فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب اللعان، ومن طلق بعد اللعان

( قَولُهُ بَابُ اللِّعَانِ)
تَقَدَّمَ مَعْنَى اللِّعَانِ قَبْلُ وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى وَاجِبٍ وَمَكْرُوهٍ وَحَرَامٍ فَالْأَوَّلُ أَنْ يَرَاهَا تَزْنِي أَوْ أَقَرَّتْ بِالزَّنَا فَصَدَّقَهَا وَذَلِكَ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ ثُمَّ اعْتَزَلَهَا مُدَّةَ الْعِدَّةِ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لَزِمَهُ قَذْفُهَا لِنَفْيِ الْوَلَدِ لِئَلَّا يَلْحَقَهُ فَيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْمَفَاسِدُ الثَّانِي أَنْ يَرَى أَجْنَبِيًّا يَدْخُلُ عَلَيْهَا بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ لَكِنْ لَوْ تَرَكَ لَكَانَ أَوْلَى لِلسَّتْرِ لِأَنَّهُ يُمَكِّنُهُ فِرَاقُهَا بِالطَّلَاقِ الثَّالِثِ مَا عَدَا ذَلِكَ لَكِنْ لَوِ اسْتَفَاضَ فَوَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فَمَنْ أَجَازَ تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ انْظُرُوا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ فَجَعَلَ الشَّبَهَ دَالًّا عَلَى نَفْيهِ مِنْهُ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ سَبَقَ اللِّعَانَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَمن منع تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ الَّذِي أَنْكَرَ شَبَهَ وَلَدِهِ بِهِ .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ طَلَّقَ أَيْ بَعْدَ أَنْ لَاعَنَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى الْخِلَافِ هَلْ تَقَعُ الْفُرْقَةُ فِي اللِّعَانِ بِنَفْسِ اللِّعَانِ أَوْ بِإِيقَاعِ الْحَاكِمِ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَوْ بِإِيقَاعِ الزَّوْجِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا إِلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ قَالَ مَالِكٌ وَغَالِبُ أَصْحَابِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَرْأَةِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ وَأَتْبَاعُهُ وَسَحْنُونُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بَعْدَ فَرَاغِ الزَّوْجِ وَاعْتُلَّ بِأَنَّ الْتِعَانَ الْمَرْأَةِ إِنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ الْحَدِّ عَنْهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فِي حَقِّهِ نَفْيُ النَّسَبِ وَلَحَاقِ الْوَلَدِ وَزَوَالِ الْفِرَاشِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي التَّوَارُثِ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَقِبَ فَرَاغِ الرَّجُلِ وَفِيمَا إِذَا علق طَلَاق امْرَأَةً بِفِرَاقِ أُخْرَى ثُمَّ لَاعَنَ الْأُخْرَى.

     وَقَالَ  الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَتْبَاعُهُمَا لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُوقِعَهَا عَلَيْهِمَا الْحَاكِمُ وَاحْتَجُّوا بِظَاهِرِ مَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثِ اللِّعَانِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَحْثٍ فِي ذَلِكَ بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ وَذَهَبَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ حَتَّى يُوقِعَهَا الزَّوْجُ وَاعْتَلَّ بِأَنَّ الْفُرْقَةَ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ وَلِأَنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي طَلَّقَ ابْتِدَاءً وَيُقَالُ إِنَّ عُثْمَانَ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ لَكِنْ نَقَلَ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بن زيد الْبَصْرِيّ أحد أَصْحَاب بن عَبَّاسٍ مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ نَحْوَهُ وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ تَقَعُ بِنَفْسِ الْقَذْفِ وَلَوْ لَمْ يَقَعِ اللِّعَانُ وَكَأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى وُجُوبِ اللِّعَانِ عَلَى مَنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ مِنَ الْمَرْأَةِ فَإِذَا أَخَلَّ بِهِ عُوقِبَ بالفرقة تَغْلِيظًا عَلَيْهِ



[ قــ :5022 ... غــ :5308] قَوْله عَن بن شِهَابٍ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ حَدَّثَنِي بن شِهَابٍ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ فِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ عُوَيْمِرُ بْنُ أَشْقَرَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفِهْرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَوَقَعَ فِي الِاسْتِيعَابِ عُوَيْمِرُ بْنُ أَبْيَضَ وَعِنْدَ الْخَطِيبِ فِي الْمُبْهَمَاتِ عُوَيْمِرُ بْنُ الْحَارِثِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنَّ الطَّبَرِيَّ نَسَبَهُ فِي تَهْذِيبِ الْآثَارِ فَقَالَ هُوَ عُوَيْمِرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْجَدِّ بْنِ عَجْلَانَ فَلَعَلَّ أَبَاهُ كَانَ يُلَقَّبُ أَشْقَرَ أَوْ أَبْيَضَ وَفِي الصَّحَابَةِ بن أشقر آخر وَهُوَ مازني أخرج لَهُ بن ماجة واتفقت الرِّوَايَات عَن بن شِهَابٍ عَلَى أَنَّهُ فِي مُسْنَدِ سَهْلٍ إِلَّا مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ فِيهِ عَنْ سَهْلٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ كَانَ عُوَيْمِرٌ رَجُلًا مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ فَقَالَ أَيْ عَاصِمٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَالْمَحْفُوظُ الْأَوَّلُ وَسَيَأْتِي عَنْ سَهْلٍ أَنَّهُ حَضَرَ الْقِصَّةَ فَسَتَأْتِي فِي الْحُدُودِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ قَالَ سهل بن سعد شهِدت المتلاعنين وَأَنا بن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةٍ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِصَّةَ اللِّعَانِ كَانَتْ فِي السَّنَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ جزم الطَّبَرِيّ وَأَبُو حَاتِم وبن حِبَّانَ بِأَنَّ اللِّعَانَ كَانَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّ قِصَّةَ اللِّعَانِ كَانَتْ بِمُنْصَرَفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِ الطَّبَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ الْوَاقِدِيُّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَطَرِيقُ شُعَيْبٍ أَصَحُّ وَمِمَّا يُوهِنُ رِوَايَةَ الْوَاقِدِيِّ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ التَّوَجُّهَ إِلَى تَبُوكَ كَانَ فِي رَجَبٍ وَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ وَفِي قِصَّتِهِ أَنَّ امْرَأَتَهُ اسْتَأْذَنَتْ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ تَخْدُمَهُ فَأَذِنَ لَهَا بِشَرْطٍ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا فَقَالَتْ إِنَّهُ لَا حِرَاكَ بِهِ وَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ أَنْ مَضَى لَهُمْ أَرْبَعُونَ يَوْمًا فَكَيْفُ تَقَعُ قِصَّةُ اللِّعَانِ فِي الشَّهْرِ الَّذِي انْصَرَفُوا فِيهِ مِنْ تَبُوكَ وَيَقَعُ لِهِلَالٍ مَعَ كَوْنِهِ فِيمَا ذَكَرَ مِنَ الشُّغْلِ بِنَفْسِهِ وَهِجْرَانِ النَّاسِ لَهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ ثَبت فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّ آيَةَ اللِّعَانِ نَزَلَتْ فِي حَقِّهِ وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عباد بن مَنْصُور فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَأَحْمَدَ حَتَّى جَاءَ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ فَوَجَدَ عِنْدَ أَهْلِهِ رَجُلًا الْحَدِيثَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِصَّةَ اللِّعَانِ تَأَخَّرَتْ عَنْ قِصَّةِ تَبُوكَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً وَلَعَلَّهَا كَانَتْ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ عَشْرٍ لَا تِسْعٍ وَكَانَتِ الْوَفَاةُ النَّبَوِيَّةِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ بِاتِّفَاقٍ فيلتثم حِينَئِذٍ مَعَ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَوَقَعَ عِنْد مُسلم من حَدِيث بن مَسْعُودٍ كُنَّا لَيْلَةَ جُمْعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِي اللِّعَانِ بِاخْتِصَارٍ فَعَيَّنَ الْيَوْمَ لَكِنْ لَمْ يُعَيِّنِ الشَّهْرَ وَلَا السَّنَةَ .

     قَوْلُهُ  جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بن عدي أَي بن الْجد بن العجلان الْعجْلَاني وَهُوَ بن عَمِّ وَالِدِ عُوَيْمِرٍ وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ الَّتِي مَضَتْ فِي التَّفْسِيرِ وَكَانَ عَاصِمٌ سَيِّدَ بَنِي عَجْلَانَ وَالْجَدُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ وَالْعَجْلَانُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ هُوَ بن حَارِثَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ مِنْ بَنِي بَلِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافِّ بْنِ قُضَاعَةَ وَكَانَ الْعَجْلَانُ حَالَفَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَسَكَنَ الْمَدِينَة فَدَخَلُوا فِي الْأَنْصَار وَقد ذكر بن الْكَلْبِيِّ أَنَّ امْرَأَةَ عُوَيْمِرٍ هِيَ بِنْتُ عَاصِمٍ الْمَذْكُور وَأَن اسْمهَا خَوْلَة.

     وَقَالَ  بن مَنْدَهْ فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ خَوْلَةُ بِنْتُ عَاصِمٍ الَّتِي قَذَفَهَا زَوْجُهَا فَلَاعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا لَهَا ذِكْرٌ وَلَا تُعْرَفُ لَهَا رِوَايَةٌ وَتَبِعَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَلَمْ يَذْكُرَا سلفهما فِي ذَلِك وَكَأَنَّهُ بن الْكَلْبِيِّ وَذَكَرَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ فِيمَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيّ أَنَّهَا خوله بنت قيس وَذكر بن مَرْدَوَيْهِ أَنَّهَا بِنْتُ أَخِي عَاصِمٍ فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ لَمَّا نَزَلَتْ وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ لِأَحَدِنَا أَرْبَعَةُ شُهَدَاءٍ فَابْتُلِيَ بِهِ فِي بِنْتِ أَخِيهِ وَفِي سَنَده مَعَ إرْسَاله ضعف واخرج بن أَبِي حَاتِمٍ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ لَمَّا سَأَلَ عَاصِمٌ عَنْ ذَلِكَ ابتلى بِهِ فِي أهل بَيته فَأَتَاهُ بن عَمِّهِ تَحْتَهُ ابْنَةُ عَمِّهِ رَمَاهَا بِابْنِ عَمَّةِ الْمَرْأَةِ وَالزَّوْجِ وَالْحَلِيلِ ثَلَاثَتُهُمْ بَنُو عَمِّ عَاصِمٍ وَعَن بن مردوية فِي مُرْسل بن أَبِي لَيْلَى الْمَذْكُورِ أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي رَمَى عُوَيْمِرٌ امْرَأَتَهُ بِهِ هُوَ شَرِيكُ بْنُ سَحْمَاءَ وَهُوَ يشْهد لصِحَّة هَذِه الرِّوَايَة لِأَنَّهُ بن عَمِّ عُوَيْمِرٍ كَمَا بَيَّنْتُ نَسَبَهُ فِي الْبَابِ الْمَاضِي وَكَذَا فِي مُرْسَلِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ عِنْدَ أَبِي حَاتِمٍ فَقَالَ الزَّوْجُ لِعَاصِمٍ يَا بن عَمِّ أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ شَرِيكَ بْنَ سَحْمَاءَ عَلَى بَطْنِهَا وَإِنَّهَا لَحُبْلَى وَمَا قَرُبْتُهَا مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ لَاعَنَ بَيْنَ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا الَّذِي فِي بَطْنِهَا.

     وَقَالَ  هُوَ لِابْنِ سَحْمَاءَ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُتَّهَمَ شَرِيكُ بْنُ سَحْمَاءَ بِالْمَرْأَتَيْنِ مَعًا.
وَأَمَّا قَول بن الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ أَنَّ الْمُزَنِيَّ ذَكَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْعَجْلَانِيَّ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ وَهُوَ سَهْوٌ فِي النَّقْلِ وَإِنَّمَا الْقَاذِفُ بِشَرِيكٍ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ مُسْتَنَدَ الْمُزَنِيِّ فِي ذَلِكَ وَإِذَا جَاءَ الْخَبَرُ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَإِنَّ بَعْضَهَا يُعَضِّدُ بَعْضًا وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى مِنَ التَّغْلِيطِ .

     قَوْلُهُ  أَرَأَيْتَ رَجُلًا أَيْ أَخْبِرْنِي عَنْ حُكْمِ رَجُلٍ .

     قَوْلُهُ  وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا كَذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ مَعَ فَاسْتَعْمَلَ الْكِنَايَةَ فَإِنَّ مُرَادَهُ مَعِيَّةٌ خَاصَّةٌ وَمُرَادُهُ أَنْ يَكُونَ وَجَدَهُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ .

     قَوْلُهُ  أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَيْ قِصَاصًا لِتَقَدُّمِ عِلْمِهِ بِحُكْمِ الْقِصَاصِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى النَّفْسُ بِالنَّفْسِ لَكِنْ فِي طُرُقِهِ احْتِمَالُ أَنْ يُخَصَّ مِنْ ذَلِكَ مَا يَقَعُ بِالسَّبَبِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهِ غَالِبًا مِنَ الْغَيْرَةِ الَّتِي فِي طَبْعِ الْبَشَرِ وَلِأَجْلِ هَذَا قَالَ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ الْغَيْرَةِ اسْتِشْكَالُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَولُهُ لَوْ رَأَيْتُهُ لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصَفَّحٍ وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ النُّورِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ وَذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ اللِّعَانُ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَتَحَقَّقَ الْأَمْرُ فَقَتَلَهُ هَلْ يُقْتَلُ بِهِ فَمَنَعَ الْجُمْهُورُ الْإِقْدَامَ وَقَالُوا يُقْتَصُّ مِنْهُ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِبَيِّنَةِ الزِّنَا أَوْ عَلَى الْمَقْتُولِ بِالِاعْتِرَافِ أَوْ يَعْتَرِفُ بِهِ وَرَثَتُهُ فَلَا يُقْتَلُ الْقَاتِلُ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ مُحْصَنًا وَقِيلَ بَلْ يُقْتَلُ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ السَّلَفِ بَلْ لَا يُقْتَلُ أَصْلًا وَيُعَزَّرُ فِيمَا فَعَلَهُ إِذَا ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ صِدْقِهِ وَشَرَطَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَمَنْ تَبِعَهُمَا أَنْ يَأْتِيَ بِشَاهِدَيْنِ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسَبَب ذَلِك وَوَافَقَهُمْ بن الْقَاسِم وبن حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ لَكِنْ زَادَ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ قَدْ أُحْصِنَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ ظَاهِرُ تَقْرِيرِ عُوَيْمِرٍ عَلَى مَا قَالَ يُؤَيِّدُ قَوْلَهُمْ كَذَا قَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَولُهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَمْ مُتَّصِلَةً وَالتَّقْدِيرُ أَمْ يَصْبِرُ عَلَى مَا بِهِ مِنَ الْمَضَضِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مُنْقَطِعَةً بِمَعْنَى الْإِضْرَابِ أَيْ بَلْ هُنَاكَ حُكْمٌ آخَرُ لَا يَعْرِفُهُ وَيُرِيدُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ قَالَ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ وَإِنَّمَا خَصَّ عَاصِمًا بِذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ كَبِيرَ قَوْمِهِ وَصِهْرَهُ عَلَى ابْنَتِهِ أَوِ ابْنَةِ أَخِيهِ وَلَعَلَّهُ كَانَ اطَّلَعَ عَلَى مَخَايِلَ مَا سَأَلَ عَنْهُ لَكِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يُفْصِحْ بِهِ أَوِ اطَّلَعَ حَقِيقَةً لَكِنْ خَشِيَ إِذَا صَرَّحَ بِهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا مَنْ رَمَى الْمُحْصَنَةَ بِغَيْرِ بَيِّنَة أَشَارَ إِلَى ذَلِك بن الْعَرَبِيِّ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَقَعْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَكِنِ اتَّفَقَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ إِرَادَةُ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْحُكْمِ فَابْتُلِيَ بِهِ كَمَا يُقَالُ الْبَلَاءُ مُوَكَّلٌ بِالْمَنْطِقِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ بن عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي قِصَّةِ الْعَجْلَانِيِّ فَقَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ وَجَدَ رَجُلٌ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَإِنْ تَكَلَّمَ بِهِ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَفِي حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ عِنْدَهُ أَيْضًا إِنْ تَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ أَوْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ وَهَذِهِ أَتَمُّ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا الْمَعْنَى .

     قَوْلُهُ  فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى كَبُرَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ عَظُمَ وَزْنًا وَمَعْنًى وَسَبَبُهُ أَنَّ الْحَامِلَ لِعَاصِمٍ عَلَى السُّؤَالِ غَيْرَهُ فَاخْتَصَّ هُوَ بِالْإِنْكَارِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ لِعُوَيْمِرٍ لَمَّا رَجَعَ فَاسْتَفْهَمَهُ عَنِ الْجَوَابِ لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ النُّورِ أَنَّ النَّوَوِيَّ نَقَلَ عَنِ الْوَاحِدِيِّ أَنَّ عَاصِمًا أَحَدُ مَنْ لَاعَنَ وَتَقَدَّمَ إِنْكَارُ ذَلِكَ ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى مُسْتَنَدِهِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ لِلْفَرَّاءِ لَكِنَّهُ غَلَطٌ الثَّانِي وَقَعَ فِي السِّيرَةِ لِابْنِ حبَان فِي حَوَادِثِ سَنَةِ تِسْعٍ ثُمَّ لَاعَنَ بَيْنَ عُوَيْمِرِ بْنِ الْحَارِثِ الْعَجْلَانِيِّ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ عَاصِمٌ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ شُيُوخِنَا قَوْلَهُ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ عَاصِمٌ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ تَحْرِيفٌ وَكَأَنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ الَّذِي سَأَلَ لَهُ عَاصِمٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَسَبَبُ كَرَاهَةِ ذَلِكَ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ كَانَتِ الْمَسَائِلُ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ حُكْمٌ زَمَنَ نُزُولِ الْوَحْيِ مَمْنُوعَةً لِئَلَّا يَنْزِلَ الْوَحْيُ بِالتَّحْرِيمِ فِيمَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا فَيُحَرَّمُ وَيَشْهَدُ لَهُ الْحَدِيثُ الْمُخَرَّجُ فِي الصَّحِيحِ أَعْظَمُ النَّاسِ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ كَرَاهَةُ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهَا لَا سِيَّمَا مَا كَانَ فِيهِ هَتْكُ سِتْرِ مُسْلِمٍ أَوْ إِشَاعَةُ فَاحِشَةٍ أَوْ شَنَاعَةٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمَسَائِلَ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهَا إِذَا وَقَعَتْ فَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَ عَنِ النَّوَازِلِ فَيُجِيبُهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ فَلَمَّا كَانَ فِي سُؤَالِ عَاصِمٍ شَنَاعَةٌ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَسْلِيطُ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ عَلَى أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ كَرِهَ مَسْأَلَتَهُ وَرُبَّمَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ تَضْيِيقٌ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ التَّيْسِيرَ عَلَى أُمَّتِهِ وَشَوَاهِدُ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ كَثِيرَةٌ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَا نَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ إِلَّا لِكَثْرَةِ السُّؤَالِ أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي الْمُبْهَمَاتِ مِنْ طَرِيقِ مَجَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ عُوَيْمِرٌ وَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مَا انْتَهَى أَيْ مَا أَرْجِعُ عَنِ السُّؤَال وَلَو نهيت عَنهُ زَاد بن أبي ذِئْب فِي رِوَايَته عَن بن شهَاب فِي هَذَا الحَدِيث كَمَا سَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَامُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ خَلْفَ عَاصِمٍ أَيْ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَأْنِهِ مَا ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَمْرِ الْمُلَاعَنَةِ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى جَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّصْبِ وَسَطَ النَّاسِ بِفَتْحِ السِّينِ وَبِسُكُونِهَا .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ ظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّهُ كَانَ تَقَدَّمَ مِنْهُ إِشَارَةٌ إِلَى خُصُوصِ مَا وَقَعَ لَهُ مَعَ امْرَأَتِهِ فَيَتَرَجَّحُ أَحَدُ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا بن الْعَرَبِيِّ لَكِنْ ظَهَرَ لِي مِنْ بَقِيَّةِ الطُّرُقِ أَنَّ فِي السِّيَاقِ اخْتِصَارًا وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا وَقع فِي حَدِيث بن عُمَرَ فِي قِصَّةِ الْعَجْلَانِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرِ عَظِيمٍ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَسَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ فَقَالَ إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ امْرَأَتَهُ إِلَّا بَعْدَ أَنِ انْصَرَفَ ثُمَّ عَادَ وَوَقع فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ إِنَّ الرَّجُلَ لَمَّا قَالَ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى غَيْظٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ افْتَحْ وَجَعَلَ يَدْعُو فَنَزَلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ وَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَقِبَ السُّؤَالِ لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَخَلَّلَ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالنُّزُولِ زَمَنٌ بِحَيْثُ يَذْهَبُ عَاصِمٌ وَيَعُودُ عُوَيْمِرٌ وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ جِدًّا فِي أَنَّ الْقِصَّةَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ عُوَيْمِرٍ وَيُعَارِضُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِير النُّور من حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ فَقَالَ هِلَالٌ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّنِي لَصَادِقٌ وَلَيُنْزِلَنَّ اللَّهُ فِيَّ مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنَ الْحَدِّ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ ازواجهم الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةِ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فَقَالَ هِلَالٌ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِي فَرَجًا قَالَ فَبَيْنًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ إِذْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ وَكَانَ أَخَا الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ لِأُمِّهِ وَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ هِلَالٍ وَقَدْ قَدَّمْتُ اخْتِلَافَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الرَّاجِحِ مِنْ ذَلِكَ وَبَيَّنْتُ كَيْفِيَّةَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النُّورِ بِأَنْ يَكُونَ هِلَالٌ سَأَلَ أَوَّلًا ثُمَّ سَأَلَ عُوَيْمِرٌ فَنَزَلَتْ فِي شَأْنِهِمَا مَعًا وَظَهَرَ لِيَ الْآنَ احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ عَاصِمٌ سَأَلَ قَبْلَ النُّزُولِ ثُمَّ جَاءَ هِلَالٌ بَعْدَهُ فَنَزَلَتْ عِنْدَ سُؤَالِهِ فَجَاءَ عُوَيْمِرٌ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي قَالَ فِيهَا إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ فَوَجَدَ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ هِلَالٍ فَأَعْلَمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ يَعْنِي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي كُلِّ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِهِلَالٍ وَكَذَا يُجَابُ على سِيَاق حَدِيث بن مَسْعُودٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمَّا شَرَعَ يَدْعُو بَعْدَ تَوَجُّهِ الْعَجْلَانِيِّ جَاءَ هِلَالٌ فَذَكَرَ قِصَّتَهُ فَنَزَلَتْ فَجَاءَ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ قَدْ نَزَلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ .

     قَوْلُهُ  فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا يَعْنِي فَذَهَبَ فَأَتَى بِهَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ يَكُونُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَبِأَمْرِهِ فَلَوْ تَرَاضَيَا بِمَنْ يُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا فَلَاعَنَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ فِي اللِّعَانِ مِنَ التَّغْلِيظِ مَا يَقْتَضِي أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ الْحُكَّام وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ فَتَلَاهُنَّ عَلَيْهِ أَيِ الْآيَاتِ الَّتِي فِي سُورَةِ النُّورِ وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ قَالَ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا ثُمَّ دَعَاهَا فَوَعَظَهَا وَذَكَّرَهَا وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ قَالَتْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ .

     قَوْلُهُ  قَالَ سَهْلٌ هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمُبْدَأِ بِهِ .

     قَوْلُهُ  فَتَلَاعَنَا فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَذَهَبَ فَأَتَى بِهَا فَسَأَلَهَا فَأَنْكَرَتْ فَأَمَرَ بِاللِّعَانِ فَتَلَاعَنَا .

     قَوْلُهُ  وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ بن جُرَيْجٍ كَمَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ فِي الْمَسْجِد وَزَاد بن إِسْحَاق فِي رِوَايَته عَن بن شِهَابٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ الْعَصْرِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَاسْتُدِلَّ بِمَجْمُوعِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ يَكُونُ بِحَضْرَةِ الْحُكَّامِ وَبِمَجْمَعٍ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ التَّغْلِيظِ ثَانِيهَا الزَّمَانُ ثَالِثُهَا الْمَكَانُ وَهَذَا التَّغْلِيظُ مُسْتَحَبٌّ وَقِيلَ وَاجِبٌ تَنْبِيهٌ لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ سَهْلٍ صِفَةَ تَلَاعُنِهِمَا إِلَّا مَا فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ الْمَاضِيَةِ فِي التَّفْسِيرِ فَإِنَّهُ قَالَ فَأَمَرَهُمَا بِالْمُلَاعَنَةِ بِمَا سَمَّى فِي كِتَابِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا لَمْ يَزِيدَا عَلَى مَا فِي الْآيَة وَحَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لِمَنِ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ثُمَّ ثَنَّى بِالْمَرْأَةِ الحَدِيث وَحَدِيث بن مَسْعُودٍ نَحْوُهُ لَكِنْ زَادَ فِيهِ فَذَهَبَتْ لِتَلْتَعِنَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْ فَأَبَتْ فَالْتَعَنَتْ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَتَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّكَ لِمَنِ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتَهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا فَشَهِدَ بِذَلِكَ أَرْبَعًا ثُمَّ قَالَ لَهُ فِي الْخَامِسَةِ وَلَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْكَ إِنْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ فَفَعَلَ ثُمَّ دَعَاهَا فَذَكَرَ نَحْوَهُ فَلَمَّا كَانَ فِي الْخَامِسَةِ سَكَتَتْ سَكْتَةً حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهَا سَتَعْتَرِفُ ثُمَّ قَالَتْ لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ فَمَضَتْ عَلَى الْقَوْلِ وَفِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنهُ عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ فَدَعَا الرَّجُلُ فَشَهِدَ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لِمَنِ الصَّادِقِينَ فَأُمِرَ بِهِ فَأَمْسَكَ عَلَى فِيهِ فَوَعَظَهُ فَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ أَهْوَنُ عَلَيْكِ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَقَالَ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ.

     وَقَالَ  فِي الْمَرْأَةِ نَحْوَ ذَلِكَ وَهَذِهِ الطَّرِيقُ لَمْ يُسَمَّ فِيهَا الزَّوْجُ وَلَا الزَّوْجَةُ بِخِلَافِ حَدِيثِ أَنَسٍ فَصَرَّحَ فِيهِ بِأَنَّهَا فِي قِصَّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ فَإِنْ كَانَتِ الْقِصَّةُ وَاحِدَةً وَقَعَ الْوَهْمُ فِي تَسْمِيَةِ الْمُلَاعِنِ كَمَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ ذَكَرْتُهُ فِي التَّفْسِيرِ فَهَذِهِ زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَةٍ فَتُعْتَمَدُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَدِّدَةً فَقَدْ ثَبَتَ بَعْضُهَا فِي قِصَّةِ امْرَأَةِ هِلَالٍ كَمَا ذَكَرْتُهُ فِي آخِرِ بَابِ يَبْدَأُ الرَّجُلُ بِالتَّلَاعُنِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا قَالَ عُوَيْمِرٌ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ إِنْ حَبَسْتُهَا فَقَدْ ظَلَمْتُهَا .

     قَوْلُهُ  فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي رِوَايَةِ بن إِسْحَاقَ ظَلَمْتُهَا إِنْ أَمْسَكْتُهَا فَهِيَ الطَّلَاقُ فَهِيَ الطَّلَاقُ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهَا وَكَأَنَّهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى لِاعْتِقَادِهِ مَنْعَ جَمْعِ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ مِنْ قَبْلُ فِي أَوَائِلِ الطَّلَاقِ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَنَّ الْفُرْقَةَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ تَتَوَقَّفُ عَلَى تَطْلِيقِ الرَّجُلِ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَأُجِيبَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ بن عُمَرَ فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ المتلاعنين فَإِن حَدِيث سهل وَحَدِيث بن عمر فِي قصَّة وَاحِدَة وَظَاهر حَدِيث بن عُمَرَ أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِتَفْرِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَقَعَ فِي شَرْحِ مُسلم للنووي قَوْله كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا هُوَ كَلَام مُسْتَقل وَقَوله فَطلقهَا أَيْ ثُمَّ عَقَّبَ قَوْلَهُ ذَلِكَ بِطَلَاقِهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ اللِّعَانَ لَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ فَأَرَادَ تَحْرِيمَهَا بِالطَّلَاقِ فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا أَيْ لَا مِلْكَ لَكَ عَلَيْهَا فَلَا يَقَعُ طَلَاقُكَ انْتَهَى وَهُوَ يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَهُ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقِبَ قَوْلِ الْمُلَاعِنِ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَأَنَّهُ مَوْجُودٌ كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الَّذِي شَرَحَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا لَمْ يَقَعْ فِي حَدِيثِ سهل وَإِنَّمَا وَقع فِي حَدِيث بن عُمَرَ عَقِبَ قَوْلِهِ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا وَفِيهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي الْحَدِيثَ كَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا إِنَّمَا اسْتَدَلَّ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ أَصْحَابْنَا لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ مِنْ عُمُومِ لَفْظِهِ لَا مِنْ خُصُوصِ السِّيَاقِ وَالله أعلم قَوْله قَالَ بن شِهَابٍ فَكَانَتْ سُنَّةُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ زَادَ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ فَكَانَتْ تِلْكَ وَهِيَ إِشَارَة إِلَى الْفرْقَة وَفِي رِوَايَة بن جُرَيْجٍ فِي الْبَابِ بَعْدَهُ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغَا مِنَ التَّلَاعُنِ فَفَارَقَهَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ذَلِكَ تَفْرِيقٌ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ كَذَا لِلْمُسْتَمْلِي وَلِلْبَاقِينَ فَكَانَ ذَلِكَ تَفْرِيقًا وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ فَصَارَ بَدَلَ فَكَانَ وَأخرجه مُسلم من طَرِيق بن جُرَيْجٍ بِلَفْظِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الْمُسْتَمْلِي وَمِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ بن شِهَابٍ قَالَ بِمِثْلِ حَدِيثِ مَالِكٍ قَالَ مُسْلِمٌ لَكِنْ أُدْرِجَ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ فِرَاقُهُ إِيَّاهَا بَعْدُ سُنَّةً بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَكَذَا ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غرائب مَالك اخْتِلَاف الروَاة على بن شِهَابٍ ثُمَّ عَلَى مَالِكٍ فِي تَعْيِينِ مَنْ قَالَ فَكَانَ فِرَاقُهَا سُنَّةً هَلْ هُوَ مِنْ قَول سهل أَو من قَول بن شِهَابٍ وَذَكَرَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ نسبته إِلَى بن شِهَابٍ لَا تَمْنَعُ نِسْبَتَهُ إِلَى سَهْلٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عِيَاض بن عبد الله الفِهري عَن بن شِهَابٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ فَطَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْفَذَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مَا صُنِعَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةً قَالَ سَهْلٌ حَضَرْتُ هَذَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَضَتِ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا فَ.

     قَوْلُهُ  فَمَضَتِ السُّنَّةُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مِنْ تَمَامِ قَول سهل وَيحْتَمل أَنه من قَول بن شهَاب وَيُؤَيِّدهُ أَن بن جُرَيْجٍ كَمَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ أَوْرَدَ قَول بن شِهَابٍ فِي ذَلِكَ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ سَهْلٍ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ ذَلِكَ تَفْرِيقٌ بَيْنَ كُلِّ متلاعنين قَالَ بن جريج قَالَ بن شهَاب كَانَت السّنة بعدهمَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ ثُمَّ وَجَدْتُ فِي نُسْخَة الصغاني فِي آخِرَ الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  ذَلِكَ تَفْرِيقٌ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَلَيْسَ مِنَ الْحَدِيثِ انْتَهَى وَهُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ سِيَاق بن جُرَيْجٍ فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ رَأَى أَنَّهُ مُدْرَجٌ فَنَبَّهَ عَلَيْهِ