فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما جاء في البناء

( قَولُهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي الْبِنَاءِ)
أَيْ مِنْ مَنْعٍ وَإِبَاحَةٍ وَالْبِنَاءُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِطِينٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ بِخَشَبٍ أَوْ مِنْ قَصَبٍ أَوْ مِنْ شَعْرٍ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ إِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الْبَهْمِ فِي الْبُنْيَانِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ الرَّاءُ وَبِهَاءِ تَأْنِيثٍ فِي آخِرِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ رِعَاءُ بِكَسْرِ الرَّاءُ وَبِالْهَمْزِ مَعَ الْمَدِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَوْصُولًا مُطَوَّلًا مَعَ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَأَشَارَ بِإِيرَادِ هَذِهِ الْقِطْعَةِ إِلَى ذَمِّ التَّطَاوُلِ فِي الْبُنْيَانِ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ نَظَرٌ وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَمِّ تَطْوِيلِ الْبناء صَرِيحًا مَا اخْرُج بن أَبِي الدُّنْيَا مِنْ رِوَايَةِ عُمَارَةَ بْنِ عَامِرٍ إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ بِنَاءً فَوْقَ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ نُودِيَ يَا فَاسِقُ إِلَى أَيْنَ وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ مَعَ كَوْنِهِ مَوْقُوفًا وَفِي ذَمِّ الْبِنَاءِ مُطْلَقًا حَدِيثُ خَبَّابٍ رَفَعَهُ قَالَ يُؤْجَرُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَتِهِ كُلِّهَا إِلَّا التُّرَابَ أَوْ قَالَ الْبِنَاءَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَأَخْرَجَ لَهُ شَاهِدًا عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ إِلَّا الْبِنَاءَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ إِذَا أَرَادَ الله بِعَبْدٍ شَرًّا خَضَّرَ لَهُ فِي اللَّبِنِ وَالطِّينِ حَتَّى يَبْنِيَ وَمَعْنَى خَضَّرَ بِمُعْجَمَتَيْنِ حَسَّنَ وَزْنًا وَمَعْنًى وَلَهُ شَاهِدٌ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بِشْرٍ الْأَنْصَارِيِّ بِلَفْظِ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ سُوءًا أَنْفَقَ مَالَهُ فِي الْبُنْيَانِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ مَرَّ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُطَيِّنُ حَائِطًا فَقَالَ الْأَمْرُ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن حبَان وَهَذَا كُله مَحْمُول على مَالا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلتَّوَطُّنِ وَمَا يَقِي الْبَرْدَ وَالْحَرَّ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَفَعَهُ أَمَا إنَّ كُلَّ بِنَاءٍ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ إِلَّا مَا لَا إِلَّا مَا لَا أَيْ إِلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَرُوَاتُهُ مُوَثَّقُونَ إِلَّا الرَّاوِيَ عَنْ أَنَسٍ وَهُوَ أَبُو طَلْحَةَ الْأَسَدِيُّ فَلَيْسَ بِمَعْرُوفٍ وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ وَاثِلَةَ عِنْد الطَّبَرَانِيّ



[ قــ :5968 ... غــ :6302] قَوْله حَدثنَا إِسْحَاق هُوَ بن سَعِيدٍ كَذَا فِي الْأَصْلِ وَسَعِيدٌ الْمَذْكُورُ هُوَ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيُّ وَنُسِبَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْأَشْدَقِ وَإِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ يُقَالُ لَهُ السَّعِيدِيُّ سَكَنَ مَكَّةَ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ وَالِدِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَنْ سَعِيدٍ .

     قَوْلُهُ  رَأَيْتُنِي بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ كَأَنَّهُ اسْتَحْضَرَ الْحَالَةَ الْمَذْكُورَةَ فَصَارَ لِشِدَّةِ عِلْمِهِ بِهَا كَأَنَّهُ يَرَى نَفْسَهُ يَفْعَلُ مَا ذَكَرَ .

     قَوْلُهُ  مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  يُكِنُّنِي بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ مِنْ أَكَنَّ إِذَا وَقَى وَجَاءَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ كَنَّ.

     وَقَالَ  أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ كَنَنْتُهُ وَأَكْنَنْتُهُ بِمَعْنًى أَيْ سَتَرْتُهُ وَأَسْرَرْتُهُ.

     وَقَالَ  الْكِسَائِيُّ كَنَنْتُهُ صُنْتُهُ وَأَكْنَنْتُهُ أَسْرَرْتُهُ .

     قَوْلُهُ  مَا أَعَانَنِي عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ هُوَ تَأْكِيدٌ لِقولِهِ بَنَيْتُ بِيَدِي وَإِشَارَةٌ إِلَى خِفَّةِ مُؤْنَتِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيِّ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ السَّعِيدِيِّ بِهَذَا السَّنَدِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجَيْنِ بَيْتًا مِنْ شَعْرٍ وَاعْتَرَضَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَلَى الْبُخَارِيِّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فَقَالَ أَدْخَلَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْبِنَاءِ بِالطِّينِ وَالْمَدَرِ وَالْخَبَرُ إِنَّمَا هُوَ فِي بَيْتِ الشَّعْرِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ رَاوِيَ الزِّيَادَةِ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا فَلَيْسَ فِي التَّرْجَمَةِ تَقْيِيدٌ بِالطِّينِ والمدر





[ قــ :5969 ... غــ :6303] قَوْله قَالَ عَمْرو هُوَ بن دِينَارٍ .

     قَوْلُهُ  لَبِنَةً بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مِثْلِ كَلِمَةٍ وَيَجُوزُ كَسْرُ أَوَّلِهِ وَسُكُونُ الْمُوَحَّدَةِ قَوْله ولاغرست نَخْلَةً قَالَ الدَّاوُدِيُّ لَيْسَ الْغَرْسُ كَالْبِنَاءِ لِأَنَّ مَنْ غَرَسَ وَنِيَّتُهُ طَلَبُ الْكَفَافِ أَوْ لِفَضْلِ مَا يَنَالُ مِنْهُ فَفِي ذَلِكَ الْفَضْلُ لَا الْإِثْمُ.

قُلْتُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لِلْإِثْمِ فِي الْخَبَرِ ذِكْرٌ حَتَّى يُعْتَرَضَ بِهِ وَكَلَامُهُ يُوهِمُ أَنَّ فِي الْبِنَاءِ كُلِّهِ الْإِثْمَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ التَّفْصِيلُ وَلَيْسَ كُلُّ مَا زَادَ مِنْهُ عَلَى الْحَاجَةِ يَسْتَلْزِمُ الْإِثْمَ وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي الْغَرْسِ مِنَ الْأَجْرِ مِنْ أَجْلِ مَا يُؤْكَلُ مِنْهُ مَا لَيْسَ فِي الْبِنَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ الْبِنَاءِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْأَجْرُ مِثْلُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ النَّفْعُ لِغَيْرِ الْبَانِي فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لِلْبَانِي بِهِ الثَّوَابُ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَذَكَرْتُهُ لِبَعْضِ أَهْلِهِ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ وَالْقَائِلُ هُوَ سُفْيَانُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ بَنَى زَادَ الْكُشْمِيهَنِيُّ فِي رِوَايَتِهِ بَيْتًا .

     قَوْلُهُ  قَالَ سُفْيَانُ.

قُلْتُ فَلَعَلَّهُ قَالَ قَبْلَ أَيْ قَالَ مَا وَضَعْتُ لَبِنَةً إِلَخْ قَبَلَ أَنْ يُبْنَى الَّذِي ذَكَرْتُ وَهَذَا اعْتِذَارٌ حَسَنٌ مِنْ سُفْيَانَ رَاوِي الْحَدِيثِ وَيحْتَمل ان يكون بن عُمَرَ نَفَى أَنْ يَكُونَ بَنَى بِيَدِهِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلُ ذَلِكَ وَالَّذِي أَثْبَتَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ كَانَ بَنَى بِأَمْرِهِ فَنَسَبَهُ إِلَى فِعْلِهِ مَجَازًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِنَاؤُهُ بَيْتًا مِنْ قَصَبٍ أَوْ شَعْرٍ وَيَحْتَمِلُ ان يكون الَّذِي نَفَاهُ بن عُمَرَ مَا زَادَ عَلَى حَاجَتِهِ وَالَّذِي أَثْبَتَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِنَاءُ بَيْتٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ أَوْ إِصْلَاحُ مَا وَهَى مِنْ بَيْتِهِ قَالَ بن بَطَّالٍ يُؤْخَذُ مِنْ جَوَابِ سُفْيَانَ أَنَّ الْعَالِمَ إِذَا جَاءَ عَنْهُ قَوْلَانِ مُخْتَلِفَانِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِسَامِعِهِمَا أَنْ يَتَأَوَّلَهُمَا عَلَى وَجْهٍ يَنْفِي عَنْهُمَا التَّنَاقُضَ تَنْزِيهًا لَهُ عَنِ الْكَذِبِ انْتَهَى وَلَعَلَّ سُفْيَان فهم من قَول بعض أهل بن عُمَرَ الْإِنْكَارَ عَلَى مَا رَوَاهُ لَهُ عَنْ عَمْرو بن دِينَار عَن بن عُمَرَ فَبَادَرَ سُفْيَانُ إِلَى الِانْتِصَارِ لِشَيْخِهِ وَلِنَفْسِهِ وَسَلَكَ الْأَدَبَ مَعَ الَّذِي خَاطَبَهُ بِالْجَمْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ خَاتِمَة اشْتَمَلَ كِتَابُ الِاسْتِئْذَانِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ حَدِيثًا الْمُعَلَّقُ مِنْهَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ اثْنَا عَشَرَ حَدِيثًا وَالْبَقِيَّةُ مَوْصُولَةٌ الْمُكَرَّرُ مِنْهُ فِيهِ وَفِيمَا مَضَى خَمْسَةٌ وَسِتُّونَ حَدِيثًا وَالْخَالِصُ عِشْرُونَ وَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى حَدِيثٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ رَسُولُ الرَّجُلِ إِذْنُهُ وَحَدِيثِ أَنَسٍ فِي المصافحة وَحَدِيث بن عُمَرَ فِي الِاحْتِبَاءِ وَحَدِيثِهِ فِي الْبِنَاءِ وَحَدِيثِ بن عَبَّاسٍ فِي خِتَانِهِ وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ سَبْعَةُ آثَارٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَـوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ