فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم «

( قَولُهُ بَابُ فَضَائِلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
أَيْ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ ثُمَّ التَّفْصِيلِ أَمَّا الْإِجْمَالُ فَيَشْمَلُ جَمِيعَهُمْ لَكِنَّهُ اقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يُوَافِقُ شَرْطَهُ.
وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فَلِمَنْ وَرَدَ فِيهِ شَيْءٌ بِخُصُوصِهِ عَلَى شَرْطِهِ وَسَقَطَ لَفْظُ بَابُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَحْدَهُ .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ رَآهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعْنِي أَنَّ اسْمَ صُحْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَحَقٌّ لِمَنْ صَحِبَهُ أَقَلَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ صُحْبَةٍ لُغَةً وَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ يَخُصُّ ذَلِكَ بِبَعْضِ الْمُلَازَمَةِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَنْ رَآهُ رُؤْيَةً وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ هُوَ الرَّاجِحُ إِلَّا أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الرَّائِي ان يكون بِحَيْثُ يُمَيّز ماراه أَوْ يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الرُّؤْيَةِ مَحَلُّ نَظَرٍ وَعَمَلُ مَنْ صَنَّفَ فِي الصَّحَابَةِ يَدُلُّ عَلَى الثَّانِي فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا مِثْلَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَإِنَّمَا وُلِدَ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَأَيَّامٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أُمَّهُ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَلَدَتْهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ وَذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَأَحَادِيثُ هَذَا الضَّرْبِ مَرَاسِيلُ وَالْخِلَافُ الْجَارِي بَين الْجُمْهُور وَبَين أبي إِسْحَاق الاسفرايني وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى رَدِّ الْمَرَاسِيلِ مُطْلَقًا حَتَّى مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ لَا يَجْرِي فِي أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ لَان احاديثهم لامن قَبِيلِ مَرَاسِيلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَلَا مِنْ قَبِيلِ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَمِعُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مِمَّا يُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ صَحَابِيٌّ حَدِيثُهُ مُرْسَلٌ لَا يَقْبَلُهُ مَنْ يَقْبَلُ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ بَالَغَ فَكَانَ لَا يَعُدُّ فِي الصَّحَابَةِ إِلَّا مَنْ صَحِبَ الصُّحْبَةَ الْعُرْفِيَّةَ كَمَا جَاءَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ قَالَ رَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجَسٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ صُحْبَةٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ هَذَا مَعَ كَوْنِ عَاصِمٍ قَدْ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجَسٍ هَذَا عِدَّةَ أَحَادِيثَ وَهِيَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ وَأَكْثَرُهَا مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمٍ عَنْهُ وَمِنْ جُمْلَتِهَا .

     قَوْلُهُ  أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَغْفَرَ لَهُ فَهَذَا رَأْيُ عَاصِمٍ أَنَّ الصَّحَابِيَّ مَنْ يَكُونُ صَحِبَ الصُّحْبَةَ الْعُرْفِيَّةَ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعُدُّ فِي الصَّحَابَةِ إِلَّا مَنْ أَقَامَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم سنة فَصَاعِدا أَو غزا مَعَه غَزْوَةً فَصَاعِدًا وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى عَدِّ جَمْعٍ جَمٍّ فِي الصَّحَابَةِ لَمْ يَجْتَمِعُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَمَنِ اشْتَرَطَ الصُّحْبَةَ الْعُرْفِيَّةَ أَخْرَجَ مَنْ لَهُ رُؤْيَةٌ أَوْ مَنِ اجْتَمَعَ بِهِ لَكِنْ فَارَقَهُ عَنْ قُرْبٍ كَمَا جَاءَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ هَلْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُكَ قَالَ لَا مَعَ أَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَدَدٌ كَثِيرٌ مِمَّنْ لَقِيَهُ مِنَ الْأَعْرَابِ وَمِنْهُمْ مَنِ اشْتَرَطَ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ حِينَ اجْتِمَاعِهِ بِهِ بَالِغًا وَهُوَ مَرْدُودٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُخْرِجُ مِثْلَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَنَحْوَهُ مِنْ أَحْدَاثِ الصَّحَابَةِ وَالَّذِي جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ هُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَيْدٌ يَخْرُجُ بِهِ مَنْ صَحِبَهُ أَوْ مَنْ رَآهُ مِنَ الْكُفَّارِ فَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَ .

     قَوْلُهُ  مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَالًا خَرَجَ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَرِدُ عَلَى التَّعْرِيفِ مَنْ صَحِبَهُ أَوْ رَآهُ مُؤْمِنًا بِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ صَحَابِيًّا اتِّفَاقًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِيهِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ حَدِيثُ رَبِيعَةَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ وَهُوَ مِمَّنْ أَسْلَمَ فِي الْفَتْحِ وَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَحَدَّثَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ لَحِقَهُ الْخِذْلَانُ فَلَحِقَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بِالرُّومِ وَتَنَصَّرَ بِسَبَبِ شَيْءٍ أَغْضَبَهُ وَإِخْرَاجُ حَدِيثِ مِثْلِ هَذَا مُشْكِلٌ وَلَعَلَّ مَنْ أَخْرَجَهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى قِصَّةِ ارْتِدَادِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَلَوِ ارْتَدَّ ثُمَّ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ لَكِنْ لَمْ يَرَهُ ثَانِيًا بَعْدَ عَوْدِهِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ لِإِطْبَاقِ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى عَدِّ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ وَإِخْرَاجُهُمْ أَحَادِيثَهُمْ فِي الْمَسَانِيدِ وَهَلْ يَخْتَصُّ جَمِيعُ ذَلِكَ بِبَنِي آدَمَ أَوْ يَعُمُّ غَيْرَهُمْ مِنَ الْعُقَلَاءِ مَحَلُّ نَظَرٍ أَمَّا الْجِنُّ فَالرَّاجِحُ دُخُولُهُمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ إِلَيْهِمْ قَطْعًا وَهُمْ مُكَلَّفُونَ فِيهِمُ الْعُصَاةُ وَالطَّائِعُونَ فَمَنْ عُرِفَ اسْمُهُ مِنْهُمْ لَا يَنْبَغِي التَّرَدُّدُ فِي ذِكْرِهِ فِي الصَّحَابَةِ وَإِنْ كَانَ بن الْأَثِيرِ عَابَ ذَلِكَ عَلَى أَبِي مُوسَى فَلَمْ يَسْتَنِدْ فِي ذَلِكَ إِلَى حُجَّةٍ.
وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ فَيَتَوَقَّفُ عَدُّهُمْ فِيهِمْ عَلَى ثُبُوتِ بَعْثَتِهِ إِلَيْهِمْ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ حَتَّى نَقَلَ بَعْضُهُمُ الْإِجْمَاعَ عَلَى ثُبُوتِهِ وَعَكَسَ بَعْضُهُمْ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ رَآهُ وَهُوَ فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَوِيَّةِ أَمَّا مَنْ رَآهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ دَفْنِهِ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحَابِيٍّ وَإِلَّا لَعُدَّ مَنِ اتَّفَقَ أَنْ يَرَى جَسَدَهُ الْمُكَرَّمَ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ الْمُعَظَّمِ وَلَوْ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ وَكَذَلِكَ مَنْ كُشِفَ لَهُ عَنْهُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ فَرَآهُ كَذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْكَرَامَةِ إِذْ حُجَّةُ مَنْ أَثْبَتَ الصُّحْبَةَ لِمَنْ رَآهُ قَبْلَ دَفْنِهِ أَنَّهُ مُسْتَمِرُّ الْحَيَاةِ وَهَذِهِ الْحَيَاةُ لَيْسَتْ دُنْيَوِيَّةً وَإِنَّمَا هِيَ أُخْرَوِيَّةٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامُ الدُّنْيَا فَإِنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأَحْكَامَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِمْ بَعْدَ الْقَتْلِ جَارِيَةٌ عَلَى أَحْكَامِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْمَوْتَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَكَذَلِكَ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ مَنِ اتَّفَقَتْ لَهُ مِمَّنْ تقدم شَرْحُهُ وَهُوَ يَقْظَانُ أَمَّا مَنْ رَآهُ فِي الْمَنَامِ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَآهُ حَقًّا فَذَلِكَ مِمَّا يَرْجِعُ إِلَى الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ لَا الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلِذَلِكَ لَا يُعَدُّ صَحَابِيًّا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ وَجَدْتُ مَا جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ تَعْرِيفِ الصَّحَابِيِّ فِي كَلَام شَيْخه عَليّ بن الْمَدِينِيِّ فَقَرَأْتُ فِي الْمُسْتَخْرَجِ لِأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ مَنْدَهْ بِسَنَدِهِ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ سَيَّارٍ الْحَافِظِ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَتِيكٍ يَقُولُ قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيِّ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ رَآهُ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ بَسَطْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا جَمَعْتُهُ مِنْ عُلُومِ الْحَدِيثِ وَهَذَا الْقَدْرُ فِي هَذَا الْمَكَان كَاف ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي البَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ صَحَابِيٍّ عَنْ صَحَابِيٍّ



[ قــ :3482 ... غــ :3649] .

     قَوْلُهُ  يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٌ بِهَمْزَةٍ وَحُكِيَ فِيهِ تَرْكُ الْهَمْزَةِ أَيْ جَمَاعَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ فِي بَابِ مَنِ اسْتَعَانَ بِالضُّعَفَاءِ فِي أَوَائِلِ الْجِهَادِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنِ ادَّعَى فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ الصُّحْبَةَ لِأَنَّ الْخَبَرَ يَتَضَمَّنُ اسْتِمْرَارَ الْجِهَادِ وَالْبُعُوثِ إِلَى بِلَادِ الْكُفَّارِ وَأَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَقُولُونَ لَا وَكَذَلِكَ فِي التَّابِعِينَ وَفِي أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَقَدْ وَقَعَ كُلُّ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى وَانْقَطَعَتِ الْبُعُوثُ عَنْ بِلَادِ الْكُفَّارِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ بَلِ انْعَكَسَ الْحَالُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ مُشَاهَدٌ مِنْ مُدَّةٍ مُتَطَاوِلَةٍ وَلَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ الْأَنْدَلُسِ وَضَبَطَ أَهْلُ الْحَدِيثِ آخِرَ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُوَ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ اللَّيْثِيُّ كَمَا جَزَمَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَكَانَ مَوْتُهُ سَنَةَ مِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ أَحَدٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ ذِكْرُ طَبَقَةٍ رَابِعَةٍ وَلَفْظُهُ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُبْعَثُ مِنْهُمُ الْبَعْثُ فَيَقُولُونَ انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ فِيكُمْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُوجَدُ الرَّجُلُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ ثُمَّ يُبْعَثُ الْبَعْثُ الثَّانِي فَيَقُولُونَ انْظُرُوا إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ يَكُونُ الْبَعْثُ الرَّابِعُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ شَاذَّةٌ وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ مقتصر عَلَى الثَّلَاثَةِ كَمَا سَأُوَضِّحُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بعده وَمثله حَدِيث وَاثِلَة رَفعه لاتزالون بِخَيْرٍ مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَآنِي وَصَاحَبَنِي وَالله لاتزالون بِخَيْرٍ مَا دَامَ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ راني وصاحبني الحَدِيث أخرجه بن أبي شيبَة وَإِسْنَاده حسن الحَدِيث الثَّانِي





[ قــ :3483 ... غــ :3650] قَوْله حَدثنَا إِسْحَاق هُوَ بن رَاهَوَيْه وَبِذَلِك جزم بن السَّكَنِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَالنَّضْرُ هُوَ بن شُمَيْل وَأَبُو جَمْرَة بِالْجِيم وَالرَّاء صَاحب بن عَبَّاسٍ وَحَدَّثَ هُنَا عَنْ تَابِعِيٍّ مِثْلِهِ .

     قَوْلُهُ  خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي أَيْ أَهْلُ قَرْنِي وَالْقَرْنُ أَهْلُ زَمَانٍ وَاحِدٍ مُتَقَارِبٍ اشْتَرَكُوا فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ الْمَقْصُودَةِ وَيُقَالُ إِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِمَا إِذَا اجْتَمَعُوا فِي زَمَنِ نَبِيٍّ أَوْ رَئِيسٍ يَجْمَعُهُمْ عَلَى مِلَّةٍ أَوْ مَذْهَبٍ أَوْ عَمَلٍ وَيُطْلَقُ الْقَرْنُ عَلَى مُدَّةٍ مِنَ الزَّمَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِهَا مِنْ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ إِلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ لَكِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالسَّبْعِينَ وَلَا بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ بِهِ قَائِلٌ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ بَيْنَ الثَّلَاثِينَ وَالثَّمَانِينَ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَرْنَ مِائَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْمَطَالِعِ الْقَرْنُ أُمَّةٌ هَلَكَتْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَثَبَتَتِ الْمِائَةُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الله بن بسر وَهِي ماعند أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ الْخَمْسِينَ وَذَكَرَ مِنْ عَشْرٍ إِلَى سَبْعِينَ ثُمَّ قَالَ هَذَا هُوَ الْقَدْرُ الْمُتَوَسِّطُ مِنْ أَعْمَارِ أَهْلِ كُلِّ زَمَنٍ وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَبِهِ صرح بن الْأَعْرَابِيِّ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَقْرَانِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ الْمُخْتَلِفُ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِمَّنْ قَالَ إِنَّ الْقَرْنَ أَرْبَعُونَ فَصَاعِدًا أَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهُ دُونَ ذَلِكَ فَلَا يَلْتَئِمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْمُرَادُ بِقَرْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحَابَةُ وَقَدْ سَبَقَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَبُعِثْتُ فِي خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الَّذِي بَيْنَ الْبَعْثَةِ وَآخِرِ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ مِائَةُ سَنَةٍ وَعِشْرُونَ سَنَةً أَوْ دُونَهَا أَوْ فَوْقَهَا بِقَلِيلٍ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي وَفَاةِ أَبِي الطُّفَيْلِ وَإِنِ اعْتُبِرَ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ تِسْعِينَ أَوْ سَبْعًا وَتِسْعِينَ.
وَأَمَّا قَرْنُ التَّابِعِينَ فَإِنِ اعْتُبِرَ مِنْ سَنَةِ مِائَةٍ كَانَ نَحْوَ سَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ.
وَأَمَّا الَّذِينَ بَعْدَهُمْ فَإِنِ اعْتُبِرَ مِنْهَا كَانَ نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ مُدَّةَ الْقَرْنِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَعْمَارِ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقُوا أَنَّ آخِرَ مَنْ كَانَ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ مِمَّنْ يُقْبَلُ .

     قَوْلُهُ  مَنْ عَاشَ إِلَى حُدُودِ الْعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ وَفِي هَذَا الْوَقْتِ ظَهَرَتِ الْبِدَعُ ظُهُورًا فَاشِيًا وَأَطْلَقَتِ الْمُعْتَزِلَةُ أَلْسِنَتَهَا وَرَفَعَتِ الْفَلَاسِفَةُ رُءُوسَهَا وَامْتُحِنَ أَهْلُ الْعِلْمِ لِيَقُولُوا بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَتَغَيَّرَتِ الْأَحْوَالُ تَغَيُّرًا شَدِيدًا وَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ فِي نَقْصٍ إِلَى الْآنِ وَظَهَرَ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ ظُهُورًا بَيِّنًا حَتَّى يَشْمَلَ الْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ وَالْمُعْتَقَدَاتِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ أَيِ الْقَرْنُ الَّذِي بَعْدَهُمْ وَهُمُ التَّابِعُونَ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَهُمْ أَتْبَاعُ التَّابِعِينَ وَاقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثُ أَنْ تَكُونَ الصَّحَابَةُ أَفْضَلَ مِنَ التَّابِعِينَ وَالتَّابِعُونَ أَفْضَلَ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ لَكِنْ هَلْ هَذِهِ الْأَفْضَلِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَجْمُوعِ أَوِ الْأَفْرَادِ مَحَلُّ بَحْثٍ وَإِلَى الثَّانِي نحا الْجُمْهُور وَالْأول قَول بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَنْ قَاتَلَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فِي زَمَانِهِ بِأَمْرِهِ أَوْ أَنْفَقَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِسَبَبِهِ لَا يَعْدِلُهُ فِي الْفَضْلِ أَحَدٌ بَعْدَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقَعْ لَهُ ذَلِكَ فَهُوَ مَحَلُّ الْبَحْثِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وقاتلوا الْآيَة وَاحْتج بن عَبْدِ الْبَرِّ بِحَدِيثِ مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لايدرى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ لَهُ طُرُقٌ قَدْ يَرْتَقِي بِهَا إِلَى الصِّحَّةِ وَأَغْرَبَ النَّوَوِيُّ فَعَزَاهُ فِي فَتَاوِيهِ إِلَى مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مَعَ أَنَّهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِإِسْنَادٍ أَقْوَى مِنْهُ من حَدِيث أنس وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ وَأَجَابَ عَنْهُ النَّوَوِيُّ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْحَالُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ الَّذِينَ يدركون عِيسَى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَرَوْنَ فِي زَمَانِهِ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَانْتِظَامِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَدَحْضِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ فَيَشْتَبِهُ الْحَالُ عَلَى مَنْ شَاهَدَ ذَلِكَ أَيُّ الزَّمَانَيْنِ خَيْرٌ وَهَذَا الِاشْتِبَاهُ مُنْدَفِعٌ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي وَالله اعْلَم وَقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرِ أَحَدِ التَّابِعِينَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُدْرِكَنَّ الْمَسِيحُ أَقْوَامًا إِنَّهُمْ لَمِثْلُكُمْ أَوْ خَيْرٌ ثَلَاثًا وَلَنْ يُخْزِيَ اللَّهُ أُمَّةً أَنَا أَوَّلُهَا وَالْمَسِيحُ آخِرُهَا وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَفَعَهُ تَأْتِي أَيَّامٌ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ قِيلَ مِنْهُمْ أَوْ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بَلْ مِنْكُمْ وَهُوَ شَاهِدٌ لِحَدِيثِ مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ وَاحْتج بن عَبْدِ الْبَرِّ أَيْضًا بِحَدِيثِ عُمَرَ رَفَعَهُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ إِيمَانًا قَوْمٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُمْعَةَ قَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا أَسْلَمْنَا مَعَكَ وَجَاهَدْنَا مَعَكَ قَالَ قَوْمٌ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَاحْتج أَيْضا بِأَنَّ السَّبَبَ فِي كَوْنِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ خَيْرَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ كَانُوا غُرَبَاءَ فِي إِيمَانِهِمْ لِكَثْرَةِ الْكُفَّارِ حِينَئِذٍ وَصَبْرِهِمْ عَلَى أَذَاهُمْ وَتَمَسُّكِهِمْ بِدِينِهِمْ قَالَ فَكَذَلِكَ أَوَاخِرُهُمْ إِذَا أَقَامُوا الدِّينَ وَتَمَسَّكُوا بِهِ وَصَبَرُوا عَلَى الطَّاعَةِ حِينَ ظُهُورِ الْمَعَاصِي وَالْفِتَنِ كَانُوا أَيْضًا عِنْدَ ذَلِكَ غُرَبَاءَ وَزَكَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَمَا زَكَتْ أَعْمَالُ أُولَئِكَ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ وَقَدْ تُعُقِّبَ كَلَامُ بن عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنْ يَكُونَ فِيمَنْ يَأْتِي بَعْدَ الصَّحَابَةِ مَنْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْقُرْطُبِيُّ لَكِنَّ كَلَام بن عَبْدِ الْبَرِّ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي كَلَامِهِ بِاسْتِثْنَاءِ أَهْلِ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ نَعَمْ وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ فَضِيلَةَ الصُّحْبَةِ لَا يَعْدِلُهَا عَمَلٌ لِمُشَاهَدَةِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمَّا مَنِ اتَّفَقَ لَهُ الذَّبُّ عَنْهُ وَالسَّبْقُ إِلَيْهِ بِالْهِجْرَةِ أَوِ النُّصْرَةِ وَضَبْطِ الشَّرْعِ الْمُتَلَقَّى عَنْهُ وَتَبْلِيغِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ لَا يَعْدِلُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ يَأْتِي بَعْدَهُ لِأَنَّهُ مَا مِنْ خَصْلَةٍ مِنَ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ إِلَّا وَلِلَّذِي سَبَقَ بِهَا مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ فَظَهَرَ فَضْلُهُمْ وَمُحَصَّلُ النِّزَاعِ يَتَمَحَّضُ فِيمَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إِلَّا مُجَرَّدُ الْمُشَاهَدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ جُمِعَ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ مُتَّجَهًا عَلَى أَنَّ حَدِيثَ لِلْعَامِلِ مِنْهُمْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ لَا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ عَلَى الصَّحَابَةِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ زِيَادَةِ الْأَجْرِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْأَفْضَلِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَأَيْضًا فَالْأَجْرُ إِنَّمَا يَقَعُ تَفَاضُلُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يُمَاثِلُهُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ فَأَمَّا مَا فَازَ بِهِ مَنْ شَاهَدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زِيَادَةِ فَضِيلَةِ الْمُشَاهَدَةِ فَلَا يَعْدِلُهُ فِيهَا أَحَدٌ فَبِهَذِهِ الطَّرِيقِ يُمْكِنُ تَأْوِيلُ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُمْعَةَ فَلَمْ تَتَّفِقِ الرُّوَاةُ عَلَى لَفْظِهِ فَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِلَفْظِ الْخَيْرِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِلَفْظِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ مِنْ قَوْمٍ أَعْظَمَ مِنَّا أَجْرًا الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَإِسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَقْوَى مِنْ إِسْنَادِ الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ تُوَافِقُ حَدِيثَ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَقَعَ مِثْلُ هَذَا الشَّك فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَجَاءَ فِي أَكْثَرِ الطُّرُقِ بِغَيْرِ شَكٍّ مِنْهَا عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَعَنْ مَالِكٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيهِ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَسَمَّوَيْهِ مَا يُفَسَّرُ بِهِ هَذَا السُّؤَالُ وَهُوَ مَا أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ بِلَالِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ فَقَالَ أَنَا وَقَرْنِي فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَلِلطَّيَالِسِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَفَعَهُ خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا مِنْهُمْ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ وَوَقَعَ فِي حَدِيث جعدة بن هُبَيْرَة عِنْد بن أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيِّ إِثْبَاتُ الْقَرْنِ الرَّابِعِ وَلَفْظُهُ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الْآخَرُونَ أَرْدَأُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ جَعْدَةَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ إِنَّ بعدهمْ قَوْمًا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِبَعْضِهِمْ قَوْمٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يكون من النَّاسِخ على طَريقَة من لايكتب الْأَلِفَ فِي الْمَنْصُوبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ إِنَّ تَقْرِيرِيَّةٌ بِمَعْنَى نَعَمْ وَفِيهِ بُعْدٌ وَتَكَلُّفٌ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَعْدِيلِ أَهْلِ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ مَنَازِلُهُمْ فِي الْفَضْلِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَالْأَكْثَرِيَّةِ فَقَدْ وُجِدَ فِيمَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْقَرْنَيْنِ مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ الْمَذْمُومَةُ لَكِنْ بِقِلَّةٍ بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَثُرَ فِيهِمْ وَاشْتُهِرَ وَفِيهِ بَيَانُ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ وَهُمْ مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ أَيْ يَكْثُرُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ قَالَهُ الْمَازَرِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَاقِي شَرْحُهُ فِي الشَّهَادَاتِ الْحَدِيثُ الثَّالِث حَدِيث بن مَسْعُودٍ فِي الْمَعْنَى وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ سَنَدًا وَمَتْنًا وَتَقَدَّمَ مِنْ شَرْحِهِ هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بالشهادات وَالله اعْلَم