فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: الرهن مركوب ومحلوب

( قَولُهُ بَابُ الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ)
هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ الْحَاكِمُ لَمْ يُخَرِّجَاهُ لِأَنَّ سُفْيَانَ وَغَيْرَهُ وَقَفُوهُ عَلَى الْأَعْمَشِ انْتَهَى وَقَدْ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ عَلَى الْأَعْمَشِ وَغَيْرِهِ وَرَجَّحَ الْمَوْقُوفَ وَبِهِ جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ مُسَاوٍ لِحَدِيثِ الْبَابِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ زِيَادَةٌ قَوْله.

     وَقَالَ  مُغيرَة أَي بن مِقْسَمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَيِ النَّخَعِيِّ تُرْكَبُ الضَّالَّةُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا وَتُحْلَبُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِقَدْرِ عَمَلِهَا وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ هُشَيْمٍ عَنْ مُغِيرَةَ بِهِ .

     قَوْلُهُ  وَالرَّهْنُ مِثْلُهُ أَيْ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَلَفْظُهُ الدَّابَّةُ إِذَا كَانَتْ مَرْهُونَةً تُرْكَبُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا وَإِذَا كَانَ لَهَا لَبَنٌ يُشْرَبُ مِنْهُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فِي جَامِعِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا وَلَفْظُهُ إِذَا ارْتَهَنَ شَاةً شَرِبَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ لَبَنِهَا بِقَدْرِ ثَمَنِ عَلَفِهَا فَإِنِ اسْتَفْضَلَ مِنَ اللَّبَنِ بَعْدَ ثَمَنِ الْعَلَفِ فَهُوَ رَبًّا



[ قــ :2403 ... غــ :2511] قَوْله حَدثنَا زَكَرِيَّا هُوَ بن أَبِي زَائِدَةَ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَامِرٍ هُوَ الشَّعْبِيُّ وَلِأَحْمَدَ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ زَكَرِيَّا حَدَّثَنِي عَامِرٌ وَلَيْسَ لِلشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَآخَرَ فِي تَفْسِيرِ الزُّمَرِ وَعَلَّقَ لَهُ ثَالِثًا فِي النِّكَاحِ .

     قَوْلُهُ  الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ كَذَا لِلْجَمِيعِ بِضَمِّ أَوَّلِ يُرْكَبُ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَكَذَلِكَ يُشْرَبُ وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ لَكِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ الْمَأْمُورُ وَالْمُرَادُ بِالرَّهْنِ الْمَرْهُونُ وَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ حَيْثُ قَالَ الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا .

     قَوْلُهُ  الدَّرِّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الدَّارَّةِ أَيْ ذَاتِ الضَّرْعِ وَقَولُهُ لَبَنُ الدَّرِّ هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَحَبَّ الحصيد قَوْله فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ أَيْ كَائِنًا مَنْ كَانَ هَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِالرَّهْنِ إِذَا قَامَ بِمَصْلَحَتِهِ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَالِكُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَطَائِفَةٌ قَالُوا يَنْتَفِعُ الْمُرْتَهِنُ مِنَ الرَّهْنِ بِالرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِغَيْرِهِمَا لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا دَعْوَى الْإِجْمَالِ فِيهِ فَقَدْ دَلَّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى إِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِنْفَاقِ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ مُجْمَلًا لَكِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ انْتِفَاعَ الرَّاهِنِ بِالْمَرْهُونِ لِكَوْنِهِ مَالِكَ رَقَبَتِهِ لَا لِكَوْنِهِ مُنْفِقًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَنْتَفِعُ مِنَ الْمَرْهُونِ بِشَيْءٍ وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ لِكَوْنِهِ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا التَّجْوِيزُ لِغَيْرِ الْمَالِكِ أَنْ يَرْكَبَ وَيَشْرَبَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَالثَّانِي تَضْمِينُهُ ذَلِكَ بِالنَّفَقَةِ لَا بِالْقِيمَةِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يَرُدُّهُ أُصُولٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَآثَارٌ ثَابِتَةٌ لَا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّتِهَا وَيَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ حَدِيثُ بن عُمَرَ الْمَاضِي فِي أَبْوَابِ الْمَظَالِمِ لَا تُحْلَبُ مَاشِيَةُ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ انْتَهَى.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ رَهَنَ ذَاتَ دَرٍّ وَظَهْرٍ لَمْ يَمْنَعِ الرَّاهِنَ مِنْ دَرِّهَا وَظَهْرِهَا فَهِيَ مَحْلُوبَةٌ وَمَرْكُوبَةٌ لَهُ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الرَّهْنِ وَاعْتَرَضَهُ الطَّحَاوِيُّ بِمَا رَوَاهُ هُشَيْمٌ عَنْ زَكَرِيَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَفْظُهُ إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ مَرْهُونَةً فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَفُهَا الْحَدِيثَ قَالَ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُرْتَهِنُ لَا الرَّاهِنُ ثُمَّ أَجَابَ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنه كَانَ قبل تَحْرِيم الرِّبَا فِيمَا حَرَّمَ الرِّبَا حَرَّمَ أَشْكَالَهُ مِنْ بَيْعِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَقَرْضِ كُلِّ مَنْفَعَةٍ تَجُرُّ رِبًا قَالَ فَارْتَفَعَ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا مَا أُبِيحَ فِي هَذَا لِلْمُرْتَهِنِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَالتَّارِيخُ فِي هَذَا مُتَعَذَّرٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيث مُمكن وَطَرِيق هشيم الْمَذْكُور زعم بن حَزْمٍ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ سَالِمٍ الصَّائِغَ تَفَرَّدَ عَنْ هُشَيْمٍ بِالزِّيَادَةِ وَأَنَّهَا مِنْ تَخْلِيطِهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَحْمَدَ رَوَاهَا فِي مُسْنَدِهِ عَنْ هُشَيْمٍ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ هُشَيْمٍ وَقَدْ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى مَا إِذَا امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَرْهُونِ فَيُبَاحُ حِينَئِذٍ لِلْمُرْتَهِنِ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْحَيَوَانِ حِفْظًا لِحَيَاتِهِ وَلِإِبْقَاءِ الْمَالِيَّةِ فِيهِ وَجُعِلَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ نَفَقَتِهِ الِانْتِفَاعُ بِالرُّكُوبِ أَوْ بِشُرْبِ اللَّبَنِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ قَدْرُ ذَلِكَ أَوْ قِيمَتُهُ عَلَى قَدْرِ عَلَفِهِ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلِ الظَّفَرِ وَقِيلَ إِنَّ الْحِكْمَةَ فِي الْعُدُولِ عَنِ اللَّبَنِ إِلَى الدَّرِّ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ إِذَا حَلَبَ جَازَ لَهُ لِأَنَّ الدَّرَّ يُنْتَجُ مِنَ الْعَيْنِ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ اللَّبَنُ فِي إِنَاءٍ مَثَلًا وَرَهَنَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا أَصْلًا كَذَا قَالَ وَاحْتَجَّ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُغْنِي بِأَنَّ نَفَقَةَ الْحَيَوَانِ وَاجِبَةٌ وَلِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقٌّ وَقَدْ أَمْكَنَ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ مِنْ نَمَاءِ الرَّهْنِ وَالنِّيَابَةِ عَنِ الْمَالِكِ فِيمَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَاسْتِيفَاءُ ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعِهِ فَجَازَ ذَلِكَ كَمَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَخْذُ مؤنتها مِنْ مَالِ زَوْجِهَا عِنْدَ امْتِنَاعِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَالنِّيَابَةُ عَنْهُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَاللَّهُ أعلم