فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب صلاة الخوف رجالا وركبانا راجل قائم

( قَولُهُ بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ رِجَالًا وَرُكْبَانًا)
قِيلَ مَقْصُودُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَسْقُطُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ النُّزُولِ عَنِ الدَّابَّةِ وَلَا تُؤَخَّرُ عَنْ وَقْتِهَا بَلْ تُصَلَّى عَلَى أَيِّ وَجْهٍ حَصَلَتِ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ الْآيَةِ .

     قَوْلُهُ  رَاجِلٌ قَائِمٌ يُرِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ رِجَالًا جَمْعُ رَاجِلٍ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْقَائِمُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَاشِي أَيْضًا وَهُوَ الْمُرَادُ فِي سُورَةِ الْحَجِّ بِقولِهِ تَعَالَى يأتوك رجَالًا أَيْ مُشَاةً وَفِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا إِذَا وَقَعَ الْخَوْفُ فَلْيُصَلِّ الرَّجُلُ عَلَى كُلِّ جِهَةٍ قَائِمًا أَوْ رَاكِبًا



[ قــ :915 ... غــ :943] .

     قَوْلُهُ  عَنْ نَافِعٍ عَن بن عُمَرَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ إِذَا اخْتَلَطُوا قيَاما وَزَاد بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُصَلُّوا قِيَامًا وَرُكْبَانًا هَكَذَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا وَأَحَالَ عَلَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا وَلَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ فَأَشْكَلَ الْأَمْرُ فِيهِ فَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ مَعْنَاهُ أَنْ نَافِعًا رَوَى عَنِ بن عمر نَحوا مِمَّا روى مُجَاهِد عَن بن عُمَرَ الْمَرْوِيُّ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا هُوَ مَا إِذَا اخْتَلَطُوا قِيَامًا وَزِيَادَةُ نَافِعٍ عَلَى مُجَاهِدٍ .

     قَوْلُهُ  وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِلَخْ قَالَ وَمَفْهُوم كَلَام بن بطال أَن بن عُمَرَ قَالَ مِثْلَ قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَأَنَّ قَوْلَهُمَا مَثَلًا فِي الصُّورَتَيْنِ أَيْ فِي الِاخْتِلَاطِ وَفِي الاكثرية وَأَن الَّذِي زَاد هُوَ بن عُمَرَ لَا نَافِعٌ اه وَمَا نَسَبَهُ لِابْنِ بَطَّالٍ بَيِّنٌ فِي كَلَامِهِ إِلَّا الْمِثْلِيَّةَ فِي الأكثرية فَهِيَ مُخْتَصَّة بِابْن عمر وَكَلَام بن بَطَّالٍ هُوَ الصَّوَابُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَذْكُرْ دَلِيلَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ مَرْفُوعٌ وَمَوْقُوفٌ فَالْمَرْفُوعُ من رِوَايَة بن عُمَرَ وَقَدْ يُرْوَى كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَيْضًا وَالْمَوْقُوفُ مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ لَمْ يروه عَن بن عُمَرَ وَلَا غَيْرِهِ وَلَمْ أَعْرِفْ مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لِلْكِرْمَانِيِّ أَنَّ مُجَاهِدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَن بن عُمَرَ فَإِنَّهُ لَا وُجُودَ لِذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ عَن بن عُمَرَ قَالَ إِذَا اخْتَلَطُوا يَعْنِي فِي الْقِتَالِ فَإِنَّمَا هُوَ الذّكر وَإِشَارَة الرَّأْس قَالَ بن عُمَرَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيُصَلُّونَ قِيَامًا وركبانا هَكَذَا اقْتصر على حَدِيث بن عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ خَلَفٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ مِثْلَ مَا سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ سَوَاءً وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ اخْتَلَطُوا فَإِنَّمَا هُوَ الذِّكْرُ وَإِشَارَةُ الرَّأْسِ اه وَتَبَيَّنَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْبُخَارِيِّ قِيَامًا الْأُولَى تَصْحِيفٌ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنَّمَا وَقَدْ سَاقَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى بَيْنَ لَفْظِ مُجَاهِدٍ وَبَيَّنَ فِيهَا الْوَاسِطَة بَين بن جُرَيْجٍ وَبَيْنَهُ فَأَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّد عَن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ إِذَا اخْتَلَطُوا فَإِنَّمَا هُوَ الْإِشَارَةُ بِالرَّأْسِ قَالَ بن جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَن بن عُمَرَ بِمِثْلِ قَوْلِ مُجَاهِدٍ إِذَا اخْتَلَطُوا فَإِنَّمَا هُوَ الذِّكْرُ وَإِشَارَةُ الرَّأْسِ وَزَادَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَثُرُوا فَلْيُصَلُّوا رُكْبَانًا أَوْ قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ فَتَبَيَّنَ مِنْ هَذَا سَبَبُ التَّعْبِيرِ بِقَوْلِهِ نَحْوَ قَوْلِ مُجَاهِدٍ لِأَن بَين لَفظه وَبَين لفظ بن عُمَرَ مُغَايَرَةً وَتَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّ مُجَاهِدًا إِنَّمَا قَالَه بِرَأْيهِ لَا من رِوَايَته عَن بن عُمَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ بن عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ نَحْوَ سِيَاقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ قَالَ بن عُمَرَ فَإِذَا كَانَ خَوْفٌ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَلْيُصَلِّ رَاكِبًا أَوْ قَائِمًا يُومِئُ إِيمَاءً وَرَوَاهُ بن الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُوسَى بن عقبَة مَوْقُوفا كُله لَكِنْ قَالَ فِي آخِرِهِ وَأَخْبَرَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يُخْبِرُ بِهَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاقْتَضَى ذَلِكَ رَفْعَهُ كُلَّهُ وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ كَذَلِكَ لَكِنْ قَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ نَافِعٌ لَا أَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَرَوَاهُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عمر مَرْفُوعا كُله بِغَيْر شكّ أخرجه بن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ يُصَلِّي بِطَائِفَةٍ فَذَكَرَ نَحْوَ سِيَاقِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ فَرِجَالًا وَرُكْبَانًا وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ هَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ أَوْ مَوْقُوفٌ عَلَى بن عُمَرَ وَالرَّاجِحُ رَفْعُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَيْ إِنْ كَانَ الْعَدُوَّ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْخَوْفَ إِذَا اشْتَدَّ وَالْعَدُوَّ إِذَا كَثُرَ فَخِيفَ مِنَ الِانْقِسَامِ لِذَلِكَ جَازَتِ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَجَازَ تَرْكُ مُرَاعَاةِ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَرْكَانِ فَيَنْتَقِلُ عَنِ الْقِيَامِ إِلَى الرُّكُوعِ وَعَنِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إِلَى الْإِيمَاءِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ وَلَكِنْ قَالَ الْمَالِكِيَّةُ لَا يَصْنَعُونَ ذَلِكَ حَتَّى يُخْشَى فَوَاتُ الْوَقْتِ وَسَيَأْتِي مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ فِي ذَلِك بعد بَاب تَنْبِيه بن جُرَيْجٍ سَمِعَ الْكَثِيرَ مِنْ نَافِعٍ وَقَدْ أَدْخَلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَافِعٍ مُوسَى بْنَ عُقْبَةَ فَفِي هَذَا التَّقْوِيَةُ لِمَنْ قَالَ إِنَّهُ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي نَافِعٍ وَلِابْنِ جُرَيْجٍ فِيهِ إِسْنَادٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه