فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: الأرواح جنود مجندة

( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ)

كَذَا ثَبَتَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بترجمة خلق آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُمْ رُكِّبُوا مِنَ الْأَجْسَامِ وَالْأَرْوَاحِ



[ قــ :3183 ... غــ :3336] .

     قَوْلُهُ  وقَال اللَّيْثُ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ إِلَخْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى مَعْنَى التَّشَاكُلِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ وَأَنَّ الْخَيِّرَ مِنَ النَّاسِ يَحِنُّ إِلَى شَكْلِهِ وَالشِّرِّيرَ نَظِيرُ ذَلِكَ يَمِيلُ إِلَى نَظِيرِهِ فَتَعَارُفُ الْأَرْوَاحِ يَقَعُ بِحَسَبِ الطِّبَاعِ الَّتِي جُبِلَتْ عَلَيْهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ فَإِذَا اتَّفَقَتْ تَعَارَفَتْ وَإِذَا اخْتَلَفَتْ تَنَاكَرَتْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ الْإِخْبَارُ عَنْ بَدْءِ الْخَلْقِ فِي حَالِ الْغَيْبِ عَلَى مَا جَاءَ أَنَّ الْأَرْوَاحَ خُلِقَتْ قَبْلَ الْأَجْسَامِ وَكَانَتْ تَلْتَقِي فَتَتَشَاءَمُ فَلَمَّا حَلَّتْ بِالْأَجْسَامِ تَعَارَفَتْ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَصَارَ تَعَارُفُهَا وَتَنَاكُرُهَا عَلَى مَا سَبَقَ مِنَ الْعَهْدِ الْمُتَقَدِّمِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْمُرَادُ أَنَّ الْأَرْوَاحَ أَوَّلُ مَا خُلِقَتْ خُلِقَتْ عَلَى قِسْمَيْنِ وَمَعْنَى تَقَابُلِهَا أَنَّ الْأَجْسَادَ الَّتِي فِيهَا الْأَرْوَاحُ إِذَا الْتَقَتْ فِي الدُّنْيَا ائْتَلَفَتْ أَوِ اخْتَلَفَتْ عَلَى حَسَبِ مَا خُلِقَتْ عَلَيْهِ الْأَرْوَاحُ فِي الدُّنْيَا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ بِالتَّعَارُفِ.

قُلْتُ وَلَا يُعَكر عَلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَنَافِرِينَ رُبَّمَا ائْتَلَفَا لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَبْدَإِ التَّلَاقِي فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ بِغَيْرِ سَبَبٍ.
وَأَمَّا فِي ثَانِي الْحَالِ فَيَكُونُ مُكْتَسَبًا لِتَجَدُّدِ وَصْفٍ يَقْتَضِي الْأُلْفَةَ بَعْدَ النُّفْرَةِ كَإِيمَانِ الْكَافِرِ وَإِحْسَانِ الْمُسِيءِ وَقَولُهُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ أَيْ أَجْنَاسٌ مُجَنَّسَةٌ أَوْ جُمُوعٌ مُجَمَّعَةٌ قَالَ بن الْجَوْزِيِّ وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ نُفْرَةً مِمَّنْ لَهُ فَضِيلَةٌ أَوْ صَلَاحٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْحَثَ عَنِ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ لِيَسْعَى فِي إِزَالَتِهِ حَتَّى يَتَخَلَّصَ مِنَ الْوَصْفِ الْمَذْمُومِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي عَكْسِهِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الْأَرْوَاحُ وَإِنِ اتَّفَقَتْ فِي كَوْنِهَا أَرْوَاحًا لَكِنَّهَا تَتَمَايَزُ بِأُمُورٍ مُخْتَلِفَةٍ تَتَنَوَّعُ بِهَا فَتَتَشَاكَلُ أَشْخَاصُ النَّوْعِ الْوَاحِدِ وَتَتَنَاسَبُ بِسَبَبِ مَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ مِنَ الْمَعْنَى الْخَاصِّ لِذَلِكَ النَّوْعِ لِلْمُنَاسَبَةِ وَلِذَلِكَ نُشَاهِدُ أَشْخَاصَ كُلِّ نَوْعٍ تَأْلَفُ نَوْعَهَا وَتَنْفِرُ مِنْ مُخَالِفِهَا ثُمَّ إِنَّا نَجِدُ بَعْضَ أَشْخَاصِ النَّوْعِ الْوَاحِدِ يَتَآلَفُ وَبَعْضُهَا يَتَنَافَرُ وَذَلِكَ بِحَسَبِ الْأُمُورِ الَّتِي يَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ وَالِانْفِرَادُ بِسَبَبِهَا .

     قَوْلُهُ  وقَال يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ هُوَ الْمِصْرِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ بِهَذَا يَعْنِي مِثْلَ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ بِهِ وَرُوِّينَاهُ مَوْصُولًا فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى وَفِيهِ قِصَّةٌ فِي أَوَّلِهِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ كَانَتِ امْرَأَةٌ مَزَّاحَةٌ بِمَكَّةَ فَنَزَلَتْ عَلَى امْرَأَةٍ مِثْلِهَا فِي الْمَدِينَةِ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ صَدَقَ حِبِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَرُوِّينَاهُ فِي فَوَائِدِ أَبِي بَكْرِ بْنِ زُنْبُورٍ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ أَيْضًا بِسَنَدِهِ الْأَوَّلِ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ بِمَعْنَاهَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَبُو صَالِحٍ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ هَذَا الْكِتَابِ وَلَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ فِي الْأُصُولِ وَإِنَّمَا يُخَرِّجُ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الِاسْتِشْهَادِ فَأَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ بِلَا إِسْنَادٍ فَصَارَ أَقْوَى مِمَّا لَوْ سَاقَهُ بِإِسْنَادٍ اه وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ النَّاظِرَ فِي كِتَابِهِ رُبَّمَا اعْتَقَدَ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ إِسْنَادًا آخَرَ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ سَاقَهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ عَلَى شَرْطِهِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.

قُلْتُ وَلِلْمَتْنِ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ