فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الجمع بين السورتين في الركعة

( قَولُهُ بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَالْقِرَاءَةِ بِالْخَوَاتِمِ وَبِسُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ وَبِأَوَّلِ سُورَةٍ)
اشْتَمَل هَذَا الْبَابُ عَلَى أَرْبَعِ مَسَائِلَ فَأَمَّا الْجَمْعُ بَين سورتين فَظَاهر من حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَيْضًا.
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْخَوَاتِمِ فَيُؤْخَذُ بِالْإِلْحَاقِ مِنَ الْقِرَاءَةِ بِالْأَوَائِلِ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَعْضُ سُورَةٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ قَوْلِهِ قَرَأَ عُمَرُ بِمِائَةٍ مِنَ الْبَقَرَةِ وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِ قَتَادَةَ كُلٌّ كِتَابُ اللَّهِ.
وَأَمَّا تَقْدِيمُ السُّورَةِ عَلَى السُّورَةِ عَلَى مَا فِي تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ فَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَيْضًا وَمِنْ فِعْلِ عُمَرَ فِي رِوَايَةِ الْأَحْنَفِ عَنْهُ.
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِأَوَّلِ سُورَةٍ فَمِنْ حَدِيثِ عبد الله بن السَّائِب وَمن حَدِيث بن مَسْعُودٍ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن السَّائِب أَي بن أبي السَّائِب بن صَيْفِي بن عَابِد بموحدة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ وَحَدِيثُهُ هَذَا وَصله مُسلم من طَرِيق بن جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ يَقُولُ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ سُفْيَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُسَيَّبِ الْعَابِدِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ بِمَكَّةَ فَاسْتَفْتَحَ بِسُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى شَكَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ أَخَذَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ وَفِي رِوَايَةٍ بِحَذْف فَرَكَعَ وَقَوله بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهَمٌ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِ بن جُرَيْجٍ وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْقَارِئُ وَهُوَ الصَّوَاب وَاخْتلف فِي إِسْنَاده على بن جريج فَقَالَ بن عُيَيْنَة عَنهُ عَن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ أخرجه بن مَاجَهْ.

     وَقَالَ  أَبُو عَاصِمٍ عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ سُفْيَانَ أَوْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ عَلَّقَهُ بِصِيغَةِ وَيُذْكَرُ لِهَذَا الِاخْتِلَافِ مَعَ أَنَّ إِسْنَادَهُ مِمَّا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْله بن الْعَاصِ غَلَطٌ عِنْدَ الْحُفَّاظِ فَلَيْسَ هَذَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الصَّحَابِيَّ الْمَعْرُوفَ بَلْ هُوَ تَابِعِيٌّ حِجَازِيٌّ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ قَطْعِ الْقِرَاءَةِ وَجَوَازُ الْقِرَاءَةِ بِبَعْضِ السُّورَةِ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ انْتَهَى وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِي كَرِهَهُ مَالِكٌ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى بَعْضِ السُّورَةِ مُخْتَارًا وَالْمُسْتَدَلُّ بِهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَكَذَا يُرَدُّ عَلَى مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ قِرَاءَةُ بَعْضِ الْآيَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى لِأَنَّ كُلًّا مِنَ الْمَوْضِعَيْنِ يَقَعُ فِي وَسَطِ آيَةٍ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ نَعَمْ الْكَرَاهَةُ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَأَدِلَّةُ الْجَوَازِ كَثِيرَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْأَعْرَافَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ ضَرُورَةً فَفِيهِ الْقِرَاءَةُ بِالْأَوَّلِ وَبِالْأَخِيرِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ أَمَّ الصَّحَابَةَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَقَرَأَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ مَفْتُوحَةٌ خَفِيفَةٌ ثُمَّ نُونٌ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ غَزَوْنَا خُرَاسَانَ وَمَعَنَا ثَلَاثُمِائَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يُصَلِّي بِنَا فَيَقْرَأُ الْآيَاتِ مِنَ السُّورَة ثمَّ يرْكَع أخرجه بن حَزْمٍ مُحْتَجًّا بِهِ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَآيَةً مِنَ الْبَقَرَةِ فِي كل رَكْعَة .

     قَوْلُهُ  أَخَذَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْلَةٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنَ السُّعَالِ وَيَجُوزُ الضَّمُّ وَلِابْنِ مَاجَهْ شَرْقَةٌ بِمُعْجَمَةٍ وَقَافٍ وَقَولُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَحَذَفَ أَيْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِرَمْيِ النُّخَامَةِ النَّاشِئَةِ عَنِ السَّعْلَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ فَرَكَعَ وَلَوْ كَانَ أَزَالَ مَا عَاقَهُ عَنِ الْقِرَاءَةِ لَتَمَادَى فِيهَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ السُّعَالَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَهُوَ وَاضِحٌ فِيمَا إِذَا غَلَبَهُ.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْمُسْنَدِ قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ مَكِّيَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ قَالَ وَلِمَنْ خَالَفَ أَنْ يَقُولَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ .

     قَوْلُهُ  بِمَكَّةَ أَيْ فِي الْفَتْحِ أَوْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ.

قُلْتُ قَدْ صَرَّحَ بِقَضِيَّةِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ قَطْعَ الْقِرَاءَةِ لِعَارِضِ السُّعَالِ وَنَحْوِهِ أَوْلَى مِنَ التَّمَادِي فِي الْقِرَاءَةِ مَعَ السُّعَالِ وَالتَّنَحْنُحِ وَلَوِ اسْتَلْزَمَ تَخْفِيفَ الْقِرَاءَةِ فِيمَا اسْتُحِبَّ فِيهِ تَطْوِيلُهَا .

     قَوْلُهُ  وَقَرَأَ عُمَرُ إِلَخْ وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِمِائَةٍ مِنَ الْبَقَرَةِ وَيُتْبِعُهَا بِسُورَةٍ مِنَ الْمَثَانِي انْتَهَى وَالْمَثَانِي قِيلَ مَا لَمْ يَبْلُغْ مِائَةَ آيَةٍ أَوْ بلغَهَا وَقِيلَ مَا عَدَا السَّبْعَ الطِّوَالَ إِلَى الْمُفَصَّلِ قِيلَ سُمِّيَتْ مَثَانِيَ لِأَنَّهَا ثَنَّتِ السَّبْعَ وَسُمِّيَتِ الْفَاتِحَة السَّبع الْمَثَانِيَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ صَلَاةٍ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ المثاني فَالْمُرَادُ بِهَا سُورَةُ الْفَاتِحَةِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَقَرَأَ الْأَحْنَفُ وَصَلَهُ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ لَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ صَلَّى بِنَا الْأَحْنَفُ فَذَكَرَهُ.

     وَقَالَ  فِي الثَّانِيَةِ يُونُسُ وَلَمْ يَشُكَّ قَالَ وَزَعَمَ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ عُمَرَ كَذَلِكَ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ قَوْله وَقَرَأَ بن مَسْعُودٍ إِلَخْ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ هُوَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِ فَافْتَتَحَ الْأَنْفَالَ حَتَّى بلغ وَنعم النصير انْتَهَى وَهَذَا الْمَوْضِعُ هُوَ رَأْسُ أَرْبَعِينَ آيَةً فَالرِّوَايَتَانِ مُتَوَافِقَتَانِ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ قَرَأَ بِأَرْبَعِينَ مِنْ أَوَّلِهَا فَانْدَفَعَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى قِرَاءَةِ خَاتِمَةِ السُّورَةِ بِخِلَافِ الْأَثَرِ عَنْ عُمَرَ فَإِنَّهُ مُحْتَمل قَالَ بن التِّينِ إِنْ لَمْ تُؤْخَذِ الْقِرَاءَةُ بِالْخَوَاتِمِ مِنْ أثر عمر أَو بن مَسْعُودٍ وَإِلَّا فَلَمْ يَأْتِ الْبُخَارِيُّ بِدَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ وَفَاتَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِالْإِلْحَاقِ مُؤَيَّدٌ بِقَوْلِ قَتَادَةَ .

     قَوْلُهُ  وقَال قَتَادَةُ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَقَتَادَةُ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ يُسْتَدَلُّ لِقَوْلِهِ وَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْهُ قَوْلَهُ كُلٌّ كِتَابُ اللَّهِ فَإِنَّهُ يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ جَوَازُ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِي التَّرْجَمَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُ قَتَادَةَ فِي تَرْدِيدِ السُّورَةِ فَلَمْ يذكرهُ المُصَنّف فِي التَّرْجَمَة فَقَالَ بن رَشِيدٍ لَعَلَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ لِمَا رُوِيَ فِيهِ مِنَ الْكَرَاهَةِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ.

قُلْتُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يُرَاعَى هَذَا الْقَدْرُ إِذَا صَحَّ لَهُ الدَّلِيلُ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ ذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنْ يَقْرَأَ الْمُصَلِّي فِي كل رَكْعَة بِسُورَة كَمَا قَالَ بن عُمَرَ لِكُلِّ سُورَةٍ حَظُّهَا مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَالَ وَلَا تُقْسَمُ السُّورَةُ فِي رَكْعَتَيْنِ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى بَعْضِهَا وَيَتْرُكُ الْبَاقِيَ وَلَا يَقْرَأُ بِسُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ يُخَالِفُ تَرْتِيبَ الْمُصْحَفِ قَالَ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ بَلْ هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى قَالَ وَجَمِيعُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ لَا يُخَالِفُ مَا قَالَ مَالِكٌ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ انْتَهَى وَأما حَدِيث بن مَسْعُودٍ فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ سُورَتَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَقَدْ نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا وَعَنْ أَحْمَدَ وَالْحَنَفِيَّةِ كَرَاهِيَةُ قِرَاءَةِ سُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ تُخَالِفُ تَرْتِيبَ الْمُصْحَفِ وَاخْتُلِفَ هَلْ رَتَّبَهُ الصَّحَابَةُ بِتَوْقِيفٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الصَّحِيحُ الثَّانِي.
وَأَمَّا تَرْتِيبُ الْآيَاتِ فَتَوْقِيفِيٌّ بِلَا خلاف ثمَّ قَالَ بن الْمُنِيرِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّكْرِيرَ أَخَفُّ مِنْ قَسْمِ السُّورَةِ فِي رَكْعَتَيْنِ انْتَهَى وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّ السُّورَةَ مُرْتَبِطٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَأَيُّ مَوْضِعٍ قَطَعَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ كَانْتِهَائِهِ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ فَإِنَّهُ إِنْ قَطَعَ فِي وَقْفٍ غَيْرِ تَامٍّ كَانَتِ الْكَرَاهَةُ ظَاهِرَةً وَإِنْ قَطَعَ فِي وَقْفٍ تَامٍّ فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ قِصَّةُ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي رَمَاهُ الْعَدُوُّ بِسَهْمٍ فَلَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ.

     وَقَالَ  كُنْتُ فِي سُورَةٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَقْطَعَهَا وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ
.

     قَوْلُهُ  وقَال عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عمر أَي بن حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ وَحَدِيثُهُ هَذَا وَصَلَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَزَّارُ عَنِ الْبُخَارِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحْرِزِ بْنِ سَلَمَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْهُ بِطُولِهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ وَقَدْ رَوَى مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ ثَابِتٍ فَذَكَرَ طَرَفًا مِنْ آخِرِهِ وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ أَنَّ الدَّرَاوَرْدِيَّ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ خَالَفَ عُبَيْدَ اللَّهِ فِي إِسْنَادِهِ فَرَوَاهُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سُبَيْعَةَ مُرْسَلًا قَالَ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ وَإِنَّمَا رَجَّحَهُ لِأَنَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ مُقَدَّمٌ فِي حَدِيثِ ثَابِتٍ لَكِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَافِظٌ حُجَّةٌ وَقَدْ وَافَقَهُ مُبَارَكٌ فِي إِسْنَادِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِثَابِتٍ فِيهِ شَيْخَانِ .

     قَوْلُهُ  كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ هُوَ كُلْثُوم بن الْهدم رَوَاهُ بن مَنْدَهْ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالح عَن بن عَبَّاسٍ كَذَا أَوْرَدَهُ بَعْضُهُمْ وَالْهِدْمُ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ سُكَّانِ قُبَاءٍ وَعَلَيْهِ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ فِي الْهِجْرَةِ إِلَى قُبَاءٍ قِيلَ وَفِي تَعْيِينِ الْمُبْهَمِ بِهِ هُنَا نَظَرٌ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهُ كَانَ أَمِيرَ سَرِيَّةٍ وَكُلْثُومُ بْنُ الْهِدْمِ مَاتَ فِي أَوَائِلِ مَا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْمَغَازِي وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ السَّرَايَا ثُمَّ رَأَيْتُ بِخَطِّ بَعْضِ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى رِجَالِ الْعُمْدَةِ كُلْثُومَ بْنَ زَهْدَمٍ وَعَزَاهُ لِابْنِ مَنْدَهْ لَكِنْ رَأَيْتُ أَنَا بِخَطِّ الْحَافِظِ رَشِيدِ الدِّينِ الْعَطَّارِ فِي حَوَاشِي مُبْهَمَاتِ الْخَطِيبِ نَقْلًا عَنْ صِفَةِ التَّصَوُّفِ لِابْنِ طَاهِرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ عَنْ أَبِيهِ فَسَمَّاهُ كُرْزَ بْنَ زَهْدَمٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ وَعَلَى هَذَا فَالَّذِي كَانَ يَؤُمُّ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ غَيْرُ أَمِيرِ السَّرِيَّةِ وَيَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِهِمَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ أَنَّهُ كَانَ يَبْدَأُ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَأَمِيرُ السَّرِيَّةِ كَانَ يَخْتِمُ بِهَا وَفِي هَذَا أَنَّهُ كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ فِي قِصَّةِ الْآخَرِ وَفِي هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ وَأَمِيرَ السَّرِيَّةِ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْأَلُوهُ وَفِي هَذَا أَنَّهُ قَالَ إِنَّهُ يُحِبُّهَا فَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ وَأَمِيرُ السَّرِيَّةِ قَالَ إِنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ فَبَشَّرَهُ بِأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا التَّغَايُرِ كُلِّهِ مُمْكِنٌ لَوْلَا مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَوْنِ كُلْثُومِ بْنِ الْهِدْمِ مَاتَ قَبْلَ الْبُعُوثِ وَالسَّرَايَا.
وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَهُ بِأَنَّهُ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ فَأَبْعَدَ جِدًّا فَإِنَّ فِي قِصَّةِ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا فِي اللَّيْلِ يُرَدِّدُهَا لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَمَّ بِهَا لَا فِي سَفَرٍ وَلَا فِي حَضَرٍ وَلَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ وَلَا بُشِّرَ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ وَاضِحًا فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ أَيْ مِنَ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ .

     قَوْلُهُ  افْتَتَحَ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ لَا يُشْتَرَطُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يَذْكُرِ الْفَاتِحَةَ اعْتِنَاءً بِالْعِلْمِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهَا فَيَكُونُ مَعْنَاهُ افْتَتَحَ بِسُورَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ وُرُودِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْفَاتِحَةِ .

     قَوْلُهُ  فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ صَنِيعَهُ ذَلِكَ خِلَافُ مَا أَلِفُوهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ إِمَّا لِكَوْنِهِ مِنْ أَفْضَلِهِمْ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ وَإِمَّا لِكَوْنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ .

     قَوْلُهُ  مَا يَأْمُرُكُ بِهِ أَصْحَابُكُ أَيْ يَقُولُونَ لَكَ وَلَمْ يُرِدِ الْأَمْرَ بِالصِّيغَةِ الْمَعْرُوفَةِ لَكِنَّهُ لَازِمٌ مِنَ التَّخْيِيرِ الَّذِي ذَكَرُوهُ كَأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُ افْعَلْ كَذَا وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  مَا يَمْنَعُكَ وَمَا يَحْمِلُكَ سَأَلَهُ عَنْ أَمْرَيْنِ فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ إِنِّي أُحِبُّهَا وَهُوَ جَوَابٌ عَنِ الثَّانِي مُسْتَلْزِمٌ لِلْأَوَّلِ بِانْضِمَامِ شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ إِقَامَةُ السُّنَّةِ الْمَعْهُودَةِ فِي الصَّلَاةِ فَالْمَانِعُ مُرَكَّبٌ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالْأَمْرِ الْمَعْهُودِ وَالْحَامِلُ عَلَى الْفِعْلِ الْمَحَبَّةُ وَحْدَهَا وَدَلَّ تَبْشِيرُهُ لَهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى الرِّضَا بِفِعْلِهِ وَعَبَّرَ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي فِي قَوْلِهِ أَدْخَلَكَ وَإِنْ كَانَ دُخُولُ الْجَنَّةِ مُسْتَقْبَلًا تَحْقِيقًا لِوُقُوعِ ذَلِكَ قَالَ نَاصِر الدّين بن الْمُنِيرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَقَاصِدَ تُغَيِّرُ أَحْكَامَ الْفِعْلِ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَوْ قَالَ إِنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى إِعَادَتِهَا أَنَّهُ لَا يَحْفَظُ غَيْرَهَا لَأَمْكَنَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِحِفْظِ غَيْرِهَا لَكِنَّهُ اعْتَلَّ بِحُبِّهَا فَظَهَرَتْ صِحَّةُ قَصْدِهِ فَصَوَّبَهُ قَالَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَخْصِيصِ بَعْضِ الْقُرْآنِ بِمَيْلِ النَّفْسِ إِلَيْهِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ هِجْرَانًا لِغَيْرِهِ وَفِيهِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ مَكِّيَّةٌ





[ قــ :754 ... غــ :775] .

     قَوْلُهُ  جَاءَ رَجُلٌ إِلَى بن مَسْعُودٍ هُوَ نَهِيكٌ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْهَاءِ بن سِنَانٍ الْبَجْلِيُّ سَمَّاهُ مَنْصُورٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَسَيَأْتِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ .

     قَوْلُهُ  قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ تَقَدَّمَ أَنَّهُ مِنْ ق إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ عَلَى الصَّحِيحِ وَسُمِّيَ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفَصْلِ بَيْنَ سُوَرِهِ بِالْبَسْمَلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلِقَوْلِ هَذَا الرَّجُلِ قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ سَبَبٌ بَيَّنَهُ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِ حَدِيثِهِ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ نَهِيكُ بْنُ سِنَانٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَيْفَ تَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ مِنْ مَاءٍ غير آسن أَوْ غَيْرِ يَاسِنٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُلُّ الْقُرْآنِ أَحْصَيْتُ غَيْرَ هَذَا قَالَ إِنِّي لَأَقْرَأُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ .

     قَوْلُهُ  هَذًّا بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ سَرْدًا وَإِفْرَاطًا فِي السُّرْعَةِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ بِحَذْفِ أَدَاةِ الِاسْتِفْهَامِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ.

     وَقَالَ  ذَلِكَ لِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ كَانَتْ عَادَتَهُمْ فِي إِنْشَادِ الشِّعْرِ وَزَادَ فِيهِ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ أَيْضًا أَن أَقْوَامًا يقرؤون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ وَزَادَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَإِسْحَاقُ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ فِيهِ وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فَرَسَخَ فِيهِ نَفَعَ وَهُوَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ دُونَ قَوْلِهِ نَفَعَ .

     قَوْلُهُ  لَقَدْ عرفت النَّظَائِر أَي السُّور المتماثلة فِي الْمَعَانِي كَالْمَوْعِظَةِ أَوِ الْحُكْمِ أَوِ الْقَصَصِ لَا الْمُتَمَاثِلَةَ فِي عَدَدِ الْآيِ لِمَا سَيَظْهَرُ عِنْدَ تَعْيِينِهَا قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْعَدِّ حَتَّى اعْتَبَرْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا شَيْئًا مُتَسَاوِيًا .

     قَوْلُهُ  يَقْرُنُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا .

     قَوْلُهُ  عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ وَسُورَتَيْنِ مِنَ ال حم فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَقَعَ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ رِوَايَةِ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ ثَمَانِي عَشْرَةَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ وَسُورَتَيْنِ مِنَ ال حم وَبَيَّنَ فِيهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّ قَوْلَهُ عِشْرِينَ سُورَةً إِنَّمَا سَمِعَهُ أَبُو وَائِلٍ مِنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَلَفْظُهُ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ وَدَخَلَ عَلْقَمَةُ مَعَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَلْقَمَةُ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ عِشْرُونَ سُورَةً من الْمفصل على تأليف بن مَسْعُودٍ آخِرُهُنَّ حم الدُّخَانُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنِ الْأَعْمَشِ مِثْلُهُ وَزَادَ فِيهِ فَقَالَ الْأَعْمَشُ أَوَّلُهُنَّ الرَّحْمَنُ وَآخِرُهُنَّ الدُّخَانُ ثُمَّ سَرَدَهَا وَكَذَلِكَ سَرَدَهَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مُتَّصِلًا بِالْحَدِيثِ بَعْدَ قَوْلِهِ كَانَ يَقْرَأُ النَّظَائِرَ السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ الرَّحْمَنَ وَالنَّجْمَ فِي رَكْعَةٍ وَاقْتَرَبَتْ وَالْحَاقَّةَ فِي رَكْعَةٍ وَالذَّارِيَاتِ وَالطُّورَ فِي رَكْعَةٍ وَالْوَاقِعَةَ وَنُونَ فِي رَكْعَةٍ وَسَأَلَ وَالنَّازِعَاتِ فِي رَكْعَةٍ وَوَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَعَبَسَ فِي رَكْعَةٍ وَالْمُدَّثِّرَ وَالْمُزَّمِّلَ فِي رَكْعَةٍ وَهَلْ أَتَى وَلَا أُقْسِمُ فِي رَكْعَةٍ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَالْمُرْسَلَاتِ فِي رَكْعَةٍ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَالدُّخَانَ فِي رَكْعَةٍ هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ وَالْآخَرُ مِثْلُهُ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِي رَكْعَةٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَذَكَرَ السُّورَةَ الرَّابِعَةَ قَبْلَ الثَّالِثَةِ وَالْعَاشِرَةَ قَبْلَ التَّاسِعَةِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِي الِاقْتِرَانِ وَقَدْ سَرَدَهَا أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ لَكِنْ قَدَّمَ وَأَخَّرَ فِي بَعْضٍ وَحَذَفَ بَعْضَهَا وَمُحَمَّدٌ ضَعِيفٌ وَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ وَاصِلٍ وَسُورَتَيْنِ مِنَ ال حم مُشْكِلٌ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ لَمْ تَخْتَلِفْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعِشْرِينَ مِنَ الْحَوَامِيمِ غَيْرُ الدُّخَانِ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّغْلِيبِ أَوْ فِيهِ حَذْفٌ كَأَنَّهُ قَالَ وَسُورَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا مِنَ ال حم وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ آخِرُهُنَّ حم الدُّخَانُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ حم الدُّخَانَ آخِرُهُنَّ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ.
وَأَمَّا عَمَّ فَهِيَ فِي رِوَايَةِ أَبِي خَالِدٍ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ فَكَأَنَّ فِيهِ تَجَوُّزًا لِأَنَّ عَمَّ وَقَعَتْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ وَيَتَبَيَّنُ بِهَذَا أَنَّ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ عِشْرِينَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ تَجَوُّزًا لِأَنَّ الدُّخَانَ لَيْسَتْ مِنْهُ وَلِذَلِكَ فَصَلَهَا مِنَ الْمُفَصَّلِ فِي رِوَايَةِ وَاصِلٍ نَعَمْ يَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْآرَاءِ فِي حَدِّ الْمُفَصَّلِ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ أَيْضًا فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ كَرَاهَةُ الْإِفْرَاطِ فِي سُرْعَةِ التِّلَاوَةِ لِأَنَّهُ يُنَافِي الْمَطْلُوبَ مِنَ التَّدَبُّرِ وَالتَّفَكُّرِ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ السَّرْدِ بِدُونِ تَدَبُّرٍ لَكِنَّ الْقِرَاءَةَ بِالتَّدَبُّرِ أَعْظَمُ أَجْرًا وَفِيهِ جَوَازُ تَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ أَوَّلُ حَدِيثٍ مَوْصُولٍ أَوْرَدَهُ فِي هَذَا الْبَابِ فَلِهَذَا صَدَّرَ التَّرْجَمَةَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَا تَرْجَمَ لَهُ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ السُّوَرِ لِأَنَّهُ إِذَا جُمِعَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ سَاغَ الْجَمْعُ بَيْنَ ثَلَاثٍ فَصَاعِدًا لِعَدَمِ الْفَرْقِ وَقَدْ روى أَبُو دَاوُد وَصَححهُ بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ السُّوَرِ قَالَتْ نَعَمْ مِنَ الْمُفَصَّلِ وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا سَيَأْتِي فِي التَّهَجُّدِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الطِّوَالِ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى النَّادِرِ.

     وَقَالَ  عِيَاض فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ كَانَ قَدْرَ قِرَاءَتِهِ غَالِبًا.
وَأَمَّا تَطْوِيلُهُ فَإِنَّمَا كَانَ فِي التَّدَبُّرِ وَالتَّرْتِيلِ وَمَا وَرَدَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ قِرَاءَةِ الْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا فِي رَكْعَةٍ فَكَانَ نَادِرًا.

قُلْتُ لَكِنْ لَيْسَ فِي حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ بَلْ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرُنُ بَيْنَ هَذِهِ السُّوَرِ الْمُعَيَّنَاتِ إِذَا قَرَأَ مِنَ الْمُفَصَّلِ وَفِيهِ مُوَافَقَةٌ لِقَوْلِ عَائِشَة وبن عَبَّاسٍ إِنَّ صَلَاتَهُ بِاللَّيْلِ كَانَتْ عَشْرَ رَكَعَاتٍ غَيْرَ الْوِتْرِ وَفِيهِ مَا يُقَوِّي قَوْلَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْمُتَقَدِّمَ إِنَّ تَأْلِيفَ السُّوَرِ كَانَ عَنِ اجْتِهَادٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ تَأْلِيفَ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورَ مُغَايِرٌ لِتَأْلِيفِ مُصْحَفِ عُثْمَانَ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى