فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قسمة الإمام ما يقدم عليه، ويخبأ لمن لم يحضره أو غاب عنه

( قَولُهُ بَابُ مَنْ قَاتَلَ لِلْمَغْنَمِ هَلْ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أثْنَاء الْجِهَاد قَالَ بن الْمُنِيرِ أَرَادَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ قَصْدَ الْغَنِيمَةِ لَا يَكُونُ مُنَافِيًا لِلْأَجْرِ وَلَا مُنْقِصًا إِذَا قَصَدَ مَعَهُ إِعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ لِأَنَّ السَّبَبَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحَصْرَ وَلِهَذَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ الْوَاحِدُ بِأَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَلَوْ كَانَ قَصْدُ الْغَنِيمَةِ يُنَافِي قَصْدَ الْإِعْلَاءِ لَمَا جَاءَ الْجَوَابُ عَامًّا وَلَقَالَ مَثَلًا مَنْ قَاتَلَ لِلْمَغْنَمِ فَلَيْسَ هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

قُلْتُ وَمَا ادَّعَى أَنَّ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بُعْدٌ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ النَّقْصَ مِنَ الْأَجْرِ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ تَحْرِيرُ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الْجِهَادِ فَلَيْسَ مَنْ قَصَدَ إِعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ مَحْضًا فِي الْأَجْرِ مِثْلَ مَنْ ضَمَّ إِلَى هَذَا الْقَصْدِ قَصْدًا آخَرَ مِنْ غنيمَة أَو غَيرهَا.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ قَاتَلَ لِلْمَغْنَمِ يَعْنِي خَاصَّةً فَلَيْسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهَذَا لَا أَجْرَ لَهُ أَلْبَتَّةَ فَكَيْفَ يُتَرْجِمُ لَهُ بِنَقْصِ الْأَجْرِ وَجَوَابُهُ مَا قَدمته قَولُهُ بَابُ قِسْمَةِ الْإِمَامِ مَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ أَيْ مِنْ جِهَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ .

     قَوْلُهُ  وَيَخْبَأُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْهُ أَيْ فِي مَجْلِسِ الْقِسْمَةِ أَوْ غَابَ عَنْهُ أَيْ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْقِسْمَة قَالَ بن الْمُنِيرِ فِيهِ رَدٌّ لِمَا اشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الْهَدِيَّةَ لِمَنْ حَضَرَ.

قُلْتُ قَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي الْهِبَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ



[ قــ :2986 ... غــ :3127] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُرْسَلٌ وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ عَن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ وَهُوَ وَهْمٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي آخِرِهِ رَوَاهُ بن عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ أَيْ مِثْلَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى قَالَ.

     وَقَالَ  حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ عَنْ أَيُّوبَ عَن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ وَتَابَعَهُ اللَّيْثُ عَنِ بن أَبِي مُلَيْكَةَ فَاتَّفَقَ اثْنَانِ عَنْ أَيُّوبَ عَلَى إرْسَاله وَوَصله ثَالِث عَن أَيُّوب وَوَافَقَهُ آخر عَنْ شَيْخِهِمْ وَاعْتَمَدَ الْبُخَارِيُّ الْمَوْصُولَ لِحِفْظِ مَنْ وَصَلَهُ وَرِوَايَةُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ تَأْتِي مَوْصُولَةً فِي الْأَدَبِ وَرِوَايَةُ حَاتِمِ بْنِ وَرْدَانَ تَقَدَّمَتْ مَوْصُولَةً فِي الشَّهَادَاتِ وَرِوَايَةُ اللَّيْثِ تَقَدَّمَتْ مَوْصُولَةً فِي الْهِبَةِ وَسَيَأْتِي شَرْحُ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْغَرَضُ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْدِيَتْ لَهُ أَقْبِيَةٌ وَقَولُهُ فِيهِ خَبَّأْتُ لَكَ هَذَا وَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَا تَرْجَمَ لَهُ قَالَ بن بَطَّالٍ مَا أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَحَلَالٌ لَهُ أَخْذُهُ لِأَنَّهُ فَيْءٌ وَلَهُ أَنْ يَهَبَ مِنْهُ مَا شَاءَ وَيُؤْثِرَ بِهِ مَنْ شَاءَ كَالْفَيْءِ.
وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أُهْدِيَ إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَمِيرَهُمْ وَقَدْ مَضَى مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْهِبَة