فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الأذان بعد الفجر

( قَوْله بَاب الْأَذَان بعد الْفَجْرِ)
قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ تَرْجَمَةَ الْأَذَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ عَلَى تَرْجَمَةِ الْأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ فَخَالَفَ التَّرْتِيبَ الْوُجُودِيَّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرْعِ أَنْ لَا يُؤَذَّنَ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَقَدَّمَ تَرْجَمَةَ الْأَصْلِ عَلَى مَا ندر عَنهُ وَأَشَارَ بن بَطَّالٍ إِلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى التَّرْجَمَةِ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي جَوَازِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ بِالتَّرْجَمَتَيْنِ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ يُؤَذِّنُ لِأَجْلِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ غَيْرُ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ يُؤَذِّنُ لِأَجْلِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَأَنَّ الْأَذَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَا يُكْتَفَى بِهِ عَن الْأَذَان بعده وَأَن أَذَان بن أُمِّ مَكْتُومٍ لَمْ يَكُنْ يَقَعُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ



[ قــ :601 ... غــ :618] .

     قَوْلُهُ  كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ الْمُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ هَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ جُمْهُورِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدِ اسْتَشْكَلَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَوَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ كَمَا سَيَأْتِي وَالْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جَمِيعِ رُوَاتِهِ بِلَفْظِ كَانَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الْأَذَانِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقد أصلح فِي رِوَايَة بن شَبُّوَيْهِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ كَذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ الْهَمْدَانِيِّ كَانَ إِذَا أَذَّنَ بَدَلَ اعْتَكَفَ وَهِيَ أَشْبَهُ بِالرِّوَايَةِ الْمُصَوَّبَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ صَنِيعَهُ ذَلِكَ كَانَ مُخْتَصًّا بِحَالِ اعْتِكَافِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ إِصْلَاحِهِ وَقَدْ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْوَهْمَ فِيهِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ وَوجه بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَعْنَى اعْتَكَفَ الْمُؤَذِّنُ أَيْ لَازَمَ ارْتِقَابَهُ وَنَظَرَهُ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ لِيُؤَذِّنَ عِنْدَ أَوَّلِ إِدْرَاكِهِ قَالُوا وَأَصْلُ الْعُكُوفِ لُزُومُ الْإِقَامَةِ بِمَكَانٍ وَاحِدٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّيهِمَا إِلَّا إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنَ الْمُؤَذِّنِ لِمَا يَقْتَضِيهِ مَفْهُومُ الشَّرْطِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِمَا مُطْلَقًا وَالْحَقُّ أَنَّ لَفْظَ اعْتَكَفَ مُحَرَّفٌ مِنْ لَفْظِ سَكَتَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ كَانَ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَطَلَعَ الْفَجْرُ .

     قَوْلُهُ  وَبَدَا الصُّبْحُ بِغَيْرِ هَمْزٍ أَيْ ظَهَرَ وَأَغْرَبَ الْكِرْمَانِيُّ فَصَحَّحَ أَنَّهُ بِالنُّونِ الْمَكْسُورَةِ وَالْهَمْزَةِ بَعْدَ الْمَدِّ وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِلصُّبْحِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ وَاعْتَكَفَ لِنِدَاءِ الصُّبْحِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْحَدِيثَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ مِنَ الْمُوَطَّأِ وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهَا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَبَعْدَ الدَّالِ أَلِفٌ مَقْصُورَةٌ وَالْوَاوُ فِيهِ وَاوُ الْحَالِ لَا وَاوُ الْعَطْفِ وَبِذَلِكَ تَتِمُّ مُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي أَبْوَابِ التَّطَوُّعِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى





[ قــ :60 ... غــ :619] .

     قَوْلُهُ  عَن يحيى هُوَ بن أَبِي كَثِيرٍ .

     قَوْلُهُ  بَيْنَ النِّدَاءِ وَالْإِقَامَةِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَبْعَدُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ حَدِيثِ حَفْصَةَ لِأَنَّ قَوْلَهَا بَيْنَ النِّدَاءِ وَالْإِقَامَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ الْأَذَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا محصله أَنَّهَا عنت بِالرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَهُمَا لَا يُصَلَّيَانِ إِلَّا بَعْدَ الْفَجْرِ فَإِذَا صَلَّاهُمَا بَعْدَ الْأَذَانِ اسْتَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ وَقَعَ بَعْدَ الْفَجْرِ انْتَهَى وَهُوَ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ غَيْرُ سَالِمٍ مِنَ الِانْتِقَادِ وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّ الْمُصَنِّفَ جَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي الْإِيمَاءِ إِلَى بَعْضِ مَا وَرَدَ فِي طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا أَوْرَدَهُ بَعْدَ بَابَيْنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ وَلَفْظُهُ كَانَ إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الْفَجْرُ





[ قــ :603 ... غــ :60] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ هَذَا إِسْنَادٌ آخَرُ لِمَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِيهِ وَاعْتَرَضَ بن التَّيْمِيِّ فَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْجَمَة لجعله غَايَة الْأكل ابْتِدَاء أَذَان بن أُمِّ مَكْتُومٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَذَانَهُ كَانَ يَقَعُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِقَلِيلٍ وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ.

     وَقَالَ  الزَّيْنُ بن الْمُنِير الِاسْتِدْلَال بِحَدِيث بن عُمَرَ أَوْجَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ حَتَّى يُنَادي بن أُمِّ مَكْتُومٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُنَادِي حِينَ يَطْلُعُ الْفَجْرُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُنَادِي قَبْلَهُ لَكَانَ كبلال يُنَادي بلَيْل تَنْبِيه قَالَ بن مَنْدَهْ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ وَرَوَاهُ عَنْهُ شُعْبَةُ فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْهُ عَلَى الشَّكِّ أَنَّ بِلَالًا كَمَا هُوَ الْمَشْهُور أَو أَن بن أُمِّ مَكْتُومٍ يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ بِلَالٌ قَالَ وَلِشُعْبَةَ فِيهِ إِسْنَادٌ آخَرُ فَإِنَّهُ رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمَّتِهِ أُنَيْسَةَ فَذَكَرَهُ عَلَى الشَّكِّ أَيْضًا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْهُ جَازِمًا بِالْأَوَّلِ وَرَوَاهُ أَبُو الْوَلِيدِ عَنْهُ جَازِمًا بِالثَّانِي وَكَذَا أَخْرَجَهُ بن خُزَيْمَة وبن الْمُنْذر وبن حِبَّانَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَن خبيب بن عبد الرَّحْمَن وَادّعى بن عَبْدِ الْبَرِّ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّهُ مَقْلُوبٌ وَأَن الصَّوَاب حَدِيثُ الْبَابِ وَقَدْ كُنْتُ أَمِيلُ إِلَى ذَلِكَ إِلَى أَن رَأَيْت الحَدِيث فِي صَحِيح بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ مَا يُبْعِدُ وُقُوعَ الْوَهْمِ فِيهِ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  إِذَا أَذَّنَ عَمْرٌو فَإِنَّهُ ضَرِيرُ الْبَصَرِ فَلَا يَغُرَّنَّكُمْ وَإِذَا أَذَّنَ بِلَالٌ فَلَا يَطْعَمَنَّ أَحَدٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَجَاءَ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضا أَنَّهَا كَانَت تنكر حَدِيث بن عُمَرَ وَتَقُولُ إِنَّهُ غَلَطٌ أَخْرَجَ ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَزَادَ قَالَتْ عَائِشَةُ وَكَانَ بِلَالٌ يُبْصِرُ الْفَجْرَ قَالَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ غلط بن عمر انْتهى وَقد جمع بن خُزَيْمَةُ وَالضُّبَعِيُّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ كَانَ نُوَبًا بَيْنَ بِلَال وبن أُمِّ مَكْتُومٍ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْلِمُ النَّاسَ أَنَّ أَذَانَ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا لَا يُحَرِّمُ عَلَى الصَّائِمِ شَيْئًا وَلَا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الثَّانِي وَجَزَمَ بن حِبَّانَ بِذَلِكَ وَلَمْ يُبْدِهِ احْتِمَالًا وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ الضِّيَاءُ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ لَمْ يَكُنْ نُوَبًا وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهُمَا حَالَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ فَإِنَّ بِلَالًا كَانَ فِي أَوَّلِ مَا شُرِعَ الْأَذَانُ يُؤَذِّنُ وَحْدَهُ وَلَا يُؤَذِّنُ لِلصُّبْحِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَعَلَى ذَلِكَ تُحْمَلُ رِوَايَةُ عُرْوَةَ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قَالَتْ كَانَ بِلَالٌ يَجْلِسُ عَلَى بَيْتِي وَهُوَ أَعْلَى بَيْتٍ فِي الْمَدِينَةِ فَإِذَا رَأَى الْفَجْرَ تَمَطَّأَ ثُمَّ أَذَّنَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَرِوَايَةُ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَذَّنَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ ثُمَّ أَرْدَفَ بِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ وَاسْتَمَرَّ بِلَالٌ عَلَى حَالَتِهِ الْأُولَى وَعَلَى ذَلِكَ تَنْزِلُ رِوَايَةُ أُنَيْسَةَ وَغَيرهَا ثمَّ فِي آخر الْأَمر أخر بن أُمِّ مَكْتُومٍ لِضَعْفِهِ وَوَكَّلَ بِهِ مَنْ يُرَاعِي لَهُ الْفَجْرَ وَاسْتَقَرَّ أَذَانُ بِلَالٍ بِلَيْلٍ وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ أَخْطَأَ الْفَجْرَ فَأَذَّنَ قَبْلَ طُلُوعِهِ وَأَنَّهُ أَخْطَأَ مَرَّةً فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَ فَيَقُولُ أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ نَامَ يَعْنِي أَنَّ غَلَبَةَ النَّوْمِ عَلَى عَيْنَيْهِ مَنَعَتْهُ مِنْ تَبَيُّنِ الْفَجْرِ وَهُوَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ مَوْصُولًا مَرْفُوعًا وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ حُفَّاظٌ لَكِنِ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْبُخَارِيُّ وَالذُّهْلِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْأَثْرَمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى أَنَّ حَمَّادًا أَخْطَأَ فِي رَفْعِهِ وَأَنَّ الصَّوَابَ وَقْفُهُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ مُؤَذِّنِهِ وَأَنَّ حَمَّادًا انْفَرَدَ بِرَفْعِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ وُجِدَ لَهُ مُتَابِعٌ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ زَرْبِيٍّ وَهُوَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ يَاءٌ كَيَاءِ النَّسَبِ فَرَوَاهُ عَنْ أَيُّوبَ مَوْصُولًا لَكِنْ سَعِيدٌ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ أَيْضًا لَكِنَّهُ أَعْضَلَهُ فَلم يذكر نَافِعًا وَلَا بن عُمَرَ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهَا وَوَقْفِهَا أَيْضًا وَأُخْرَى مُرْسَلَةٌ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ وَأُخْرَى مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلَةٌ وَوَصَلَهَا يُونُسُ عَنْ سَعِيدٍ بِذِكْرِ أَنَسٍ وَهَذِهِ طُرُقٌ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا قُوَّةً ظَاهِرَةً فَلِهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ اسْتَقَرَّ أَنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ وَسَنَذْكُرُ اخْتِلَافَهُمْ فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا