فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب

( قَوْله بَاب مَا ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بواب)
ذكر فِيهِ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي جَاءَتْ تَعْتَذِرُ عَنْ قَوْلِهَا إِلَيْكَ عَنِّي لَمَّا أَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَجَدَهَا تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ بِالصَّبْرِ فَفِي الْحَدِيثِ فَجَاءَتْ إِلَى بَابِهِ فَلَمْ تَجِدْ عَلَيْهِ بَوَّابًا



[ قــ :6772 ... غــ :7154] .

     قَوْلُهُ  إِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا إِنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تُسَمَّ وَأَنَّ الْمَقْبُورَ كَانَ وَلَدَهَا وَلَمْ يُسَمَّ أَيْضًا وَأَنَّ الَّذِي ذَكَرَ لَهَا أَنَّ الَّذِي خَاطَبَهَا هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَوَقَعَ هُنَا أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ لِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ هَلْ تَعْرِفِينَ فُلَانَةَ يَعْنِي صَاحِبَةَ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَلَمْ أَعْرِفِ اسْمَ الْمَرْأَةِ الَّتِي مِنْ أَهْلِ أَنَسٍ أَيْضًا وَقَوْلُهَا إِلَيْكَ عَنِّي أَيْ كُفَّ نَفْسَكَ وَدَعْنِي وَقَوْلُهَا فَإِنَّكَ خِلْوٌ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ خَالٍ مِنْ هَمِّي قَالَ الْمُهَلَّبُ لَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَوَّابٌ رَاتِبٌ يَعْنِي فَلَا يَرِدُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ كَانَ بَوَّابًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا جَلَسَ عَلَى الْقُفِّ قَالَ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي شُغْلٍ مِنْ أَهْلِهِ وَلَا انْفِرَادٍ لِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ حِجَابَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَيَبْرُزُ لِطَالِبِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ دَلَّ حَدِيثُ عُمَرَ حِينَ اسْتَأْذَنَ لَهُ الْأَسْوَدُ يَعْنِي فِي قِصَّةِ حَلِفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى نِسَائِهِ شَهْرًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي وَقْتِ خَلْوَتِهِ بِنَفْسِهِ يَتَّخِذُ بَوَّابًا وَلَوْلَا ذَلِكَ لَاسْتَأْذَنَ عُمَرُ لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى قَوْلِهِ يَا رَبَاحُ اسْتَأْذِنْ لِي.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ اسْتِئْذَانِ عُمَرَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَكُونَ وَجَدَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ ابْنَتِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَخْتَبِرَ ذَلِكَ بِاسْتِئْذَانِهِ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَذِنَ لَهُ اطْمَأَنَّ وَتَبَسَّطَ فِي الْقَوْلِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ مُلَخَّصًا لِمَا تَقَدَّمَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِ بَوَّابًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَوَّابٌ رَاتِبٌ أَوْ فِي حُجْرَتِهِ الَّتِي كَانَتْ مَسْكَنًا لَهُ أَوْ لَمْ يَكُنِ الْبَوَّابُ بِتَعْيِينِهِ بَلْ بَاشَرَا ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمَا يَعْنِي أَبَا مُوسَى وَرَبَاحًا.

قُلْتُ الْأَوَّلُ كَافٍ وَفِي الثَّانِي نَظَرٌ لِأَنَّهُ إِذَا انْتَفَى فِي الْحُجْرَةِ مَعَ كَوْنِهَا مَظِنَّةَ الْخَلْوَةِ فَانْتِفَاؤُهُ فِي غَيْرِهَا أَوْلَى وَإِنْ أَرَادَ إِثْبَاتَ الْبَوَّابِ فِي الْحُجْرَةِ دُونَ غَيْرِهَا كَانَ بِخِلَافِ حَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِنَّمَا جَاءَتْ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي مَنْزِلِ سَكَنِهِ فَلَمْ تَجِدْ عَلَيْهِ بَوَّابًا وَفِي الثَّالِثِ أَيْضًا نَظَرٌ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُمَا فَعَلَا ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَكِنَّ تَقْرِيرَهُ لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ يُفِيدُ مَشْرُوعِيَّتَهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَيَّدَ بِالْحَاجَةِ وَهُوَ الْأَوْلَى وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْحِجَابِ لِلْحُكَّامِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ لَا يَتَّخِذَ حَاجِبًا وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى جَوَازِهِ وَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى زَمَنِ سُكُونِ النَّاسِ وَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْخَيْرِ وَطَوَاعِيَتِهِمْ لِلْحَاكِمِ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ بَلْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ حِينَئِذٍ لِيُرَتِّبَ الْخُصُومَ وَيَمْنَعَ الْمُسْتَطِيلَ وَيَدْفَعَ الشِّرِّيرَ وَنقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ قَالَ الَّذِي أَحْدَثَهُ بَعْضُ الْقُضَاةِ مِنْ شِدَّةِ الْحُجَّابِ وَإِدْخَالِ بَطَائِقِ الْخُصُومِ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ السَّلَفِ انْتَهَى فَأَمَّا اتِّخَاذُ الْحَاجِبِ فَقَدْ ثَبَتَ فِي قِصَّةِ عُمَرَ فِي مُنَازَعَةِ الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَاجِبٌ يُقَالُ لَهُ يَرْفَا وَمَضَى ذَلِكَ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ وَاضِحًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَ جَوَازَهُ بِغَيْرِ وَقْتِ جُلُوسِهِ لِلنَّاسِ لِفَصْلِ الْأَحْكَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَمَّمَ الْجَوَازَ كَمَا مَضَى.
وَأَمَّا الْبَطَائِقُ فَقَالَ بن التِّينِ إِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْبَطَائِقَ الَّتِي فِيهَا الْإِخْبَارُ بِمَا جَرَى فَصَحِيحٌ يَعْنِي أَنَّهُ حَادِثٌ قَالَ.
وَأَمَّا الْبَطَائِقُ الَّتِي تُكْتَبُ لِلسَّبَقِ لِيَبْدَأَ بِالنَّظَرِ فِي خُصُومَةِ مَنْ سَبَقَ فَهُوَ مِنَ الْعَدْلِ فِي الْحُكْمِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ وَظِيفَةُ الْبَوَّابِ أَوِ الْحَاجِبِ أَنْ يُطَالِعَ الْحَاكِمَ بِحَالِ مَنْ حَضَرَ وَلَا سِيَّمَا مِنَ الْأَعْيَانِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَجِيءَ مُخَاصِمًا وَالْحَاكِمُ يَظُنُّ أَنَّهُ جَاءَ زَائِرًا فَيُعْطِيَهُ حَقَّهُ مِنَ الْإِكْرَامِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِمَنْ يَجِيءُ مُخَاصِمًا وَإِيصَالُ الْخَبَرِ لِلْحَاكِمِ بِذَلِكَ إِمَّا بِالْمُشَافَهَةِ وَإِمَّا بِالْمُكَاتَبَةِ وَيُكْرَهُ دَوَامُ الِاحْتِجَابِ وَقَدْ يَحْرُمُ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي مَرْيَمَ الْأَسَدِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا فَاحْتَجَبَ عَنْ حَاجَتِهِمِ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْ حَاجَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنْ كَانَ حَاكِمًا بَيْنَ النَّاسِ فَاحْتَجَبَ عَنْهُمْ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَأْخِيرِ إِيصَالِ الْحُقُوقِ أَوْ تَضْيِيعِهَا وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْأَسْبَقِ فَالْأَسْبَقِ وَالْمُسَافِرِ عَلَى الْمُقِيمِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الرُّفْقَةِ وَأَنَّ مَنِ اتَّخَذَ بَوَّابًا أَوْ حَاجِبًا أَنْ يَتَّخِذَهُ ثِقَةً عَفِيفًا أَمِينًا عَارِفًا حسن الْأَخْلَاق عَارِفًا بمقادير النَّاس