فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب غزوة الفتح في رمضان

( قَولُهُ بَابُ غَزْوَةِ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ)
أَيْ كَانَتْ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ فِي الْكَلَام على حَدِيث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هُنَاكَ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ من رَمَضَان وَزَاد بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا رهم الْغِفَارِيّ



[ قــ :4051 ... غــ :4275] قَوْله قَالَ وَسمعت بن الْمُسَيَّبِ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ قَائِلُ ذَلِكَ هُوَ الزُّهْرِيُّ وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الصِّيَامِ وَبَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ اللَّيْثِ مَا حَذَفَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْهُ فَإِنَّهُ سَاقَهُ إِلَى قَوْلِهِ وَسَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ وَزَادَ لَا أَدْرِي أَخْرَجَ فِي شَعْبَانَ فَاسْتَقْبَلَهُ رَمَضَانُ أَوْ خرج فِي رَمَضَان بعد مَا دَخَلَ غَيْرَ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي فَذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فَحَذَفَ الْبُخَارِيُّ مِنْهُ التَّرَدُّدَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ من طَرِيق بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ صَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لِثْلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَأَنَّ بن أَبِي حَفْصَةَ أَدْرَجَهُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ قَزَعَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَهَذَا يَدْفَعُ التَّرَدُّدَ الْمَاضِي وَيُعَيِّنُ يَوْمَ الْخُرُوجِ وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ يُعَيِّنُ يَوْمَ الدُّخُولِ وَيُعْطِي أَنَّهُ أَقَامَ فِي الطَّرِيقِ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا.
وَأَمَّا مَا قَالَ الْوَاقِدِيُّ إِنَّهُ خَرَجَ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ فَلَيْسَ بِقَوِيٍّ لِمُخَالَفَتِهِ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ وَفِي تَعْيِينِ هَذَا التَّارِيخِ أَقْوَالٌ أُخْرَى مِنْهَا عِنْدَ مُسْلِمٍ لِسِتَّ عَشْرَةَ وَلِأَحْمَدَ لِثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَفِي أُخْرَى لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ بِحَمْلِ إِحْدَاهُمَا عَلَى مَا مَضَى وَالْأُخْرَى عَلَى مَا بَقِيَ وَالَّذِي فِي الْمَغَازِي دَخَلَ لِتِسْعَ عَشْرَةَ مَضَتْ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَوَقَعَ فِي أُخْرَى بِالشَّكِّ فِي تِسْعَ عَشْرَةَ أَوْ سَبْعَ عَشْرَةَ وروى يَعْقُوب بن سُفْيَان من رِوَايَة بن إِسْحَاقَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ مَشَايِخِهِ أَنَّ الْفَتْحَ كَانَ فِي عَشْرٍ بَقَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْعَشْرِ الْأَوْسَطِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ .

     قَوْلُهُ  فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيةِ





[ قــ :405 ... غــ :476] وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ أَيْ مِنْ سَائِرِ الْقَبَائِلِ وَفِي مُرْسَلِ عُرْوَة عِنْد بن إِسْحَاق وبن عَائِذٍ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ وَسَلِيمٍ وَكَذَا وَقَعَ فِي الْإِكْلِيلِ وَشَرَفِ الْمُصْطَفَى وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْعَشَرَةَ آلَافٍ خَرَجَ بِهَا مِنَ الْمَدِينَةِ ثُمَّ تَلَاحَقَ بِهَا الْأَلْفَانِ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُرْسَلِ عُرْوَةَ الَّذِي بَعْدَ هَذَا .

     قَوْلُهُ  وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَهُوَ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ عَلَى رَأْسِ سَبْعِ سِنِينَ وَنِصْفٍ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْوَهْمُ مِنْ كَوْنِ غَزْوَةِ الْفَتْحِ كَانَتْ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَمِنْ أَثْنَاءِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ إِلَى أَثْنَاءِ رَمَضَانَ نِصْفُ سَنَةٍ سَوَاءٌ فَالتَّحْرِيرُ أَنَّهَا سَبْعُ سِنِينَ وَنِصْفٌ وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ بِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى التَّارِيخِ بِأَوَّلِ السَّنَةِ مِنَ الْمُحَرَّمِ فَإِذَا دَخَلَ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ شَهْرَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أُطْلِقَ عَلَيْهَا سَنَةٌ مَجَازًا مِنْ تَسْمِيَةِ الْبَعْضِ بِاسْمِ الْكُلِّ وَيَقَعُ ذَلِكَ فِي آخِرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَمِنْ ثَمَّ إِلَى رَمَضَانَ نِصْفُ سَنَةٍ أَوْ يُقَالُ كَانَ آخِرُ شَعْبَانَ تِلْكَ السَّنَةِ آخِرَ سَبْعِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ أَوَّلِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَلَمَّا دَخَلَ رَمَضَانَ دَخَلَ سَنَةٌ أُخْرَى وَأَوَّلُ السَّنَةِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَأْسُهَا فَيَصِحُّ أَنَّهُ رَأْسُ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ أَوْ أَنَّ رَأْسَ الثَّمَانِ كَانَ أَوَّلَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَمَا بَعْدُهُ نِصْفُ سَنَةٍ .

     قَوْلُهُ  يَصُومُ وَيَصُومُونَ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كتاب الصّيام قَوْله فِي رِوَايَة خَالِد هُوَ الْحذاء عَن عِكْرِمَة عَن بن عَبَّاسٍ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ إِلَى حُنَيْنٍ اسْتَشْكَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّ حُنَيْنًا كَانَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ فَيَحْتَاجُ إِلَى تَأَمُّلٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ خَرَجَ من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة وَكَذَا حكى بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ قَالَ الصَّوَابُ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ أَوْ كَانَتْ خَيْبَرُ فَتَصَحَّفَتْ.

قُلْتُ وَحَمْلُهُ عَلَى خَيْبَرَ مَرْدُودٌ فَإِنَّ الْخُرُوجَ إِلَيْهَا لم يكن فِي رَمَضَان وتأيله ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ إِلَى حُنَيْنٍ أَيِ الَّتِي وَقَعَتْ عَقِبَ الْفَتْحِ لِأَنَّهَا لَمَّا وَقَعَتْ أَثَرُهَا أُطْلِقَ الْخُرُوجُ إِلَيْهَا وَقَدْ وَقَعَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي قَرِيبًا وَبِهَذَا جَمَعَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ فِي بَقِيَّةِ رَمَضَان قَالَه بن التِّينِ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي عَاشِرِ رَمَضَانَ فَقَدِمَ مَكَّةَ وَسَطَهُ وَأَقَامَ بِهَا تِسْعَةَ عَشَرَ كَمَا سَيَأْتِي.

قُلْتُ وَهَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ مُعْتَرَضٌ فَإِنَّ ابْتِدَاءَ خُرُوجِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا مَضَى فِي آخِرِ الْغَزْوَةِ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ فَيَكُونُ الْخُرُوجُ إِلَى حُنَيْنٍ فِي شَوَّالٍ قَوْله فِي هَذِه الرِّوَايَة دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ فِي رِوَايَة طَاوس عَن بن عَبَّاسٍ آخِرَ الْبَابِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَ نَهَارًا الْحَدِيثَ قَالَ الدَّاوُدِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دَعَا بِهَذَا مَرَّةً وَبِهَذَا مَرَّةً.

قُلْتُ لَا دَلِيلَ عَلَى التَّعَدُّدِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَاحِدٌ وَالْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ وَإِنَّمَا وَقَعَ الشَّكُّ مِنَ الرَّاوِي فَقدم عَلَيْهِ رِوَايَة من جزم وَأبْعد بن التِّينِ فَقَالَ كَانَتْ قِصَّتَانِ إِحْدَاهُمَا فِي الْفَتْحِ وَالْأُخْرَى فِي حُنَيْنٍ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ الْمُفْطِرُونَ لِلصُّوَّمِ أَفْطِرُوا كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِغَيْرِهِ لِلصُّوَّامِ بِأَلِفِ وَكِلَاهُمَا جَمْعُ صَائِمٍ وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ فِي تهذيبه فَقَالَ المفطرون للصَّوْم أَفْطِرُوا يَا عُصَاةُ .

     قَوْلُهُ  وقَال عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرْنَا مَعْمَرٌ وَصَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْهُ وَبَقِيَّتُهُ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى مَرَّ بِغَدِيرٍ فِي الطَّرِيقِ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  وقَال حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَن بن عَبَّاسٍ كَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ أَبِي ذَر وللاكثر لَيْسَ فِيهِ بن عَبَّاسٍ وَبِهِ جَزَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَكَذَلِكَ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ أَحَدُ مَشَايِخِ الْبُخَارِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَة فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فِي فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ أَيُّوبُ عِكْرِمَةَ.

قُلْتُ وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَيْهِ قبله وَأَن بن أَبِي شَيْبَةَ أَخْرَجَهُ هَكَذَا مُرْسَلًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ بِهِ بِطُولِهِ وَسَأَذْكُرُ مَا فِيهِ مِنْ فَائِدَةٍ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ عَلَى شَرْحِ هَذِه الْغَزْوَة وَطَرِيق طَاوس عَن بن عَبَاسٍ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الصّيام أَيْضا