فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي رضي الله عنه

( قَولُهُ بَابُ مَنَاقِبِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ)
أَيِ بن نفَيْل بنُون وَفَاء مصغر بن عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ رِيَاحٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّة واخره مُهْملَة بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحِ بِفَتْحِ الرَّاء بعْدهَا زَاي واخره مُهْملَة بن عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَعْبٍ وَعَدَدُ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْآبَاءِ إِلَى كَعْبٍ مُتَفَاوِتٌ بِوَاحِدٍ بِخِلَافِ أَبِي بَكْرٍ فَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَعْبٍ سَبْعَةُ آبَاءٍ وَبَيْنَ عُمَرَ وَبَيْنَ كَعْبٍ ثَمَانِيَةٌ وَأُمُّ عُمَرَ حَنْتَمَةُ بِنْتُ هَاشِمِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ابْنَةُ عَمِّ أَبِي جَهْلٍ وَالْحَارِثِ ابْنَيْ هِشَامِ بن الْمُغيرَة وَوَقع عِنْد بن مَنْدَهْ أَنَّهَا بِنْتُ هِشَامٍ أُخْتُ أَبِي جَهْلٍ وَهُوَ تَصْحِيف نبه عَلَيْهِ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ .

     قَوْلُهُ  أَبِي حَفْصٍ الْقُرَشِيِّ الْعَدَوِيِّ أَمَّا كُنْيَتُهُ فَجَاءَ فِي السِّيرَةِ لِابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنَّاهُ بِهَا وَكَانَتْ حَفْصَةُ أَكْبَرَ أَوْلَادِهِ.
وَأَمَّا لَقَبُهُ فَهُوَ الْفَارُوقُ بِاتِّفَاقٍ فَقِيلَ أَوَّلُ مَنْ لَقَّبَهُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي تَارِيخه عَن طَرِيق بن عَبَّاس عَن عمر وَرَوَاهُ بن سَعْدٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَقِيلَ أَهْلُ الْكِتَابِ أخرجه بن سعد من الزُّهْرِيِّ وَقِيلَ جِبْرِيلُ رَوَاهُ الْبَغَوِيُّ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ سَتَةَ عَشَرَ حَدِيثًا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ جَابِرٍ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ



[ قــ :3509 ... غــ :3679] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجشون كَذَا لأبي ذَر وَسقط لفظ بن مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَهُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَدَنِيُّ وَالْمَاجِشُونَ لَقَبُ جَدِّهِ وَتَلَقَّبَ بِهِ أَوْلَادُهُ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ هَكَذَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُ عَنِ بن الْمَاجِشُونِ وَرَوَاهُ صَالِحُ بْنُ مَالِكٍ عَنْهُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْبَغَوِيُّ فِي فَوَائِدِهِ فَلَعَلَّ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ فِيهِ شَيْخَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ اقْتِصَارُهُ فِي حَدِيثِ حُمَيْدٍ عَلَى قِصَّةِ الْقَصْرِ فَقَطْ وَقد أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وبن حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُمَيْدٍ كَذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ هِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ وَالرُّمَيْصَاءُ بِالتَّصْغِيرِ صفة لَهَا لرمص كَانَ بِعَينهَا وَاسْمُهَا سَهْلَةُ وَقِيلَ رُمَيْلَةٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَقِيلَ هُوَ اسْمُهَا وَيُقَالُ فِيهِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بَدَلَ الرَّاءِ وَقِيلَ هُوَ اسْمُ أُخْتِهَا أُمِّ حَرَامٍ.

     وَقَالَ  أَبُو دَاوُدَ هُوَ اسْمُ أُخْتِ أم سليم من الرضَاعَة وَجوز بن التِّينِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ امْرَأَةً أُخْرَى لِأَبِي طَلْحَةَ وَقَولُهُ رَأَيْتُنِي بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَالضَّمِيرِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ .

     قَوْلُهُ  وَسَمِعْتُ خَشَفَةً بِفَتْحِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَالْفَاءِ أَيْ حَرَكَةً وَزْنًا وَمَعْنًى وَوَقَعَ لِأَحْمَدَ سَمِعْتُ خَشَفًا يَعْنِي صَوْتًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْخَشَفَةُ الصَّوْتُ لَيْسَ بِالشَّدِيدِ قِيلَ وَأَصْلُهُ صَوْتُ دَبِيبِ الْحَيَّةِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ هُنَا مَا يُسْمَعُ مِنْ حِسِّ وَقْعِ الْقَدَمِ .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالَ هَذَا بِلَالٌ وَهَذَا قَدْ تَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مُطَوَّلًا وَتَقَدَّمَ مِنْ شَرْحِهِ هُنَاكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَتَقَدَّمَ بَعْضُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ حَيْثُ أُورِدَ هُنَاكَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي بَعْدَهُ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ قَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ وَالْفِنَاءُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ مَعَ الْمَدِّ جَانِبُ الدَّارِ .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا فَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَقَالُوا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُخَاطِبَ لَهُ بِذَلِكَ جِبْرِيلُ أَوْ غَيْرُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَقَدْ أَفْرَدَ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي النِّكَاحِ وَفِي التَّعْبِير من وَجه اخر عَن بن الْمُنْكَدِرِ .

     قَوْلُهُ  فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي النِّكَاحِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَلَمْ يَمْنَعْنِي الا علمي بغيرتك وَوَقع فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَة عَن بن الْمُنْكَدِرِ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ جَمِيعًا عَنْ جَابِرٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْأَخِيرَةِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا قَصْرًا يُسْمَعُ فِيهِ ضَوْضَاءُ فَقُلْتُ لِمَنْ هَذَا فَقِيلَ لِعُمَرَ وَالضَّوْضَاءُ بِمُعْجَمَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا وَاوٌ وَبِالْمَدِّ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ بَكَى وَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ بِلَفْظِ فَبَكَى عُمَرُ وَهُوَ فِي الْمَجْلِسِ وَقَولُهُ بِأَبِي وَأُمِّي أَيْ أَفْدِيكَ بِهِمَا وَقَولُهُ أَعَلَيْكَ أَغَارُ مَعْدُود مِنَ الْقَلْبِ وَالْأَصْلُ أَعْلَيْهَا أَغَارُ مِنْكَ قَالَ بن بَطَّالٍ فِيهِ الْحُكْمُ لِكُلِّ رَجُلٍ بِمَا يَعْلَمُ مِنْ خُلُقِهِ قَالَ وَبُكَاءُ عُمَرَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سُرُورًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَشَوُّقًا أَوْ خُشُوعًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُمَيْدٍ مِنَ الزِّيَادَةِ فَقَالَ عُمَرُ وَهَلْ رَفَعَنِي اللَّهُ إِلَّا بِكَ وَهَلْ هَدَانِي اللَّهُ إِلَّا بِكَ رُوِّينَاهُ فِي فَوَائِدِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحَرْبِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهِيَ زِيَادَةٌ غَرِيبَةٌ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَعْنَى ذَكَرَهُ مُقْتَصَرًا عَلَى قِصَّةِ رُؤْيَا الْمَرْأَةِ إِلَى جَانِبِ الْقَصْرِ وَزَادَ فِيهِ قَالُوا لِعُمَرَ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُرَاعَاةِ الصُّحْبَةِ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعُمَرَ وَقَولُهُ فِيهِ تَتَوَضَّأُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا يُنْكَرُ كَوْنُهَا تَتَوَضَّأُ حَقِيقَةً لِأَنَّ الرُّؤْيَا وَقَعَتْ فِي زَمَنِ التَّكْلِيفِ وَالْجَنَّةُ وَإِنْ كَانَ لَا تَكْلِيفَ فِيهَا فَذَاكَ فِي زَمَنِ الِاسْتِقْرَارِ بَلْ ظَاهِرُ





[ قــ :3510 ... غــ :3680] قَوْلِهِ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ خَارِجَةً مِنْهُ أَوْ هُوَ عَلَى غير الْحَقِيقَة ورؤيا الْمَنَام لاتحمل دَائِمًا عَلَى الْحَقِيقَةِ بَلْ تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ فَيَكُونُ مَعْنَى كَوْنِهَا تَتَوَضَّأُ أَنَّهَا تُحَافِظُ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْعِبَادَةِ أَوِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَتَوَضَّأُ أَيْ تَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ لِأَجْلِ الْوَضَاءَةِ عَلَى مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ وَفِيه بعد وَأغْرب بن قُتَيْبَةَ وَتَبِعَهُ الْخَطَّابِيُّ فَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ تَتَوَضَّأُ تَصْحِيفٌ وَتَغْيِيرٌ مِنَ النَّاسِخِ وَإِنَّمَا الصَّوَابُ امْرَأَةٌ شَوْهَاءُ وَلَمْ يَسْتَنِدْ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى إِلَّا إِلَى اسْتِبْعَادِ أَنْ يَقَعَ فِي الْجَنَّةِ وُضُوءٌ لِأَنَّهُ لَا عَمَلَ فِيهَا وَعَدَمُ الِاطِّلَاعِ عَلَى المُرَاد من الْخَبَر لايقتضي تَغْلِيطَ الْحُفَّاظِ ثُمَّ أَخَذَ الْخَطَّابِيُّ فِي نَقْلِ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي تَفْسِيرِ الشَّوْهَاءِ فَقِيلَ هِيَ الْحَسْنَاءُ وَنَقَلَهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَإِنَّمَا تَكُونُ حَسْنَاءَ إِذَا وَصَفْتَ بِهَا الْفَرَسَ قَالَ الْجَوْهَرِي فرس شوهاء صفة محمودة والشوهاء الْوَاسِعَةُ الْفَمِ وَهُوَ مُسْتَحْسَنٌ فِي الْخَيْلِ وَالشَّوْهَاءُ من النِّسَاء القبيحة كَمَا جزم بِهِ بن الْأَعْرَابِيِّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ تَعَقَّبَ الْقُرْطُبِيُّ كَلَامَ الْخَطَّابِيِّ لَكِن نسبه إِلَى بن قُتَيْبَة فَقَط قَالَ بن قُتَيْبَةَ بَدَلَ تَتَوَضَّأُ شَوْهَاءُ ثُمَّ نَقَلَ أَنَّ الشَّوْهَاءَ تُطْلَقُ عَلَى الْقَبِيحَةِ وَالْحَسْنَاءِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَالْوُضُوءُ هُنَا لِطَلَبِ زِيَادَةِ الْحُسْنِ لَا لِلنَّظَافَةِ لِأَنَّ الْجَنَّةَ مُنَزَّهَةٌ عَنِ الْأَوْسَاخِ وَالْأَقْذَارِ وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ بَابُ الْوُضُوءِ فِي الْمَنَامِ فَبَطَلَ مَا تَخَيَّلَهُ الْخَطَّابِيُّ وَفِي الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ الرُّمَيْصَاءِ وَأَنَّهَا كَانَتْ مُوَاظِبَةً على الْعِبَادَة كَذَا نَقله بن التِّين عَن غَيره وَفِيه نظر الحَدِيث الثَّالِث





[ قــ :3511 ... غــ :3681] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو جَعْفَرٍ هُوَ الْأُسَيْدِيُّ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَلَهُ شَيْخٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ يُكَنَّى أَبَا يَعْلَى وَهُوَ بَصْرِيٌّ وَأَبُو جَعْفَرٍ أَكْبَرُ مِنْ أَبِي يَعْلَى وَأَقْدَمُ سَمَاعًا .

     قَوْلُهُ  شَرِبْتُ يَعْنِي اللَّبَنَ كَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَسَيَأْتِي فِي التَّعْبِيرِ عَنْ عَبْدَانَ عَن بن الْمُبَارَكِ بِلَفْظِ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ أَيْ مِنْ ذَلِكَ اللَّبَنِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى الرِّيِّ فِي رِوَايَةِ عَبْدَانَ حَتَّى أَنِّي وَيَجُوزُ فَتْحُ هَمْزَةِ أَنِّي وَكَسْرُهَا وَرُؤْيَةُ الرِّيِّ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ كَأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الرِّيَّ جِسْمًا أَضَافَ إِلَيْهِ مَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْجِسْمِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَرْئِيًّا.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  أَنْظُرُ فَإِنَّمَا أَتَى بِهِ بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَاضٍ اسْتِحْضَارًا لِصُورَةِ الْحَالِ وَقَولُهُ أَنْظُرُ يُؤَيِّدُ أَنَّ قَوْلَهُ أَرَى فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الْعِلْمِ مِنْ رُؤْيَةِ الْبَصَرِ لَا مِنَ الْعِلْمِ وَالرِّيُّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا .

     قَوْلُهُ  يَجْرِي أَيِ اللَّبَنُ أَوِ الرِّيُّ وَهُوَ حَالٌ .

     قَوْلُهُ  فِي ظُفْرِي أَوْ أَظْفَارِي شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَفِي رِوَايَةِ عَبْدَانَ مِنْ أَظْفَارِي وَلَمْ يَشُكَّ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عَقِيلٍ فِي الْعِلْمِ لَكِنْ قَالَ فِي أَظْفَارِي .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ نَاوَلْتُ عُمَرَ فِي رِوَايَةِ عَبْدَانَ ثُمَّ نَاوَلْتُ فَضْلِي يَعْنِي عُمَرَ وَفِي رِوَايَةِ عَقِيلٍ فِي الْعِلْمِ ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ .

     قَوْلُهُ  قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَهُ أَيْ عَبَّرْتَهُ قَالَ الْعِلْمَ بِالنَّصْبِ أَيْ أَوَّلْتُهُ الْعِلْمَ وَبِالرَّفْعِ أَيِ الْمُؤَوَّلُ بِهِ هُوَ الْعِلْمُ وَوَقَعَ فِي جُزْءِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَرَفَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَن بن عُمَرَ قَالَ فَقَالُوا هَذَا الْعِلْمُ الَّذِي آتَاكَهُ اللَّهُ حَتَّى إِذَا امْتَلَأْتَ فَضَلَتْ مِنْهُ فَضْلَةٌ فَأَخَذَهَا عُمَرُ قَالَ أَصَبْتُمْ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ أَوَّلَ وَبَعْضُهُمْ سَأَلَ وَوَجْهُ التَّعْبِيرِ بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ اشْتَرَاكِ اللَّبَنِ وَالْعِلْمِ فِي كَثْرَةِ النَّفْعِ وَكَوْنِهِمَا سَبَبًا لِلصَّلَاحِ فَاللَّبَنُ لِلْغِذَاءِ الْبَدَنِيِّ وَالْعِلْمُ لِلْغِذَاءِ الْمَعْنَوِيِّ وَفِي الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ عُمَرَ وَأَنَّ الرُّؤْيَا من شَأْنهَا ان لاتحمل عَلَى ظَاهِرِهَا وَإِنْ كَانَتْ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْوَحْيِ لَكِنْ مِنْهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَمِنْهَا مَا يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَسَيَأْتِي تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا الْعِلْمُ بِسِيَاسَةِ النَّاسِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتُصَّ عُمَرُ بِذَلِكَ لِطُولِ مُدَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَبِاتِّفَاقِ النَّاسِ عَلَى طَاعَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُثْمَانَ فَإِنَّ مُدَّةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ قَصِيرَةً فَلَمْ يَكْثُرْ فِيهَا الْفُتُوحُ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ الْأَسْبَابِ فِي الِاخْتِلَافِ وَمَعَ ذَلِكَ فَسَاسَ عُمَرُ فِيهَا مَعَ طُولِ مُدَّتِهِ النَّاسَ بِحَيْثُ لَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ ثُمَّ ازْدَادَتِ اتِّسَاعًا فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ فَانْتَشَرَتِ الْأَقْوَالُ وَاخْتَلَفَتِ الْآرَاءُ وَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ مَا اتَّفَقَ لِعُمَرَ مِنْ طَوَاعِيَةِ الْخَلْقِ لَهُ فَنَشَأَتْ مِنْ ثَمَّ الْفِتَنُ إِلَى أَنْ أَفْضَى الْأَمْرُ إِلَى قَتْلِهِ وَاسْتُخْلِفَ عَلِيٌّ فَمَا ازْدَادَ الْأَمْرُ إِلَّا اخْتِلَافًا والفتن الا انتشارا الحَدِيث الرَّابِع حَدِيث بن عمر فِي رُؤْيَة النزع من الْبِئْر وَقد تقدم قَرِيبا فِي مَنَاقِب أبي بكر





[ قــ :351 ... غــ :368] قَوْله حَدثنَا عبيد الله هُوَ بن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ سَالم أَي بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِ الرَّاوِي عَنْهُ وَهُمَا مَدَنِيَّانِ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ.
وَأَمَّا أَبُو سَالِمٍ فَمَعْدُودٌ مِنْ كِبَارِهِمْ وَهُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَلَيْسَ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ سَالِمٍ فِي الْبُخَارِيِّ غَيْرُ هَذَا الْمَوْضِعِ وَوَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ رَاوٍ إِلَّا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْمَذْكُورُ وَإِنَّمَا أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَقَدْ مَضَى الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ .

     قَوْلُهُ  بِدَلْوِ بَكَرَةٍ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْكَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ تَثْلِيثَ أَوَّلِهِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ نِسْبَةُ الدَّلْوِ إِلَى الْأُنْثَى مِنَ الْإِبِلِ وَهِيَ الشَّابَّةُ أَيِ الدَّلْوُ الَّتِي يُسْقَى بِهَا.
وَأَمَّا بِالتَّحْرِيكِ فَالْمُرَادُ الْخَشَبَةُ الْمُسْتَدِيرَةُ الَّتِي يُعَلَّقُ فِيهَا الدَّلْو قَوْله قَالَ بن جُبَيْرٍ الْعَبْقَرِيُّ عِتَاقُ الزَّرَابِيِّ وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِهِ وَكَذَا رُوِّينَاهُ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ قَالَ الرَّفْرَفُ رِيَاضُ الْجَنَّةِ وَالْعَبْقَرِيُّ الزَّرَابِيُّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ وَبَعْضِ النُّسَخِ عَنْ أبي ذَر هُنَا قَالَ بن نُمَيْرٍ وَقِيلَ الْمُرَادُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن نمير شيخ المُصَنّف فِيهِ وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِي كِتَابِ التَّعْبِيرِ وَالْمُرَادُ بِالْعِتَاقِ الْحِسَانُ وَالزَّرَابِيُّ جَمْعُ زَرْبِيَّةٍ وَهِيَ الْبِسَاطُ الْعَرِيضُ الْفَاخِرُ قَالَ فِي الْمَشَارِقِ الْعَبْقَرِيُّ النَّافِذُ الْمَاضِي الَّذِي لَا شَيْءَ يَفُوقُهُ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَعَبْقَرِيُّ الْقَوْمِ سَيِّدُهُمْ وَقَيِّمُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ.

     وَقَالَ  الْفَرَّاءُ الْعَبْقَرِيُّ السَّيِّدُ وَالْفَاخِرُ مِنَ الْحَيَوَانِ وَالْجَوْهَرِ وَالْبِسَاطِ الْمَنْقُوشِ وَقِيلَ هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى عَبْقَرٍ مَوْضِعٍ بِالْبَادِيَةِ وَقِيلَ قَرْيَةٌ يُعْمَلُ فِيهَا الثِّيَابُ الْبَالِغَةُ فِي الْحُسْنِ وَالْبُسُطُ وَقِيلَ نِسْبَةً إِلَى أَرْضٍ تَسْكُنُهَا الْجِنُّ تَضْرِبُ بِهَا الْعَرَبُ الْمَثَلَ فِي كُلِّ شَيْء عَظِيم قَالَه أَبُو عُبَيْدَة قَالَ بن الْأَثِيرِ فَصَارُوا كُلَّمَا رَأَوْا شَيْئًا غَرِيبًا مِمَّا يَصْعُبُ عَمَلُهُ وَيَدُقُّ أَوْ شَيْئًا عَظِيمًا فِي نَفْسِهِ نَسَبُوهُ إِلَيْهَا فَقَالُوا عَبْقَرِيٌّ ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ حَتَّى سُمِّيَ بِهِ السَّيِّدُ الْكَبِيرُ ثُمَّ اسْتَطْرَدَ الْمُصَنِّفُ كَعَادَتِهِ فَذَكَرَ مَعْنَى صِفَةِ الزَّرَابِيِّ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَزَرَابِيُّ مبثوثة قَوْله.

     وَقَالَ  يحيى هُوَ بن زِيَادٍ الْفَرَّاءُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ مَعَانِي الْقُرْآنِ لَهُ وَظَنَّ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ فَجَزَمَ بِذَلِكَ وَاسْتَنَدَ إِلَى كَوْنِ الْحَدِيثِ وَرَدَ مِنْ رِوَايَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ .

     قَوْلُهُ  الطَّنَافِسُ هِيَ جَمْعُ طُنْفُسَةٍ وَهِيَ الْبِسَاطُ .

     قَوْلُهُ  لَهَا خَمَلٌ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِيمِ بَعْدَهَا لَامٌ أَيْ أَهْدَابٌ وَقَولُهُ رَقِيقٌ أَيْ غَيْرُ غَلِيظَةٍ .

     قَوْلُهُ  مَبْثُوثَةٌ كَثِيرَةٌ هُوَ بَقِيَّةُ كَلَامِ يَحْيَى بْنِ زِيَادٍ الْمَذْكُورِ الحَدِيث الْخَامِس





[ قــ :3513 ... غــ :3683] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ أَي بن الْخَطَّابِ وَفِي الْإِسْنَادِ أَرْبَعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ عَلَى نسق قرينان وهما صَالح وَهُوَ بن كيسَان وبن شِهَابٍ وَقَرِيبَانِ وَهُمَا عَبْدُ الْحَمِيدِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَكُلُّهُمْ مَدَنِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ هُنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ لَكِنْ قَرِينَةُ .

     قَوْلُهُ  يَسْتَكْثِرْنَهُ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُنَّ يَطْلُبْنَ مِنْهُ أَكثر مِمَّا يُعْطِيهِنَّ وَزَعَمَ الدَّاوُدِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُنَّ يُكْثِرْنَ الْكَلَامَ عِنْدَهُ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُنَّ يَطْلُبْنَ النَّفَقَةَ .

     قَوْلُهُ  عَالِيَةٌ بِالرَّفْعِ عَلَى الصِّفَةِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ وَقَولُهُ أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوته قَالَ بن التِّينِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ النَّهْيِ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ عَلَى صَوْتِهِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ طَبْعَهُنَّ انْتَهَى.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّفْعُ حَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِهِنَّ لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ كَانَ صَوْتُهَا أَرْفَعَ مِنْ صَوْتِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ قِيلَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِنَّ جَهِيرَةٌ أَوِ النَّهْيُ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ وَقِيلَ فِي حَقِّهِنَّ لِلتَّنْزِيهِ أَوْ كُنَّ فِي حَالِ الْمُخَاصَمَةِ فَلَمْ يَتَعَمَّدْنَ أَوْ وَثِقْنَ بِعَفْوِهِ وَيحْتَمل فِي الْخلْوَة مَا لايحتمل فِي غَيْرِهَا .

     قَوْلُهُ  أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ لَمْ يُرِدْ بِهِ الدُّعَاءَ بِكَثْرَةِ الضَّحِكِ بَلْ لَازِمُهُ وَهُوَ السرُور أَو نفي ضد لَازِمِهِ وَهُوَ الْحُزْنُ .

     قَوْلُهُ  أَتَهَبْنَنِي مِنَ الْهَيْبَةِ أَيْ تُوَقِّرْنَنِي .

     قَوْلُهُ  أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ بِالْمُعْجَمَتَيْنِ بِصِيغَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ مِنَ الْفَظَاظَةِ وَالْغِلْظَةِ وَهُوَ يَقْتَضِي الشَّرِكَةَ فِي أَصْلِ الْفِعْلِ وَيُعَارِضُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حولك فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَظًّا وَلَا غَلِيظًا وَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِي فِي الْآيَةِ يَقْتَضِي نَفْيَ وُجُودِ ذَلِكَ لَهُ صِفَةً لَازِمَةً فَلَا يَسْتَلْزِمُ مَا فِي الْحَدِيثِ ذَلِكَ بَلْ مُجَرَّدُ وُجُودِ الصِّفَةِ لَهُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ عِنْدَ إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ مَثَلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْأَفَظَّ هُنَا بِمَعْنَى الْفَظِّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِلتَّصْرِيحِ بِالتَّرْجِيحِ الْمُقْتَضِي لِحَمْلِ أَفْعَلَ عَلَى بَابِهِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُوَاجِهُ أَحَدًا بِمَا يَكْرَهُ إِلَّا فِي حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَكَانَ عُمَرُ يُبَالِغُ فِي الزَّجْرِ عَنِ الْمَكْرُوهَاتِ مُطْلَقًا وَطَلَبِ الْمَنْدُوبَاتِ فَلِهَذَا قَالَ النِّسْوَةُ لَهُ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  أَيْهًا يَا بن الْخَطَّابِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَيْهًا بِالْفَتْحِ وَالتَّنْوِينِ مَعْنَاهَا لاتبتدئنا بِحَدِيثٍ وَبِغَيْرِ تَنْوِينٍ كُفَّ مِنْ حَدِيثٍ عَهِدْنَاهُ وايه بِالْكَسْرِ وَالتَّنْوِينِ مَعْنَاهَا حَدِّثْنَا مَا شِئْتَ وَبِغَيْرِ التَّنْوِينِ زِدْنَا مِمَّا حَدَّثْتَنَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا بِالنّصب والتنوين وَحكى بن التِّينِ أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ.

     وَقَالَ  مَعْنَاهُ كُفَّ عَنْ لَوْمِهِنَّ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ الْأَمْرُ بِتَوْقِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطْلُوبٌ لِذَاتِهِ تُحْمَدُ الزِّيَادَةُ مِنْهُ فَكَأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيهْ اسْتِزَادَةٌ مِنْهُ فِي طَلَبِ تَوْقِيرِهِ وَتَعْظِيمِ جَانِبِهِ وَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِلَخْ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ رَضِيَ مَقَالَتَهُ وَحَمِدَ فِعَالَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَجًّا أَيْ طَرِيقًا وَاسِعًا وَقَولُهُ قَطُّ تَأْكِيدٌ لِلنَّفْيِ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ فِيهِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لِعُمَرَ تَقْتَضِي أَنَّ الشَّيْطَانَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ لَا أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُودَ الْعِصْمَةِ إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا فِرَارُ الشَّيْطَانِ مِنْهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي طَرِيقٍ يَسْلُكُهَا وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ وَسْوَسَتِهِ لَهُ بِحَسَبِ مَا تَصِلُ إِلَيْهِ قُدْرَتُهُ فَإِنْ قِيلَ عَدَمُ تَسْلِيطِهِ عَلَيْهِ بِالْوَسْوَسَةِ يُؤْخَذُ بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ لِأَنَّهُ إِذَا مُنِعَ مِنَ السُّلُوكِ فِي طَرِيقٍ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُلَابِسَهُ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ وَسْوَسَتِهِ لَهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حُفِظَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ ثُبُوتُ الْعِصْمَةِ لَهُ لِأَنَّهَا فِي حَقِّ النَّبِيِّ وَاجِبَةٌ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مُمْكِنَةٌ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَلْقَى عُمَرَ مُنْذُ أَسْلَمَ إِلَّا خَرَّ لِوَجْهِهِ وَهَذَا دَالٌّ عَلَى صَلَابَتِهِ فِي الدِّينِ وَاسْتِمْرَارِ حَالِهِ عَلَى الْجِدِّ الصِّرْفِ وَالْحَقِّ الْمَحْضِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الشَّيْطَانَ يَهْرُبُ إِذَا رَآهُ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَاكَ عَلَى سَبِيلِ ضَرْبِ الْمَثَلِ وَأَنَّ عُمَرَ فَارَقَ سَبِيلَ الشَّيْطَانِ وَسَلَكَ طَرِيقَ السَّدَادِ فَخَالَفَ كُلَّ مَا يُحِبُّهُ الشَّيْطَانُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى انْتَهَى الْحَدِيثُ السَّادِسُ





[ قــ :3514 ... غــ :3684] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سعيد الْقطَّان وَإِسْمَاعِيل هُوَ بن أبي خَالِد وَقيس هُوَ بن أبي حَازِم وَعبد الله هُوَ بن مَسْعُود وَوَقع فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ إِسْلَامِ عُمَرَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ أَيْ لِمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ فِي أَمْرِ اللَّهِ وروى بن أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ كَانَ إِسْلَامُ عُمَرَ عِزًّا وَهِجْرَتُهُ نَصْرًا وَإِمَارَتُهُ رَحْمَةً وَاللَّهِ مَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نُصَلِّيَ حَوْلَ الْبَيْتِ ظَاهِرِينَ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ وَقَدْ وَرَدَ سَبَبُ إِسْلَامِهِ مُطَوَّلًا فِيمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ خَرَجَ عُمَرُ مُتَقَلِّدًا السَّيْفَ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ فَذَكَرَ قِصَّةَ دُخُولِ عُمَرَ عَلَى أُخْتِهِ وَإِنْكَارِهِ إِسْلَامَهَا وَإِسْلَامَ زَوْجِهَا سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَقِرَاءَتِهِ سُورَةَ طَهَ وَرَغْبَتَهَ فِي الْإِسْلَامِ فَخَرَجَ خَبَّابٌ فَقَالَ أَبْشِرْ يَا عُمَرُ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ قَالَ اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِعُمَرَ أَوْ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ وَرَوَى أَبُو جَعْفَرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَحْوَهُ فِي تَارِيخه من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَفِي آخِرِهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَفِيمَ الِاخْتِفَاءُ فَخَرَجْنَا فِي صَفَّيْنِ أَنَا فِي أَحَدِهِمَا وَحَمْزَةُ فِي الْآخَرِ فَنَظَرَتْ قُرَيْشٌ إِلَيْنَا فَأَصَابَتْهُمْ كَآبَةٌ لَمْ يُصِبْهُمْ مِثْلُهَا وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مطولا وروى بن أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ نَفْسِهِ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا فَكَمَّلْتُهُمْ أَرْبَعِينَ فَأَظْهَرَ اللَّهُ دِينَهُ وَأَعَزَّ الْإِسْلَام وروى الْبَزَّار نَحوه من حَدِيث بن عَبَّاس.

     وَقَالَ  فِيهِ فَنزل جِبْرِيل فَقَالَ يَا أَيهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَفِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ لِخَيْثَمَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي وَائِل عَن بن مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ أَيِّدِ الْإِسْلَامَ بِعُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مِثْلُهُ بِلَفْظِ أَعِزَّ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِثْلُهُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بن عُمَرَ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ قَالَ فَكَانَ أَحَبُّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ قلت وَصَححهُ بن حِبَّانَ أَيْضًا وَفِي إِسْنَادِهِ خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَدُوقٌ فِيهِ مَقَالٌ لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي الْقِصَّةِ الْمُطَوَّلَةِ وَمِنْ طَرِيقِ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ عَنْ عُمَرَ عَنْ خَبَّابٍ وَله شَاهد مُرْسل أخرجه بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْإِسْنَادُ صَحِيح إِلَيْهِ وروى بن سَعْدٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ صُهَيْبٍ قَالَ لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ انْتَصَفَ الْقَوْمُ مِنَّا وروى الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ





[ قــ :3515 ... غــ :3685] .

     قَوْلُهُ  فِي السَّنَدِ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بن سعيد أَي بن أبي حُسَيْن وَوَقع فِي رِوَايَة الفابسي سعد بِسُكُون الْعين وَهُوَ وهم الحَدِيث السَّابِع حَدِيث بن عَبَّاسٍ قَالَ وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ بِنُونٍ وَفَاءٍ أَيْ أَحَاطُوا بِهِ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ وَالْأَكْنَافُ النَّوَاحِي .

     قَوْلُهُ  وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ بِلَفْظِ إِنِّي لَوَاقِفٌ مَعَ قَوْمٍ وَقَدْ وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ أَيْ لَمَّا مَاتَ وَهِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ عُمَرَ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ يَرُعْنِي أَيْ لَمْ يُفْزِعْنِي وَالْمُرَادُ أَنَّهُ رَآهُ بَغْتَةً .

     قَوْلُهُ  إِلَّا رَجُلٌ آخِذٌ بِوَزْنِ فَاعِلٍ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَخَذَ بِلَفْظِ الْفِعْلِ الْمَاضِي .

     قَوْلُهُ  فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ بِلَفْظِ فَقَالَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ .

     قَوْلُهُ  احب يجوز نَصبه وَرَفعه واني يَجُوزُ فِيهِ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّ لِأَحَدٍ عَمَلًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَفْضَلَ مِنْ عَمَلِ عمر وَقد اخْرُج بن أَبِي شَيْبَةَ وَمُسَدَّدٌ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَ هَذَا الْكَلَامِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ شَاهِدٌ جَيِّدٌ لحَدِيث بن عَبَّاسٍ لِكَوْنِ مَخْرَجُهُ عَنْ آلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .

     قَوْلُهُ  مَعَ صَاحِبَيْكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مَا وَقَعَ وَهُوَ دَفْنُهُ عِنْدَهُمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمَعِيَّةِ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ الْأَمْرُ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِصَاحِبَيْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَقَولُهُ وَحَسِبْتُ أَنِّي يَجُوزُ فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَكَسْرُهَا وَتَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ بِلَفْظِ لِأَنِّي كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ وَاللَّامُ للتَّعْلِيل وَمَا إبهامية مُؤَكدَة وَكَثِيرًا ظَرْفُ زَمَانٍ وَعَامِلُهُ كَانَ قُدِّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَقَوْلِه تَعَالَى قَلِيلا مَا تشكرون وَوَقَعَ لِلْأَكْثَرِ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ بِزِيَادَةِ مِنْ وَوُجِّهَتْ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَنِّي أَجِدُ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ الْحَدِيثُ الثَّامِنُ حَدِيثُ اثْبُتْ أُحُدٌ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ





[ قــ :3516 ... غــ :3686] قَوْله.

     وَقَالَ  لي خَليفَة هُوَ بن خَيَّاطٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ بِمُهْمَلَةٍ وَتَخْفِيفٍ وَمَدٍّ هُوَ السَّدُوسِيُّ الْبَصْرِيُّ أَخْرَجَ لَهُ هُنَا وَفِي الْأَدَب وكهمس بِمُهْملَة وزن جَعْفَر هُوَ بن الْمِنْهَالِ سَدُوسِيٌّ أَيْضًا بَصْرِيٌّ مَا لَهُ فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الْموضع وَسَعِيد هُوَ بن أَبِي عَرُوبَةَ وَسَقَطَ جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَاقْتَصَرَ عَلَى طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ .

     قَوْلُهُ  فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ بِلَفْظِ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ فَتَكُونُ أَوْ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَيَكُونُ لَفْظُ شَهِيدٍ لِلْجِنْسِ وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ بِلَفْظِ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ فَقِيلَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَقِيلَ تَغْيِيرُ الْأُسْلُوبِ لِلْإِشْعَارِ بِمُغَايَرَةِ الْحَالِ لِأَنَّ صِفَتَيِ النُّبُوَّةِ وَالصِّدِّيقِيَّةِ كَانَتَا حَاصِلَتَيْنِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ صِفَةِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ وَقَعَتْ حِينَئِذٍ الْحَدِيثُ التَّاسِعُ





[ قــ :3517 ... غــ :3687] .

     قَوْلُهُ  حَدثنِي عمر هُوَ بن مُحَمَّد وَوَقع فِي رِوَايَة حَرْمَلَة عَن بن وَهْبٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ أَي بن عبد الله بن عمر قَوْله سالني بن عُمَرَ عَنْ بَعْضِ شَأْنِهِ يَعْنِي عُمَرَ يُرِيدُ ان بن عُمَرَ سَأَلَ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ عَنْ بَعْضِ شَأْنِ عُمَرَ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ مَا رَأَيْتُ هُوَ مقول بن عُمَرَ .

     قَوْلُهُ  أَجَدُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالتَّشْدِيدِ أَفْعَلُ مِنْ جَدَّ إِذَا اجْتَهَدَ وَأَجْوَدُ أَفْعَلُ مِنَ الْجُودِ .

     قَوْلُهُ  بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبَعْدِيَّةِ فِي الصِّفَاتِ وَلَا يَتَعَرَّضُ فِيهِ لِلزَّمَانِ فَيَتَنَاوَلُ زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا بَعْدَهُ فَيُشْكِلُ بِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَبِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ كَانَ يَتَّصِفُ بِالْجُودِ الْمُفْرِطِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُشْكِلُ بِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَيْضًا وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِزَمَانِ خِلَافَتِهِ وَأَجْوَدُ أَفْعَلُ مِنَ الْجُودِ أَيْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَجَدَّ مِنْهُ فِي الْأُمُورِ وَلَا أَجْوَدَ بِالْأَمْوَالِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ لِيَخْرُجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ مِنْ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى انْتَهَى أَيْ إِلَى آخِرَ عُمْرَهُ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَاعِلَ انْتهى عمر وَقَائِل ذَلِك بن عمر وَيحْتَمل ان يكون فَاعل انْتهى بن عُمَرَ أَيِ انْتَهَى فِي الْإِنْصَافِ بَعْدَ أَجَدَّ وَأَجْوَدَ حَتَّى فَرَغَ مِمَّا عِنْدَهُ وَقَائِلُ ذَلِكَ نَافِعٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ هُوَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ الْيَمَانِيُّ وَزعم بن بَشْكُوَالَ أَنَّهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَوْ أَبُو ذَرٍّ ثُمَّ سَاقَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمَرْءُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمَرْءُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ بِعَمَلِهِمْ وَسُؤَالُ هَذَيْنِ إِنَّمَا وَقَعَ عَنِ الْعَمَلِ وَالسُّؤَالُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ إِنَّمَا وَقَعَ عَنِ السَّاعَةِ فَدَلَّ عَلَى التَّعَدُّدِ وَسَيَأْتِي فِي الْأَدَبِ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ السَّائِلَ عَنِ السَّاعَةِ أَعْرَابِيٌّ وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ الَّذِي بَالَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ يَا مُحَمَّدُ مَتَى السَّاعَةُ قَالَ وَمَا أَعَدَدْتَ لَهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ السَّائِلَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ هُوَ الْأَعْرَابِيُّ الَّذِي بَالَ فِي الْمَسْجِدِ وَتَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ أَنَّهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ الْيَمَانِيُّ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي دَلَائِلِ مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ وَسَيَأْتِي شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ ذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا وَأَنَّهُ قَرَنَهُمَا فِي الْعَمَلِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْرَدَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ





[ قــ :3519 ... غــ :3689] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَا قَالَ أَصْحَابُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلمَة وَخَالفهُم بن وَهْبٍ فَقَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ أَبُو مَسْعُود لَا اعْلَم أحدا تَابع بن وَهْبٍ عَلَى هَذَا وَالْمَعْرُوفُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا عَنْ عَائِشَةَ وَتَابَعَهُ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ يَعْنِي كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُعَلَّقًا هُنَا.

     وَقَالَ  مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ أَبُو مَسْعُود وَهُوَ مَشْهُور عَن بن عَجْلَانَ فَكَأَنَّ أَبَا سَلَمَةَ سَمِعَهُ مِنْ عَائِشَةَ وَمِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَمِيعًا.

قُلْتُ وَلَهُ أَصْلٌ من حَدِيث عَائِشَة أخرجه بن سعد من طَرِيق بن أَبِي عَتِيقٍ عَنْهَا وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَإِذَا خَطَبَ عُمَرُ سَمِعَهُ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّكَ مُكَلَّمٌ .

     قَوْلُهُ  مُحَدَّثُونَ بِفَتْحِ الدَّالِ جَمْعُ مُحَدَّثٍ وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ فَقِيلَ مُلْهَمٌ قَالَهُ الْأَكْثَرُ قَالُوا الْمُحَدَّثُ بِالْفَتْحِ هُوَ الرَّجُلُ الصَّادِقُ الظَّنِّ وَهُوَ مَنْ أُلْقِيَ فِي رُوعِهِ شَيْءٌ مِنْ قِبَلِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى فَيَكُونُ كَالَّذِي حَدَّثَهُ غَيْرُهُ بِهِ وَبِهَذَا جَزَمَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ وَقِيلَ مَنْ يَجْرِي الصَّوَابُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَقِيلَ مُكَلَّمٌ أَيْ تُكَلِّمُهُ الْمَلَائِكَةُ بِغَيْرِ نُبُوَّةٍ وَهَذَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يُحَدَّثُ قَالَ تَتَكَلَّمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى لِسَانِهِ رُوِّينَاهُ فِي فَوَائِدِ الْجَوْهَرِيِّ وَحَكَاهُ الْقَابِسِيّ وَآخَرُونَ وَيُؤَيِّدهُ ماثبت فِي الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَيَحْتَمِلُ رَدُّهُ إِلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَيْ تُكَلِّمُهُ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَرَ مُكَلِّمًا فِي الْحَقِيقَةِ فَيَرْجِعُ إِلَى الْإِلْهَامِ وَفَسرهُ بن التِّينِ بِالتَّفَرُّسِ وَوَقَعَ فِي مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ عَقِبَ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُحَدَّثُ الْمُلْهَمُ بِالصَّوَابِ الَّذِي يُلْقَى على فِيهِ وَعند مُسلم من رِوَايَة بن وَهْبٍ مُلْهَمُونَ وَهِيَ الْإِصَابَةُ بِغَيْرِ نُبُوَّةٍ وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَن بعض أَصْحَاب بن عُيَيْنَةَ مُحَدَّثُونَ يَعْنِي مُفَهَّمُونَ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ إِبْرَاهِيم يَعْنِي بن سَعْدٍ رَاوِيهِ .

     قَوْلُهُ  مُحَدَّثٌ أَيْ يُلْقَى فِي رُوعِهِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ من حَدِيث بن عُمَرَ وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ وَأَخْرَجَهُ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ يَقُولُ بِهِ بَدَلَ قَوْلِهِ وَقَلْبِهِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ نَفْسِهِ .

     قَوْلُهُ  زَادَ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سَعْدٍ هُوَ بن إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورُ وَفِي رِوَايَتِهِ زِيَادَتَانِ إِحْدَاهُمَا بَيَانُ كَوْنِهِمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالثَّانِيَةُ تَفْسِيرُ الْمُرَادِ بِالْمُحَدَّثِ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَالَ بَدَلَهَا يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ .

     قَوْلُهُ  مِنْهُمْ أَحَدٌ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ أَحَدٍ وَرِوَايَةُ زَكَرِيَّا وَصَلَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجَيْهِمَا وَقَولُهُ وَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي قِيلَ لَمْ يُورِدْ هَذَا الْقَوْلَ مَوْرِدَ التَّرْدِيدِ فَإِنَّ أُمَّتَهُ أَفْضَلُ الْأُمَمِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ وُجِدَ فِي غَيْرِهِمْ فَإِمْكَانُ وُجُودِهِ فِيهِمْ أَوْلَى وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ مَوْرِدَ التَّأْكِيدِ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِنْ يَكُنْ لِي صَدِيقٌ فَإِنَّهُ فُلَانٌ يُرِيدُ اخْتِصَاصَهُ بِكَمَالِ الصَّدَاقَةِ لَا نَفْيَ الْأَصْدِقَاءِ وَنَحْوَهُ قَوْلُ الْأَجِيرِ إِنْ كُنْتُ عَمِلْتُ لَكَ فَوَفِّنِي حَقِّي وَكِلَاهُمَا عَالِمٌ بِالْعَمَلِ لَكِنْ مُرَادُ الْقَائِلِ أَنَّ تَأْخِيرَكَ حَقِّي عَمَلُ مَنْ عِنْدَهُ شَكٌّ فِي كَوْنِي عَمِلْتُ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ وُجُودَهُمْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ قَدْ تَحَقَّقَ وُقُوعُهُ وَسَبَبُ ذَلِكَ احْتِيَاجُهُمْ حَيْثُ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ فِيهِمْ نَبِيٌّ وَاحْتَمَلَ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَحْتَاجَ هَذِهِ الْأُمَّةُ إِلَى ذَلِكَ لِاسْتِغْنَائِهَا بِالْقُرْآنِ عَنْ حُدُوثِ نَبِيٍّ وَقد وَقَعَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ حَتَّى إِنَّ الْمُحَدَّثَ مِنْهُمْ إِذَا تَحَقَّقَ وُجُودُهُ لَا يَحْكُمُ بِمَا وَقَعَ لَهُ بل لابد لَهُ مِنْ عَرْضِهِ عَلَى الْقُرْآنِ فَإِنْ وَافَقَهُ أَوْ وَافَقَ السُّنَّةَ عَمِلَ بِهِ وَإِلَّا تَرَكَهُ وَهَذَا وَإِنْ جَازَ أَنْ يَقَعَ لَكِنَّهُ نَادِرٌ مِمَّنْ يَكُونُ أَمْرُهُ مِنْهُمْ مَبْنِيًّا عَلَى اتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَمَحَّضَتِ الْحِكْمَةُ فِي وُجُودِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ بَعْدَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فِي زِيَادَةِ شَرَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِوُجُودِ أَمْثَالِهِمْ فِيهِ وَقَدْ تَكُونُ الْحِكْمَةُ فِي تَكْثِيرِهِمْ مُضَاهَاةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي كَثْرَةِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِمْ فَلَمَّا فَاتَ هَذِهِ الْأُمَّةَ كَثْرَةُ الْأَنْبِيَاءِ فِيهَا لِكَوْنِ نَبِيِّهَا خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ عُوِّضُوا بِكَثْرَةِ الْمُلْهَمِينَ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ الْمُرَادُ بِالْمُحَدَّثِ الْمُلْهَمِ الْبَالِغُ فِي ذَلِكَ مَبْلَغَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصِّدْقِ وَالْمَعْنَى لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ أَنْبِيَاءٌ مُلْهَمُونَ فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ هَذَا شَأْنُهُ فَهُوَ عُمَرُ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ فِي انْقِطَاعِ قَرِينِهِ فِي ذَلِك هَل نَبِي أم لَا فَلِذَلِكَ أَتَى بِلَفْظِ إِنْ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ لَوْ كَانَ بعدِي نَبِي لَكَانَ عمر فَلَو فِيهِ بِمَنْزِلَةِ إِنْ فِي الْآخَرِ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ احْمَد وَالتِّرْمِذِيّ وحسنة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَلَكِنْ فِي تَقْرِيرِ الطِّيبِيِّ نَظَرٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ وَلَا يَتِمُّ مُرَادُهُ إِلَّا بِفَرْضِ انهم كَانُوا أَنْبيَاء قَوْله قَالَ بن عَبَّاسٍ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا مُحَدَّثٍ أَيْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول وَلَا نَبِي الا إِذا تمنى الْآيَة كَانَ بن عَبَّاسٍ زَادَ فِيهَا وَلَا مُحَدَّثٍ أَخْرَجَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي أَوَاخِرِ جَامِعِهِ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ بن حميد من طَرِيقه وَإِسْنَاده إِلَى بن عَبَّاسٍ صَحِيحٌ وَلَفْظُهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ كَانَ بن عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ وَلَا مُحَدَّثٍ وَالسَّبَبُ فِي تَخْصِيصِ عُمَرَ بِالذِّكْرِ لِكَثْرَةِ مَا وَقَعَ لَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُوَافَقَاتِ الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ مُطَابِقًا لَهَا وَوَقَعَ لَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّةُ إِصَابَاتٍ الْحَدِيثُ الثَّانِي عَشَرَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الَّذِي كَلَّمَهُ الذِّئْبُ أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا بِدُونِ قِصَّةِ الْبَقَرَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ الْحَدِيثُ الثَّالِثَ عَشَرَ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ