فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل

( قَولُهُ بَابُ مَنْ بَدَأَ بِالْحِلَابِ أَوْ الطِّيبِ عِنْدَ الْغُسْلِ)
مُطَابَقَةُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ لِحَدِيثِ الْبَابِ أَشْكَلَ أَمْرُهَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ فَمِنْهُمْ مَنْ نَسَبَ الْبُخَارِيَّ فِيهَا إِلَى الْوَهْمِ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَ لَفْظَ الْحِلَابِ عَلَى غَيْرِ الْمَعْرُوفِ فِي الرِّوَايَةِ لِتَتَّجِهَ الْمُطَابَقَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ تَكَلَّفَ لَهَا تَوْجِيهًا مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ فَأَمَّا الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَأَوَّلُهُمُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ رَحِمَ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْلَمُ مِنَ الْغَلَطِ سَبَقَ إِلَى قَلْبِهِ أَنَّ الْحِلَابَ طِيبٌ وَأَيُّ مَعْنًى لِلطِّيبِ عِنْدَ الِاغْتِسَالِ قَبْلَ الْغُسْلِ وَإِنَّمَا الْحِلَابُ إِنَاءٌ وَهُوَ مَا يُحْلَبُ فِيهِ يُسَمَّى حِلَابًا وَمِحْلَبًا قَالَ وَفِي تَأَمُّلِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ ذَلِكَ حَيْثُ جَاءَ فِيهِ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ حِلَابٍ انْتَهَى وَهِيَ رِوَايَة بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ أَيْضًا.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ فِي شَرْحِ أَبِي دَاوُدَ الْحِلَابُ إِنَاءٌ يَسَعُ قَدْرَ حَلْبِ نَاقَةٍ قَالَ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ فِي الطَّهُورِ وَأَحْسَبُهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْمِحْلَبُ الَّذِي يُسْتَعْمَلُ فِي غَسْلِ الْأَيْدِي وَلَيْسَ الْحِلَابُ مِنَ الطِّيبِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَا فَسَّرْتُ لَكَ قَالَ.

     وَقَالَ  الشَّاعِرُ صَاحِ هَلْ رَيْتَ أَوْ سَمِعْتَ بِرَاعٍ رَدَّ فِي الضَّرْعِ مَا فَرَى فِي الْحِلَابِ وَتَبِعَ الْخطابِيّ بن قرقول فِي الْمطَالع وبن الْجَوْزِيِّ وَجَمَاعَةٌ.
وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَأَوَّلُهُمُ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ فِي التَّهْذِيبِ الْحِلَابُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ضَبَطَهُ جَمَاعَةٌ بِالْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ الْخَفِيفَةِ أَيْ مَا يُحْلَبُ فِيهِ كَالْمِحْلَبِ فَصَحَّفُوهُ وَإِنَّمَا هُوَ الْجُلَّابُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَهُوَ مَاءُ الْوَرْدِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ عَلَى الْأَزْهَرِيِّ هَذَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي الرِّوَايَةِ بِالْمُهْمَلَةِ وَالتَّخْفِيفِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَيْضًا قَالَ بن الْأَثِيرِ لِأَنَّ الطِّيبَ يُسْتَعْمَلُ بَعْدَ الْغُسْلِ أَلْيَقُ مِنْهُ قَبْلَهُ وَأَوْلَى لِأَنَّهُ إِذَا بَدَأَ بِهِ ثُمَّ اغْتَسَلَ أَذْهَبَهُ الْمَاءُ.

     وَقَالَ  الْحُمَيْدِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى غَرِيبِ الصَّحِيحَيْنِ ضَمَّ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ مَعَ حَدِيثِ الْفَرَقِ وَحَدِيثِ قَدْرِ الصَّاعِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُ تَأَوَّلَهَا عَلَى الْإِنَاءِ.
وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَرُبَّمَا ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّهُ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الطِّيبِ يَكُونُ قَبْلَ الْغُسْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي التَّرْجَمَةِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى فَجَعَلَ الْحُمَيْدِيُّ كَوْنَ الْبُخَارِيِّ أَرَادَ ذَلِكَ احْتِمَالًا أَيْ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ لَكِنْ لم يفصح بِهِ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ الْحِلَابُ وَالْمِحْلَبُ بِكَسْرِ الْمِيمِ إِنَاءٌ يَمْلَؤُهُ قَدْرَ حَلْبِ النَّاقَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَيْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَحْلَبُ الطِّيبِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ قَالَ وَتَرْجَمَةُ الْبُخَارِيِّ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْتَفَتَ إِلَى التَّأْوِيلَيْنِ قَالَ وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ فِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ الْجُلَّابُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ يُشِيرُ إِلَى مَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ قَدْ أَنْكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ عَلَى الْأَزْهَرِيِّ مَا قَالَهُ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الْحِلَابُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ لَا يَصِحُّ غَيْرُهَا وَقَدْ وَهِمَ مَنْ ظَنَّهُ مِنَ الطِّيبِ وَكَذَا مَنْ قَالَهُ بِضَمِّ الْجِيمِ انْتَهَى.
وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ فَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيّ لم يرد البُخَارِيّ بقوله الطّيب مَاله عرف طيب وَإِنَّمَا أَرَادَ تطيب الْبَدَنِ بِإِزَالَةِ مَا فِيهِ مِنْ وَسَخٍ وَدَرَنٍ وَنَجَاسَةٍ إِنْ كَانَتْ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِالْحِلَابِ الْإِنَاءَ الَّذِي يَغْتَسِلُ مِنْهُ يَبْدَأُ بِهِ فَيُوضَعُ فِيهِ مَاء الْغسْل قَالَ وأو فِي قَوْلِهِ أَوِ الطِّيبُ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَكَذَا ثَبَتَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحُمَيْدِيُّ وَمُحَصَّلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى إِعْدَادِ مَاءِ الْغُسْلِ ثُمَّ الشُّرُوعِ فِي التَّنْظِيفِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْغُسْلِ وَفِي الْحَدِيثِ الْبَدَاءَةُ بِشِقِّ الرَّأْسِ لِكَوْنِهِ أَكْثَرَ شَعَثًا مِنْ بَقِيَّةِ الْبَدَنِ مِنْ أَجْلِ الشَّعْرِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبُخَارِيُّ أَرَادَ الْإِشَارَةَ إِلَى مَا رُوِيَ عَنِ بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَغْسِلُ رَأْسَهُ بِخِطْمِيٍّ وَيَكْتَفِي بذلك فِي غسل الْجَنَابَة كَمَا أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا عَنْ عَائِشَةَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا مِمَّا يُنَقِّي الْبَدَنَ كَالسِّدْرِ وَغَيْرِهِ وَيُقَوِّي ذَلِكَ مَا فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ بِالْحِلَابِ أَوِ الطِّيبِ فَ.

     قَوْلُهُ  أَوْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطِّيبَ قَسِيمُ الْحِلَابِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَجَمِيعُ مَنِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ فَلِذَلِكَ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ وَالْمُرَادُ بِالْحِلَابِ عَلَى هَذَا الْمَاءِ الَّذِي فِي الْحِلَابِ فَأَطْلَقَ عَلَى الْحَالِّ اسْمَ الْمَحَلِّ مَجَازًا.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْحِلَابِ الْإِنَاءَ الَّذِي فِيهِ الطِّيبُ فَالْمَعْنَى بَدَأَ تَارَةً بِطَلَبِ ظَرْفِ الطِّيبِ وَتَارَةً بِطَلَبِ نَفْسِ الطِّيبِ فَدَلَّ حَدِيثُ الْبَابِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي انْتهى وَهُوَ مستمد من كَلَام بن بَطَّالٍ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ حِكَايَتِهِ لِكَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وَأَظُنُّ الْبُخَارِيَّ جَعَلَ الْحِلَابَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ ضَرْبًا مِنَ الطِّيبِ قَالَ فَإِنْ كَانَ ظَنَّ ذَلِكَ فَقَدْ وَهِمَ وَإِنَّمَا الْحِلَابُ الْإِنَاءُ الَّذِي كَانَ فِيهِ طِيبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ يَسْتَعْمِلُهُ عِنْدَ الْغُسْلِ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ عِنْدَ الْغُسْلِ تَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى كَلَامُهُ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ



[ قــ :254 ... غــ :258] قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ فَأَخَذَ بِكَفِّهِ أَيْ مِنَ الطِّيبِ الَّذِي فِي الْإِنَاءِ فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ أَيْ فَطَيَّبَهُ إِلَخْ وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الحَدِيث صفة التَّطَيُّب لَا الِاغْتِسَالِ وَهُوَ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ بِالنِّسْبَةِ لِظَاهِرِ لَفْظِ الرِّوَايَةِ الَّتِي سَاقَهَا الْبُخَارِيُّ لَكِنْ مَنْ تَأَمَّلَ طُرُقَ الْحَدِيثِ كَمَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَرَفَ أَنَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ لِلْغُسْلِ لَا لِلتَّطَيُّبِ فَرَوَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَكِّيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حَنْظَلَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَانَ يَغْتَسِلُ بِقَدَحٍ بَدَلَ قَوْلِهِ بِحِلَابٍ وَزَادَ فِيهِ كَانَ يَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَغْسِلُ وَجْهَهُ ثُمَّ يَقُولُ بِيَدِهِ ثَلَاثَ غُرَفٍ الْحَدِيثَ وَلِلْجَوْزَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ حَمْدَانَ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ اغْتَسَلَ فَأُتِيَ بِحِلَابٍ فَغَسَلَ شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنَ الْحَدِيثَ فَ.

     قَوْلُهُ  اغْتَسَلَ وَيَغْسِلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَاءُ الْمَاءِ لَا إِنَاءُ الطِّيبِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ بُنْدَارٍ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ بِلَفْظِ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ دُونَ الْحِلَابِ فَأَخَذَ بِكَفِّهِ فَبَدَأَ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ مَاءً فَأَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ فَلَوْلَا .

     قَوْلُهُ  مَاءٌ لَأَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى التَّطَيُّبِ قَبْلَ الْغُسْلِ لَكِنْ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ بِلَفْظِ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ حِلَابٍ فَيَأْخُذُ غُرْفَةً بِكَفَّيْهِ فَيَجْعَلُهَا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ كَذَلِكَ فَ.

     قَوْلُهُ  يَغْتَسِلُ وَقَولُهُ غُرْفَةٌ أَيْضًا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَاءُ الْمَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيِّ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى شِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ وَالتَّطَيُّبِ لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالصَّبِّ فَهَذَا كُلُّهُ يُبْعِدُ تَأْوِيلَ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى التَّطَيُّبِ وَرَأَيْتَ عَنْ بَعْضِهِمْ وَلَا أَحْفَظُهُ الْآنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطِّيبِ فِي التَّرْجَمَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُطَيِّبُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ قَالَ وَالْغُسْلُ مِنْ سُنَنِ الْإِحْرَامِ وَكَأَنَّ الطِّيبَ حَصَلَ عِنْدَ الْغُسْلِ فَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ هُنَا إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَمِرًّا مِنْ عَادَتِهِ انْتَهَى وَيُقَوِّيهِ تَبْوِيبُ الْبُخَارِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَبْعَةِ أَبْوَابٍ بَابُ مَنْ تَطَيَّبَ ثُمَّ اغْتَسَلَ وَبَقِيَ أَثَرُ الطِّيبِ ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا وَفِي رِوَايَةٍ بَعْدَهَا كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ أَيْ لَمَعَانِهِ فِي مَفْرِقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَهُ قُبَيْلَ هَذَا الْبَابِ ثُمَّ يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا فَاسْتُنْبِطَ الِاغْتِسَالُ بَعْدَ التَّطَيُّبِ مِنْ قَوْلِهَا ثُمَّ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ وَمِنْ لَازِمِهِ الِاغْتِسَالُ فَعُرِفَ أَنَّهُ اغْتَسَلَ بَعْدَ أَنْ تَطَيَّبَ وَبَقِيَ أَثَرُ الطِّيبِ بَعْدَ الْغُسْلِ لِكَثْرَتِهِ لِأَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الطِّيبَ وَيُكْثِرُ مِنْهُ فَعَلَى هَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  هُنَا مَنْ بَدَأَ بِالْحِلَابِ أَيْ بِإِنَاءِ الْمَاءِ الَّذِي لِلْغُسْلِ فَاسْتَدْعَى بِهِ لِأَجْلِ الْغُسْلِ أَوْ مَنْ بَدَأَ بِالطِّيبِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْغُسْلِ فَالتَّرْجَمَةُ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَدَلَّ حَدِيثُ الْبَابِ عَلَى مُدَاوَمَتِهِ عَلَى الْبَدَاءَةِ بِالْغُسْلِ.
وَأَمَّا التَّطَيُّبُ بَعْدَهُ فَمَعْرُوفٌ مِنْ شَأْنِهِ.
وَأَمَّا الْبَدَاءَةُ بِالطِّيبِ قَبْلَ الْغُسْلِ فَبِالْإِشَارَةِ إِلَى الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ عِنْدِي وَأَلْيَقُهَا بِتَصَرُّفَاتِ الْبُخَارِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَأَيُّ مَعْنًى لِلطِّيبِ عِنْدَ الْغُسْلِ مُعْتَرَضٌ وَكَذَا قَوْلُ بن الْأَثِيرِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِمَا مِمَّا تَقَدَّمَ مُؤَاخَذَاتٌ لَمْ نَتَعَرَّضْ لَهَا لِظُهُورِهَا وَاللَّهُ الْهَادِي لِلصَّوَابِ تَكْمِيلٌ أَبُو عَاصِمٍ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ هُوَ النَّبِيلُ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ أَكْثَرَ عَنْهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ لَكِنَّهُ نَزَلَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ فَأَدْخَلَ بَيْنَهُ وَبَينه وَاسِطَة وحَنْظَلَة هُوَ بن أبي سُفْيَان الجُمَحِي وَالقَاسِم هُوَ بن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَقَولُهُ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ أَيْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ كَمَا تَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَقَولُهُ دَعَا أَيْ طَلَبَ وَقَولُهُ نَحْوَ الْحِلَابِ أَيْ إِنَاءٍ قَرِيبٍ مِنَ الْإِنَاءِ الَّذِي يُسَمَّى الْحِلَابَ وَقَدْ وَصَفَهُ أَبُو عَاصِمٍ بِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ شِبْرٍ فِي شِبْرٍ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ وَأَشَارَ أَبُو عَاصِمٍ بِكَفَّيْهِ فَكَأَنَّهُ حَلَّقَ بِشِبْرَيْهِ يَصِفُ بِهِ دَوْرَهُ الْأَعْلَى وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ كَقَدْرِ كُوزٍ يَسَعُ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى أَيْضًا بِهَذَا الْإِسْنَاد بعد قَوْله الْأَيْسَر ثمَّ أَخذ بِكَفَّيْهِ فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ إِلَى الْغُرْفَةِ الثَّالِثَةِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ رِوَايَةُ أَبِي عَوَانَةَ وَقَولُهُ بِكَفِّهِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِكَفَّيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَقَولُهُ عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ كُلُّ مَوْضِعٍ صَلَحَ فِيهِ بَيْنَ فَهُوَ وَسْطٌ بِالسُّكُونِ وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ فَهُوَ بِالتَّحْرِيكِ وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الْبَدَاءَةِ بِالْمَيَامِنِ فِي التَّطَهُّرِ وَبِذَلِكَ ترْجم عَلَيْهِ بن خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِيهِ الِاجْتِزَاءُ بِالْغُسْلِ بِثَلَاثِ غُرُفَاتٍ وَترْجم على ذَلِك بن حِبَّانَ وَسَنَذْكُرُ الْكَلَامَ عَلَى قَوْلِهِ فَقَالَ بِهِمَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى