فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الإمام: اللهم بين

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ الْإِمَامِ اللَّهُمَّ بَيِّنْ)
قَالَ بن الْعَرَبِيِّ لَيْسَ مَعْنَى هَذَا الدُّعَاءِ طَلَبَ ثُبُوتِ صِدْقِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ بَلْ مَعْنَاهُ أَنْ تَلِدَ لِيَظْهَرَ الشَّبَهُ وَلَا يَمْتَنِعُ دَلَالَتُهَا بِمَوْتِ الْوَلَدِ مَثَلًا فَلَا يَظْهَرُ الْبَيَانُ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ رَدْعُ مَنْ شَاهَدَ ذَلِكَ عَنِ التَّلَبُّسِ بِمِثْلِ مَا وَقَعَ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْقُبْحِ وَلَو ان درا الْحَد



[ قــ :5030 ... غــ :5316] قَوْله حَدثنَا إِسْمَاعِيل هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ .

     قَوْلُهُ  أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ ثَبَتَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَكَذَا رِوَايَةُ اللَّيْثِ السَّابِقَةُ قَبْلَ أَرْبَعَة أَبْوَاب أَن رِوَايَة بن جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ الَّتِي أَخْرَجَهَا الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَعَتْ فِيهَا تَسْوِيَةٌ وَيَحْيَى وَإِنْ كَانَ سَمِعَ مِنَ الْقَاسِمِ لَكِنَّهُ مَا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا مِنْ وَلَدِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  فَوَضَعَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَهَا فَلَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُلَاعَنَةَ تَأَخَّرَتْ إِلَى وَضْعِ الْمَرْأَةِ لَكِن قد أوضحت أَن رِوَايَة بن عَبَّاسٍ هَذِهِ هِيَ فِي الْقِصَّةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَتَقَدَّمَ قَبْلُ مِنْ حَدِيثِ سَهْلٍ أَنَّ اللِّعَانَ وَقَعَ بَيْنَهُمَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَلَاعَنَ مُعَقَّبَةً بِقَوْلِهِ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا إِلَخْ فَهُوَ كَلَامٌ اعْتَرَضَ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ وَيُحْتَمَلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ تَكُونَ الْمُلَاعَنَةُ وَقَعَتْ مَرَّةً بِسَبَبِ الْقَذْفِ وَأُخْرَى بِسَبَبِ الِانْتِفَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا السَّائِلُ هُوَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ وَهُوَ بن خَالَة بن عَبَّاسٍ سَمَّاهُ أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْحُدُودِ .

     قَوْلُهُ  كَانَتْ تُظْهَرُ فِي الْإِسْلَامِ السُّوءَ أَيْ كَانَتْ تُعْلِنُ بِالْفَاحِشَةِ وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ وَلَا اعْتِرَافٍ قَالَ الدَّاوُدِيُّ فِيهِ جَوَازُ عَيْبِ مَنْ يَسْلُكُ مَسَالِكَ السوء وَتعقب بَان بن عَبَّاسٍ لَمْ يُسَمِّهَا فَإِنْ أَرَادَ إِظْهَارَ الْعَيْبِ عَلَى الْإِبْهَامِ فَمُحْتَمَلٌ وَقَدْ مَضَى فِي التَّفْسِيرِ فِي رِوَايَة عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ أَيْ لَوْلَا مَا سَبَقَ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ أَيْ أَنَّ اللِّعَانَ يَدْفَعُ الْحَدَّ عَنِ الْمَرْأَةِ لَأَقَمْتُ عَلَيْهَا الْحَدَّ مِنْ أَجْلِ الشَّبَهِ الظَّاهِرِ بِالَّذِي رُمِيَتْ بِهِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْكُمُ بِالِاجْتِهَادِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ وَحْيٌ خَاصٌّ فَإِذَا أُنْزِلَ الْوَحْيُ بِالْحُكْمِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ قَطَعَ النَّظَرَ وَعَمِلَ بِمَا نَزَلَ وَأَجْرَى الْأَمْرَ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ تَقْتَضِي خِلَافَ الظَّاهِرِ وَفِي أَحَادِيثِ اللِّعَانِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُفْتِيَ إِذَا سُئِلَ عَنْ وَاقِعَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ حُكْمَهَا وَرَجَا أَنْ يَجِدَ فِيهَا نَصًّا لَا يُبَادِرُ إِلَى الِاجْتِهَادِ فِيهَا وَفِيهِ الرِّحْلَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ النَّازِلَةِ لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ رَحَلَ مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى مَكَّةَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَةِ الْمُلَاعَنَةِ وَفِيهِ إِتْيَانُ الْعَالِمَ فِي مَنْزِلِهِ وَلَوْ كَانَ فِي قَائِلَتِهِ إِذَا عَرَفَ الْآتِي أَنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَفِيهِ تَعْظِيمُ الْعَالِمِ وَمُخَاطَبَتُهُ بِكُنْيَتِهِ وَفِيهِ التَّسْبِيحُ عِنْدَ التَّعَجُّبِ وَإِشْعَارٌ بِسَعَةِ عِلْمِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ لِأَن بن عُمَرَ عَجِبَ مِنْ خَفَاءِ مِثْلِ هَذَا الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَعَجُّبُهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ كَانَ مَشْهُورًا مِنْ قَبْلُ فَتَعَجَّبَ كَيْفَ خَفِيَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ وَفِيهِ بَيَانُ اوليات الْأَشْيَاء والعناية بمعرفتها لقَوْل بن عُمَرَ أَوَّلُ مَنْ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فُلَانٌ وَقَوْلُ أَنَسٍ أَوَّلُ لِعَانٍ كَانَ وَفِيهِ أَنَّ الْبَلَاءَ مُوَكَّلٌ بِالْمَنْطِقِ وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَقَعْ بالناطق وَقع بِمن لَهُ بِهِ وَصله وَأَنَّ الْحَاكِمَ يَرْدَعُ الْخَصْمَ عَنِ التَّمَادِي عَلَى الْبَاطِلِ بِالْمَوْعِظَةِ وَالتَّذْكِيرِ وَالتَّحْذِيرِ وَيُكَرِّرُ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ وَفِيهِ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِتَرْكِ أَثْقَلِهِمَا لِأَنَّ مَفْسَدَةَ الصَّبْرِ عَلَى خِلَافِ مَا تُوجِبُهُ الْغَيْرَةُ مَعَ قُبْحِهِ وَشِدَّتِهِ أَسْهَلُ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْقَتْلِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الِاقْتِصَاصِ مِنَ الْقَاتِلِ وَقَدْ نَهَجَ لَهُ الشَّارِعُ سَبِيلًا إِلَى الرَّاحَةِ مِنْهَا إِمَّا بِالطَّلَاقِ وَإِمَّا بِاللِّعَانِ وَفِيهِ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ بِأَرَأَيْتَ كَانَ قَدِيمًا وَأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ يُعْمَلُ بِهِ إِذَا كَانَ ثِقَةً وَأَنَّهُ يُسَنُّ لِلْحَاكِمِ وَعْظُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ عِنْدَ إِرَادَةِ التَّلَاعُنِ ويتأكد عِنْد الْخَامِسَة وَنقل بن دَقِيقِ الْعِيدِ عَنِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُمْ خَصُّوهُ بِالْمَرْأَةِ عِنْدَ إِرَادَةِ تَلَفُّظِهَا بِالْغَضَبِ وَاسْتَشْكَلَهُ بِمَا فِي حَدِيث بن عُمَرَ لَكِنْ قَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ بِاسْتِحْبَابِ وَعْظِهِمَا مَعًا وَفِيهِ ذِكْرُ الدَّلِيلِ مَعَ بَيَانِ الْحُكْمِ وَفِيهِ كَرَاهَةُ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا هَتْكُ الْمُسْلِمِ أَوِ التَّوَصُّلُ إِلَى أَذِيَّتِهِ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ كَرَاهَةَ ذَلِكَ كَانَتْ خَاصَّةً بِزَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ نُزُولِ الْوَحْي لِئَلَّا تَقَعَ الْمَسْأَلَةُ عَنْ شَيْءٍ مُبَاحٍ فَيَقَعُ التَّحْرِيمُ بِسَبَبِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ وَقَدِ اسْتَمَرَّ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ عَلَى كَرَاهَةِ السُّؤَالِ عَمَّا لَمْ يَقَعْ لَكِنْ عَمِلَ الْأَكْثَرُ عَلَى خِلَافِهِ فَلَا يُحْصَى مَا فَرَّعَهُ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْمَسَائِلِ قَبْلَ وُقُوعِهَا وَفِيهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الْحُكْمِ الَّذِي لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ وَفِيهِ أَنَّ لِلْعَالِمِ إِذَا كَرِهَ السُّؤَالَ أَنْ يَعِيبَهُ وَيُهْجِنَهُ وَأَنَّ مَنْ لَقِيَ شَيْئًا مِنَ الْمَكْرُوهِ بِسَبَبِ غَيْرِهِ يُعَاتِبُهُ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْمُحْتَاجَ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ لَا يَرُدُّهُ كَرَاهَةُ الْعَالِمِ لِمَا سَأَلَ عَنْهُ وَلَا غَضَبُهُ عَلَيْهِ وَلَا جَفَاؤُهُ لَهُ بَلْ يُعَاوِدُ مُلَاطَفَتَهُ إِلَى أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ وَأَنَّ السُّؤَالَ عَمَّا يَلْزَمُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ مَشْرُوعٌ سِرًّا وَجَهْرًا وَأَنْ لَا عَيْبَ فِي ذَلِكَ عَلَى السَّائِلِ وَلَوْ كَانَ مِمَّا يُسْتَقْبَحُ وَفِيهِ التَّحْرِيضُ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْعَمَلُ بِالسِّتْرِ وَانْحِصَارُ الْحَقِّ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوَاسِطَةِ لِقَوْلِهِ إِنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ وَأَنَّ الْخَصْمَيْنِ الْمُتَكَاذِبَيْنِ لَا يُعَاقَبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَإِنْ أَحَاطَ الْعِلْمُ بِكَذِبِ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ وَفِيهِ أَنَّ اللِّعَانَ إِذَا وَقَعَ سَقَطَ حَدُّ الْقَذْفِ عَنِ الْمُلَاعِنِ لِلْمَرْأَةِ وَلِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بِتَسْمِيَةِ الْمَقْذُوفِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الْقَاذِفَ حُدَّ قَالَ الدَّاوُدِيُّ لَمْ يَقُلْ بِهِ مَالِكٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ وَلَوْ بَلَغَهُ لَقَالَ بِهِ وَأَجَابَ بَعْضُ مَنْ قَالَ يُحَدُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْمَقْذُوفَ لَمْ يَطْلُبْ وَهُوَ حَقُّهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الْقَاذِفَ حُدَّ لِأَنَّ الْحَدَّ سَقَطَ مِنْ أَصْلِهِ بِاللِّعَانِ وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِمُ اعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ شَرِيكًا كَانَ يَهُودِيًّا وَقَدْ بَيَّنْتُ مَا فِيهِ فِي بَابِ يَبْدَأُ الرَّجُلُ بِالتَّلَاعُنِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعْلِمَ الْمَقْذُوف بِمَا وَقَعَ مِنْ قَاذِفِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْحَامِلَ تُلَاعَنُ قَبْلَ الْوَضْعِ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ انْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ إِلَخْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ سهل وَفِي حَدِيث بن عَبَّاس وَعند مُسلم من حَدِيث بن مَسْعُودٍ فَجَاءَ يَعْنِي الرَّجُلَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ فَتَلَاعَنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّهَا أَنْ تَجِيءَ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا فَجَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ جَعْدًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ خِلَافًا لِمَنْ أَبَى ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ مُعْتَلًّا بِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُعْلَمُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ نَفْخَةً وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ اللِّعَانَ شُرِعَ لِدَفْعِ حَدِّ الْقَذْفِ عَنِ الرَّجُلِ وَدَفْعِ حَدِّ الرَّجْمِ عَنِ الْمَرْأَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا أَوْ حَائِلًا وَلِذَلِكَ يُشْرَعُ اللِّعَانُ مَعَ الْآيِسَةِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الصَّغِيرَةِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَذَفَهَا فَلَهُ أَنْ يَلْتَعِنَ لِدَفْعِ حَدِّ الْقَذْفِ عَنْهُ دُونَهَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنْ لَا كَفَّارَةَ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَبَيَّنْتُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنِ الْحَانِثُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ مُجْمَلًا بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا فَلْيُكَفِّرِ الْحَانِثُ مِنْكُمَا عَنْ يَمِينِهِ كَمَا أَرْشَدَ أَحَدَهُمَا إِلَى التَّوْبَةِ وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْقَاذِفَ لَوْ عَجَزَ عَنِ الْبَيِّنَةِ فَطَلَبَ تَحْلِيفَ الْمَقْذُوفِ لَا يُجَابُ لِأَنَّ الْحَصْرَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ إِلَّا زِيَادَةُ مَشْرُوعِيَّةِ اللِّعَانِ وَفِيهِ جَوَازُ ذِكْرِ الْأَوْصَافِ الْمَذْمُومَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إِلَى ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ لَا يُشْرَعُ إِلَّا لِمَنْ لَيْسَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوِ اسْتَطَاعَ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى زِنَاهَا سَاغَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَهَا لِنَفْيِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِي الزِّنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا وَفِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالظَّاهِرِ وَأَمْرُ السَّرَائِرِ مَوْكُولٌ إِلَى الله تَعَالَى قَالَ بن التِّينِ وَبِهِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى قَبُولِ تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِالظَّاهِرِ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ فِيهِ حُكْمٌ لِلْبَاطِنِ وَالزِّنْدِيقُ قَدْ عُلِمَ بَاطِنُهُ بِمَا تَقَدَّمَ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ ظَاهِرُ مَا يُبْدِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَذَا قَالَ وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَحَقَّقَ أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى عَيْنِ الْكَاذِبِ لَكِنْ أَخْبَرَ أَنَّ الْحُكْمَ بِظَاهِرِ الشَّرْعِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُنَقِّبُ عَنِ الْبَوَاطِنِ وَقَدْ لَاحَتِ الْقَرَائِنُ بِتَعْيِينِ الْكَاذِبِ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَمَعَ ذَلِكَ فَأَجْرَاهُمَا عَلَى حُكْمِ الظَّاهِرِ وَلَمْ يُعَاقِبِ الْمَرْأَةَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَكْتَفِي بِالْمَظِنَّةِ وَالْإِشَارَةِ فِي الْحُدُودِ إِذَا خَالَفَتِ الْحُكْمَ الظَّاهِرَ كَيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا أَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى إِبْطَالِ الِاسْتِحْسَانِ لِقَوْلِهِ لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ وَفِيهِ أَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا بَذَلَ وُسْعَهُ وَاسْتَوْفَى الشَّرَائِطَ لَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ إِلَّا إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ إِخْلَالُ شَرْطٍ أَوْ تَفْرِيطٌ فِي سَبَبٍ وَفِيهِ أَنَّ اللِّعَانَ يُشْرَعُ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ دُخِلَ بهَا أَو لم يدْخل وَنقل فِيهِ بن الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ وَفِي صَدَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا خِلَافٌ لِلْحَنَابِلَةِ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي بَابِهِ فَلَوْ نَكَحَ فَاسِدًا أَوْ طَلَّقَ بَائِنًا فَوَلَدَتْ فَأَرَادَ نَفْيَ الْوَلَدِ فَلَهُ الْمُلَاعَنَةُ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ وَلَا نَفْيَ وَلَا لِعَانَ لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ وَكَذَا لَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ أَبَانَهَا بِثَلَاثٍ فَلَهُ اللِّعَانُ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ لَا وَقد أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ مُغِيرَةَ قَالَ الشَّعْبِيُّ إِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَوَضَعَتْ فَانْتَفَى مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ إِنَّ الله يَقُول وَالَّذين يرْمونَ ازواجهم أَفَتَرَاهَا لَهُ زَوْجَةً فَقَالَ الشَّعْبِيُّ إِنِّي لَأَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ إِذَا رَأَيْتُ الْحَقَّ أَنْ لَا أَرْجِعَ إِلَيْهِ فَلَوِ الْتَعْنَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَطْ فَالْتَعَنَتِ الْمَرْأَةُ مِثْلَهُ فَفَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا لَمْ تَقَعِ الْفُرْقَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ أَنَّ الْحَدَّ وَجَبَ عَلَيْهِمَا وَأَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ إِلَّا بِمَا ذُكِرَ فَيَتَعَيَّنُ الْإِتْيَانُ بِجَمِيعِهِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ أَخْطَأَ السُّنَّةَ وَتَحْصُلُ الْفُرْقَةُ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْأَكْثَرِ فَتَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الِالْتِعَانَ يَنْتَفِي بِهِ الْحَمْلُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ لِقَوْلِهِ انْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ إِلَخْ فَإِنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا وَقَدْ أَلْحَقَ الْوَلَدَ مَعَ ذَلِكَ بِأُمِّهِ وَفِيهِ جَوَازُ الْحَلِفِ عَلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وَيَكُونُ الْمُسْتَنَدُ التَّمَسُّكَ بِالْأَصْلِ أَوْ قُوَّةُ الرَّجَاءِ مِنَ اللَّهِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الصِّدْقِ لِقَوْلِ مَنْ سَأَلَهُ هِلَالٌ وَاللَّهِ لَيَجْلِدَنَّكِ وَلِقَوْلِ هِلَالٍ وَاللَّهِ لَا يَضْرِبُنِي وَقَدْ عَلِمَ أَنِّي رَأَيْتُ حَتَّى اسْتَفْتَيْتُ وَفِيهِ أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي يُعْتَدُّ بِهَا فِي الْحُكْمِ مَا يَقَعُ بَعْدَ إِذْنِ الْحَاكِمِ لِأَنَّ هِلَالًا قَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَصَادِقٌ ثُمَّ لَمْ يَحْتَسِبْ بِهَا مِنْ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ الْخَمْسِ وَتَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ بِإِلْغَاءِ حُكْمِ الْقَافَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ إِلْغَاءَ حُكْمِ الشَّبَهِ هُنَا إِنَّمَا وَقَعَ حَيْثُ عَارَضَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ بِالشَّرْعِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ حُكْمُ الْقَافَةِ حَيْثُ لَا يُوجَدُ ظَاهِرٌ يُتَمَسَّكُ بِهِ وَيَقَعُ الِاشْتِبَاهُ فَيُرْجَعُ حِينَئِذٍ إِلَى الْقَافَةِ وَاللَّهُ أعلم