فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب غسل الميت ووضوئه بالماء والسدر

( قَولُهُ بَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَوُضُوئِهِ)
أَيْ بَيَانُ حُكْمِهِ وَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ ذُهُولٌ شَدِيدٌ فَإِنَّ الْخِلَافَ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ حَتَّى إِنَّ الْقُرْطُبِيَّ رَجَّحَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَكِن الْجُمْهُور على وُجُوبه وَقد رد بن الْعَرَبِيِّ عَلَى مَنْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ وَقَدْ تَوَارَدَ بِهِ الْقَوْلُ وَالْعَمَلُ وَغُسِّلَ الطَّاهِرُ الْمُطَهَّرُ فَكَيْفَ بِمَنْ سِوَاهُ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  وَوُضُوئِهِ فَقَالَ بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ تَرْجَمَ بِالْوُضُوءِ وَلَمْ يَأْتِ لَهُ بِحَدِيثٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ انْتِزَاعَ الْوُضُوءِ مِنَ الْغُسْلِ لِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ عَلَى الْمَعْهُودِ مِنَ الِاغْتِسَال كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ أَوْ أَرَادَ وُضُوءَ الْغَاسِلِ أَيْ لَا يلْزمه وضوء وَلِهَذَا سَاق أثر بن عُمَرَ انْتَهَى وَفِي عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى الْغَاسِلِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ بَعْدُ إِلَّا أَنْ يُقَالَ تَقْدِيرُ التَّرْجَمَةِ بَابُ غُسْلِ الْحَيِّ الْمَيِّتَ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَيَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى الْمَحْذُوفِ فَيَتَّجِهُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَشَارَ كَعَادَتِهِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ فَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَيْضًا ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْوُضُوءَ لَمْ يَرِدِ الْأَمْرَ بِهِ مُجَرَّدًا وَإِنَّمَا وَرَدَ الْبُدَاءَةُ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَمَا يُشْرَعُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَوْ أَرَادَ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْوُضُوءِ لَا يُجْزِئُ لَوُروَدِ الْأَمْرِ بِالْغُسْلِ .

     قَوْلُهُ  بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ جَعَلَهُمَا مَعًا آلَةً لِغُسْلِ الْمَيِّتِ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِحَدِيثِ الْبَابِ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ اغْسِلْنَهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّ السِّدْرَ يُخْلَطُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ مَرَّاتِ الْغُسْلِ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِأَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ لِلتَّنْظِيفِ لَا لِلتَّطْهِيرِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُضَافَ لَا يُتَطَهَّرُ بِهِ انْتَهَى وَقَدْ يَمْنَعُ لُزُومُ كَوْنِ الْمَاءِ يَصِيرُ مُضَافا بذلك لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يُغَيِّرَ السِّدْرُ وَصْفَ الْمَاءِ بِأَنْ يُمَعَّكَ بِالسِّدْرِ ثُمَّ يُغْسَلَ بِالْمَاءِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَإِنَّ لَفْظَ الْخَبَرِ لَا يَأْبَى ذَلِك.

     وَقَالَ  القرطي يُجْعَلُ السِّدْرُ فِي مَاءٍ وَيُخَضْخَضُ إِلَى أَنْ تَخْرُجَ رَغْوَتُهُ وَيُدْلَكُ بِهِ جَسَدُهُ ثُمَّ يُصَبُّ عَلَيْهِ المَاء القراح فَهَذِهِ غسلة وَحكى بن الْمُنْذِرِ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا تُطْرَحُ وَرَقَاتُ السِّدْرِ فِي الْمَاءِ أَيْ لِئَلَّا يُمَازِجَ الْمَاءَ فَيَتَغَيَّرَ وَصْفُهُ الْمُطْلَقُ وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  يُغْسَلُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ وَأَعْلَى مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنِ بن سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْغُسْلَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ فَيَغْسِلُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ مَرَّتَيْنِ وَالثَّالِثَةُ بِالْمَاءِ والكافور قَالَ بن عبد الْبر كَانَ يُقَال كَانَ بن سِيرِين من أعلم التَّابِعين بذلك.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ مَنْ قَالَ الْأُولَى بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَالثَّانِيَةُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ أَوِ الْعَكْسُ وَالثَّالِثَةُ بِالْمَاءِ وَالْكَافُورِ فَلَيْسَ هُوَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ اه وَكَأَنَّ قَائِلَهُ أَرَادَ أَنْ تَقَعَ إِحْدَى الْغَسَلَاتِ بِالْمَاءِ الصِّرْفِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ الْمُطَهِّرُ فِي الْحَقِيقَةِ.
وَأَمَّا الْمُضَاف فَلَا وَتمسك بِظَاهِر الحَدِيث بن شعْبَان وبن الْفَرْضِيِّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمَالِكِيَّةِ فَقَالُوا غُسْلُ الْمَيِّتِ إِنَّمَا هُوَ لِلتَّنْظِيفِ فَيُجْزِئُ بِالْمَاءِ الْمُضَافِ كَمَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ قَالُوا وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ جِهَةِ السَّرَفِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ غُسْلٌ تَعَبُّدِيٌّ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي بَقِيَّةِ الْأَغْسَالِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ وَقِيلَ شُرِعَ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ لَازِمَهُ أَنْ لَا يُشْرَعَ غُسْلُ مَنْ هُوَ دُونَ الْبلُوغ وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع قَوْله وحنط بن عُمَرَ ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَلَهُ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ حَنَّطَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ الثَّقِيلَةِ أَيْ طَيَّبَهُ بِالْحَنُوطِ وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ يُخْلَطُ مِنَ الطِّيبِ لِلْمَيِّتِ خَاصَّةً وَقَدْ وَصَلَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَنَّطَ ابْنًا لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَلَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ انْتَهَى وَالِابْنُ الْمَذْكُورُ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ كَذَلِكَ رَوَيْنَاهُ فِي نُسْخَةِ أَبِي الْجَهْمِ الْعَلَاءِ بْنِ مُوسَى عَنِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَنَّطَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ فَذَكَرَهُ قِيلَ تَعَلَّقَ هَذَا الْأَثَرُ وَمَا بَعْدَهُ بِالتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ يَرَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ وَأَنَّ غُسْلَهُ إِنَّمَا هُوَ لِلتَّعَبُّدِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يُطَهِّرْهُ الْمَاءُ وَالسِّدْرُ وَلَا الْمَاءُ وَحْدَهُ وَلَو كَانَ نجسا مَا مَسّه بن عُمَرَ وَلَغَسَلَ مَا مَسَّهُ مِنْ أَعْضَائِهِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى تَضْعِيفِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا عَمْرَو بْنَ عُمَيْر فَلَيْسَ بِمَعْرُوف وروى التِّرْمِذِيّ وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ وَهُوَ مَعْلُولٌ لِأَنَّ أَبَا صَالِحٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ.

     وَقَالَ  بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ الصَّوَابُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفٌ.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ هَذَا مَنْسُوخٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ نَاسِخَهُ.

     وَقَالَ  الذُّهْلِيُّ فِيمَا حَكَاهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ لَيْسَ فِيمَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ حَدِيثُ ثَابِتٍ .

     قَوْلُهُ  وقَال بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَخْ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ يَنْجَسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَحْيَى الْمَخْزُومِيِّ عَنْ سُفْيَانَ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ ابْنَيْ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَان وَالَّذِي فِي مُصَنف بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ مَوْقُوفٌ كَمَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَرَوَى الْحَاكِمُ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَولُهُ لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ أَيْ لَا تَقُولُوا إِنَّهُمْ نَجَسٌ وَقَولُهُ يَنْجَسُ بِفَتْحِ الْجِيمِ .

     قَوْلُهُ  وقَال سَعْدٌ لَوْ كَانَ نَجِسًا مَا مَسِسْتُهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَأَبِي الْوَقْتِ.

     وَقَالَ  سَعِيدٌ بِزِيَادَةِ يَاءٍ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَهُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ كَذَلِك أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ قَالَتْ أُوذِنَ سَعْدٌ تَعْنِي أَبَاهَا بِجِنَازَةِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ بِالْعَقِيقِ فَجَاءَهُ فَغَسَّلَهُ وَكَفَّنَهُ وَحَنَّطَهُ ثُمَّ أَتَى دَارَهُ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَغْتَسِلْ مِنْ غُسْلِهِ وَلَوْ كَانَ نَجِسًا مَا مَسِسْتُهُ وَلَكِنِّي اغْتَسَلْتُ مِنَ الْحَرِّ وَقَدْ وَجَدْتُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَخْرَجَهُ سَمُّويَهِ فِي فَوَائِدِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي وَاقِدٍ الْمَدَنِيِّ قَالَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّهُ نَجِسٌ لَمْ أَمَسَّهُ وَفِي أَثَرِ سَعْدٍ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا يَخْشَى أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَى مَنْ رَآهُ أَنْ يُعْلِمَهُمْ بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ لِئَلَّا يَحْمِلُوهُ عَلَى غَيْرِ مَحْمَلِهِ .

     قَوْلُهُ  وقَال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجَسُ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي بَابِ الْجُنُبِ يَمْشِي فِي السُّوقِ مِنْ كِتَابِ الْغُسْلِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ صِفَةَ الْإِيمَانِ لَا تُسْلَبُ بِالْمَوْتِ وَإِذَا كَانَتْ بَاقِيَةً فَهُوَ غَيْرُ نَجِسٍ وَقد بَين ذَلِك حَدِيث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ قَبْلُ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ هُنَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّجِسُ الْقَذِرُ انْتَهَى وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْبُخَارِيُّ وَأَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيَ هَذَا الْوَصْفِ وَهُوَ النَّجَسُ عَنِ الْمُسْلِمِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا



[ قــ :1207 ... غــ :1253] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّد بن سِيرِين فِي رِوَايَة بن جريج عَن أَيُّوب سَمِعت بن سِيرِينَ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ كَيْفَ الْإِشْعَارُ وَقَدْ رَوَاهُ أَيُّوبُ أَيْضًا عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ وَمَدَارُ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَحَفْصَةَ ابْنَيْ سِيرِينَ وَحَفِظَتْ مِنْهُ حَفْصَةُ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ مُحَمَّدٌ كَمَا سَيَأْتِي مُبينًا قَالَ بن الْمُنْذِرِ لَيْسَ فِي أَحَادِيثِ الْغُسْلِ لِلْمَيِّتِ أَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ وَعَلَيْهِ عَوَّلَ الْأَئِمَّةُ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ فِي رِوَايَةِ بن جُرَيْجٍ الْمَذْكُورَةِ جَاءَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ اللَّاتِي بَايَعْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَتِ الْبَصْرَةَ تُبَادِرُ ابْنًا لَهَا فَلَمْ تُدْرِكْهُ وَهَذَا الِابْنُ مَا عَرَفْتُ اسْمَهُ وَكَأَنَّهُ كَانَ غَازِيًا فَقَدِمَ الْبَصْرَةَ فَبَلَغَ أُمَّ عَطِيَّةَ وَهِيَ بِالْمَدِينَةِ قُدُومَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ فَرَحَلَتْ إِلَيْهِ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ تَلْقَاهُ وَسَيَأْتِي فِي الْإِحْدَادِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قُدُومَهَا كَانَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ اسْمَهَا نُسَيْبَةَ بِنُونٍ وَمُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَالْمَشْهُورُ فِيهَا التَّصْغِيُرُ وَقِيلَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ السَّرَخْسِيِّ وَكَذَا ضَبَطَهُ الْأَصِيلِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ معِين وطاهر بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي السِّيرَةِ الْهِشَامِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ فِي رِوَايَةِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَيُّوبَ وَهِيَ الَّتِي تَلِي هَذِهِ وَكَذَا فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ دَخَلَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نُغَسِّلُ بِنْتَهُ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ دَخَلَ حِينَ شَرَعَ النِّسْوَةُ فِي الْغُسْلِ وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ أَنَّ مَجِيئَهُنَّ إِلَيْهَا كَانَ بِأَمْرِهِ وَلَفْظُهُ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ مَاتَتْ إِحْدَى بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا فَقَالَ اغْسِلْنَهَا .

     قَوْلُهُ  ابْنَتُهُ لَمْ تَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ رِوَاياتِ الْبُخَارِيِّ مُسَمَّاةً وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا زَيْنَب زوج أبي العَاصِي بْنِ الرَّبِيعِ وَالِدَةُ أُمَامَةَ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ أَكْبَرُ بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ وَفَاتُهَا فِيمَا حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ فِي الذَّيْلِ فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَقَدْ وَرَدَتْ مُسَمَّاةً فِي هَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ لَمَّا مَاتَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْسِلْنَهَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَلَمْ أَرَهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَنْ حَفْصَةَ وَلَا عَنْ مُحَمَّدٍ مُسَمَّاةً إِلَّا فِي رِوَايَةِ عَاصِمٍ هَذِهِ وَقَدْ خُولِفَ فِي ذَلِك فَحكى بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ الشَّارِحِ أَنَّهُ جَزَمَ بِأَنَّ الْبِنْتَ الْمَذْكُورَةَ أُمُّ كُلْثُومٍ زَوْجُ عُثْمَانَ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدَهُ.
وَتَعَقَّبَهُ الْمُنْذِرِيُّ بِأَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ تُوُفِّيَتْ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ فَلَمْ يَشْهَدْهَا وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ فَإِنَّ الَّتِي تُوُفِّيَتْ حِينَئِذٍ رُقَيَّةُ وَعَزَاهُ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ لِبَعْضِ أَهْلِ السِّيَرِ وَهُوَ قُصُورٌ شَدِيدٌ فَقَدْ أخرجه بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَيُّوبَ وَلَفْظُهُ دَخَلَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ فِي بَابِ كَيْفَ الْإِشْعَارُ وَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُبْهَمَاتِ لِابْنِ بَشْكُوَالٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ الْحَدِيثَ وَقَرَأْتُ بِخَطِّ مُغَلْطَايْ زَعَمَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهَا أُمُّ كُلْثُومٍ وَفِيهِ نَظَرٌ كَذَا قَالَ وَلَمْ أَرَ فِي التِّرْمِذِيِّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ رَوَى الدُّولَابَيُّ فِي الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الرِّجَالِ عَنْ عَمْرَةَ أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ كَانَتْ مِمَّنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ ابْنَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ فَيُمْكِنُ دَعْوَى تَرْجِيحِ ذَلِكَ لِمَجِيئِهِ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ تكون حضرتهما جَمِيعًا فقد جزم بن عَبْدِ الْبَرِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَرْجَمَتِهَا بِأَنَّهَا كَانَتْ غَاسِلَةَ الْمَيِّتَاتِ وَوَقَعَ لِي مِنْ تَسْمِيَةِ النِّسْوَةِ اللَّاتِي حَضَرْنَ مَعَهَا ثَلَاثٌ غَيْرُهَا فَفِي الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّهَا كَانَتْ مِمَّنْ غَسَّلَهَا قَالَتْ وَمَعَنَا صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ لَيْلَى بِنْتِ قَانِفٍ بِقَافٍ وَنُونٍ وَفَاءٍ الثَّقَفِيَّةِ قَالَتْ كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَهَا وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ شَيْئًا يُومِئُ إِلَى أَنَّهَا حَضَرَتْ ذَلِكَ أَيْضًا وَسَيَأْتِي بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَاب قَول بن سِيرِينَ وَلَا أَدْرِي أَيُّ بَنَاتِهِ وَهَذَا يَدُلُّ على أَن تَسْمِيَتهَا فِي رِوَايَة بن ماجة وَغَيره مِمَّن دون بن سِيرِين وَالله أعلم قَوْله اغسلنها قَالَ بن بَزِيزَةَ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِيمَا بَعْدُ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ هَلْ يَرْجِعُ إِلَى الْغُسْلِ أَوِ الْعَدَدِ وَالثَّانِي أَرْجَحُ فَثَبَتَ الْمُدَّعَى قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَكِنْ .

     قَوْلُهُ  ثَلَاثًا لَيْسَ لِلْوُجُوبِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فَيَتَوَقَّفُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى تَجْوِيزِ إِرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثَلَاثًا غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا تَحْتَ صِيغَةِ الْأَمْرِ فَيُرَادَ بِلَفْظِ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَصْلِ الْغُسْلِ وَالنَّدْبُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِيتَارِ انْتَهَى وَقَوَاعِدُ الشَّافِعِيَّةِ لَا تَأْبَى ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ ذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ وَالْمُزَنِيُّ إِلَى إِيجَابِ الثَّلَاثِ وَقَالُوا إِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَلِكَ يُغْسَلُ مَوْضِعُهُ وَلَا يُعَادُ غُسْلُ الْمَيِّتِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَجَاءَ عَنِ الْحَسَنِ مِثْلُهُ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنِ بن سِيرِينَ قَالَ يُغَسَّلُ ثَلَاثًا فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدُ فَخَمْسًا فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ غُسِّلَ سَبْعًا قَالَ هِشَامٌ.

     وَقَالَ  الْحَسَنُ يُغَسَّلُ ثَلَاثًا فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ غُسِلَ مَا خَرَجَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الثَّلَاثِ .

     قَوْلُهُ  ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ اغْسِلْنَهَا وِتْرًا ثَلَاثًا أَو خمْسا وأو هُنَا لِلتَّرْتِيبِ لَا لِلتَّخْيِيرِ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ اغْسِلْنَهَا وِتْرًا وَلْيَكُنْ ثَلَاثًا فَإِنِ احْتَجْنَ إِلَى زِيَادَةٍ فَخَمْسًا وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِيتَارَ مَطْلُوبٌ وَالثَّلَاثُ مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِهَا لَمْ يُشْرَعْ مَا فَوْقَهَا وَإِلَّا زِيدَ وِتْرًا حَتَّى يَحْصُلَ الْإِنْقَاءُ وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ عَامَّةٌ للبدن انْتهى وَقد سبق بحث بن دَقِيق الْعِيد فِي ذَلِك.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ فِي قَوْلِهِ أَوْ خَمْسًا إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الْإِيتَارُ لِأَنَّهُ نَقَلَهُنَّ مِنَ الثَّلَاثِ إِلَى الْخَمْسِ وَسَكَتَ عَنِ الْأَرْبَعِ .

     قَوْلُهُ  أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكِ بِكَسْرِ الْكَافِ لِأَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمُؤَنَّثِ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ كَمَا فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ بَعْدَ قَوْلِهِ سَبْعًا التَّعْبِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ.
وَأَمَّا مَا سِوَاهَا فَإِمَّا أَوْ سَبْعًا وَإِمَّا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِالسَّبْعِ وَبِهِ قَالَ أَحْمد فكره الزِّيَادَة على السَّبع.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِمُجَاوَزَةِ السَّبع وسَاق من طَرِيق قَتَادَة أَن بن سِيرِينَ كَانَ يَأْخُذُ الْغُسْلَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ ثَلَاثًا وَإِلَّا فَخَمْسًا وَإِلَّا فَأَكْثَرَ قَالَ فَرَأَيْنَا أَنَّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ سَبْعٌ.

     وَقَالَ  الْمَاوَرْدِيُّ الزِّيَادَة على السَّبع سرف.

     وَقَالَ  بن الْمُنْذِرِ بَلَغَنِي أَنَّ جَسَدَ الْمَيِّتِ يَسْتَرْخِي بِالْمَاءِ فَلَا أُحِبُّ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ التَّفْوِيضُ إِلَى اجْتِهَادِهِنَّ بِحَسَبِ الْحَاجة لَا التشهى.

     وَقَالَ  بن الْمُنْذِرِ إِنَّمَا فَوَّضَ الرَّأْيَ إِلَيْهِنَّ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الايتار وَحكى بن التِّينِ عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ يَحْتَمِلُ .

     قَوْلُهُ  إِنْ رَأَيْتُنَّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْأَعْدَادِ الْمَذْكُورَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إِنْ رَأَيْتُنَّ أَنْ تَفْعَلْنَ ذَلِك وَإِلَّا فالاتقاء يَكْفِي قَوْله بِمَاء وَسدر قَالَ بن الْعَرَبِيِّ هَذَا أَصْلٌ فِي جَوَازِ التَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ الْمُضَافِ إِذَا لَمْ يَسْلُبِ الْمَاءُ الْإِطْلَاقَ انْتَهَى وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ لِلتَّطْهِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي أَيِ اللَّفْظَتَيْنِ قَالَ وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ فَيَصْدُقُ بِكُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ وَجَزَمَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ بِالشِّقِّ الْأَوَّلِ وَكَذَا فِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ وَظَاهِرُهُ جَعْلُ الْكَافُورِ فِي الْمَاءِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ.

     وَقَالَ  النَّخَعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ إِنَّمَا يُجْعَلُ فِي الْحَنُوطِ أَيْ بَعْدَ انتْهَاءِ الْغُسْلِ وَالتَّجْفِيفِ قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي الْكَافُورِ مَعَ كَوْنِهِ يُطَيِّبُ رَائِحَةَ الْمَوْضِعِ لِأَجْلِ مَنْ يَحْضُرُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ فِيهِ تَجْفِيفًا وَتَبْرِيدًا وَقُوَّةَ نُفُوذٍ وَخَاصِّيَّةً فِي تَصْلِيبِ بَدَنِ الْمَيِّتِ وَطَرْدَ الْهَوَامِّ عَنْهُ وَرَدْعَ مَا يَتَحَلَّلُ مِنَ الْفَضَلَاتِ وَمَنْعَ إِسْرَاعِ الْفَسَادِ إِلَيْهِ وَهُوَ أَقْوَى الْأَرَايِيحِ الطَّيِّبَةِ فِي ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي جَعْلِهِ فِي الْأَخِيرَةِ إِذْ لَوْ كَانَ فِي الْأُولَى مَثَلًا لَأَذْهَبَهُ الْمَاءُ وَهَلْ يَقُومُ الْمِسْكُ مَثَلًا مَقَامَ الْكَافُورِ إِنْ نُظِرَ إِلَى مُجَرَّدِ التَّطَيُّبِ فَنَعَمْ وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ يُقَالُ إِذَا عُدِمَ الْكَافُورُ قَامَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ وَلَوْ بِخَاصِّيَّةٍ وَاحِدَةٍ مَثَلًا .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي أَيْ أَعْلِمْنَنِي .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا فَرَغْنَا كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِصِيغَةِ الْخِطَابِ مِنَ الْحَاضِرِ وَلَلْأَصِيلِيِّ فَلَمَّا فَرَغْنَ بِصِيغَةِ الْغَائِبِ .

     قَوْلُهُ  حَقْوَهُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَهِيَ لُغَةُ هُذَيْلٍ بَعْدَهَا قَافٌ سَاكِنَةٌ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْإِزَارُ كَمَا وَقَعَ مُفَسَّرًا فِي آخِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالْحَقْوُ فِي الْأَصْلِ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَأُطْلِقَ عَلَى الْإِزَارِ مَجَازًا وَسَيَأْتِي بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَاب من رِوَايَة بن عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بِلَفْظِ فَنَزَعَ مِنْ حَقْوِهِ إِزَارَهُ وَالْحَقْوُ فِي هَذَا عَلَى حَقِيقَتِهِ .

     قَوْلُهُ  أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ أَيِ اجْعَلْنَهُ شِعَارَهَا أَيِ الثَّوْبُ الَّذِي يَلِي جَسَدَهَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى صِفَتِهِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي تَأْخِيرِ الْإِزَارِ مَعَهُ إِلَى أَنْ يَفْرُغْنَ مِنَ الْغُسْلِ وَلَمْ يُنَاوِلْهُنَّ إِيَّاهُ أَوَّلًا لِيَكُونَ قَرِيبَ الْعَهْدِ مِنْ جَسَدِهِ الْكَرِيمِ حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَ انْتِقَالِهِ مِنْ جَسَدِهِ إِلَى جَسَدِهَا فَاصِلٌ وَهُوَ أَصْلٌ فِي التَّبَرُّكِ بآثار الصَّالِحين وَفِيهِ جَوَازُ تَكْفِينِ الْمَرْأَةِ فِي ثَوْبِ الرَّجُلِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ.