فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: حد المريض أن يشهد الجماعة

( قَولُهُ بَابُ حَدِّ الْمَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ الْجَمَاعَةَ)
قَالَ بن التِّين تبعا لِابْنِ بطال معنى الْحَد هَا هُنَا الْحِدَّةُ وَقَدْ نَقَلَهُ الْكِسَائِيُّ وَمِثْلُهُ قَوْلُ عُمَرَ فِي أَبِي بَكْرٍ كُنْتُ أَرَى مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ أَيِ الْحِدَّةِ قَالَ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الحض على شُهُود الْجَمَاعَة قَالَ بن التِّينِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ هُنَا جِدٌّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ الِاجْتِهَادُ فِي الْأَمْرِ لَكِنْ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا رَوَاهُ بِالْجِيمِ انْتَهَى وَقَدْ أَثْبَتَ بن قرقول رِوَايَة الْجِيم وَعَزاهَا للقابسى.

     وَقَالَ  بن رَشِيدٍ إِنَّمَا الْمَعْنَى مَا يُحَدُّ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَشْهَدَ مَعَهُ الْجَمَاعَةُ فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ الْحَدَّ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ شُهُودُهَا وَمُنَاسَبَةُ ذَلِكَ مِنَ الْحَدِيثِ خُرُوجُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَكِّئًا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ شِدَّةِ الضَّعْفِ فَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ مَنْ بَلَغَ إِلَى تِلْكَ الْحَالِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ تَكَلُّفُ الْخُرُوجِ لِلْجَمَاعَةِ إِلَّا إِذَا وَجَدَ مَنْ يَتَوَكَّأُ عَلَيْهِ وَأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَقَعَ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ ياب الْحَدِّ الَّذِي لِلْمَرِيضِ أَنْ يَأْخُذَ فِيهِ بِالْعَزِيمَةِ فِي شُهُودِ الْجَمَاعَةِ انْتَهَى مُلَخَّصًا



[ قــ :644 ... غــ :664] .

     قَوْلُهُ  مَرَضُهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُبَيَّنًا فِي آخِرِ الْمَغَازِي فِي سَبَبِهِ وَوَقْتِ ابْتِدَائِهِ وَقَدْرِهِ وَقَدْ بَيَّنَ الزُّهْرِيُّ فِي رِوَايَتِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْبَابِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ أَنِ اشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ وَاسْتَقَرَّ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ .

     قَوْلُهُ  فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ هِيَ الْعِشَاءُ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ الْآتِيَةِ قَرِيبًا فِي بَابِ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ وَسَنَذْكُرُ هُنَاكَ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  فَأُذِّنَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَأُذِّنَ بِالْوَاوِ وَهُوَ أَوْجَهُ وَالْمُرَادُ بِهِ أَذَانُ الصَّلَاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أُعْلِمَ وَيُقَوِّيهِ رِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ الْآتِيَةُ فِي بَابُ الرَّجُلُ يَأْتَمُّ بِالْإِمَامِ وَلَفْظُهُ جَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ وَاسْتُفِيدَ مِنْهُ تَسْمِيَةُ الْمُبْهم وَسَيَأْتِي فِي رِوَايَة مُوسَى بن أَبِي عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالسُّؤَالِ عَنْ حُضُورِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَهَيَّأَ لِلْخُرُوجِ إِلَيْهَا فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْآمِرَ بِالْأَمْرِ بِالشَّيْءِ يَكُونُ آمِرًا بِهِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ بِأَنَّ الْمَعْنَى بَلِّغُوا أَبَا بَكْرٍ أَنِّي أَمَرْتُهُ وَفَصْلُ النِّزَاعِ أَنَّ النَّافِيَ إِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ أَمْرًا حَقِيقَةً فَمُسَلَّمٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ أَمْرٍ لِلثَّانِي وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُهُ فَمَرْدُودٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَقِيلَ لَهُ قَائِلُ ذَلِكَ عَائِشَةُ كَمَا سَيَأْتِي .

     قَوْلُهُ  أَسِيفٌ بِوَزْنِ فَعِيلٍ وَهُوَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنَ الْأَسَفِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحُزْنِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ رَقِيقُ الْقَلْبِ وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمٍ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ عَاصِمٌ وَالْأَسِيفُ الرَّقِيقُ الرَّحِيمُ وَسَيَأْتِي بَعْدَ سِتَّة أَبْوَاب من حَدِيث بن عُمَرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَرَأَ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى نَحْوُهُ وَمِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا بِلَفْظِ قَالَتْ عَائِشَةُ.

قُلْتُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ فَمُرْ عُمَرَ .

     قَوْلُهُ  فَأَعَادُوا لَهُ أَيْ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ وَالْمُخَاطِبُ بِذَلِكَ عَائِشَةُ كَمَا تَرَى لَكِنْ جَمْعٌ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي مَقَامِ الْمُوَافِقِينَ لَهَا عَلَى ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى بِالْإِفْرَادِ وَلَفْظُهُ فَعَادَتْ وَلِابْنِ عُمَرَ فَعَاوَدَتْهُ .

     قَوْلُهُ  فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ فِيهِ حَذْفٌ بَيَّنَهُ مَالِكٌ فِي رِوَايَتِهِ الْمُذَكُورَةِ وَأَنَّ الْمُخَاطِبَ لَهُ حِينَئِذٍ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بِأَمْرِ عَائِشَةَ وَفِيهِ أَيْضًا فَمُرْ عُمَرَ فَقَالَ مَهْ إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ وَصَوَاحِبُ جَمْعُ صَاحِبَةٍ وَالْمُرَادُ أَنَّهُنَّ مِثْلُ صَوَاحِبِ يُوسُفَ فِي إِظْهَارِ خِلَافِ مَا فِي الْبَاطِنِ ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْخِطَابَ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَالْمُرَادُ بِهِ وَاحِدٌ وَهِيَ عَائِشَةُ فَقَطْ كَمَا أَنَّ صَوَاحِبَ صِيغَةُ جَمْعٍ وَالْمُرَادُ زُلَيْخَا فَقَطْ وَوَجْهُ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَّ زُلَيْخَا اسْتَدْعَتِ النِّسْوَةَ وَأَظْهَرَتْ لَهُنَّ الْإِكْرَامَ بِالضِّيَافَةِ وَمُرَادُهَا زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَنْظُرْنَ إِلَى حُسْنِ يُوسُفَ وَيَعْذُرْنَهَا فِي مَحَبَّتِهِ وَأَنَّ عَائِشَةَ أَظْهَرَتْ أَنَّ سَبَبَ إِرَادَتِهَا صَرْفَ الْإِمَامَةِ عَنْ أَبِيهَا كَوْنُهُ لَا يُسْمِعُ الْمَأْمُومِينَ الْقِرَاءَةَ لِبُكَائِهِ وَمُرَادُهَا زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ لَا يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ وَقَدْ صَرَّحَتْ هِيَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَتْ لَقَدْ رَاجَعْتُهُ وَمَا حَمَلَنِي عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي بَابِ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَبِهَذَا التَّقْرِيرُ يَنْدَفِعُ إِشْكَالُ مَنْ قَالَ إِنَّ صَوَاحِبَ يُوسُفَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُنَّ إِظْهَارٌ يُخَالِفُ مَا فِي الْبَاطِنِ وَوَقع فِي مُرْسل الْحسن عِنْد بن أَبِي خَيْثَمَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تُكَلِّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصْرِفَ ذَلِكَ عَنْهُ فَأَرَادَتِ التَّوَصُّلَ إِلَى ذَلِكَ بِكُلِّ طَرِيقٍ فَلَمْ يَتِمَّ وَوَقَعَ فِي أمالى بن عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ النِّسْوَةَ أَتَيْنَ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ يُظْهِرْنَ تَعْنِيفَهَا وَمَقْصُودُهُنَّ فِي الْبَاطِنِ أَنْ يَدْعُونَ يُوسُفَ إِلَى أَنْفُسِهِنَّ كَذَا قَالَ وَلَيْسَ فِي سِيَاقِ الْآيَةِ مَا يُسَاعِدُ مَا قَالَ فَائِدَةٌ زَادَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الَّذِي أَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تُشِيرَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَأْمُرَ عُمَرَ بِالصَّلَاةِ أَخْرَجَهُ الدَّوْرَقِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَزَادَ مَالِكٌ فِي رِوَايَتِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا وَمِثْلُهُ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَإِنَّمَا قَالَتْ حَفْصَةُ ذَلِك لِأَن كَلَامهَا صَادف الْمرة الثَّالِثَة من الْمُعَاوَدَةِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُرَاجَعُ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَلَمَّا أَشَارَ إِلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهَا بِمَا ذَكَرَ مِنْ كَوْنِهِنَّ صَوَاحِبَ يُوسُفَ وَجَدَتْ حَفْصَةُ فِي نَفْسِهَا مِنْ ذَلِكَ لِكَوْنِ عَائِشَةَ هِيَ الَّتِي أَمَرَتْهَا بِذَلِكَ وَلَعَلَّهَا تَذَكَّرَتْ مَا وَقَعَ لَهَا مَعَهَا أَيْضًا فِي قِصَّةِ الْمَغَافِيرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ .

     قَوْلُهُ  فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لِلنَّاسِ .

     قَوْلُهُ  فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فِيهِ حَذْفٌ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ وَقَدْ بَيَّنَهُ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ الْمَذْكُورَةِ وَلَفْظُهُ فَأَتَاهُ الرَّسُولُ أَيْ بِلَالٌ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَعْلَمَ بِحُضُورِ الصَّلَاةِ فَأُجِيبَ بِذَلِكَ وَفِي رِوَايَتِهِ أَيْضًا فَقَالَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَنْتَ أَحَقُّ بِذَلِكَ انْتَهَى وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ هَذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ مَا أَرَادَتْ عَائِشَةُ قَالَ النَّوَوِيُّ تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ تَوَاضُعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَالَهُ لِلْعُذْرِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ كَوْنُهُ رَقِيقَ الْقَلْبِ كَثِيرَ الْبُكَاءِ فَخَشِيَ أَنْ لَا يُسْمِعَ النَّاسَ انْتَهَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهِمَ مِنَ الْإِمَامَةِ الصُّغْرَى الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى وَعَلِمَ مَا فِي تَحَمُّلِهَا مِنَ الْخَطَرِ وَعَلِمَ قُوَّةَ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ فَاخْتَارَهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ عِنْدَ الْبَيْعَةِ أَشَارَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُبَايِعُوهُ أَوْ يُبَايِعُوا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَفَهِمَ مِنَ الْأَمْرِ لَهُ بِذَلِكَ تَفْوِيضَ الْأَمْرِ لَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ بَاشَرَ بِنَفْسِهِ أَوِ اسْتَخْلَفَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ لِلْمُسْتَخْلِفِ فِي الصَّلَاة أَن يسْتَخْلف وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إِذْنٍ خَاصٍّ لَهُ بِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فَصَلَّى فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ يُصَلِّي وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ تَهَيَّأَ لَهَا وَسَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ بِلَفْظِ فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ دَخَلَ فِي مَكَانِ الصَّلَاةِ وَيَأْتِي الْبَحْثُ مَعَ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً ظَاهِرُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ ذَلِكَ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ بِعَيْنِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَنْ يَكُونَ فِيهِ حَذْفٌ كَمَا تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي قَوْلِهِ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ وَأَوْضَحُ مِنْهُ رِوَايَةُ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ تِلْكَ الْأَيَّامَ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً وَعَلَى هَذَا لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ الْعِشَاءُ .

     قَوْلُهُ  يُهَادَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الدَّالِ أَيْ يَعْتَمِدُ عَلَى الرَّجُلَيْنِ مُتَمَايِلًا فِي مَشْيِهِ مِنْ شدَّة الضعْف والتهادى التمايل فِي الْمَشْي البطئ وَقَولُهُ يَخُطَّانِ الْأَرْضَ أَيْ لَمْ يَكُنْ يَقْدِرُ عَلَى تَمْكِينِهِمَا مِنَ الْأَرْضِ وَسَقَطَ لَفْظُ الْأَرْضِ مِنْ رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَفِي رِوَايَةِ عَاصِمٍ الْمَذْكُورَةِ عِنْد بن حِبَّانَ إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى بُطُونِ قَدَمَيْهِ .

     قَوْلُهُ  بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي مِنْ حَدِيثَيِ الْبَابِ أَنَّهُمَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَاصِمٍ الْمَذْكُورَةِ وَجَدَ خِفَّةً مِنْ نَفْسِهِ فَخَرَجَ بَيْنَ بَرِيرَةَ وَنُوبَةَ وَيُجْمَعُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى الْمَسْجِدِ بَيْنَ هَذَيْنِ وَمِنْ ثَمَّ إِلَى مَقَامِ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى التَّعَدُّدِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ خَرَجَ بَيْنَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَالْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ.
وَأَمَّا مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ خَرَجَ بَيْنَ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ فَذَاكَ فِي حَالِ مَجِيئِهِ إِلَى بَيْتِ عَائِشَةَ تَنْبِيهٌ نُوبَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي النِّسَاءِ الصَّحَابِيَّاتِ فَوَهِمَ وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدٌ أَسْوَدُ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ سَيْفٍ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ سَالِمِ بن عبيد فِي صَحِيح بن خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ خَرَجَ بَيْنَ بَرِيرَةَ وَرَجُلٍ آخَرَ .

     قَوْلُهُ  فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ زَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرٍ حِسَّهُ وَفِي رِوَايَة أَرقم بن شُرَحْبِيل عَن بن عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمَّا أَحَسَّ النَّاسُ بِهِ سبحوا أخرجه بن مَاجَهْ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ .

     قَوْلُهُ  أَنْ مَكَانَكَ فِي رِوَايَةِ عَاصِمٍ الْمَذْكُورَةِ أَنِ اثْبُتْ مَكَانَكَ وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بِأَنْ لَا يَتَأَخَّرَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ أُتِيَ بِهِ كَذَا هُنَا بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِأَمْرِهِ وَلَفْظُهُ فَقَالَ أَجْلَسَانِي إِلَى جَنْبِهِ فَأَجْلَسَاهُ وَعَيَّنَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ الْبَابِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ مَكَانَ الْجُلُوسِ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ وَهَذَا هُوَ مَقَامُ الْإِمَامِ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ وَأَغْرَبَ الْقُرْطُبِيُّ شَارِحُ مُسْلِمٍ لَمَّا حَكَى الْخِلَافُ هَلْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا فَقَالَ لَمْ يَقَعْ فِي الصَّحِيحِ بَيَانُ جُلُوسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ انْتَهَى وَرِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ هَذِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا فَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ يَغْفُلُ عَنْ ذَلِكَ فِي حَالِ شَرْحِهِ لَهُ .

     قَوْلُهُ  فَقيل للأعمش الخ ظَاهره الِانْقِطَاعُ لِأَنَّ الْأَعْمَشَ لَمْ يُسْنِدْهُ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْهُ ذِكْرُ ذَلِكَ مُتَّصِلًا بِالْحَدِيثِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا .

     قَوْلُهُ  رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ .

     قَوْلُهُ  بَعْضَهُ بِالنَّصْبِ وَهُوَ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِير وَرِوَايَته هَذِهِ وَصَلَهَا الْبَزَّارُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ بِهِ وَلَفْظُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ كَذَا رَوَاهُ مُخْتَصَرًا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَضِيَّةِ حَدِيثِ الْبَابِ لَكِن رَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدِهِ هَذَا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الْمُقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فىالصف وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُقَدَّمُ وَرَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَلْفَ أَبِي بكر أخرجه بن الْمُنْذِرِ وَهَذَا عَكْسُ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى وَهُوَ اخْتِلَافٌ شَدِيدٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَسْرُوقٍ عَنْهَا أَيْضا اخْتِلَاف فَأخْرجهُ بن حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمٍ عَنْ شَقِيقٍ عَنْهُ بِلَفْظِ كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاتِهِ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن خُزَيْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ شَقِيقٍ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَظَاهِرُ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ أَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تُشَاهِدِ الْهَيْئَةَ الْمَذْكُورَةَ وَلَكِنْ تَضَافَرَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْهَا بِالْجَزْمِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ هُوَ الْإِمَامُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ مِنْهَا رِوَايَةُ مُوسَى بن أَبِي عَائِشَةَ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا فَفِيهَا فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَهَذِهِ رِوَايَةُ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ عَنْ مُوسَى وَخَالَفَهُ شُعْبَةُ أَيْضًا فَرَوَاهُ عَنْ مُوسَى بِلَفْظِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى بِالنَّاسِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّفِّ خَلْفَهُ فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ سَلَكَ التَّرْجِيحَ فَقَدَّمَ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مَأْمُومًا لِلْجَزْمِ بِهَا وَلِأَنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ أَحْفَظُ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ عَكْسَ ذَلِكَ وَرَجَّحَ أَنَّهُ كَانَ إِمَامًا وَتَمَسَّكَ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي بَابِ مَنْ دَخَلَ لِيَؤُمَّ النَّاسَ حَيْثُ قَالَ مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ الْجَمْعَ فَحَمَلَ الْقِصَّةَ عَلَى التَّعَدُّدِ وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهِ وَيُؤَيِّدُهُ اخْتِلَافُ النَّقْلِ عَنِ الصَّحَابَةِ غَيْرِ عَائِشَةَ فَحَدِيث بن عَبَّاسٍ فِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مَأْمُومًا كَمَا سَيَأْتِي فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَرْقَمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ الَّتِي أَشَرنَا إِلَيْهَا عَن بن عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ أَنَسٍ فِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ إِمَامًا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْهُ بِلَفْظِ آخِرُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي ثَوْبٍ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ فَلَمْ يَذْكُرْ ثَابِتًا وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا تَرَتَّبَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ مِنَ الْحُكْمِ فِي بَابُ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

     قَوْلُهُ  وَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا يَعْنِي رَوَى الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ كَمَا رَوَاهُ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ مُطَوَّلًا وَشُعْبَةُ مُخْتَصَرًا كُلُّهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ فَزَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ مَا ذُكِرَ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَغَفَلَ مُغْلَطَايْ وَمَنْ تبعه فنسبوا وَصله إِلَى رِوَايَة بن نمير عَن أبي مُعَاوِيَة فِي صَحِيح بن حِبَّانَ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ رِوَايَة بن نُمَيْرٍ لَيْسَ فِيهَا عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ وَالثَّانِي أَنَّ نِسْبَتَهُ إِلَى تَخْرِيجِ صَاحِبِ الْكِتَابِ أولى من نسبته لغيره فِيهِ قَوْله فِي الحَدِيث الثَّانِي لَمَّا ثَقُلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيِ اشْتَدَّ بِهِ مَرَضُهُ يُقَالُ ثَقُلَ فِي مَرَضِهِ إِذَا رَكَدَتْ أَعْضَاؤُهُ عَنْ خِفَّةِ الْحَرَكَةِ .

     قَوْلُهُ  فَأَذِنَّ لَهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَيِ الْأَزْوَاجُ وَحَكَى الْكِرْمَانِيُّ أَنَّهُ رُوِيَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الذَّالِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْقَسْمَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ هَذَا فِي بَابِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ مِنَ الْمُخَضَّبِ وَفِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الَّذِي هُنَا وَسَيَأْتِي فِي رِوَايَة بن أَبِي عَائِشَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ شَيْخِ الزُّهْرِيِّ وَسِيَاقُهُ أَتَمُّ مِنْ سِيَاقِ الزُّهْرِيِّ





[ قــ :645 ... غــ :665] .

     قَوْلُهُ  قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ من رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَلَكِنَّ عَائِشَةَ لَا تَطِيبُ نَفْسًا لَهُ بِخَيْرٍ وَلِابْنِ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَكِنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَذْكُرَهُ بِخَيْرٍ وَلَمْ يَقِفِ الْكِرْمَانِيُّ عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَعَبَّرَ عَنْهَا بِعِبَارَةٍ شَنِيعَةٍ وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ تَنَطَّعَ فَقَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ ذَلِكَ بِعَائِشَةَ وَرَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا أَبْهَمَتِ الثَّانِيَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِي جَمِيعِ الْمَسَافَةِ إِذْ كَانَ تَارَةً يَتَوَكَّأُ عَلَى الْفَضْلِ وَتَارَةً عَلَى أُسَامَةَ وَتَارَةً عَلَى عَلِيٍّ وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْآخَرُ هُوَ الْعَبَّاسُ وَاخْتُصَّ بِذَلِكَ إِكْرَامًا لَهُ وَهَذَا تَوَهُّمٌ مِمَّنْ قَالَهُ وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ لِأَنَّ بن عَبَّاسٍ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ جَازِمٌ بِأَنَّ الْمُبْهَمَ عَلِيٌّ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَدَعْوَى وُجُودِ الْعَبَّاسِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَالَّذِي يَتَبَدَّلُ غَيْرُهُ مَرْدُودَةٌ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ عَاصِمٍ الَّتِي قَدَّمْتُ الْإِشَارَةَ إِلَيْهَا وَغَيْرُهَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْعَبَّاسَ لَمْ يَكُنْ فِي مَرَّةٍ وَلَا فِي مَرَّتَيْنِ مِنْهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرُ مَا مَضَى تَقْدِيمُ أَبِي بَكْرٍ وَتَرْجِيحُهُ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَفَضِيلَةُ عُمَرَ بَعْدَهُ وَجَوَازُ الثَّنَاءِ فِي الْوَجْهِ لِمَنْ أُمِنَ عَلَيْهِ الْإِعْجَابُ وَمُلَاطَفَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ وَخُصُوصًا لِعَائِشَةَ وَجَوَازُ مُرَاجَعَةِ الصَّغِيرِ الْكَبِيرَ وَالْمُشَاوَرَةُ فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ وَالْأَدَبُ مَعَ الْكَبِيرِ لِهَمِّ أَبِي بَكْرٍ بِالتَّأَخُّرِ عَنِ الصَّفِّ وَإِكْرَامِ الْفَاضِلِ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَتَأَخَّرَ حَتَّى يَسْتَوِيَ مَعَ الصَّفِّ فَلَمْ يَتْرُكْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يتزحزح عَن مقَامه وَفِيه أَنَّ الْبُكَاءَ وَلَوْ كَثُرَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ صلى اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ حَالَ أَبِي بَكْرٍ فِي رِقَّةِ الْقَلْبِ وَكَثْرَةِ الْبُكَاءِ لَمْ يَعْدِلْ عَنْهُ وَلَا نَهَاهُ عَنِ الْبُكَاءِ وَأَنَّ الْإِيمَاءَ يَقُومُ مَقَامَ النُّطْقِ وَاقْتِصَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِشَارَةِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِضَعْفِ صَوْتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّ مُخَاطَبَةَ مَنْ يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِيمَاءِ أَوْلَى مِنَ النُّطْقِ وَفِيهِ تَأْكِيدُ أَمْرِ الْجَمَاعَةِ وَالْأَخْذُ فِيهَا بِالْأَشَدِّ وَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ يُرَخِّصُ فِي تَرْكِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ جَوَازِ الْأَخْذِ بِالْأَشَدِّ وَإِنْ كَانَتِ الرُّخْصَةُ أَوْلَى.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَعْذُرَ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ نَفْسَهُ بِأَدْنَى عُذْرٍ فَيَتَخَلَّفُ عَنِ الْإِمَامَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ إِفْهَامَ النَّاسِ أَنَّ تَقْدِيمَهُ لِأَبِي بَكْرٍ كَانَ لِأَهْلِيَّتِهِ لِذَلِكَ حَتَّى إِنَّهُ صَلَّى خَلْفَهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لِصَنِيعِ أَبِي بَكْرٍ وَعَلَى جَوَازِ مُخَالَفَةِ مَوْقِفِ الْمَأْمُومِ لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ قَصَدَ أَنْ يُبَلِّغَ عَنْهُ وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَنْ زَحَمَ عَنِ الصَّفِّ وَعَلَى جَوَازِ ائْتِمَامِ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ بِبَعْضٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَاخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ كَمَا سَيَأْتِي وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ إِنَّمَا كَانَ مُبَلِّغًا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابُ مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ التَّكْبِيرَ مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ الْأَعْمَشِ وَكَذَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ عَلَى هَذَا فَمَعْنَى الِاقْتِدَاءُ اقْتِدَاؤُهُمْ بِصَوْتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ قَائِمًا فَكَانَ بَعْضُ أَفْعَالِهِ يَخْفَى عَلَى بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ فَمِنْ ثَمَّ كَانَ أَبُو بَكْرٍ كَالْإِمَامِ فِي حَقِّهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ اتِّبَاعُ صَوْتِ الْمُكَبِّرِ وَصِحَّةُ صَلَاةِ الْمُسْتَمِعِ وَالسَّامِعِ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ فِي صِحَّتِهِ تَقَدُّمَ إِذْنِ الْإِمَامِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الطَّبَرِيُّ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَيَقْتَدِيَ هُوَ بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ الصَّلَاةَ وَعَلَى جَوَازِ إِنْشَاءِ الْقُدْوَةِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَعَلَى جَوَازِ تَقَدُّمِ إِحْرَامِ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ قَطَعَ الْقُدْوَةَ وَائْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَرْقَمَ بن شُرَحْبِيل عَن بن عَبَّاسٍ فَابْتَدَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِرَاءَةَ مِنْ حَيْثُ انْتَهَى أَبُو بَكْرٍ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ قَائِمًا خَلْفَ الْقَاعِدِ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ مُطْلَقًا وَلِأَحْمَدَ حَيْثُ أَوْجَبَ الْقُعُودَ عَلَى مَنْ يُصَلِّي خَلْفَ الْقَاعِدِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى