فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب في النكاح

( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ فِي النِّكَاحِ)

تَقَدَّمَ قَرِيبًا بَابُ الْحِيلَةِ فِي النِّكَاحِ وَذَكَرَ فِيهِ الشِّغَارَ وَالْمُتْعَةَ وَذَكَرَ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي النِّكَاحِ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاسْتِئْذَانَ الْمَخْطُوبَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ وَقَدْ مَضَى شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ النِّكَاحِ ثُمَّ أَوْرَدَ بَعْدَهُ حَدِيثَ خَنْسَاءَ بِذِكْرِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ جَمِيعًا وَقَدْ تَقَدَّمَا فِي بَابِ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُكْرَهِ قَرِيبًا وَحَدِيثُ عَائِشَةَ نَحْوُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ



[ قــ :6602 ... غــ :6968] .

     قَوْلُهُ  هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ .

     قَوْلُهُ  لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ أَيْ لَا تَزَوَّجُ .

     قَوْلُهُ  وقَال بَعْضُ النَّاسِ إِذَا لَمْ تُسْتَأْذَنْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ إِنْ بَدَلَ إِذَا .

     قَوْلُهُ  فَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ زُورًا أَيْ شَهِدَا زُورًا أَوْ زُورًا مُتَعَلِّقٌ بِأَقَامَ .

     قَوْلُهُ  فَأَثْبَتَ الْقَاضِي نِكَاحَهَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ نِكَاحَهُ أَيْ بِشَهَادَتِهِمَا .

     قَوْلُهُ  فَلَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا أَيْ لَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ مَعَ علمه بِأَن شاهديه كذبا الحَدِيث الثَّانِي





[ قــ :6603 ... غــ :6969] قَوْله عَليّ هُوَ بن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ .

     قَوْلُهُ  عَنِ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا الْقَاسِم أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَالقَاسِم هُوَ بن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ امْرَأَة من ولد جَعْفَر فِي رِوَايَة بن أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ آلِ جَعْفَرٍ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهَا وَلَا عَلَى الْمُرَادِ بِجَعْفَرٍ وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَتَجَاسَرَ الْكِرْمَانِيُّ فَقَالَ الْمُرَادُ بِهِ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاقِرُ وَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ جَدَّ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ لِأُمِّهِ انْتَهَى وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ الْقِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَقَعَتْ وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ صَغِيرٌ لِأَنَّ مَوْلِدَهُ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَكَانَتْ وَفَاةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَخْبَرَ الْمَرْأَةَ بِحَدِيثِ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ فَكَيْفَ تَكُونُ الْمَرْأَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالة وأبوها بن ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ دُونَهَا .

     قَوْلُهُ  فَأَرْسَلَتْ إِلَى شيخين من الْأَنْصَار زَاد بن أَبِي عُمَرَ تُخْبِرُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَمْرِي شَيْءٌ .

     قَوْلُهُ  ابْنَيْ جَارِيَةَ كَذَا نَسَبَهُمَا فِي هَذِه الرِّوَايَةِ إِلَى جَدِّهِمَا وَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَمِّعٍ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ وَهُوَ بِجِيمٍ وَرَاءٍ وَوَقَعَ هُنَا لِبَعْضِهِمْ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَمُثَلَّثَةٍ وَهُوَ تَصْحِيفٌ .

     قَوْلُهُ  قَالَا فَلَا تَخْشَيْنَ كَذَا لَهُمْ عَلَى أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمَرْأَةِ وَمَنْ مَعهَا وَظن بن التِّينِ أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمَرْأَةِ وَحْدَهَا فَقَالَ الصَّوَابُ فَلَا تَخْشِيِنَّ بِكَسْرِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ قَالَ وَلَوْ كَانَ بِلَا تَأْكِيدٍ لَحُذِفَتِ النُّونُ.

قُلْتُ وَوَقع فِي رِوَايَة بن أَبِي عُمَرَ فَأَرْسَلَا إِلَيْهَا أَنْ لَا تَخَافِي فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا خَاطَبَا مَنْ كَانَتْ أَرْسَلَتْهُ إِلَيْهِمَا أَوْ مَنْ أُرْسِلَا وَعَلَى الْحَالَيْنِ فَكَانَ مَنْ أُرْسِلَا فِي ذَلِكَ جَمَاعَةُ نِسْوَةٍ .

     قَوْلُهُ  فَإِنَّ خَنْسَاءَ بِنْتَ خِدَامٍ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ بَيَانُ نَسَبِهَا وَحَالِهَا .

     قَوْلُهُ  قَالَ سُفْيَانُ فَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَن يَعْنِي بن الْقَاسِم بن مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ .

     قَوْلُهُ  فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ عَنْ أَبِيهِ إِنَّ خَنْسَاءَ يَعْنِي أَنَّهُ أَرْسَلَهُ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ وَلَا أَخَاهُ قلت وَأخرجه بن أبي عمر فِي مُسْند وَمِنْ طَرِيقِهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ خَنْسَاءَ فَذَكَرَهُ وَقَصَّرَ فِي سَنَدِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى مَوْصُولًا وَبَيَانُ مَنْ أَرْسَلَهُ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ وَشَرْحُ الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى وَرِوَايَةُ مَنْ قَالَ فِيهِ إِنَّهَا كَانَتْ بِكْرًا وَبَيَانُ الصَّوَابِ مِنْ ذَلِكَ الحَدِيث الثَّالِث تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ





[ قــ :6604 ... غــ :6970] .

     قَوْلُهُ  وقَال بَعْضُ النَّاسِ إِنِ احْتَالَ إِنْسَانٌ بِشَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ بِأَمْرِهَا إِلَخْ قَالَ الْمُهَلَّبُ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ اسْتِئْذَانِ الثَّيِّبِ وَالْأَصْلُ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فَلَا تعضلوهن أَن ينكحن أَزوَاجهنَّ إِذا تراضوا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الرِّضَا مِنَ الزَّوْجَيْنِ وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاسْتِئْذَانِ الثَّيِّبِ وَرَدَّ نِكَاحَ مَنْ زُوِّجَتْ وَهِيَ كَارِهَةٌ فَقَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ خَارِجٌ عَنْ هَذَا كُله انْتهى مُلَخصا الحَدِيث الرَّابِع





[ قــ :6605 ... غــ :6971] .

     قَوْلُهُ  الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ تَقَدَّمَ فِي الْإِكْرَاهِ مِنْ طَرِيق سُفْيَان عَن بن جُرَيْجٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ قَالَ نَعَمْ .

     قَوْلُهُ  وقَال بَعْضُ النَّاسِ إِنْ هَوِيَ بِكَسْرِ الْوَاوِ أَيْ أَحَبَّ إِنْسَانٌ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ رَجُلٌ .

     قَوْلُهُ  جَارِيَةً يَتِيمَةً أَوْ بِكْرًا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ ثَيِّبًا وَوَقع عِنْد بن بَطَّالٍ كَذَلِكَ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ .

     قَوْلُهُ  فِي بَقِيَّةِ الْكَلَامِ فَأَدْرَكَتِ الْيَتِيمَةُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا كَانَتْ غَيْرَ بَالِغٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ قَوْلَهُ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ أَيْ يَشْهَدَانِ عَلَى أَنَّهَا مُدْرِكَةٌ وَرَضِيَتْ .

     قَوْلُهُ  فَقَبِلَ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الزُّورِ كَذَا لَهُمْ بِمُوَحَّدَةٍ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ شَهَادَةٌ بِحَذْفِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ أَوَّلِهِ .

     قَوْلُهُ  حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ أَيْ مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ الشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَة.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ لَا يَحِلُّ هَذَا النِّكَاحُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَحُكْمُ الْقَاضِي بِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ عَدَالَةِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الظَّاهِرِ لَا يُحِلُّ لِلزَّوْجِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ مَالِ غَيْرِهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَكْلِ مَالِ الْحَرَامِ وَوَطْءِ الْفَرْجِ الْحَرَامِ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ قَاسَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَالَّتِي قَبْلَهَا عَلَى مَسْأَلَةٍ اتِّفَاقِيَّةٍ وَهِيَ مَا لَوْ حَكَمَ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ مَنْ ظَنَّ عَدَالَتَهُمَا أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَكَانَا شَهِدَا فِي ذَلِكَ بِالزُّورِ أَنَّهُ يَحِلُّ تَزْوِيجُهَا لِمَنْ لَا يَعْلَمُ بَاطِنَ تِلْكَ الشَّهَادَةِ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ عَلِمَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِي يُقْدِمُ عَلَى الشَّيْءِ جَاهِلًا بِبُطْلَانِهِ لَا يُقَاسُ بِمَنْ يُقْدِمُ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِبُطْلَانِهِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى ابْنَتِهِ أَنَّهَا أَمَتُهُ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ ظَانًّا عَدَالَتَهُمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَكَذَا لَوْ شهد فِي ابْنَةِ غَيْرِهِ مِنْ حُرَّةٍ أَنَّهَا أَمَةُ الْمَشْهُودِ لَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ بُطْلَانَ شَهَادَتِهِمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا انْتَهَى مُلَخَّصًا وَلَيْسَ الَّذِي نَسَبَهُ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ هَذَا الْقِيَاسِ مُسْتَقِيمًا وَإِنَّمَا حُجَّتُهُمْ أَنَّ الِاسْتِئْذَانَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْقَاضِي أَنْشَأَ لِهَذَا الزَّوْجِ عَقْدًا مُسْتَأْنَفًا فَيَصِحُّ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحْدَهُ وَاحْتَجَّ بِأَثَرٍ عَنْ عَلِيٍّ فِي نَحْوِ هَذَا قَالَ فِيهِ شَاهِدَاكَ زَوَّجَاكَ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيّ اعْتَمَدَ الْحَنَفِيَّةُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْلِ تَحَقُّقٍ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَكَذَلِكَ الْبِنَاءُ عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ وَالثَّانِي أَنَّ الْفَرْجَ يَقْبَلُ إِنْشَاءَ الْحِلِّ فِيهِ كَتَزْوِيجِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ بِمَالٍ لِظَانِّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا وَالْمَالُ إِنَّمَا يُنْشِئُ الْحِلَّ فِيهَا بِالْقَبُولِ مِنَ الْمَالِكِ قَالَ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إِنَّمَا يَحْمِلُ الْحُكْمَ الَّذِي لَا أَثَرَ فِيهِ عَلَى النَّظِيرِ لَا عَلَى الضِّدِّ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ شَهَادَةِ الزُّورِ عَلَى اللِّعَانِ وَالْفَرْجُ إِنَّمَا يَنْشَأُ الْحِلُّ فِيهِ بِوَجْهٍ يَسْتَوِي ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ.
وَأَمَّا بِأَمْرٍ يَظْهَرُ بَاطِنُهُ فَلَا انْتَهَى مُلَخَّصًا.

     وَقَالَ  بن التِّينِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا شَهِدَا بِزُورٍ عَلَى الطَّلَاقِ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِهَا تَصِيرُ الْمَرْأَةُ مُطَلَّقَةً بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ حَتَّى بِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ.

     وَقَالَ  فِيمَا لَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى مَحْرَمٍ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَنْفُذُ فِي الْبَاطِنُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَهُوَ يَعْلَمُ وَكَذَا لَوْ شَهِدَا لَهُ بِمَالٍ قَالَ وَفُرِّقَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِلْحَاكِمِ فِيهِ ولَايَة ابتداه أَنَّهُ يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِيهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَمَا لَا فَإِنَّهُ يَنْفُذُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ فَلَمَّا أَنْ كَانَ لِلْحَاكِمِ فِيهِ وِلَايَةٌ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَوِلَايَةٌ فِي أَنَّهُ يُطَلِّقُ عَلَى غَيْرِهِ نَفَذَ حُكْمُهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ فِي تَزْوِيجِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَلَا فِي نَقْلِ الْأَمْوَالِ نَفَذَ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا قَالَ وَالْحُجَّةُ لِلْجُمْهُورِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ وَهَذَا عَامٌّ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَبْضَاعِ فَلَوْ كَانَ حُكْمُ الْحَاكِمِ يُحِيلُ الْأُمُورَ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ لَكَانَ حُكْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى.

قُلْتُ وَبِهَذَا احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ عِنْدَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدِ احْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا بِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِي اللِّعَانِ تَقَعُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَلَوْ كَانَ الْمَلَاعِنُ فِي الْبَاطِنِ كَاذِبًا وَبِأَنَّ الْبَيِّعَيْنِ إِذَا اخْتلفَا تحَالفا وترادا السّلْعَة وَلَا يحرم انتقاع بَائِعِ السِّلْعَةِ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَاذِبًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَثَرَ الْمُتَقَدِّمَ عَنْ عَلِيٍّ لَا يَثْبُتُ وَبِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَإِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ بَعْضِهِمْ حُجَّةً بِغَيْرِ مُرَجِّحٍ وَبِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِي اللِّعَانِ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ وَالَّذِي حَكَمَ بِالْمُلَاعَنَةِ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُلَاعِنَ حَلَفَ كَاذِبًا.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْبَيِّعَيْنِ فَإِنَّمَا كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا كَذَلِكَ لِلتَّعَارُضِ تَنْبِيهٌ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ ثَلَاثَةَ فُرُوعٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى اشْتِرَاطِ الِاسْتِئْذَانِ وَيَنْظِمُهَا صِحَّةُ النِّكَاحِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ وَحُجَّةُ الْحَنَفِيَّةِ فِيهَا مَا تَقَدَّمَ وَعَبَّرَ فِي الْأُولَى بِقَوْلِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَهَا وَهُوَ تَزْوِيجٌ صَحِيحٌ وَفِي الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ يَسَعُهُ هَذَا النِّكَاحُ وَلَا بَأْسَ بِالْمُقَامِ مَعَهَا وَفِي الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ وَهُوَ تَفَنُّنٌ فِي الْعِبَارَةِ وَالْمَفَادُ وَاحِدٌ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ فِي كَلَامِ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَصَرُّفِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ صُوَرُ الْأَوَّلِ فِي الْبِكْرِ وَالثَّانِي فِي الثَّيِّبِ وَالثَّالِثِ فِي الصَّغِيرَةِ إِذْ لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَفِي الْأَوَّلَيْنِ ثَبَتَ الرِّضَا بِالشَّهَادَةِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَفِي الثَّالِثِ ثَبَتَ بِالِاعْتِرَافِ أَوْ أَنَّهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَعَ ذَلِكَ فَحَاصِلُ الْفُرُوعِ الثَّلَاثَةِ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَيُحَلِّلُ وَيُحَرِّمُ وَفَائِدَةُ إِيرَادِهَا الْمُبَالَغَةَ فِي التَّشْنِيعِ لِمَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ الزَّوْجِ فِي الثَّلَاثَةِ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْإِثْمِ الْعَظِيمِ مَعَ الْعلم بِالتَّحْرِيمِ وَالله أعلم