ي فِي شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَذَكَرَ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ



[ قــ :1411 ... غــ :1469] .

     قَوْلُهُ  إِنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِي أَسْمَاؤُهُمْ إِلَّا أَنَّ النَّسَائِيَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ خُوطِبَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ فَفِي حَدِيثِهِ سَرَّحَتْنِي أُمِّي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي لِأَسْأَلَهُ مِنْ حَاجَةٍ شَدِيدَةٍ فَأَتَيْتُهُ وَقَعَدْتُ فَاسْتَقْبَلَنِي فَقَالَ مَنِ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللَّهُ الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ وَمَنْ سَأَلَ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ فَقَدْ أَلْحَفَ فَقُلْتُ نَاقَتِي خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَنَّهُ مِمَّنْ خُوطِبَ بِبَعْضِ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ أَنْصَارِيًّا إِلَّا بِالْمَعْنَى الْأَعَمّ قَوْله حَتَّى نفد بِكَسْر الْفَاء أَي فرغ .

     قَوْلُهُ  فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ أَيْ أَحْبِسُهُ وَأَخْبَؤُهُ وَأَمْنَعُكُمْ إِيَّاهُ مُنْفَرِدًا بِهِ عَنْكُمْ وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ السَّخَاءِ وَإِنْفَاذِ أَمْرِ اللَّهِ وَفِيهِ إِعْطَاءُ السَّائِلِ مَرَّتَيْنِ وَالِاعْتِذَارُ إِلَى السَّائِلِ وَالْحَضُّ عَلَى التَّعَفُّفِ وَفِيهِ جَوَازُ السُّؤَالِ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ وَالصَّبْرَ حَتَّى يَأْتِيَهُ رِزْقُهُ بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَقَولُهُ وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ فِي رِوَايَة الْكشميهني يستعف ثَانِيهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بِمَعْنَاهُ وَفِي رِوَايَةِ الزُّبَيْرِ زِيَادَةٌ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ وَذَلِكَ مُرَادٌ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحُذِفَ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَأْتِي رَجُلًا وَفِي حَدِيثِ الزُّبَيْرِ يَسْأَلُ النَّاسَ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَزَادَ فِي أَوَّلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ





[ قــ :141 ... غــ :1470] قَوْلَهُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ فَفِيهِ الْقَسَمُ عَلَى الشَّيْءِ الْمَقْطُوعِ بِصِدْقِهِ لِتَأْكِيدِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَفِيهِ الْحَضُّ عَلَى التَّعَفُّفِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّنَزُّهِ عَنْهَا وَلَوِ امْتَهَنَ الْمَرْءُ نَفْسَهُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ وَارْتَكَبَ الْمَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ وَلَوْلَا قُبْحُ الْمَسْأَلَةِ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ لَمْ يُفَضَّلْ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَذَلِكَ لِمَا يَدْخُلُ عَلَى السَّائِلِ مَنْ ذُلِّ السُّؤَالِ وَمِنْ ذُلِّ الرَّدِّ إِذَا لَمْ يُعْطَ وَلِمَا يَدْخُلُ على المسؤل مِنَ الضِّيقِ فِي مَالِهِ إِنْ أَعْطَى كُلَّ سَائِلٍ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  خَيْرٌ لَهُ فَلَيْسَتْ بِمَعْنَى أفعل التَّفْضِيل إِذْ لاخير فِي السُّؤَالِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاكْتِسَابِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ سُؤَالَ مَنْ هَذَا حَالُهُ حَرَامٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْخَيْرِ فِيهِ بِحَسَبِ اعْتِقَادِ السَّائِلِ وَتَسْمِيَتِهِ الَّذِي يُعْطَاهُ خَيْرًا وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ شَرٌّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثَالِثُهَا حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ أَنَّثَ الْخَبَرَ لِأَنَّ الْمُرَادَ الدُّنْيَا





[ قــ :1414 ... غــ :147] .

     قَوْلُهُ  خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ شَبَّهَهُ بِالرَّغْبَةِ فِيهِ وَالْمَيْلِ إِلَيْهِ وَحِرْصِ النُّفُوسِ عَلَيْهِ بِالْفَاكِهَةِ الْخَضْرَاءِ الْمُسْتَلَذَّةِ فَإِنَّ الْأَخْضَرَ مَرْغُوبٌ فِيهِ عَلَى انْفِرَادِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْيَابِسِ وَالْحُلْوَ مَرْغُوبٌ فِيهِ عَلَى انْفِرَادِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَامِضِ فَالْإِعْجَابُ بِهِمَا إِذَا اجْتَمَعَا أَشَدُّ .

     قَوْلُهُ  بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ أَيْ بِغَيْرِ شَرَهٍ وَلَا إِلْحَاحٍ أَيْ مَنْ أَخْذَهُ بِغَيْرِ سُؤَالٍ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخِذِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُعْطِي أَيْ بِسَخَاوَةِ نَفْسِ الْمُعْطِي أَيْ انْشِرَاحِهِ بِمَا يُعْطِيهِ .

     قَوْلُهُ  كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ أَيْ الَّذِي يُسَمَّى جُوعُهُ كَذَّابًا لِأَنَّهُ مِنْ عِلَّةٍ بِهِ وَسَقَمٍ فَكُلَّمَا أَكَلَ ازْدَادَ سَقَمًا وَلَمْ يَجِدْ شِبَعًا .

     قَوْلُهُ  الْيَدُ الْعُلْيَا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي بَابٌ لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى .

     قَوْلُهُ  لَا أَرْزَأُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ أَيْ لَا أَنْقُصُ مَالَهُ بِالطَّلَبِ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِإِسْحَاقَ.

قُلْتُ فَوَاللَّهِ لَا تَكُونُ يَدَيَّ بَعْدَكَ تَحْتَ يَدٍ مِنْ أَيْدِي الْعَرَبِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ حَكِيمٌ مِنْ أَخْذِ الْعَطَاءِ مَعَ أَنَّهُ حَقُّهُ لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَيَعْتَادَ الْأَخْذَ فَتَتَجَاوَزَ بِهِ نَفْسُهُ إِلَى مَا لَا يُرِيدُهُ فَفَطَمَهَا عَنْ ذَلِكَ وَتَرَكَ مَا يَرِيبُهُ إِلَى مَا لَا يَرِيبُهُ وَإِنَّمَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ عُمَرَ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَنْسُبَهُ أَحَدٌ لَمْ يَعْرِفْ بَاطِنَ الْأَمْرِ إِلَى مَنْعِ حَكِيمٍ مِنْ حَقِّهِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تُوُفِّيَ زَادَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مَسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ مُرْسَلًا أَنَّهُ مَا أَخَذَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا عُثْمَانَ وَلَا مُعَاوِيَةَ دِيوَانًا وَلَا غَيْرَهُ حَتَّى مَاتَ لِعَشْرِ سِنِين مَعَ إِمَارَة مُعَاوِيَة قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ فِي حَدِيثِ حَكِيمٍ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ الزُّهْدُ مَعَ الْأَخْذِ فَإِنَّ سَخَاوَةَ النَّفْسِ هُوَ زُهْدُهَا تَقُولُ سَخَتْ بِكَذَا أَيْ جَادَتْ وَسَخَتْ عَنْ كَذَا أَيْ لَمْ تَلْتَفِتْ إِلَيْهِ وَمِنْهَا أَنَّ الْأَخْذَ مَعَ سَخَاوَةِ النَّفْسِ يُحَصِّلُ أَجْرَ الزُّهْدِ وَالْبَرَكَةَ فِي الرِّزْقِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الزُّهْدَ يُحَصِّلُ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفِيهِ ضَرْبُ الْمَثَلِ لِمَا لَا يَعْقِلُهُ السَّامِعُ مِنَ الْأَمْثِلَةِ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُ الْبَرَكَةُ إِلَّا فِي الشَّيْءِ الْكَثِيرِ فَبَيَّنَ بِالْمِثَالِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْبَرَكَةَ هِيَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَضَرَبَ لَهُمُ الْمَثَلَ بِمَا يَعْهَدُونَ فَالْآكِلُ إِنَّمَا يَأْكُلُ لِيَشْبَعَ فَإِذَا أَكَلَ وَلَمْ يَشْبَعْ كَانَ عَنَاءً فِي حَقِّهِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَكَذَلِكَ الْمَالُ لَيْسَتِ الْفَائِدَةُ فِي عَيْنِهِ وَإِنَّمَا هِيَ لِمَا يَتَحَصَّلُ بِهِ مِنَ الْمَنَافِعِ فَإِذَا كَثُرَ عِنْدَ الْمَرْءِ بِغَيْرِ تَحْصِيلِ مَنْفَعَةٍ كَانَ وُجُودُهُ كَالْعَدَمِ وَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُبَيِّنَ لِلطَّالِبِ مَا فِي مَسْأَلَتِهِ مِنَ الْمَفْسَدَةِ إِلَّا بَعْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ لِتَقَعَ مَوْعِظَتُهُ لَهُ الْمَوْقِعَ لِئَلَّا يَتَخَيَّلَ أَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِمَنْعِهِ مِنْ حَاجَتِهِ وَفِيهِ جَوَازُ تَكْرَارِ السُّؤَالِ ثَلَاثًا وَجَوَازُ الْمَنْعِ فِي الرَّابِعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ سُؤَالَ الْأَعْلَى لَيْسَ بِعَارٍ وَأَنَّ رَدَّ السَّائِلِ بَعْدَ ثَلَاثٍ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَأَنَّ الْإِجْمَالَ فِي الطَّلَبِ مَقْرُونٌ بِالْبَرَكَةِ وَقَدْ زَادَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مَسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي آخِرِهِ فَمَاتَ حِينَ مَاتَ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَكْثَرِ قُرَيْشٍ مَالًا وَفِيهِ أَيْضًا سَبَبُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ دُونَ مَا أَعْطَى أَصْحَابَهُ فَقَالَ حَكِيمٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ تَقْصُرَ بِي دُونَ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ فَزَادَهُ ثُمَّ اسْتَزَادَهُ حَتَّى رَضِيَ فَذَكَرَ نَحْو الحَدِيث