فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما قيل في العمرى والرقبى «

( قَولُهُ بَابُ مَا قِيلَ فِي الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى)
أَيْ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ ثَبَتَ لِلْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَةَ بَسْمَلَةٌ قَبْلَ الْبَابِ وَالْعُمْرَى بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ مَعَ الْقَصْرِ وَحُكِيَ ضَمُّ الْمِيمِ مَعَ ضَمِّ أَوَّلِهِ وَحُكِيَ فَتْحُ أَوَّلِهِ مَعَ السُّكُونِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَمْرِ وَالرُّقْبَى بِوَزْنِهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْمُرَاقَبَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَيُعْطِي الرَّجُلَ الدَّارَ وَيَقُولُ لَهُ أَعْمَرْتُكَ إِيَّاهَا أَيْ أَبَحْتُهَا لَكَ مُدَّةَ عُمُرِكَ فَقِيلَ لَهَا عُمْرَى لِذَلِكَ وَكَذَا قِيلَ لَهَا رُقْبَى لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَتَى يَمُوتُ الْآخَرُ لِتَرْجِعَ إِلَيْهِ وَكَذَا وَرَثَتُهُ فَيَقُومُونَ مقَامه فِي ذَلِك هَذَا أَصْلهَا لُغَة وَأما شَرْعًا فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَى إِذَا وَقَعَتْ كَانَتْ مِلْكًا لِلْآخِذِ وَلَا تَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ إِلَّا إِنْ صَرَّحَ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى صِحَّةِ الْعُمْرَى إِلَّا مَا حَكَاهُ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ وَالْمَاوَرْدِيُّ عَنْ دَاوُد وَطَائِفَة لَكِن بن حَزْمٍ قَالَ بِصِحَّتِهَا وَهُوَ شَيْخُ الظَّاهِرِيَّةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا إِلَى مَا يَتَوَجَّهُ التَّمْلِيكُ فَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ إِلَى الرَّقَبَةِ كَسَائِرِ الْهِبَاتِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُعَمَّرُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ نَفَذَ بِخِلَافِ الْوَاهِبِ وَقِيلَ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَهَلْ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الْعَارِيَّةِ أَوِ الْوَقْفِ رِوَايَتَانِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ التَّمْلِيكُ فِي الْعُمْرَى يَتَوَجَّهُ إِلَى الرَّقَبَةِ وَفِي الرُّقْبَى إِلَى الْمَنْفَعَةِ وَعَنْهُمْ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَعَمَرْتُهُ الدَّارَ فَهِيَ عُمْرَى جَعَلْتُهَا لَهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَصْلِهَا وَأَطْلَقَ الْجُعْلَ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّهَا تَصِيرُ مِلْكَ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَلَا يَرَى أَنَّهَا عَارِيَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي تَصْرِيحُهُ بِذَلِكَ فِي آخِرِ أَبْوَابِ الْهِبَةِ وَقَولُهُ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا جَعَلَكُمْ عُمَّارًا هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ وَعَلَيْهِ يُعْتَمَدُ كَثِيرًا.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ اسْتَعْمَرَكُمْ أَطَالَ أَعْمَارَكُمْ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَذِنَ لَكُمْ فِي عِمَارَتِهَا وَاسْتِخْرَاجِ قُوتِكُمْ مِنْهَا



[ قــ :2510 ... غــ :2625] .

     قَوْلُهُ  عَنْ يَحْيَى هُوَ بن أَبِي كَثِيرٍ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أخرجه مُسلم وَأَبُو سَلمَة هُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ .

     قَوْلُهُ  قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَى أَنَّهَا لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ هُوَ بِفَتْحِ أَنَّهَا أَيْ قَضَى بِأَنَّهَا وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ عُمْرَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ فَإِنَّهَا لِلَّذِي أُعْطِيَهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى الَّذِي أَعْطَاهَا لِأَنَّهُ أَعْطَى عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ هَذَا لَفْظُهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَهُ نَحوه من طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْهُ فَقَدْ قَطَعَ .

     قَوْلُهُ  حَقَّهُ فِيهَا وَهِيَ لِمَنْ أُعْمِرَ وَلِعَقِبِهِ وَلَمْ يَذْكُرِ التَّعْلِيلَ الَّذِي فِي آخِرِهِ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْهُ إِنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ فَأَمَّا الَّذِي قَالَ هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا قَالَ مَعْمَرٌ كَانَ الزُّهْرِيُّ يُفْتِي بِهِ وَلَمْ يَذْكُرِ التَّعْلِيلَ أَيْضا وَبَين من طَرِيق بن أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ التَّعْلِيلَ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي كِتَابِ الْمُدْرَجِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ جَعَلَ الْأَنْصَارُ يُعْمِرُونَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلَا تُفْسِدُوهَا فَإِنَّهُ مَنْ أُعْمِرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ فَيَجْتَمِعُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَلِعَقِبِهِ ثَانِيهَا أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ فَإِذَا مِتَّ رَجَعَتْ إِلَيَّ فَهَذِهِ عَارِيَّةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَإِذَا مَاتَ رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي أَعْطَى وَقَدْ بَيَّنَتْ هَذِهِ وَالَّتِي قَبْلَهَا رِوَايَةَ الزُّهْرِيِّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ لَا تَرْجِعُ إِلَى الْوَاهِبِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ شَرط فَاسد فلغي وَسَأَذْكُرُ الِاحْتِجَاجَ لِذَلِكَ آخِرَ الْبَابِ ثَالِثُهَا أَنْ يَقُولَ أَعْمَرْتُكَهَا وَيُطْلِقُ فَرِوَايَةُ أَبِي الزُّبَيْرِ هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْأَوَّلِ وَأَنَّهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى الْوَاهِبِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَالْجُمْهُورِ.

     وَقَالَ  فِي الْقَدِيمِ الْعَقْدُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ وَعَنْهُ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَقِيلَ الْقَدِيمُ عَنِ الشَّافِعِيِّ كَالْجَدِيدِ وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ أَنَّ قَتَادَةَ حَكَى أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ سَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي صُورَةَ الْإِطْلَاقِ فَذَكَرَ لَهُ قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِذَلِكَ قَالَ وَذَكَرَ لَهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ إِنَّمَا الْعُمْرَى أَيِ الْجَائِزَةُ إِذَا أُعْمِرَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَإِذَا لَمْ يَجْعَلْ عَقِبَهُ مِنْ بَعْدِهِ كَانَ لِلَّذِي يَجْعَلُ شَرْطَهُ قَالَ قَتَادَةُ وَاحْتَجَّ الزُّهْرِيُّ بِأَنَّ الْخُلَفَاءَ لَا يَقْضُونَ بِهَا فَقَالَ عَطَاءٌ قَضَى بِهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ





[ قــ :511 ... غــ :66] .

     قَوْلُهُ  عَنْ بَشِيرٍ بِالْمُعْجَمَةِ وزن عَظِيم بن نَهِيكٍ بِالنُّونِ وَزْنَ وَلَدِهِ .

     قَوْلُهُ  الْعُمْرَى جَائِزَةٌ فَهِمَ قَتَادَةُ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ مَا حَكَيْتُهُ عَنْهُ وَحَمَلَهُ الزُّهْرِيُّ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَاضِي وَإِطْلَاقُ الْجَوَازِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُ الْحِلِّ أَوِ الصِّحَّةِ.
وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى الْمَاضِي لِلَّذِي يُعَاطَاهَا وَهُوَ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَيْهِ قَتَادَةُ فَيَحْتَاجُ إِلَى قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لَا عُمْرَى فَمَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَهُوَ يَشْهَدُ لِمَا فَهِمَهُ قَتَادَةُ .

     قَوْلُهُ  وقَال عَطَاءٌ حَدَّثَنِي جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ نَحْوَهُ بَدَلَ مِثْلِهِ وَطَرِيقُ عَطَاءٍ مَوْصُولَةٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْهُ فَقَتَادَةُ هُوَ الْقَائِلُ.

     وَقَالَ  عَطَاءٌ وَوَهَمَ مَنْ جَعَلَهُ مُعَلَّقًا وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ أَبُو الْوَلِيدِ عَنْ هَمَّامٍ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِهِ بِالْإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا وَلَفْظُهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ يُقَوِّي رِوَايَةَ أَبِي ذَرٍّ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِلَفْظِ الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا تَنْبِيهٌ تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ بِالرُّقْبَى وَلَمْ يَذْكُرْ إِلَّا الْحَدِيثَيْنِ الْوَارِدَيْنِ فِي الْعُمْرَى وَكَأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُمَا مُتَّحِدَا الْمَعْنَى وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَمَنَعَ الرُّقْبَى مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَوَافَقَ أَبُو يُوسُفَ الْجُمْهُورَ وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى سَوَاءٌ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى.

قُلْتُ وَمَا الرُّقْبَى قَالَ يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ هِيَ لَكَ حَيَاتَكَ فَإِنْ فَعَلْتُمْ فَهُوَ جَائِزٌ هَكَذَا أَخْرَجَهُ مُرْسَلًا وَأخرجه من طَرِيق بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابت عَن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا لَا عُمْرَى وَلَا رُقْبَى فَمَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا أَوْ أَرْقَبَهُ فَهُوَ لَهُ حَيَاتَهُ وَمَمَاتَهُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لِكِنِ اخْتُلِفَ فِي سَمَاعِ حبيب لَهُ من بن عُمَرَ فَصَرَّحَ بِهِ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقٍ وَمَعْنَاهُ فِي طَرِيق أُخْرَى قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ اخْتَلَفُوا إِلَى مَاذَا يُوَجَّهُ النَّهْيُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْحُكْمِ وَقِيلَ يَتَوَجَّهُ إِلَى اللَّفْظِ الْجَاهِلِيِّ وَالْحُكْمِ الْمَنْسُوخِ وَقِيلَ النَّهْيُ إِنَّمَا يَمْنَعُ صِحَّةَ مَا يُفِيدُ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فَائِدَةً أَمَّا إِذَا كَانَ صِحَّةُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ضَرَرًا عَلَى مُرْتَكِبِهِ فَلَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ كَالطَّلَاقِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَصِحَّةُ الْعُمْرَى ضَرَرٌ عَلَى الْمُعْمِرِ فَإِنَّ مِلْكَهُ يَزُولُ بِغَيْرِ عِوَضٍ هَذَا كُلُّهُ إِذَا حُمِلَ النَّهْيُ عَلَى التَّحْرِيمِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوِ الْإِرْشَادِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذَلِكَ وَالْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ مَا ذُكِرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مِنْ بَيَانِ حُكْمِهِ وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  الْعُمْرَى جَائِزَةٌ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ بَعْضُ الْحُذَّاقِ إِجَازَةُ الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى بَعِيدٌ عَنْ قِيَاسِ الْأُصُولِ وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ مُقَدَّمٌ وَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِهِمَا لِلنَّهْيِ وَصِحَّتِهِمَا لِلْحَدِيثِ لَمْ يَبْعُدْ وَكَأَنَّ النَّهْيَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ حِفْظُ الْأَمْوَالِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ فِيهِمَا الْمَنْفَعَةَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ لَمْ يَنْهَ عَنْهُمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَا كَانَ مَقْصُودُ الْعَرَبِ بِهِمَا إِلَّا تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فَجَاءَ الشَّرْعُ بِمُرَاغَمَتِهِمْ فَصَحَّحَ الْعَقْدَ عَلَى نَعْتِ الْهِبَةِ الْمَحْمُودَةِ وَأَبْطَلَ الشَّرْطَ الْمُضَادَّ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ يُشْبِهُ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ وَشُبِّهَ بِالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ من طَرِيق أبي الزبير عَن بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ الْعُمْرَى لِمَنْ أَعْمَرَهَا وَالرُّقْبَى لِمَنْ أَرْقَبَهَا وَالْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ فَشرط الرُّجُوع الْمُقَارن للْعقد مثل الرُّجُوع الطاريء بَعْدَهُ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَ أَنْ يُبْقِيَهَا مُطْلَقًا أَوْ يُخْرِجَهَا مُطْلَقًا فَإِنْ أَخْرَجَهَا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ بَطَلَ الشَّرْطُ وَصَحَّ الْعَقْدُ مُرَاغَمَةً لَهُ وَهُوَ نَحْوُ إِبْطَالِ شَرْطِ الْوَلَاءِ لِمَنْ بَاعَ عَبْدًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ